عندما انتصر الأوروبيون البيض الذين لم يسموا بعد بـ "الأمريكيين " على أبناء القارة الجديدة من الهنود الحمر وحصلت التصفيات والمجازر، ذهب حكيم الهنود "تاهيرا ساوجي" قبل 100 عام الى الكونجرس "ليحتج " على المأساة التي حلت بشعبه وما عانى من جرائم قتل وسرقة أرض.
وكان رجال الكونجرس مستعدين لملاقاته ومحاججته في الدفاع عن موقفهم القاضي بالقرل أنهم "رسل حضارة انسانية جديدة »، جاءوا من أوروبا يحملون أعلامهم على رؤوس الحراب.
ولكن تاهيرا ساوجي تحدث عن معنى القداسة والهوية والفن والحياة اليومية لدى قبائل الهنود مؤكدا أنه إذا كان قد انهزم عسكريا أمام الجيش الأوروبي فذلك لا يعنيانه دحض في قناعاته وفي فهمه للعالم. وأنه على العكس من ذلك حصار يؤكد خصوصية حضارته وهويته من خلال علاقة ناسه بممارسات يومية بسيطة كالتدخين والغناء والرسم على الوجوه.. الخ من ملامح حضارة عريقة لها فهمها الخاص للعالم.
هذه مقاطع مما يعرف بالنشيد الهندي الأحمر الأخير الذي أعاد كتابته ونشره الشاعر الأورجوائي ارنستو كاردينال والذي كان قسا ووزيرا للثقافة في الحكومة الساندينية.
إنها صورة النضال في عصر الهيمنة لثقافة بزي موحد. إنها الدفاع عن خصوصيات وملامح وظلال تشكل الهوية الأعمق للشعوب… الشعوب التي تعبر مرحلة الهزائم الكبرى… ومن بينها شعبنا العربي اليوم.
إننا إذا لم ننجح في تأكيد هويتنا ولم نجد تاهيرا ساوجي عربيا يرسم الملامح الأعمق للوجود الحضاري العربي ويدفع بها في وجه الزي الموحد الجامح عبر القارات اليوم فلن يبقى لنا إلا أن نكون الأثاث الفولكلوري والسياحي الايكزوتيكي "المثير للغرابة " الذي يستهوي أفواج السياح الغربيين عندها يتجولون عبر القارات لقضاء وقت الفراغ.
ذهب تاهيرا ساوجي الى واشنطن في عام 1898
" ليتحدث فقط عن الدين"
(كما قال ذلك بنفسه الى الحكومة الامريكية)
ليصون الصلوات فقط.
لم تدهشه قبة الكابيتول
أما مكتبة الكونجرس فلم تكن سيئة
لكنها لا يمكن أن تستخدم لحفظ الأشياء المقدسة
التي لم يعد بامكانه الاحتفاظ بها في بيته الطيني
(الذي ينهار الآن)
وعندما طلب منه أمام المبنى في واشنطن
اذا كان يفضل الصعود بالمصعد الكهربائي
أو على السلم، أجاب:
" لن أصعد، يكدس الرجال البيض الأحجار
ليصعدوا عليها، أما أنا فلن أصعد.
لقد صعدت الجبال التي صنعتها يدا تيراوا".
ثم تكلم تاهيرا ساوجي وهو في وزارة الخارجية
الأمريكية:
[إن منزل تيراوا هو السماء الزرقاء الدائرية
(لا نحب أن تكون هناك غيوم بيننا
وبين تيراوا)
أول شيء يجب أن نفعله
هو أن نختار مكانا مقدسا نسكن فيه
مكانا حرما لتيراوا، حيث يستطيع
الانسان أن يمثل فيه بصمت وتأمل
بيتنا الدائري الذي هو العش
(عش حيث فتجمح ونحرس الصغار)
في وسطه النار التي توحدنا في عائلة واحدة.
وله باب يدخل منه كل من يجيء
ومنه تمر الرؤيا.
أزرق هو لون منزل تيراوا
ونحن نخلط التراب الأزرق بماء النهر
لأن النهر يمثل الحياة التي تجري
دون توقف عبر الأجيال.
الجرة الملونة بالأزرق هي قوس السماء
ونحن نلون سنابل الذرة، لأنها سلطة
الأرض.
سلطة تأتيها من الأعالي، من تيراوا
ولهذا نحن نلون السنبلة بألوان تيراوا.
ثم نهب تيراوا دخان التبغ
قبل لم نكن ندخن للمتعة
انما فقط للصلاة
الرجال البيض أشاعوا بين الناس
كيف يدنسون التبغ
في الطرقات نحيي كل الأشياء
بأغانينا.
لأن تيراوا موجود في كل شيء إننا نحيي
الأنهار
في البعد تبدو الأنهار كخيط من الأشجار
ونحن نغني هذه الأشجار
وفي القرب عندما نرى خيط الماء، ونسمع
ضجته،
نغني الماء الذي يجري في الضجة.
ونغني الجواميس، لكن ليس في الحقول
إن أغانينا للجواميس نؤديها في بيوتنا
حيث لا توجد الجواميس
ونغني اطبال التي صنعتها يدا تيراوا
فوق هذه الجبال، نصعد وحيدين
نذهب لنصلي
منها نرى أن الأعداء تجيء
أو أن يجيء الأصدقاء الجبال طيبة للرجال
ولهذا نحن نغنيها
ونحن نغني الهضاب لكننا نغنيها في بيوتنا،
لأننا لم نر الهضاب
تلك الجبال المسطحة في القمم
قيل لنا أن آباءنا كانوا يرون
هضابا كثيرة
ونحن نتذكر ما كانوا راوه هناك في البعيد البعيد
من أسفارهم.
ونحن نغني الفجر عندما ينهض
من الشرق وتتجدد كل حياة
(هنا أمر غامض جدا وأنا أكلمكم
عن شيء مقدس جدا)
نحن نغي نجمة الصباح
النجمة مل الانسان هي الأخرى مطلية بالأحمر
لون الحياة
ونغني الحيوانات تستفيق
وتخرج من ملاجئها حيث نامت
تخرج الظبية أولا ثم الشادن صغيرها.
ونغني عندما تدخل الشمس
من باب البيت
عندما تصل الى باحة الدار في الوسط
ونغني عصرا حيث لا شمس في الدار
وقد أدركت حافة الجبل الذي بدا
كالجدار في بيت عظيم
تعيش في داخله الشعوب.
ونغني الليل عندما تأتي الرؤى
لأن الرؤى تزورنا أسهل في الليل.
وهي تسافر أرحب حيث تنام الأرض تقترب من البيت
تتوقف عند الباب
ثم تدخل الى البيت وتغمره
إن لم يكن حقا أن هذه الأحلام قد منحت لنا.
لكنا هجرنا الأغاني
منا زمن طويل
ونغني الليل عندما تبزغ نجوم الثريا
النجيمات السبح معا على الدوام
تهدي من أضاع قريته في البعد
(كما تعلم الرجال كيف يصطفون معا)
إن تيراوا هو أب لكل رؤانا
هو من يجعل قبيلتنا تتواصل عبر الأبناء.
بالماء الأزرق نرسم شارة تيراوا
(قوسا في قلبه خط مستقيم نازل)
محلى وجه الطفل
القوس على الجبهة وعلى الخدين
والخط المستقيم فوق الأنف
القوس هو الانحناء الأزرق الذي يعيش
فيه تيراوا
والخط المستقيم هو نفسه الذي يسقط
ليمنحنا الحياة
يمثل وجه الطفل الجيل الجديد
وماء النهر ما تطفح به الأجيال القادمة
التراب الأزرق الذي نخلطه هو سماء
تيراوا
(وهكذا يكون الرسم وجها لتيراوا)
ثم نجعل الطفل يرى الى ماء الأنهار
الطفل الذي يرى ذلك يرى صورته
وكأنه رأى في صورته أبناءه
وأحفاد أبنائه
لكنه يرى أيضا الوجه الأزرق لتيراوا
مرسوما في وجه
وعلى الأجيال القادمة.
بيتا – لقد قلت لكم ذلك – له شكل عش
ولو صعدتم الى أعلى جبل ورأيتم
حولكم
سترون أن السماء تحيط بالأرض
وان الأرض دائرية ولها شكل عش
لكي تعيش فيها كل القبائل موحدة
عندما تأتي الرياح ربما تمزق
عش النسر،
ولكن عش الصفارية (طار أصغر
صغير)
لا تفعل فيه سوي أن تهدهده
ولن يصاب بأي ضرر.]
أنهى تاهيرا ساوجي كلامه
وكما أظن، بالنسبة لوزارة الخارجية
الامريكية
أنه لم يقل شيئا.
تاهيرا ساوجي أوالنشيد الهندي الأحمر
أو النشيد الهندي الأحمر
شعر:ارنستو كاردينال
ترجمة :شوقي عبدالأمير(شاعر ومترجم من العراق)