كان عليّ أن أنتبه جيداً، إلى مقاييس حجم المكتبة التي أنوي تفصيلها، بما يتناسب مع ارتفاع وعرض الباب الخارجي للمنزل المستأجر، وذلك لإدخالها لاحقاً بلا رضوض. نصحني النجّار بخشب الزان معتبراً إياه أفضل أنواع الخشب. مكتبة بسبعة رفوف وارتفاعات مختلفة تتقاطع بأشكال هندسية، وفقاً لحجوم الكتب المقترحة. كنت أصنّف الكتب تبعاً لأجناسها بترتيب أنيق، لكن هذا الوضع لم يستمر طويلاً، خصوصاً بعد تراكم المجلات الدورية ذات الأحجام المتنافرة، بالإضافة إلى مجلدات الكتب التراثية، وكتب الشعر بحجم كف اليد. بالنسبة لي كقارئ يتلمّس دربه للقراءة بلا بوصلة، آتياً من حدود الصحراء إلى دمشق، كنت نهماً لقراءات مختلفة لترميم ما ينقصني من عناوين كتب تتلاطم في رأسي، حتى لو كانت بعض هذه الكتب عسيرة الهضم، من تلك التي كان يتداول عناوينها مثقفو السبعينيات والثمانينات باطمئنان بين رشفة كأس جعة وسحبة غليون. لن أنسى تلك اللحظة الحرجة، حين توجه أحدهم نحوي قائلاً “في كتاب “ما العمل؟” للينين، كما تعلم…”. لم أكن قد قرأت كتاباً واحداً للينين، ولا أعلم ماذا يحتوي ذلك الكتاب اللعين. هززت رأسي برصانة بمعنى “أجل”. في اليوم التالي توجهت نحو “مكتبة ميسلون” المتخصصة بالكتب الماركسية، وابتعت أعمال لينين بمجلداتها الزرقاء الداكنة، ودمغة “دار التقدّم” الموسكوفية تزيّن أغلفتها. كوّمتها فوق السرير وغرقت بفهارسها المضجرة، في بحثٍ محموم عن مخبأ “ما العمل؟” أولاً. كان هذا الكتاب بمثابة وصفة شاملة للمنظمات الثورية في العالم، لكنني كنتُ في مقام آخر. لم أستسغ فكرة الانضباط الحزبي يوماً، عدا تلك المصطلحات الجاهزة التي تشبه ابتلاع حساء المرضى، لكنني على أي حال، حجزتُ رفّاً في المكتبة لتلك المجلدّات كهوية صريحة لانتمائي الماركسي الصلب، ولأن مكتبتي خضعت لارتحالات قسريّة، من بيت مستأجر إلى آخر، فقد أهديت تلك المجلدات لأحدهم في إحدى نوبات “التعزيل”، من دون ندم، كما سأتخلّص لاحقاً من مجلدات “الأغاني” لأبي فرج الأصفهاني، بنصف ثمنها، لأسباب تتعلق بالإفلاس هذه المرّة. من قبوٍ بسقفٍ واطئ، إلى ملحق صغير في بناية قديمة، ارتحلت كتبي بكراتين ثقيلة، أرهقت كتف عامل النقل بصعوده السلالم العالية، لكنني لم أتمكّن من إدخال المكتبة لضيق الباب، فاضطررت أن أهديها إلى سائق الشاحنة مؤقتاً، ثم تجاهلت الاتصال به، بعد مرور ثلاثة أشهر، كما وعدته، ريثما انتقلُ إلى بيتٍ آخر. في كل عملية انتقال من بيتٍ مستأجر إلى بيتٍ آخر، كنت أقوم بـ”تعزيل” الكتب الفائضة عن حاجتي، أو استبدالها بكتبٍ أخرى مع بائعي كتب الأرصفة، بعد إلغاء صفحة الإهداء، خشية أن يقع الكتاب بيد صاحبه. هكذا ارتحلتْ مكتبتي خمس رحلات قسرية، وفي كل مرّة أتخلّص من بعض عناوينها بلا مغفرة، فهناك كتب لن أعود إليها مجدّداً، أو هكذا كنت أظنُّ حينها. كانت حمّى اقتناء الكتب تشتدُّ خلال أيام معرض دمشق الدولي للكتاب، حتى أننّا شكلّنا ورشة للسطو على الكتب الثمينة كنوع من العمل الثوري. لم أكن ماهراً في هذا الشأن، بالمقارنة مع الآخرين، أولئك الذين كانوا يرتدون معاطف فضفاضة، ويحملون حقائب على الكتف، لنصب الفخاخ للكتب الدسمة بطرقٍ مبتكرة، مهما كانت حجومها أو صعوبة اختلاسها، مثل” مسخ الكائنات”، و” فن الهوى” لأوفيد، أو أعمال شكسبير بترجمة جبرا إبراهيم جبرا حصراً، أو أعمال تشيخوف، أو “النبي المسلّح” لتروتسكي، وقس على ذلك. سيحصل استنفار آخر، خلال زيارة صديق ما، خوفاً من عملية سطو على مكتبتك الشخصيّة، أثناء إعداد الشاي في المطبخ. شخصياً استعملت خاتماً خاصاً، على هيئة طائر محلّق، أدمغ به كتبي عند صفحة محدّدة (أظنّ أنها الصفحة 21، طبقاً لسنوات عمري حينذاك)، للتأكد من أن هذه النسخة من الكتاب تخصّني، في حال فقدته، ووجدتُ نسخة مشابهة منه، في مكتبة أحد الأصدقاء المشكوك بأمرهم. بالطبع هاجرت معظم مقتنياتي الاولى من الكتب، إلى عناوين مجهولة، سواء كإعارة، أو كسطوعلى يد أصدقاء، أو بسبب الإهمال. لا أعلم ماذا فعل سائق شاحنة النقل بمكتبتي اليوم، لكنني لم أمتلك مكتبة حقيقية عداها، إذ تتوزّع كتبي بين أماكن متعددة في البيت، في صندوق كنبة، أو أريكة طويلة، أو رفّ خزانة للثياب، أو فوق طاولة الكتابة، داخل صندوق سرير، فوق كرسي مهمل، في المطبخ، بين طبقات سلال الثوم والبصل والبطاطا، وفوق خزانة الأحذية. الكتاب الذي احتاجه الآن، بالكاد أجده، وغالباً، ما أضطر إلى شراء نسخة جديدة منه، أو إنني أقع عليه منزوياً، في مكانٍ ما، خلال إحدى نوبات البحث عن كتابٍ آخر. أغبط أولئك الذين يلتقطون الصور أمام رفوف الكتب المرتّبة في مكتباتهم، على طول حائطٍ كامل، بصحبة شهادات تقدير وجوائز بإطارات مذهّبة، وصورة شخصيّة للمؤلف إلى جانب صورة لنجيب محفوظ، أو تشيخوف، أو ماركيز، وأتساءل بجديّة عن جدوى كل هذه الرفوف من المجلدات الضخمة التي تخصّ تراث الأسلاف، وهل يحتاجها المرء فعلاً في عمله اليوم، بعد أن باتت متوفرة في مواقع إلكترونية متخصّصة؟ وهل كل ما اقتنيناه من كتب، ينبغي الحفاظ عليها، أليس هناك شيخوخة للمكتبة. الشيخوخة لا تعني الحكمة على الدوام بالطبع. سأجازف أكثر بأن أدعو إلى فكرة “اللامكتبة”، وبإسراف نقدي أكبر، تعزيز فكرة “ضدّ المكتبة”، كنوعٍ من تهجين الفوضى، فهناك مكتبة مُختزَلة تتجوّل في الرأس، ذهاباً وإياباً، بعبارة مؤثرة، أو شخصية في رواية، أو فكرة فلسفية، أو صورة شعرية، ستلح علينا، تبعاً لقوة تأثيرها، أو حاجتنا الآنية إليها، وهذا ما يتطلب العودة إلى كتاب ما من أجلها، والتفتيش عن مكانه بين الرفوف المتراصّة ككتيبة جنود. مهلاً، لن نجد هذا الكتاب بسهولة، للقبض على تلك الجملة اللعينة، فلنفتش عنه إذاً، في نسخة إلكترونية، وتالياً اصطياد الجملة المطلوبة، دون عناء، في دكان “جوجل” المفتوح ليلاً نهاراً، مثل صيدلية مناوبة لمقاومة كل أنواع الصداع والأرق وشهوة القراءة، وإذا لكل قارئ خرائطه الخاصة في رسم تضاريس التلقي، وحراثة النصوص، على نحوٍ مختلف عن سواه. هناك استثناءات بالطبع، تستدعي قراءة بعض الكتب مرّة أخرى، بشغفٍ الدهشة الأولى، كتب بمثابة الأسمدة التي تقوم على تحسين نوعية التربة، ومشتل القراءة. كتب تشبه البيت الواحد من قصيدة طللية، عابرة للأزمنة، كتب توضع إلى جانب السرير كتميمة لحراسة الأرواح من العطب. فكرة “اللامكتبة” إذاً، تعني في المقام الأول، إلغاء الشكل الفلكلوري للمكتبة، وإطاحة عناوين تسللت عنوةً إلى الواجهة بقوة دفع إيديولوجية طوراً، وسطوة أسماء مرموقة تارةً، أكثر منها حاجة روحية أو معرفية. هناك أيضاً، كارثة الكتب التي تصلنا كإهداءات بلاغية مفزعة لفرط سطوتها الشعرية، من كَتَبة هواة خصوصاً، هؤلاء الذين يطاردون المحررين الأدبيين في الصحف والمجلات وصناديق البريد وطاولات المقاهي بأعمالهم البلهاء غالباً. كتّاب أتوا الكتابة من دون عدّة لحراثة الكلمات وشحذها بشفرات البلاغة، أتوا بوهم الموهبة وشجاعة الجهل، وأخطاء النحو والإملاء، أولئك الذين أثنى معلمو اللغة العربية عليهم يوماً، بعلامة مرحى، بعد كتابة موضوع إنشاء عن عيد الشجرة، أو عن نزهة ريفية. علينا ألا ننسى أيضاً، الكتب التي تحمل تواقيع جنرالات سابقين بأوسمة ونوط شجاعة، لم يخوضوا حرباً واحدة، لكنهم مصرّون على كتابة مذكراتهم وأعمالهم البطولية في ميادين المعارك. كما ينبغي إطاحة الكتب التي تحتوي مقدمات نقّاد منافقين تمتدح عبقرية شاعرات وروائيات خصوصاً، كتبن خيباتهن بخيال ركيك ووقائع مضجرة. ولكن ماذا بخصوص حالات الجذام التي غزت شبكة الأنترنت بوصفها شعراً، ورأى أصحابها أنها تستحق الطباعة ورقياً، كضربٍ من تعميم البلاهة، ألا ينبغي تنظيف المكتبة من هذه الطحالب والبثور ووحيدات الخلية؟
إن التقاط الشذرات العرجاء من المواقع الإلكترونية كدليل على المخزون المعرفي لصاحبها لا يصنع قارئاً أصيلاً، إذا لم يكن قارئاً نهماً في الأصل. أن تضع عبارة لفيلسوف مثل نيتشه على حائطك الافتراضي، لا يعني أنك تمتلك ثقل شاربيه في التشاؤم والعدمية. وأن تختزل “دون كيخوته” في فكرة محاربة طواحين الهواء، وفقاً لأقوال سطحيّة متداولة، يتطلب أن تعرف عن كثب كاتباً عبقرياً اسمه الكامل: ميغيل دي سرفانتس. ما تحتاجه مكتبة اليوم هو “الإمتاع والمؤانسة” على غرار ما كان يكتبه أبو حيّان التوحيدي، قبل أن يحرق كتبه بنفسه، وهو في التسعين.
كان خورخي لويس بورخيس قد قال مرّة” أنا الذي تخيّلت دوماً الجنّة على شكل مكتبة”، أظنّ، من دون تنظيف هذه المكتبة من الأعشاب الضّارة، ستكون نوعاً من الجحيم.
2
فيما كنت غارقاً بفكرة هدم المكتبة، وضرورة إعادة إعمارها بعناوين نوعيّة فقط، قرأت تقريراً مثيراً، نشرته وكالة الصحافة الفرنسية، عن عامل نظافة كولومبي تمكّن من تأسيس مكتبة تضم مجموعة ضخمة من أشهر الروايات وكتابات المشاهير حول العالم. كان خوسيه ألبرتو غوتيريز (54 عاماً) يعمل سائقاً لشاحنة تجمع القمامة، وفي ساعات الفجر الباردة في العاصمة الكولومبية، تمكّن من جمع الآلاف من الكتب محوّلا بيته إلى مكتبة عامة مجانية.
في عام 1997 تغيّرت حياة “سيّد الكتب” كما بات يعرف هذا الرجل، بعد اكتشافه أن الناس يلقون عدداً كبيراً من الكتب في المهملات.
أول الكتب التي عثر عليها كان “آنا كارنينا” للكاتب الروسي ليو تولستوي (1828-1910)، وقد عثر عليه في خزانة مع العشرات من الكتب الأخرى. وهكذا بدأ بجمع الكتب من روايات وقصص وشعر وكتب تعليمية، وتخزينها في منزله في حي مويفا غلوريا جنوب بوغوتا.
بمرور السنوات، أصبح بيته مليئاً بالكتب من “الإلياذة” لهوميروس إلى “الأمير الصغير” لأكزوبري، بالإضافة إلى روايات مواطنه غابرييل غارسيا ماركيز.
هكذا حوّل خوسيه مع زوجته وأولادهما الثلاثة الطابق الأول من منزلهم، أي ما مساحته 90 مترًا مربعًا، إلى مكتبة عامة، وأطلقوا عليها اسم “قوة الكلمات”. لاقت هذه المبادرة نجاحاً، فاق كل التوقعات، حتى أن عدداً من الأشخاص بمن فيهم أجانب تطوعوا للعمل فيها. ويقول خوسيه “ربما هي المكتبة الأولى في العالم التي تقدّم الكتب مجاناً لمن يأتون لاستعارتها”.
قبل نجاح المكتبة، كانت زوجة خوسيه تعمل في الخياطة، لكنها الآن تركت عملها وأصبحت تهتم بترميم الكتب ذات الحالة السيئة. وقد ذاعت شهرة مكتبة “قوة الكلمات” في كل أرجاء القارة الأميركية، وصار خوسيه يتلقى دعوات لمعارض الكتب الرئيسية مثل معرض سانتياغو في تشيلي، أو معرض مونتيري في المكسيك. وجعله ذلك يتلقى التبرعات، فلم يعد المصدر الأساس للكتب هو النفايات.
بالنسبة لعمال النظافة في بلادنا، على الأرجح، في حال وجد أحدهم رواية “آنا كارنينا” في القمامة، سيختار لحادثة انتحار آنّا كارنينا على سكّة القطار موتاً آخر بتراجيديا أكثر عنفاً، وذلك ببيع الكتاب بالكيلو لمطعم فلافل، أو عربة لبيع الذرة، أو إحالته إلى جهة أمنيّة، تنفيذاً لتعليمات صارمة بتسليم أية أوراق يجدونها في النفايات، فربما تحتوي على منشورات خطيرة، إذ نادراً ما تنجو أوراق ما من التلف مباشرة.
هناك حادثة استثنائية في هذا المجال، جرت في دمشق القرن الثامن عشر، فقد أراد الشيخ محمد سعيد القاسمي أن يبتاع شيئاً من عطّار، فوضع العطّار ما باعه في ورقة مكتوبة، ولما عاد الشيخ إلى بيته، فتح الورقة وقرأ ما فيها، فأدرك أنها جزء من مخطوطة تاريخية، فعاد على الفور إلى دكّان العطار، وحصل على بقية الكرّاسة، حتى اجتمعت له مخطوطة شهاب الدين أحمد البديري الحلّاق، وهي اليوم من أهم الوثائق النفيسة عن تاريخ دمشق الشفاهي في القرن الثامن عشر وتحمل عنوان” حوادث دمشق اليوميّة”.
ليست المكتبة إذاً، بحجمها، إنما في نوعية محتوياتها، فنحن نحتاج إلى الكتب التي تقوم بتغيير مصائرنا، وفقاً لما يقوله جيمس بالدوين، أو كما يقول كافكا” على المرء ألا يقرأ إلا تلك الكتب التي تعضه وتوخزه. إذا كان الكتاب الذي نقرأه لا يوقظنا بخبطة على جمجمتنا فلماذا نقرأ إذن؟ على الكتاب أن يكون كالفأس التي تُهشِّم البحر المتجمّد فينا”.
عندما غادر محمود درويش بيروت إثر الغزو الإسرائيلي لها(1982) نحو منفى آخر، اضطر أن يتخلّى عن مكتبته. احتفظ بكتابين فقط: “ديوان المتنبي”، و”الأناشيد الكنعانية”.
3
هناك كتب أقرب ما تكون إلى ذبيحة لغوية بأحشاء مكشوفة ورائحة عطنة، تدعوك إلى النفور من محتوياتها، ورائحة أفكارها، بمجرد تصفحها على عجل، وكتبُ تجذبك إليها من السطر الأول. يذكر غابرييل غارسيا ماركيز أنه استعار من أحد أصدقائه كتاباً لفرانز كافكا، وحين بدأ بقراءة “المسخ” أُصيب بالذهول والدهشة. كان السطر الأول من الرواية يبدأ على النحو التالي” استيقظ غريغور سامسا صباح ذلك اليوم من كوابيسه، ووجد نفسه وقد تحوّل إلى حشرة ضخمة”. يعلّق ماركيز” لم أنم بعدها أبدًا بسكينتي السابقة. لقد حدّد الكتاب اتجاهًا جديدًا لحياتي منذ السطر الأول”. هذا الدرس سيحفظه ماركيز جيّداً، فهو كان يعتبر أن السطر الأول، إن لم يكن صحيحاً، فإن كل ما يليه سيكون بلا فائدة، لذلك كان يصرف سنةً كاملة على كتابة الفصل الأول من الرواية، وما أن ينتهي منه فإنه ينجز ما تبقّى من الكتاب بسرعة قياسية. تقطير الجملة الأولى وكثافتها مغناطيس للجاذبية والشغف لدى المتلقي. شاعر مثل محمود درويش لا يتردّد بالقول في وصف شعرية المتنبي ” كل ما أردت أن أقوله قاله هو في نصف بيت: على قلقٍ كأن الريح تحتي”، ويضيف مؤكداً” لأن المتنبي أعظم شاعر في تاريخ اللغة العربية، وهو كما يبدو لي تلخيص لكل الشعر العربي الذي سبقه، وتأسيس لكل ما لحقه”. ما نحتاجه إذاً، تلخيص المكتبة بما يوازي تلخيص المتنبي في الشعر، تشذيب الرفوف من الأوزان الثقيلة للورق، وهباء الحبر، وجفاف المخيّلة. ورغم هول كلمة “مذبحة” إلا أن المكتبة تحتاجها بين فترةٍ وأخرى، كنوع من الاصطفاء الطبيعي الضروري للكتب التي تتكئ على عكاز الأكاذيب وفقر الدم وضباع الموهبة. الكتب التي تعلن عن ركاكتها من نظرة خاطفة إلى الفهرس، أو إلى الإهداء، أو السيرة الذاتية لصاحبها. بريق السطر الأول وضعني في ورطة قراءة هذا الكتاب أو ذاك. الإصغاء إلى رنين الجملة الأولى، يضعك في اختبار الصعود إلى حافلة الكلمات بثقةٍ، أو إلغاء الرحلة.
……………….
* مقاطع من كتاب قيد الإنجاز بعنوان “ضد المكتبة”
خليل صويلح