عماد بن جاسم البحراني*
يتناول هذا الكتاب لرنا بنت حمدان الضويانية علاقة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بالحركات السياسية في عمان خلال الفترة (1954 – 1968م).حيث حددت المؤلفة بداية الدراسة بعام 1954م وهو العام الذي اشتعل فيه الصراع بين الإمامة وسلطنة مسقط وعُمان بعد فترة هدوء استمرت نحو ثلاثة عقود أعقبت توقيع الطرفين على معاهدة السيب الشهيرة في سبتمبر عام1920م.
وتتوقف الدراسة عند العام 1968م وهي الفترة التي بدأت فيها مجريات الأحداث في عمان والمنطقة تأخذ مسارًا بعيدًا عن الفكر الناصري، نتيجة للهزيمة التي تعرضت لها مصر والدول العربية في حربها مع إسرائيل في الخامس من يونيو 1967م، وتوجه الثورة في ظفار إلى الاتجاه الماركسي بدلاً من القومية العربية التي كان ينادي بها جمال عبد الناصر وذلك بعد مؤتمر حمرين التي عقدته جبهة تحرير ظفار في عام 1968م.
تكمن أهمية الكتاب في تسليطه الضوء على طبيعة الدعم التي قدمتها مصر إلى الحركات السياسية العمانية خلال عهد الرئيس جمال عبدالناصر، وإيضاح إسهامات الفكر الناصري في عمان خلال حقبتي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين.
يحتوي الكتاب على تمهيد وثلاثة فصول وخاتمة، وقد اعتمدت الدراسة على عددٍ من المصادر الأولية منها الوثائق المنشورة وغير المنشورة، ومجموعة من المراجع العربية والأجنبية والمعربة والدوريات بالإضافة إلى المقابلات والاتصالات الهاتفية مع عدد من معاصري الأحداث.
ولكن يلاحظ عدم اعتماد المؤلفة على الوثائق المصرية غير المنشورة المحفوظة في دار الوثائق القومية المصرية بالقاهرة، والتي تمثل أهمية كبيرة لدراسة سياسات جمال عبد الناصر وثورة يوليو وعلاقاتها الخارجية ومنها بالطبع العلاقة المصرية مع الحركات السياسية في عمان في الخمسينيات والستينيات.
يتناول تمهيد الكتاب الأوضاع الدولية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وتأثيراتها على الوطن العربي خصوصًا منطقة الخليج العربي، حيث ظهرت فيه اتجاهات فكرية كالتيار الإصلاحي والتيار الماركسي والتيار القومي إلخ، ومثلت هذه الاتجاهات امتداداً للتيارات والأيدولوجيات الفكرية المنتشرة آنذاك في المجتمعات العربية، وكان لاكتشاف النفط في الخليج أثره الكبير على فك قيود العزلة على الحياة الفكرية فيه، حيث فتح النفط الباب لاحتكاك شعوب الخليج بالعالم الخارجي من خلال قدوم الوافدين العرب والأجانب للعمل فيه، وقد حمل هؤلاء معهم أفكارهم التقدمية والتحررية، وهكذا نمى الوعي القومي لدى سكان الخليج، ومهد فيما بعد لانتشار فكر ثورة 23 يوليو المصرية التي قامت في عام 1952م، ونادت بالوحدة العربية من المحيط إلى الخليج.
تناول الفصل الأول، نشأة جمال عبد الناصر وتعليمه والتحاقه بالقوات المسلحة المصرية ثم مشاركته في حرب فلسطين 1948م، وتأسيسه لتنظيم الضباط الأحرار الذي قاد ثورة 23 يوليو 1952م وأنهى النظام الملكي في مصر وأقام الجمهورية.
ثم تتبعت المؤلفة الأزمة التي حدثت بين محمد نجيب –أول رئيس للجمهورية – والضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر في عام 1954م والتي عرفت تاريخياً بأزمة مارس، وانتهت بتولي عبد الناصر زعامة مصر، حيث عكف بعدها على تنفيذ الأهداف التي وجدت لأجلها الثورة، والأفكار والتوجهات التي رسمها في مخيلته لتحقيق طموحاته للنهوض بمصر، ووحدة الأمة العربية، وقد وثق أفكاره في كتاب “فلسفة الثورة”.
تقول المؤلفة في ص70:” إن المشروع الناصري القومي استنبط مساره من التراث العربي وتاريخه أولاً وما يجمع مصر بشقيقاتها من الدول العربية في اللغة والقيم والحضارة المشتركة”.
وبينت المؤلفة في نهاية هذا الفصل اهتمام القيادة المصرية بوسائل الاعلام لتنفيذ سياساتها الداخلية والخارجية، حيث أيقن عبد الناصر منذ البداية أهمية الإعلام في توصيل أفكاره ونظرياته السياسية إلى كافة الشعوب العربية من خلال بثها في وسائل الاتصال الجماهيري كالصحافة والإذاعة (صوت العرب) ولاحقا التلفاز.
وفي إطار اهتمامها بالقضايا القومية، فقد حظيت الأوضاع السياسية في عمان باهتمام الاعلام المصري، حيث نقلت الصحف المصرية كالأهرام والجمهورية مجريات الأحداث العمانية في مرحلة النزاع بين الإمامة والسلطنة في الخمسينيات، وساهمت إذاعة صوت العرب في تعريف المستمعين في أنحاء الوطن العربي بالتطورات الجارية في عمان آنذاك. مع ملاحظة أنها أي وسائل الإعلام المصرية قد ساندت الإمامة ضد السلطنة تماشياً مع توجهات الحكومة المصرية في تلك الفترة.
وتطرق الفصل الثاني إلى الأوضاع الداخلية في عمان بين عامي (1954 – 1959م)، والصراع الدائر حينها بين الإمامة والسلطنة، ومساندة الثورة المصرية لإمامة عمان. حيث بدأ التأييد المصري للإمامة بعد الزيارة التي قام بها طالب بن علي الهنائي شقيق الإمام غالب إلى القاهرة في عام 1954م، وطلبه الدعم والمساندة من الحكومة المصرية. وقد نجحت الإمامة في كسب ود النظام الناصري وحصلت منه على الدعم السياسي والعسكري لقضيتها.
وتعتبر المؤلفة أن الإمامة قد تأثرت بشعارات الثورة المصرية والمفاهيم القومية التي نادت بها، واستشهدت بالبيانات التي صاغتها مكاتب الإمامة في الخارج، لوصف الوضع العماني، إلا أن هذا التأثر – الذي ذكرته المؤلفة-لم يكن دقيقاً من وجهة نظري بل اقتضته ظروف تلك الفترة ومصلحة كل من الطرفين، حيث أن الإمامة كانت بحاجة إلى الدعم والمساعدة المصرية لتواصل نضالها وتستعيد ما فقدته في معاركها مع السلطنة، أما مصر فكانت تساند الإمامة ضمن سياستها الرامية إلى مناهضة الاستعمار البريطاني في المنطقة.
فمن المعروف أن هنالك نقاط اختلاف عديدة بين الإمامة العمانية كنظام والنظام الثوري في مصر، فمبادئ الإمامة تتعارض مع مبادئ القومية، وكان النظام الناصري يعتبر الأنظمة الملكية الوراثية أنظمة رجعية، ويدعم قيام أنظمة ثورية جمهورية تقدمية في الوطن العربي، وموقفه من نظام الإمامة في اليمن ومساندته لثورة 1962م التي أطاحت بالإمامة وأقامت الجمهورية في اليمن أبلغ دليل على ذلك.
أما الفصل الثالث من الكتاب فقد ناقش القضية العمانية والدور المصري المساند لهذه القضية. تقول المؤلفة في ص137:” عُدت مصر خلال النصف الثاني من القرن العشرين، الأم الداعمة لحركات المقاومة العربية والقوى السياسية ضد الاستعمار الأجنبي، وضد التدخل الغربي في أرض العرب”. وتضيف:” فالفكر الناصري له مبادئه وأسسه القائمة على الحرية والاستقلال والاشتراكية، وما هذا الدعم إلا تحقيق لما آمن به الناصريون في الوطن العربي”.
لكن نكسة يونيو 1967م أثرت على الدعم المصري المقدم لحركات المعارضة في عمان، كما أثرت على دعمها لبقية الدول العربية ودول العالم الثالث، حيث فقدت مصر الكثير من قدراتها العسكرية ونفوذها السياسي، وتعرض اقتصادها لهزة عنيفة نتيجة الهزيمة، وتراجع تيار القومية العربية بعد عام 1967م وبرزت التيارات الإسلامية واليسارية في المقدمة.
وفي خاتمة الكتاب لخصت المؤلفة أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال دراستها هذه، حيث بينت أن الحرب العالمية الثانية قد أسهمت في بلورة الفكر القومي في منطقة الخليج العربي. وكشفت أن فكر جمال عبد الناصر استطاع أن يجذب إليه أنصار الفكر القومي في الخليج العربي.
وبينت خلفيات الصراع الذي كان قائمًا بين الإمامة والسلطنة خلال الفترة (1954-1959م)، والأسباب التي أدت إلى تصاعد الأزمة بين الطرفين، ثم الحسم العسكري للأزمة في عام 1959م واخضاع مناطق الإمامة في داخل عمان إلى نفوذ السلطان سعيد بن تيمور.
كما أظهرت الدراسة تمييع القضية العمانية في الأمم المتحدة، وعدم اتخاذ اجراء واضح وحاسم لها، وأوضحت الدعم المصري الذي قدمته للحركات السياسية التي ظهرت في عُمان، تحديداً حركة الإمامة وجبهة تحرير ظفار.
وأشارت الدراسة إلى العوامل التي كان لها سببًا في نقل التيارات الفكرية وتوجهاتها القومية إلى أيدولوجيات جديدة منها الماركسية.
ختاما، يعد كتاب “جمال عبد الناصر والحركات السياسية في عمان” أول كتاب يتناول هذا الموضوع كدراسة أكاديمية منفردة، حيث أنه عبارة عن دراسة ماجستير في التاريخ حازت عليها المؤلفة من جامعة السلطان قابوس عام 2014م، وفي انتظار ظهور دراسات أكاديمية أخرى تميط اللثام عن هذه الفترة الحرجة من تاريخ العرب المعاصر وتكشف لنا أسرار وحقائق كانت غائبة لسنوات عنا.