سقطت النخلة التي كانت تقف أمام بيت جدي ناحية باب البحر وليس ناحية باب الدوار. هي لم تسقط في الحقيقة. طالع النخل نحرها لكي تدخل الأرض المحيطة بها ضمن مساحة البيت الجديد الذي قرر أخوالي بناءه بالطوب الأحمر.
شق طالع النخل النخلة نصفين، وأخرج من قلبها الجمار الأبيض. قدم قطعة جمار لجدي، وقضم القطعة التي في يده. وهي بين أسنانه تمتم "عسل يا با السيد".
ألقى طالع النخل نصف جذع النخلة بجوار باب الدوار لنجلس عليه ليلا حتى الفجر بعد أن هدوا المصطبة لتدخل ساحتها أيضا في البيت الجديد الذي سيبنى بالطوب الأحمر- والنصف الآخر أوصلوا به طرفي الترعة الصغيرة التي تروي أرض جدي، والتي حكمت المحكمة مجلس المدينة بانتزاعها وبناء معهد ديني عليها.
من المقعد البحري أفرغت جدتي مكتبة جدي من الكتب، ووضعتها في مقاطف رصتها بجوار بعضها في غرفة الفرن المؤجل هدمها، وأعطت المكتبة لخالتي.
عادت جدتي من غرفة الفرن وفي يدها ورقة قديمة أعطتها لجدي "شوف ايه دي يا سيد أفندي". مزق جدي الورقة دون أن يقرأ ما بها.
عبرنا البر الثاني فوق جذع النخلة، انا وأخوتي وأولاد خالتي قطعنا أكواز الذرة وعدنا بها. حفرت خالتي حفرة وضعت فيها أعواد الحطب وأشعلتها لتصنع "راكية" نار تشوي عليها الذرة. ونحن جالسون على جذع النخلة الآخر أمام باب الدوار.
طالت جلسة جدي وعشيقته تحت تكعيبة العنب لمحت اصابعها تتحسس بياض كعبيها، فانصرفت.
اقتلع عمال مجلس المدينة أشجار المانجو والليمون والبرتقال وتكعيبة العنب والبوص من جنينة جدي، وألقوا بجذع النخلة في الترعة وردموها لتدخل ضمن مساحة الأرض المخصصة للمعهد الديني.
قال عامل مجلس المدينة لجدي "الحتة حتعمر يابا السيد، وأرضك اللي ورا الترعة حتدخل كردون المباني". نادى جدي للخادمة لتقدم لهم شايا، ودخل غرفته البحرية.
فتح شباكها فدخلت نسائم الى الغرفة. تمدد على سريره. تسحبت الى جواره ونمت.
طفا جذع النخلة الملقي في قاع الترعة الى السطح. ركبته. نمت له أجنحة. حلق في السماء، وهبط بي في أرض أخرى.
بهيجة حسين (كاتبة من مصر)