زهير الذوّادي
باحث تونسي
هناك علامة لا تفارق كل كتابة أو مواقف جان جيني (1910 – 1986) وهي الّتي تتضمّن تحديده للخصم الّذي اختار أن يصارعه. ومهما اختلف نوع الكتابة الّتي أنتجها جان جيني وشكلها، فهي تبدو –دائما– وكأنّها كتابة صادمية أو كتابة متمرّدة ضد السلطة والتسلّط وضد الثقافة والممارسات الّتي تفرزها كل منهما. ولا يركب جيني في معركته الدائمة تلك جواد الحريّة في الرأي والمعتقد (وإن كان يرفع رايتها أحيانا) بل يضع نفسه في مكان المدافع الأصيل عن الحق والحقيقة في آن.
لقد أثار الموقع الّذي تخيّره جان جيني في كتابته ومواقفه موجات نقد وتفاعل تتنقل من سوء الفهم إلى الاستنكار مرورا بالحيرة (البريئة) أحيانا وبالتشهير (غير البريء) أحيانا أخرى. وقد كان الموقع الّذي اختاره جان جيني منطلقا من نظرته الخاصّة للحياة والمجتمع.
I- تجربة حياتيّة قاسية وكتابة صادمة
يمكن أن نختزل مسيرة جان جيني الأدبيّة والفكريّة فيما واجهه من قساوة طوال حياته الشخصيّة منذ ولادته (لقيط نشأ في ملاجئ اللقطاء، لم يكمل دراسته بسبب انحرافاته وجرائمه الّتي قادته مرارا إلى السجن مبكرا…). فاختار الكتابة الروائيّة والمسرحيّة والصحافة كوسيلة لتصفية حساباته مع المجتمع القاسي. وإن هيمن ذلك المنطلق الذهني/ الفكري/ الأيديولوجي على أغلب كتابات جان جيني، فإنّ تجلياته تظهر بكثافة في حوارات وكتابات صاحب «يوميّات سارق» الصحفيّة الّتي صدرت سنة 1991 تحت عنوان صارخ: «العدو المعلن»(1). وتضمّن هذا الكتاب النصوص والخطب والحوارات الّتي أنجزها جيني فيما بين 1964 و1985 والّتي اتّسمت بطابعها السياسي المهيمن وكرّست تجذّر ميولاته التمرّديّة الدائمة في وجه نزعات الهيمنة والتسلّط في الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة على الصعيد الوطني (فرنسا) وبين الدول والأمم على الصعيد العالمي مثلما أكّد على ذلك إدموند وايت في كتابه الضخم حول سيرة الكاتب(2). فقد كرّس جان جيني تمرّده عبر النشر في مجلات غير محمودة السمعة ومتهمة بالإباحيّة(3) أو بمناهضة صريحة للسياسة الفرنسيّة في مجال تاريخها الاستعماري أو سياستها إزاء المهاجرين العرب والأفارقة في المجتمع الفرنسي، أو في دبلوماسيتها إزاء قضايا التحرّر الوطني والسلم العالمي. وقد أضاف جان جيني إلى قائمة «شذوذه» المدني مساندته للحركات الاحتجاجيّة للسود الأمريكيين وخاصّة منهم تيار «البلاك بانتر بارتي» منددا بشراسة باعتقال كلّ من جورج جاكسون وأنجيلا دافيس معلنا أنّه أصبح ناطقا رسميّا لهما(4) لأنّه –مثلهما– عرف السجن الّذي كان مدرسته الحقيقية في الحياة مثلما كان ذلك بالنسبة للشاعر الفرنسي آرتور رامبو الّذي جعل منه جان جيني نموذجا لمسيرته الشخصيّة والشعريّة.
وقد ذهبت ناتالي فريديت، إلى اعتبار أنّ الدوافع الكامنة وراء مواقف جيني المدافعة عن حريّة قادة حركات الاحتجاج ضدّ العنصريّة والاستعمار والحيف الاجتماعي في العالم ليست متعلّقة بالدفاع عن حريّة الرأي بل من باب احترامه للجرأة الّتي تقود الناس إلى ربط القول بالفعل في رفض التهميش والإقصاء والاضطهاد، معتبرا ذلك اختزالا صريحا للرجولة ولإنسانيّة الإنسان عبر الرفض بالقبول بوضعيّته كضحيّة(5)، وهو، في ذلك، يكرّس موقفا فلسفيّا وجوديّا قريبا من رأي ألبير كامو في كتابه «الإنسان المتمرّد».
فعندما ساند جان جيني كل مقاومي القهر العنصري (في الولايات المتّحدة وأفريقيا الجنوبيّة) والاجتماعي (المهاجرين العرب والأفارقة في أوروبا وفرنسا) والقومي (في فلسطين المحتلّة) فهو يثمّن وعي التمرّد في ربط القول بالفعل في كل مواقفها.
وإلى جانب روح التمرّد على ظلم الظروف الحياتيّة نمت في نفسيته منذ ولادته وإلقائه في أحد ملاجئ الأيتام من قِبل أم لم تترك له سوى لقب والده (المجهول المصير!!)، فقد عرف جان جيني قساوة الدنيا في المدرسة والشارع والسجن. وكان السجن مدرسة انحراف وميدان اكتشاف مواصفات خاصّة للرجولة الّتي تجمع بين نزعة مقاومة جبروت الشرطة والسجانين والإدارة واعتداءات المساجين الأنذال. ذلك هوالفهم الّذي أجمع عليه –تقريبا- أغلب النقاد لرواية «كيرال دوبراست» (1953)(6) والّتي صبغت مضامينها الممجدة للعنف والشذوذ الجنسي (بين الذكور في السجن) سمعة جان جيني على مدى السنين.
اختزل بعض النقاد مضامين كتابة جيني حول روح الفتوة وحماسته الرجوليّة في مقاومة التجبّر في الجانب الجنسي وذلك بهدف تبخيس دوافع تضامنه مع جهود المناضلين الزنوج ضد الميز العنصري وثوار الجزائر المقاومين للاستعمار الفرنسي ونضال الفدائيين الفلسطينيين ضدّ الصهيونيّة وحلفائها في لبنان وهوما شكّل المحور المركزي في كتابات جان جيني السياسيّة.
فقد واجه جان جيني خلال السنوات الستين أزمة فكريّة عميقة ارتبطت بالحاجة لديه في وضع أفق عقائدي لمختلف مواقفه السياسيّة والأدبيّة، وذلك ما لم يفهمه خصومه ونقاده المتزمتون. فالمسألة الحيويّة الّتي اشتغل عليها جان جيني خلال تلك الفترة، هي مسألة تحديد مفهوم خاص للالتزام في مستوى الكتابة والممارسة الشخصيّة حيث اعتبر أنّ على الأديب أن يتبنّى مفهوم الالتزام وأن يجعل ذلك المفهوم مقبولا من لدن القراء والمثقفين. ذلك هو المنعرج الّذي اتّبعه جان جيني خلال السنوات الستين من القرن العشرين وهو منعرج سارتري المنحى جعله يعيد النظر في مشروعه الأدبي الخاص بهدف الخوض في المجال السياسي، باعتبار أنّ الانخراط السياسي في الشأن العام يفتح آفاقا أوسع للتأثير على المجتمع وتغييره حيث إنّه اقتنع من خلال تجربته أنّ الواقع لا يتغيّر بالسرد والإبداع الجمالي بل بالالتزام في العمل الميداني الحقيقي والانتقال من «الحركات الزائفة» إلى «الأسلحة الحقيقيّة» ومن «الحركات الجوفاء» إلى «الأعمال الصلبة»(7).
وعلى أساس تلك المراجعات الفكريّة والأدبيّة، تسرّب شك إلى جان جيني حول جدوى كتابته الروائيّة والمسرحية وذلك لضعف قدرتها على التأثير على أحوال الواقع الإنساني. في ظلّ تلك الأزمة «الوجوديّة» والتساؤل عن مغازي الكتابة (السرديّة والأدبيّة خصوصا) جمع جان جيني مقالاته وكتاباته السياسيّة ونشرها في كتاب «العدو المعلن» ليكون علامة قطيعة في حياته وفي تجربته الابداعيّة وقناعاته «الأيديولوجيّة» مثلما بيّنت ذلك نتالي فريديت الّتي أكّدت أنّ «الأعمال الصلبة» الناجمة عن الالتزام و«الأفعال الحقيقيّة» الّتي يطالب بها جيني ويندّد بمقتضاها «الحركات الجوفاء» و«الأفعال الرمزيّة» المرتبطة بطبيعة الحال بالكتابة أو المسرح (..) تجد نفسها أحيانا في صدام مع «اللعب والسرد» و«الخيال والحكم»(8).
إن المنعرج الّذي تكرّس في الكتابة لدى جان جيني في ستينيات القرن العشرين لم يكن «نزوة أخلاقيّة» أونتيجة شذوذ فكري جديد، بل إنّه ثمرة أزمة فلسفيّة قادت موقف التمرّد من المجال الشخصي إلى مجال الكتابة والإبداع وطرحت الأسئلة الّتي يضمرها في أفق فكري يحدّد صيغ الكتابة وأهدافها وهو ما ذهب إليه كتاب ومفكّرون أفذاذ خلال مطلع النصف الثاني من القرن العشرين، مثل جان بول سارتر وميشيل فوكو (في فرنسا) وهنريش بول وغونتر غراس (في ألمانيا) وبيار باولو بازوليني (في إيطاليا)، إلخ…
2- جان جيني والالتزام بمناصرة القضيّة الفلسطينيّة
كان جان جيني منحازا لقضايا التحرّر من الاستعمار والميز العنصري في العالم وهو ساند القوى والحركات النضاليّة المنصهرة في ذلك التيار منذ السنوات الخمسين. كان جيني مناصرا للحركة الاستقلاليّة في الجزائر (باعتبارها مستعمرة فرنسيّة) وتضامن مع كلّ نضالات الشعب الفلسطيني من أجل تحرير بلاده من الاستعمار الاستيطاني الصهيوني. ولم تكن مقاربة جيني للمسألة الفلسطينيّة نابعة من نظريّة عرقيّة أوفكرة دينيّة، بل إنّها كانت مقاربة سياسيّة– تاريخيّة منطلقة من أصل الأزمة المرتبط عضويّا بحركة الاستعمار (وخصوصيّاته في المنطقة) حيث إنّ الصهيونيّة في نظر جان جيني تكرّس جريمتين متلازمتين: الاستعمار (الاستيطاني) من ناحية والميز العنصري (ضد العرب) من ناحية أخرى. وقد كانت مساندة جان جيني للمقاومة الفلسطينيّة شاملة ودائمة إلى حدّ وفاته (1986) أي إنّه تضامن مع كلّ النضالات الشعبيّة في الأراضي المحتلّة وكل العمليّات الفدائيّة، داخل وخارج الكيان الصهيوني مثلما جاء ذلك في كتابه «العدو المعلن» بما في ذلك العمليّات الدامية مثل عمليّة ميونيخ (1972). كما أنّ مساندة جيني للقضيّة الفلسطينيّة لم تكن مسألة تعاطف وجداني مع «الضحايا» وهو أمر لا يتخلّف عنه –عادة– صاحب «العدو المعلن» حيث إنّه حرص على أن يكون موقفه متجذّرا في البعد التاريخي والسياسي للمسألة. لذلك لم يكن جيني مناصرا بشكل آلي للفلسطينيين ودون إبداء بعض النقد لممارساتهم النضاليّة أوالاجتماعيّة في المخيّمات الّتي زارها وأقام فيها مدّة غير عابرة في مناسبتين شكّلتا المادة الأساسيّة لكتابه الرائع «السجين العاشق»(9)، فضلا على كتابه (الصغير) عن جريمة صبرا وشاتيلا(10) الّتي وقعت أثناء زيارته للمخيّم سنة 1982.
فقد أشار جيني في «العدو المعلن» إلى أنّ مصير الفلسطينيين تحت السيطرة الصهيونيّة هو«التضحية» كفدائيين أو التضحية بهم كمهيمن عليهم (تحت النفوذ الإسرائيلي) مما جعل منهم بشرا محرومين من مقوّمات الإنسانيّة القادرة على حماية حميميتهم وتطوير إحساسهم(11) وذلك ما يجعلهم أناسا مهشّمين نفسانيّا ومتمسكين بماضٍ لا يعود(12). وتشكّل القضيّة الفلسطينيّة بالنسبة لجان جيني مسألة إنسانيّة لا يمكن تجاهلها أو التعامل معها بحياد لأنّها تمتحن الضمير البشري، ممّا يبرّر الانحياز إليها والتضامن معها حتّى «لا يكون كل فلسطيني إنسانا يعيش في كفن»(13) ويكتب «كلمات مزعجة على عظام بشريّة مجففة»(14).
وإن كان مضمون كتاب «السجين العاشق» وصيغة تحريره يجعلان منه كتابة سرديّة متداخلة مع كتابة سيرة ذاتيّة ومتفاعلة مع مناخ قهري عسير مفروض على أناس عزّل لا يملكون وسائل عيشهم ومحرومين من الحلم والسعادة (خصوصا النساء والشيوخ والأمهات!!!(15). فقد جاء الكتاب بعد مرحلة قرر خلالها جان جيني التوقّف عن الكتابة إثر انتحار «صديقه» عبدالله. وكان جيني قد تخلّى عن فكرة تأليف سبع مسرحيّات تكرس نظرته للوجود والتاريخ، بعد اكتشافه (سنة 1979) أنّه مصاب بالسرطان. لكن حضوره صدفة (بعد الغزو الصهيوني للبنان) مجزرة صبرا وشاتيلا (1982) دفعه إلى العودة إلى الكتابة في الشأن الفلسطيني، فقد حاصر التشاؤم والموت والفشل حياة جان جيني والوجود حوله. ولم يبق له سوى «أن يعد بعض الأمتار من القماش الأبيض»(16) لأنّ الموت أصبح رفيقا لدربه اليومي «مع أربع ساعات في شاتيلا». أصبح جيني يرى الموت ويسمعه ويشمّه في كلّ ما يحيط به(17) لذلك أصبحت الكتابة بالنسبة إليه أمرا مغايرا عمّا كان يتمثله في بداية تجربته أوحتّى خلال مراجعته للمسألة وتجذّره عميقا في مفهوم الكتابة الملتزمة. أصبحت الكتابة بالنسبة إلى جان جيني بعد مجزرة صبرا وشاتيلا شهادة واتّهامًا ومحاولة وخز للضمير البشري وفضح نزعة الشر عند البشر الّتي جسّدتها الصهيونيّة وإسرائيل تجسيدا صارخا (الأمر الّذي جعله هدفا لحملات تشهيريّة من قبل أنصارها). وقد شكّلت التجربة النضاليّة الفلسطينيّة والمرافقة الحياتيّة لها (في المخيّمات) محور تفكير وتأمّل فكري عميق لدى جان جيني، حيث اعتبر الفلسطينيين رمزا لمعركة البشريّة (الرمزيّة) ضد الشر والقهر، مؤكّدا أنّهم لا يملكون من الأسلحة سوى الأحلام والطموحات القديمة لدى البشر. وقد اعتبر جان جيني أنّ الفلسطينيين لن يتمكّنوا من مواصلة مسيرة مقاومتهم سوى بالاعتماد على الذات والروح و«الجذور»(18)، الأمر الّذي يجعل –حسب رأيه– من دور كل من الأمّهات والأرض والأشجار والذاكرة، الأسس الحامية لشخصيّة كلّ منهم حتّى وإن كانت موازين القوى العسكريّة والسياسيّة (في المنطقة) توحي بأنّ نضالهم قد لا يعرف النصر. فالفلسطينيون يجسدون معركة مشروعة وقضيّة عادلة لا يمكن للضمير النقي لدى البشر سوى مناصرتها(19).
وتقودنا هذه الإشارات إلى تدقيق فهمنا للانحياز الفكري والسياسي للقضيّة الفلسطينيّة لدى جان جيني، حيث إنّه لم يكن انحيازا سياسيّا فحسب، بل إنّ الكاتب يرتقي بالمسألة إلى مستويات أعلى تخصّ الرمزيّة والوجود والمعتقد، وهو الأمر الّذي اعتبره النقّاد والمفكرون الصهاينة طعنا جذريّا في مصداقيّة أسس المشروع الصهيوني ومآلاته، باعتبار أنّ جان جيني يختزل الصهيونيّة في مشروع استعمار واضطهاد وقهر واستغلال وسطو على الغير وأرضه وممتلكاته وحقوقه، أي إنّه تكريس لقوّة الشر (الأزلي) الكامن في البشر والّذي كانت الديانة اليهوديّة –في زمن غابر– محاولة لعلاجه واستئصاله.
3- مناصرة القضيّة الفلسطينيّة
ومسألة «الالتزام»
بطبيعة الحال، كانت كتابة جان جيني ومواقفه المناصرة للقضيّة الفلسطينيّة تجسيدا لمفهوم الالتزام وهو أمر جلي بالنسبة لصاحب «السجين العاشق» الّذي نادي بأن تكون «الأقلام ملتزمة»، لكن جيني لم يجعل من عمله وثيقة سياسيّة جافّة، بل منجزا أدبيّا راقيا مزج بين الرأي والوجدان والسيرة وهو لم يكن كتابة مأذونة أوعلى طلب، حتّى وإن كان ياسر عرفات قد طالب جيني بذلك خلال أوّل زيارة للأديب للمخيّمات الفلسطينيّة في الأردن سنة 1970(20). ولم تكن مناصرة جيني للمقاومة الفلسطينية مبنيّة على أرضيّة حزبيّة حيث إنّه لم يتدخّل في الصراعات الداخليّة الّتي برزت صلبها لأنّه لم يكن ناشطا سياسيّا من ناحية أولى(21) ولأنّه اعتبر نفسه إنسانا حرا ومستقلا في آرائه وصادقا فيما يورده من أحداث وأقوال وأفعال من ناحية ثانية(22) ولأنّه اختار أن يكون في موقع هامشي غير منتمٍ لأمّة أو لحركة…» من ناحية ثالثة(23).
ولم تدفع الاحتياطات المذكورة، جان جيني إلى تذويب هدفه من الكتابة الّذي تمحور حول كشف الظروف القاسية والمعاناة الّتي يواجهها الشعب الفلسطيني جرّاء التشريد والاستعمار الصهيوني من ناحية وحول رصد صعوبات النضال المقاوم الّذي ينجزه الفدائيون الفلسطينيون ضد إسرائيل وبعض الدول الأخرى (بما فيها بعض الأنظمة العربيّة) من ناحية أخرى. ويشكّل المشهد الّذي يرسمه جان جيني وثيقة تاريخيّة وشهادة شخصيّة وتأمّلا في مجريات التاريخ البشري في آن واحد، وهي جهود مستوجبة للحقيقة والصراحة ورفعة الهمّة المعنويّة والإيطيقيّة. وقد اختار جان جيني التأكيد على تلك الجهود لأنّه كان يعلم أنّه كان يكتب آخر كتبه ويعيش الأشهر الأخيرة من حياته (بسبب مرضه) في انتظار «الغياب» الّذي سوف يرتب كل معطيات الوجود، حسب تعبيره(24).
وإذا كان مضمون كتاب «السجين العاشق» مبنيّا على أساس فكرة التضامن مع القضيّة الفلسطينيّة، فإنّ إشكاليّة الكتابة فيه طرحت مجدّدا، موضوع الالتزام لدى المثقفين والأدباء في أفق جديد نسبيّا، حيث إنّ جان جيني لم يطمح إلى لعب دور جان بول سارتر في مرافقة الثورات، بل إنّ دافعه الأساسي خلال السنوات الّتي قضاها إلى جانب المقاومة هو شعوره «بأنّ الثورة بدأت تهدأ وتفتر وتعود إلى المسرب حتّى تختفي. وقد تكتب حولها الأغاني البطوليّة حسب تعبيره مضيفا: «لقد نظرت إلى المقاومة وكأنها سوف تختفي غدا»(25)، أي إن جان جيني كان يخشى من تدهور موازين القوى العالميّة حتّى تخنق المقاومة الفلسطينيّة لذلك سعى إلى تقديم شهادة حولها والتصريح بمساندته لها والدعوة إلى مساعدتها حتّى لا ينتصر «الشرّ» على الإنسان.
تكون الكتابة الملتزمة (والتفكير الملتزم) لدى جان جيني بمثابة المرافقة والمساندة لأعمال أنصار القضايا العادلة شريطة أن يكون ذلك مرفوقا بنظرة تقويمية دائمة وحذرة بخصوص مآلات ومصائر النضال من أجل تلك القضايا. ذلك ما مارسه جان جيني بخصوص الثورة الجزائريّة الّتي ساندها بقوّة وانتقدها بصراحة كما أنّه كشف مستعرضا انحرافا ممكنا للمقاومة الفلسطينية على ضوء انحراف حقيقي عرفته ثورة الجزائر حسب رأيه: «مثل الجزائر ومثل بلدان أخرى وفي تجاهل للثورة في العالم العربي، فهي لا تهتم إلاّ بالتراب الّذي سوف يرى ظهور الدولة الثانية بعد العشرين والّتي ستجلب معها ما هو مطلوب منها: النظام والقانون، ذلك التمرّد الّذي عاش زمنا طويلا خارج القانون يحلم بالتحول إلى قانون تكون له أوروبا بمثابة السماء»(26).
ينطلق مفهوم الالتزام لدى جان جيني من فلسفة التمرّد الراسخة في أعماق تفكيره ومنهج فهمه للوجود وللواقع. فهو يناصر الثورة (والمقاومة) طالما بقيت وفية إلى منطلقاتها الأولى (المناهضة لمفهوم النظام)، فإذا ما تحولت إلى عكس ذلك تحوّل موقف المتمرّد المناصر لها إلى مناهض و«عدو حميمي لأصدقائه»(27)، مؤكّدا ما كان جان بول سارتر قد أشار إليه في مؤلّفه حول جان جيني(28) حين قال إنّه شغوف بمبدأ الخيانة إذا ما انقلبت أمامه الظروف. والخيانة تعني، هنا، رد فعل على خيانة مشروع الثورة من طرف ثوّار الأمس، حيث إنّه من الثابت أنّ جان جيني (الّذي لا يعير قيمة أصليّة لسلطة الدولة) يحلم، دوما، بأن تبقى الثورة ثورة دائمة وأن لا تتحوّل إلى نظام وقانون، كذلك يتحفّظ على المفهوم التقليدي للالتزام (في معناه السارتري) ليجعل منه قيمة لا تتبدّل في تقييمها للظروف.
وإن تمسّك جان جيني، بمناسبة مقاربته لواقع المقاومة الفلسطينيّة بمفهومه «الفوضوي» والمتمرّد دوما، للالتزام، فهو واجه انتقادات صريحة بخصوص ذلك، من قبل نقاد متمسّكين بمفهوم الالتزام أحيانا ورافضين له أحيانا أخرى. فقد ذهب جيروم نوتر إلى اعتبار أنّ مفهوم الالتزام عند جان جيني لا يمتّ بصلة وثيقة بالمفهوم المعهود له، بل إنّه يرى أنّ كتابة جيني في خصوص المقاومة الفلسطينيّة هي «كتابة متواطئة» حيث إنّها تعتمد «انخراطا جذريا للكاتب في واقع سياسي (…) نتيجة علاقاته الحميميّة مع الحياة والكتابة وليس فيها انضمام خارجي لقضيّة سياسيّة ما»(29).
لا يتطابق رأي جيروم نوتر مع حقيقة موقف جان جيني من القضيّة الفلسطينيّة وعلاقاته الوطيدة مع قواها وفعالياتها، لذلك فهو لا يتبيّن الإشكاليّة الفكريّة والأدبيّة الّتي شغلت بال جيني، وحدّدت الأشكال الّتي وظفها للتعبير عن علاقته بالشأن الفلسطيني خارج منطق الكتابة السياسيّة خصوصا وأنّ الروح الانطباعيّة أو السرد الانفعالي اللذين لم يكونا، يوما من الأيّام، من مميّزات أدب جان جيني. لكنّ نقد جيروم نوتر، يجاري تيّارا نقديّا وفكريّا آخر مناصرا للصهيونيّة جعل من جان جيني هدفا للانتقاد بسبب موقفه المناصر لقضيّة الفلسطينيين الوطنيّة.
4- جان جيني والنقد الصهيوني
لقد فخّخ جان بول سارتر منذ مطلع السنوات الخمسين من القرن العشرين كل الدراسات النقديّة حول جان جيني، إذ إنّه كتب عنه كتابا ضخما أودع فيه تحاليل مختلفة في درجة عمقها وتنوّعها لكنّها شملت جوانب، لم تكن طاغية ومؤثّرة زمن صدور الكتاب وتحوّلت بعد ذلك بمدّة إلى إطار ينطلق منه نقاد جيني، خاصة منهم أولئك الّذين ناصبوه العداء لأسباب أيديولوجيّة أوأخلاقيّة أوسياسيّة. سوف لن نتوقّف طويلا عند النقّاد الّذين ساروا على خطى سارتر والّذين حصروا عملهم في الجانب الأدبي والجمالي أوحتّى الفلسفي في كتابة جان جيني مثل جورج باطاي الّذي أعاد تقريبا في دراسته عن صاحب «العدو المعلن» أهم الأفكار الّتي أوردها سارتر وخاصّة تلك الّتي تعلّقت بمسائل الشر والمقدس والنفسيّة العدوانيّة في أدب جيني، حيث أكّد باطاي أنّ جيني يؤسّس كتابته على مبادئ رفض اللذّة والتمرّد على الغير والعدوانيّة مع الآخر وتعميم الشر والعنف كشكل من أشكال الانسلاخ عن المجتمع(30).
وإن كان سارتر وضع الإطار العام لفهم المشروع الأدبي لجان جيني وأبعاده الفكريّة، فإنّ الجانب الأهم من ذلك الإطار والّذي شكّلت المسائل الفلسفيّة مادته الأولى قد تراجعت أهميته اليوم، لفائدة الجوانب الدينية والسياسيّة والأيديولوجيّة وخاصّة فيما يتعلّق بموقف جيني من اليهوديّة والساميّة. لقد كتب جان بول سارتر أنّ «جيني معادٍ للساميّة أو أنّه يتلاعب بذلك ونحن نتصوّر المقولات المعادية للساميّة. فهل يجب حرمان اليهود من الحقوق السياسيّة؟ إنّه لا يولي السياسة اهتماما، هل يجب منعهم من ممارسة المهن الحرّة والتجارة؟ هذا يعني أنّه لا يريد أن يسرقهم حيث إن التجار هم أوّل ضحاياه (…). فهل يريد (جيني) أن يقتلهم جميعا في مجازر؟ لكنّ المجازر لا تعني جيني والجرائم الّتي يحلم بها هي جرائم فرديّة (…) في كل تلك الكراهيّة لا أرى إلاّ ما يلي: باعتباره ضحيّة البوغروم والملاحقات طوال قرون، فإنّ اليهودي يجسّد صورة الشهيد. إن وداعته وإنسانيته وصبره وفطنته الحادّة تفرض علينا احترامه ولكنّها لا توفّر له الوجاهة في نظر جيني (…). إن ما يكرهه جيني عند اليهودي، هو أنّ يجد فيه وضعه الخاص»(31).
حدّدت هذه الفقرة نظرة دارسي أدب جيني، بعد سارتر، ووضعت جان جيني في زاوية معاداة الساميّة الّتي تحوّلت –في مضمونها– بالنسبة إليهم إلى معاداة لدولة إسرائيل والصهيونيّة. وأصبح النقد لأدب جان جيني متولدا وجاهزا بشكل شبه كلّي. ويردّد ذلك النقد في كل مناسبة ما يشبه البديهيات السلبيّة المنسوبة إلى فكر جيني وممارساته الّتي أصبحت المحصورة في مثليته الجنسيّة وأصوله العائليّة وافتتانه بالعنف والعدوانيّة إزاء الغير وإزاء كلّ مربعات الانتماء الأساسيّة بما في ذلك الطعن في وطنيته، وانبهاره الميتافيزيقي بالشر، وصولا إلى تأكيد معاداته للصهيونيّة والساميّة وإسرائيل. وقد استحضر نقّاد جان جيني كتاباته الأولى لتأكيد معاداته للساميّة مثل روايته «مواكب دفن» (1948) الّتي يورد فيها تأثير جاذبية جنسيّة لجندي نازي على شاب فرنسي ينتمي إلى إحدى المليشيات الفرنسيّة زمن الحرب العالميّة أومسرحيّة «الحواجز الواقية» الّتي جاءت تندّد بالاستعمار الفرنسي للجزائر(32).
أثار صدور كتاب «السجين العاشق» موجة عارمة من النقد السياسي له باعتباره عملا مناهضا لدولة إسرائيل. وقد كانت تلك الموجهة من آخر حلقات الصراع الدائري بين أنصار وخصوم الصهيونيّة في فرنسا ومؤذنة ببداية تحوّل موازين القوى بينها (على صعيد التأثير الفكري والأيديولوجي صلب النخبة الثقافيّة فحسب!!) لتتحوّل إلى صالح أنصار الصهيونيّة… وقد هدأت العاصفة الأولى المناهضة للكتاب لتعود ثانية في شكل محاكمة فكريّة وإيديولوجيّة لا تحتل فيها القضيّة الأدبيّة مكانة مهمّة وذلك في مطلع سنة 2003 بمبادرة من مجلة «الأزمنة الحديثة» (الّتي كان أسسها جان بول سارتر بعد الحرب العالميّة الثانية والّتي آلت بعد موته إلى فريق مناصر للصهيونيّة متناغم مع التوجهات الفكريّة لسارتر في آخر مرحلة من حياته !!). فقد نشر إيريك مارتي دراسة مطوّلة موسومة: «جان جيني في شاتيلا» مبينا أنّ المضمون الأصلي والدائم لفكر جان جيني هو معاداته للساميّة، وأنّ ذلك المضمون هو المفتاح لفهم وتحليل كل كتاباته الأدبيّة والسياسيّة(33). وكانت دراسة إيريك مارتي قد تجاوزت في حملتها النقديّة ضد جان جيني (لأسباب سياسيّة متعلّقة بمناصرته للقضيّة الفلسطينيّة) كل تقاليد ومناهج النقد والحوار الفكريين لأنّها حاولت تعويم المسألة في بعد واحد، وهو معاداة الساميّة، مشاركة في ذلك المجهود الهائل الّذي بذلته الأوساط الصهيونيّة الأوروبيّة (والفرنسيّة على وجه الخصوص) عبر دور نشر وجرائد ومجلاّت(34) شكّلت طاقم القوّة الناعمة والناجعة لفائدة الصهيونيّة في الغرب الأوروبي. وعلى أساس ذلك، تحوّل النقاش الّذي رافق نشر كتابي جان جيني «أربع ساعات في شاتيلا» و«السجين العاشق» من حوار حول فظاعة الإجرام الصهيوني إلى فضح كل الإنتاج الأدبي والفكري لجان جيني بتهمة العنصريّة ومعاداة الساميّة والانفتاح على الأفكار النازيّة. وقد أكّد إيريك مارتي أنّ شخصيّة جان جيني وأفكاره لا يمكن أن تفهم إلاّ على ضوء ثلاثة معطيات أو شخصيات دينيّة وأسطوريّة وسياسيّة وهي: سودوم وقابيل وأدولف هتلر وتلك هي إشارات إلى مسألة الشذوذ الجنسي وغريزة الشر ومعاداة اليهود(35)، الأمر الّذي أثار ردود فعل من طرف نقاد ومثقفين بيّنوا تهافت منهج مارتي وتلاعبه بحقائق التاريخ وبمناهج النقد الفكري(36).
وقد صنّف إيريك مارتي نقده لمواقف وأراء جان جيني وفق منهج اعتباطي كشف بعض جوانب تهافته تصدي بعض المثقفين الفرنسيين (اليساريين) مثل ريني سيكاتي بإصدار كتابين إضافيين حول المسألة مؤكّدا في ذلك أن التصدّي لأفكار التضامن مع الحق الفلسطيني (والعربي) في الأوساط الصهيونيّة في فرنسا أمر ممنهج ومخطّط له على نطاق واسع وبوسائل فاعلة(37). فقد اعتبر مارتي أنّ جان جيني سقط في معاداة الساميّة بسبب «شغفه الميتافيزيقي بالشر»(38) و»كراهيته للخير الكامن في البشر(39) وبسبب اعتباره أنّ اليهودي يجسد الآخر الغريب والبعيد والمقرف(40). وأضاف مارتي في قفزة بلهوانيّة أنّ جان جيني عاجز عن محبّة اليهود بسبب ميله للشر (الّذي يمثّله العرب الفلسطينيون حتما !) ولأنّ الديانة اليهودية مبنيّة على أساس القيم والمبادئ الّتي يرفضها جيني كلّيّا منذ طفولته وبسبب وضعه كلقيط ومنحرف متمرّد على مجتمع قاسٍ إلى درجة جعلته عدميّا على الصعيد العقائدي. ويهدف من ذلك الصنف من النقد إلى تحقيق الانتقال الآلي من تبخيس الشخص (جان جيني) إلى تبخيس فكره ومواقفه (مساندة القضيّة الفلسطينيّة ومناهضة الصهيونيّة) وهي تقنية تواصليّة لا تمت بصلة إلى منطق الحجاج والنقد الأصلي على صعيد الفكر والفلسفات، بل تعتمد أساليب النجاعة التسويقيّة.
اعتمدت المنهجيّة النقديّة التي جابهت بها الأوساط الصهيونيّة كتابات جان جيني أسلوب ضرب الحاضر بالغائب أي تفنيد الأفكار والآراء عبر تأكيد صواب أفكار مجاورة لها. مثلما بيّن ذلك باسكال دوران حين تحدث عن تحويل بعض المقولات والأطروحات إلى حقائق بديهيّة غير قابلة للنقاش في حين أنّها لا تكتسي تلك المواصفات وذلك عبر وضع الناقد في موضع الحياد وعلى أساس الشموليّة المجرّدة(41) وذلك ما يجسّده مفهوم «خطاب العالم» الّذي طوّره بيار بورديو والّذي يوحي بأنّ المتكلّم أوالكاتب الناقد لا يخدم مصلحة خاصّة عبر عمله الخطابي أوالنقدي بل إنّه لا يخدم إلاّ أساس النص أو الخطاب الّذي هو بصدد الاشتغال عليه(42). إنّ تأكيد الطابع المعادي للساميّة لأفكار جان جيني ومواقفه يقود إلى نبذ أفكاره السياسيّة، كما أنّه يهدف إلى سحب قانون رفض مناهضة الساميّة وتحويله إلى رفض مناهضة الصهيونيّة والسياسة الإسرائيلية، لذلك يكون البحث عن الطرق المؤدّية إلى إثبات معاداة جيني للساميّة هوالسبيل للنجاح في نقد حقيقة مواقفه المتعلّقة بفلسطين. إنّ كل نقد من أصول صهيونيّة لمواقف جيني السياسيّة والفكريّة يضيع في عموميّات الحديث عن معاداة الساميّة وتقديس الشر والتعاطف مع النازيّة ورفض التمدّن الغربي (من أصول يهو-مسيحيّة). تلك هي القاعدة الّتي تقف عليها كل المنظومة الفكريّة والأيديولوجيّة الصهيونيّة والّتي تسعى إلى تغييب كل نقد للصهيونيّة كأيديولوجيّة استعماريّة وعنصريّة وإلى جعل كل نقد لإسرائيل وللصهيونيّة معادلا لمعاداة الساميّة وانحيازا للأفكار النازية والعنصريّة.
لقد توفّي جان جيني سنة 1986 وهو لم يرد على منتقديه الصهاينة، لكن الحملة الّتي استهدفت أفكاره ومواقفه كانت موجهة ضدّه وضد من يشاطرونه الرأي والمواقف…
الهوامش
(1) Jean Genet : L’ennemi déclaré. Ed. Gallimard. Paris 1991 – p 425.
(2) Edmund White : Jean Genet. Trad. P. Delamare. Ed. Gallimard. Paris 1993. p 686.
(3) نشرت المحليّة الإباحيّة: بلاي بوي» حوارا في أوّل عدد أصدرته وذلك في مطلع سنة 1964.
(4) J. Genet : L’ennemi déclaré… op. cit p 45 et suivants…
(5) أنظر: العدو المعلن… ص 81 وما بعدها.
(6) J. Genet : Querelle de Brest : Ed. Gallimard, Paris – 1953. Coll. Imaginaire (1981) – p 252.
(7) J. Genet : L’ennemi déclaré… op cit p 47.
(8) Nathalie Fredette : Genet politique, l’ultime engagement, Etudes Françaises… p 29/2 – 1993. p 85.
(9) Jean Genet : Le capital amoureux. Ed. Gallimard. Paris 1986 (Reprises en Coll. Folio).
(10) نشر ذلك الكتاب في طبعة خاصة عن دار لوسوي – باريس. وأعيد نشره كقسم من كتاب «العدو المعلن».
(11) J. Genet : Ennemi déclaré… op. cit. p 94
(12) نفس المصدر: ص 181.
(13) نفس المصدر: ص 91.
(14) نفس المصدر: ص 177.
(15) نفس المصدر: ص 139.
(16) J. Genet : Un captif amoureux, op. cit p 250.
(17) نفس المصدر ص 263.
(18) J. Genet : Ennemi…. Op. cit. p 84.
(19) J. Genet : Capital… op. cit. p 498.
(20) Myriem Bendhif-Syllas: La révolution palestinienne à l’épreuve de l’intime : Vu Capital amoureux de Jean Genet – Itinéraires. No. 2012 – 2 p 119 – 130.
(21) J. Genet : Ennemi déclaré… op. cit. p.
(22) J. Genet : Un captif… op. cit. p 52.
(23) نفس المصدر: ص 150.
(24) نفس المصدر: ص 535.
(25) نفس المصدر: ص 37.
(26) نفس المصدر: ص 609.
(27) Patrice Bougon : Politique, ironie et religion dans un captif amoureux. In : Jean Genet : Rituels de l’exhibition. Dijon. Ed. Univ. de Dijon. 2009 – p 82.
(28) Jean Paul Sartre : Saint Genet : Comédien et martyre. Ed. Gallimard. Paris – 1952.
(29) Jérôme Neutres : Genet sur les routes de sud. Ed. Fayard. Paris 2002. p 246 – 247.
(30) George Bataille : La littérature et le mal. Ed. Gallimard. Paris. 1957. p 201 – 203 – 205 – 211.
(31) J. Paul Sartre : Saint Genet… Op. cit. p 230.
(32) Camille Toffoli : La question de l’antisémitisme chez Jean Genet : Un débat sir le « sens du monde ». Autour de la réception critique d’un captif amoureux ; Postures N° 24.
(33) Eric Marty : Jean Genet à Chatila. Les temps modernes. N° 622 – 2003/1. Pages 2 -72.
(34) نذكر من بين تلك المجلات (الحاصلة على سمعة علميّة ومعرفيّة معتبرة وناجعة) إلى جانب Les Temps Modernes كل من مجلّة Les cahiers de la Shoah وPardes وArchives Juives وRevue d’histoire de la Shoah .
(35) Eric Marty : Jean Genet à Chatila… op. cit. p. 5 et suivantes.
(36) René Ceccatty : Pourquoi caricatures la pensée de Jean Genet. Huamité. 1 – – 2006. P 3.
– Jean Genet antisémite ? Sur une tenace rumeur. Critique N° 714 – P 895 – 911.
(37) Eric Marty : Bref séjour à Jérusalem. Ed. Gallimard. Paris. 2003. p 212.
– Jean Genet : Post-Scriptum. Ed. Verdier. 2006. P 128.
(38) Eric Marty: J. Genet à Chatila… op cit p 5.
(39) Eric Marty: Bref séjour à… op. cit. p 102.
(40) نفس المصدر: ص 123.
(41) Pascal Durand : lien commun, cliché stéréotype généalogie des formations figées… dans Lucien Sfez (dir) conférence de l’Ecole doctorale de sciences politique. Pub. Sorbonne. Paris. 2004. P. 35 et 36.
(42) Pierre Bourdieu: La critique du discours lettré. Actes de réclamation en sciences sociales. Vol 1 – N° 5 – 6. Nov. 1975 p. 5.