*
بحيرات المد الشاطئية الاكثر انتشارا على السواحل العمانية
*
كلمة " خور " من الكلمات العربية التي دخلت قاموس المصطلحات الجيوموفولوجية
في العدد الخامس من مجلة نزوى وضعنا تصنيفا جيومورفولوجيا للاشكال الارضية الساحلية بين مسقط ورأس الحد. في ذلك الجزء من التصنيف تم تناول الجروف الصخرية والشواطيء الرملية والحصوية المنتشرة على طول هذا الخط الساحلي. في هذا المقال سيتم تناول جانب اخر للاشكال الارضية الساحلية يتمثل في الاخوار والظاهرات الجيومورفولوجية والطبيعة التي عادة تكون مصاحبة لها مثل السبخات الساحلية واشجار القرم (Mangroves).
كلمة خور (Khawr) من الكلمات العربية التي دخلت قاموس المصطلحات الجيومورفولوجية. ويقصد بها جميع البحيرات الساحلية المالحة والقليلة الملوحة. وتشمل كلا من البحيرات الشاطئية (Lagoons) وبحيرات المد الشاطئية (Tidal inlets) وتشمل كذلك الخلجان المحميــة (Empayments). وتأتي أهمية دراسة الأخوار من منطلق أن الأخوار والظاهرات المصاحبة لها تمثل نظاما بيئيا تعيش فيه وعلى جوانبه الكثير من الكائنات الحية. كما أن هذا النظام البيئي يمثل مناطق جذب سياحي للكثير من الناس ومجالا خصبا للكثير من الباحثين. وفي السنوات الأخيرة ازداد الاستخدام البشري لهذه الأخوار مما شكل تهديدا لبينتها، الأمر الذي يحتم دراستها دراسة متعمقة لتلاشي أي خلل بيئي قد يحدث مستقبلا لنظمها البيئية الحساسة.
تنتشر الأخوار بشكل كبير على طول الساحل العماني بدءا من رؤوس الجبال (مسندم) في الشمال مرورا بساحل الباطنة وسواحل المنطقة الشرقية والوسطى وانتهاء بسواحل محافظة ظفار في الجنوب، والجدير بالذكر أن معظم هذه الأخوار تكونت عند مصبات الأودية الكبيرة، وهي إما أن تكون مفصولة عن البحر بواسطة حواجز رملية أو حصوية رسبتها الأودية وأعادت تشكيلها الأمواج البناءة، وفي هذه الحالة تسمى الأخوار بحيرات شاطئية (Lagoons). ويكون مصدر مياه هذا النوع من الأخوار مياه البحر التي تتسرب من أسفل وكذلك مياه المد العالي بالاضافة الى المياه العذبة التي تأتي بها الأودية. وفي كثير من الأحيان خاصة في فترات العواصف الرعدية التي يهيج فيها البحر والتي تنزل على أثرها الأودية، كثيرا ما تزال تلك الحواجز الرملية والحصوية مما يجعل الاتصال مباشرا بين البحر وهذه البحيرات الشاطئية. لكن بعد توقف العواصف الرعدية سرعان ما يعود الحال الى ما كان عليه سابقا.
أما اذا كان الخور مرتبطا بالبحر عن طريق قناة مفتوحة بشكل دائم فانه في هذه الحالة يسمى بحيرة مد شاطئية (Tidal inlets) والجدير بالذكر أن بحيرات المد الشاطئية هي الأكثر شيوعا على طول الساحل العماني. وتحف بمعظم هذا النوع من الأخوار غابات من أشجـار الـقرم (Mangroves) التي تأوي اليها الكثير من الكائنات الحية البحرية. مثال على هذا النوع من الأخوار هو خور القرم الذي يمتد بين فندق الخليج ووزارة الخارجية في مسقط والذي تشغل جانبا كبيرا منه حديقة القرم الطبيعية. هذا الخور يمثل الطرف الجنوبي الشرقي لسهل الباطنة الساحلي الذي يتميز بكونه ساحلا رمليا مستويا ومنخفضا وينتهي هذا الساحل عند رأس الحمراء ليبدأ الساحل الصخري المتعرج والشديد التضرس الذي تنتشر فيه الأ خوار الواردة في هذه الدراسة. و الأخوار التي توجد في هذه المنطقة الساحلية الصخرية تختلف في أشكالها أو أحجامها وطريقة تكوينها أيضا. وحسب الترتيب من الشمال الغربي الى الشرق هذه الأخوار هي: 1- بندر الخيران، 2- خور الخوير 3- خور قريات 4- خور الشاب 5-خور الرصاغ 6- خور البطح 7- خور جراما 8- خور الحجر.
الخصائص الطبيعية العامة:
إذا أردنا تصنيف هذه الأخوار حسب النوع فإننا سنجد أن كلا من خور الشاب وخور الرصاغ من فئة البحيرات الشاطئية (Lagoons) بينما بقية الأخوار من فئة بحيرات المد الساحلية (Tidal inlets).
أما تصنيفها من حيث الحجم فإن كلا من خور جراما وخور الحجر وخور البطح هي أكبر هذه الأخوار، حيث تمثل خلجانا محمية تستخدمها المئات من سفن الصيد، وتحتمي فيها من العواصف الرعدية وهيجان البحر.
و الجدير بالذكر أن جميع هذه الأخوار عبارة عن منخفضات أرضية ملأتها مياه البحر المختلطة بمياه الأودية في أحيان كثيرة. هذه المنخفضات الأرضية أما إنها تكونت بفعل عوامل تكتونية أو بفعل الأودية التي عمقت مجاريها في فترات الانحسار البحري ثم غزتها مياه البحر في فترة المد البحري الذي أعقب العصر الجليدي الأخير منذ 15 ألف سنة مضت تقريبا. من جهة أخرى فان نسبة الملوحة في هذه الأخوار تعتمد بشكل كبير على كمية المياه التي تأتي بها الأودية وكمية المياه الجوفية التي تغذي هذه الأخوار. كنا تعتمد درجة ملوحة المياه في هذه الأخوار على كمية فترات هيجان البحر الذي يؤدي الى توغل المياه المالحة داخل هذه البحيرات وبالتالي زيادة ملوحة مياهها. كما أن للتيارات البحرية دورا كبيرا في تحديد درجة ملوحة مياه هذه الأخوار. لهذه الأسباب نجد أن درجة ملوحة المياه تختلف من خور الى آخر، كما تختلف فصليا أو بدون انتظام داخل الخور الواحد.
أما من حيث وجود أشجار القرم (Mangroves) في هذه الأخوار فإننا نجد أن أشجار القرم توجد في جميع أخوار هذه المنطقة ما عدا خور الشاب وخور الرصاغ وخور الحجر. ويعود عدم وجود أشجار القرم في هذه الأخوار الثلاثة الى الخصائص الطبيعية لهذه الأخوار والتي لا تسمح بنمو هذا النوع من الأ شجار، وباختصار فإن من أهم الخصائص البيئية لنمو أشجار القرم:
1- وجود ارسابات طينية طميية (Silt) تمثل الأرضية التي تنمو عليها هذه الأشجار.
2 – التقاء مياه عذبة مع مياه البحر المالحة في منطقة ضحلة ومحمية. ولعدم توافر هذه العوامل في الأخوار الثلاثة فإن أشجار القرم لا تنمو فيها.
بعد هذا الشرح الموجز للخصائص الطبيعية العامة لبيئة الأخوار فإننا سنتناول بايجاز الخصائص الطبيعية لكل خور.
أولا: الأخوار من فئة البحيرات الشاطئية (Lagoons).
1- خور الشاب:
بحيرة شاطئية عذبة تكونت عند مصب وادي الشاب بالقرب من طيوي. هذا الوادي هو أحد الأودية المدعية الموجودة في المنطقة، وقد كون خانقا عميقا تحف به الجروف الصخرية بارتفاعات شاهقة تتجاوز المئة متر. والبحيرة الساحلية التي تكونت في نهاية هذا الوادي قليلة الملوحة كونها تتغذى بالمياه العذبة من الوادي الذي يعتبر جريانه شبه دائم، ل الوقت الذي لا يصل اليها إلا قدر محدود من مياه البحر، حيث أنها محجوزة عن البحر بحاجز كبير من الحصى والرمل. ولذا فإن الأ شجار الموجودة على جانبي البحيرة (الخور لم هي أشجار النخيل والأشجار التي تنمو في بطون الأودية. أما أشجار القرم في هذا الخور فلا وجود لها.
2- خور الرصاغ:
بحيرة شاطئية قليلة الملوحة نسبيا تقع عند مصب وادي الخليج في صور وفي منطقة ساحلية رملية منخفضة. في السابق كان هناك حاجز رملي يفصل الخور عن البحر وكان ذلك الحاجز كثيرا ما يزال خاصة في فترات الأمواج العالية. وكانت مياه البحر تتسرب الى الخور من أسفل خاصة بعد تراجع منسوب المياه الجوفية في بلاد صور. ونتيجة لتوغل مياه البحر في الخور وتأثر أبار المياه الجوفية في بلاد صور بمياه البحر أقامت الحكومة سد حماية من الأمواج على هذا الخور يمنع دخول مياه البحر المالحة خاصة أثناء فترات المد العالي وذلك تجنبا لزيادة ملوحة المياه الجوفية في سهل صور الزراعي. أما الأشجار التي تنمو في هذا الخور وعلى جوانبه فهي من النوع الذي ينمو في بطون الأودية مثل الغاف والأثل. أما أشجار القرم فلا وجود لها. وتأوي والى هذا الخور أنواع عديدة من الطيور.
ثانيا: الأخوار من فئة بحيرات المد الساحلي (Tidal inlets)
1- خور البطح:
يتوسط مدينة صور القديمة التي نمت على ضفافه والتي تدين له بشهرتها البحرية وازدهارها التجاري في السابق. والخور عبارة عن خليج صغير محمي يربطه بالبحر قناة مد مفتوحة بشكل دائم. وتبلغ المساحة الكلية للخور حوالي خمسة كيلومترات مربعة تقريبا (5كم2). الجانب الشرقي لهذا الخور صخري نشأت عليه أحد أحياء صور القديمة وهو حي العيجة. أما الجانب الغربي من الخور فهو رملي منخفض تحف به التلال الصخرية. وقد تركزت على امتداد هذا الجانب النشاطات الاقتصادية للمدينة ونشأ على جانبه الحي الرئيسي من مدينة صور القديمة والمعروف باسم (ام قرينتين) نسبة الى وجود شجرتي قرم. أما الطرف الجنوبي للخور فهو عبارة عن مصبات لبعض الأودية التي تنحدر من التلال المجاورة مكر وادي شأنه ووادي سكيكرة. وتنمو في هذا الجانب أشجار القرم الصغيرة وتحيط به من هذا الجانب السبخات.
2- خور جراما:
يقع الى الجانب الغربي من رأس الحد وهو أحد أكبر الأخوار في عمان اذ تغطي ساحته أكثر من اثني عشر كيلومترا مربعا (12 كم2). وهو بحيرة شبه مغلقة تتصل بالبحر بواسطة قناة متعرجة تمر من خلال ممر صخري ضيق (خانق) الحواف الصخرية تحيط بهذا الخور من الناحية الشمالية خاصة عند الممر الصخري الضيق. تتوسط الخور صخرتان تمثلان جزيرتين صغيرتين ترتفع كل واحدة منها 40 مترا فوق مستوى سطح البحر. الجزء الجنوبي من الخور يغطيه شاطيء رملي لكن الجزء الأكبر تغطيه سبخة كبيرة مكونة من الطين والطمي. وتوجد أشجار القرم في الطرف الجنوبي الشرقي للخور ويعرف هذا الجزء محليا باسم صير القرم. بينما تتواجد أشجار الراك والقليل من أشجار القرم في الجانب الغربي والذي يعرف محليا باسم صير الراك.
3- خور الحجر:
يقع هذا الخور في رأس الحد وهو عبارة عن بحيرة تبلغ ساحتها 3 كيلومترات مربعة. حواف هذا الخور صخرية في بعض الأجزاء ورملية في أجزاء أخرى. ترتاد هذا الخور مئات من سفن الصيد لتحتمي فيه ويعتمد عليه سكان رأس الحد في حياتهم اليومية. ونتيجة للطبيعة الصخرية لهذا الخور وعدم وجود أودية تصب فيا فإن أشجار القرم لا توجد فيا وكذلك لا تحف به سبخات ساحلية.
4- خور خوير:
بحيرة المد الساحلي هذه تقع الى الجنوب من سهل قريات الساحلي في منتصف المسافة بين قريات وضباب. يقع الخور في مصب وادي حاور (Hawir) الذي قطع مجراه في حافة جبلية بعمق يزيد على 100متر وبالتالي فإن الخور يقع بين حافتين جبليتين ترتفعان من 50 الى 100 متر فوق سطح البحر. يصل طول الخور الى 1000 متر وتوجد فيه أشجار القرم التي يصل ارتفاعها الى 10 أمتار. ومياه الخور تحتوي على العديد من الأسماك الصغيرة.
5- خور قريات:
يقع هذا الخور في سهل قريات الساحلي حيث يصب هناك العديد من الأودية أشهرها وادي ضيقة ووادي مجلاص ووادي قحمة. الخور عبارة عن قناتي مد تتوغلان في اليابسة مخترقة الكثبان الرملية الساحلية. هاتان القناتان مفتوحتان على البحر بشكل دائم. يحيط بهذا الخور حقل من الكثبان الرملية الساحلية، كما تمتد على جوانبه مجموعات من أشجار القرم. وهناك مساحات شاسعة من السبخات تغطي جوانبه الأطراف الداخلية للخور والتي كانت مياه الخور تغطيها في السابق قبل أن تنحسر عنها.
6- بندر الخيران:
سمي كذلك لكثرة الخلجان الصغيرة المتداخلة فيه. هذه الخلجان الصغيرة محمية بجروف صخرية. كما تتوزع في مجموعة الخيران هذه أربع جزر صخرية تزيد من حماية هذه الخلجان. والأخوار التي في بندر الخيران ليست من فئة بحيرات المد الساحلية بالمفهوم الذي سبق ذكره، انما هي أحواض تكتونية النشأة غمرتها مياه البحر. في الجزء الجنوبي من الخيران تنتشر أشجار القرم الكثيفة، كما توجد في هذا الجانب الشواطيء الرملية الجميلة
والسبخات الساحلية. والجدير بالذكر أن في هذه الأخوار تعيش أنواع عديدة من الطيور وأنواع عديدة من السلاحف أيضا. أما الحياة البحرية في هذه الأخوار فهي متنوعة ويصعب حصرها.
خاتمة:
تمثل بيئة الأخوار أحد أوجه التراث الطبيعي. فللاخوار والظاهرات البيئية المصاحبة لها قيمة اقتصادية وسياحية وجمالية كبيرة اذا ما استغلت استغلالا أمثل. ونوجز هذه القيمة فيما يلي:
1- تتخذ الكثير من الكائنات الحية من بيئة الأخوار ملجأ لها ومكانا آمنا تتكاثر فيه.
2- تشكل الأخوار مكانا أمثل لتكاثر أنواع عديدة من الأسماك وذلك لما تحويا بيئة الأخوار من أعشاب بحرية ذات قيمة غذائية كبيرة للأسماك في فترة نموها.
3- في السابق كانت هذه الأخوار مصدرا أساسيا للملح حيث كانت تنتشر على جوانبها الملاحات التي لا تزال آثارها باقية حتى الآن كما هو الحال في خور قريات.
4- تشكل هذه الأخوار مناطق جذب سياحي بما تحويه من شواطيء رملية جميلة وغابات من أشجار القرم وبما تحويه من طيور متنوعة تلجأ اليها. واذا ما أقيمت في هذه الأخوار بعض التسهيلات فإنها ستتحول الى مزارات سياحية ذات قيمة جمالية كبيرة.
سالم بن مبارك الحتروشي (كاتب من سلطنة عمان)