باريس خريف 1979 فى الحي اللاتيني كان المطر، وكان الجوع وفى شارع راسين (Rasin) كانت صالة سينما صغيرة قادتني الى "التهلكة " خلال ساعتين من رؤية فيلم (أزواج Husbands) لجون كازافيتس .
في مدينة "الكوت " العراقية عندما كنت صغيرا كنت مولعا برؤية الافلام فى صالة السينما الوحيدة أواه … كنت اود اختراق قماش الشاشة البالية البيضاء كي اعيش عالم الممثلين .
لكن هذه المرة فى باريس ، كتمت جنوني "الكوتى" كي لا اصطدم بجدار شاشة الديمقراطي الابيض لاشارك "ازواج " كازافيتس عبثهم ، هؤلاء الازواج الثلاثة "بيتر فولك . بن غرارا، جونكازافيتس " بعد موت صديقهم فى امريكا قرروا السفر الى لندن فى "رحلة عمل " تحررية بعيدا عن زوجاتهم واطفالهم واعمالهم ليفرقوا فى بحار المجهول هذا المجهول هذا الهوى هذا الهروب من الروتين اليومي والقفص الذهبي… واخيرا نهاية الفيلم حتمته النهاية السعيدة الامريكية المعتادة وحكمت على الازواج بالرجوع الى الحالة الطبيعية .
– نيويورك خريف 1980مانهاتن الشارع 42 فى الليل حيث ينتشر المتشردون وبائعو الكباب وصباغو الاحذية من الاطفال السود، رأيت اثنين منهم يتلاكمان فيما بينهما واثنين من رجال الشرطة البيض يراهنان على المنتصر… سرت قليلا وكنت مسرورا لو لم يقطع سروري "تهلكة " أخرى اسمها جون كازافيتس ، رأيت ملصق فيلم (غلوريا ) هرولت نحو صالة السينما دخلت وكان الفيلم قد بدأ، تغيرت "التهلكة الكازافيتسية " هذه المرة وتقطعت ، التدخين فى الصالة ودخول الشرطة لاعتقال المخربين دون جدوى فى الفيلم قبل ان تصفى عائلة بورتوريكية عن بكرة ابيها يودع رب العائلة ابنه الصغير مع كتاب السر عند جارته غلوريا "جينا رولاندز" امرأة عزبة لاتحب الاطفال .
فجأة انقطع صوت الفيلم فى الصالة ، ونهق رجل جالس الى جانبي وبدأ يصرخ ويشتم ، توقف العرض واشعلت الاضواء.. اكتشفت ان الرجل عجوز وضرير هدأته بلطف واجلسته بلكنة "كوتية " كما تعلمتها من الافلام الامريكية في الكوت .
اكتشفت وهذه المرة فى امريكا وليس فى الكوت ، انني لا اعرف متى يبدأ عرض الفيلم سينما الكوت ، بينما فى امريكا لا اعرف متى ينتهى الفيلم .. ولكن فى امريكا كنت مطمئنا لان اخي الكبير لاينتظرنى فى آخر الليل عند باب السينما كي يشبعني لكماته الودية لتنسيني سحر الفيلم.
الاضواء فى صالة مانهاتن مازالت مشتعلة ، وعطل الصوت لم يصلح … همس في اذني جاري العجوز الضرير سائلا: صف لي غلوريا؟ في الواقع زوجة "التهلكة " توهمت بوجه الرجل لانه كان كثير الشبه بمقلص الضرير الذي كان يقود الدراجة الهوائية ويجلسني امامه لادله الطريق ، قلت للجار "غلوريا شقراء" قاطعني بحدة اعرف انها شقراء، لكنى لايكفى ان تكون المرأة شقراء لتكون جميلة .
وانطفأت الاضواء وعاد الفيلم بالصوت والصورة خرس جاري القدير وعدت لاواصل الفيلم .
تأخذ "غلوريا" الطفل الى امكنة عديدة وهي متأففة ، الطفل مزعج ، والمافيا تحوم حول الطفل وكتاب السر.
اخيرا تتعاطف غلوريا مع الطفل وتضطر لقتل بعض رجال المافيا لانقاذه .
واخيرا صرت بين الشك واليقين ، ان كانت غلوريا ماتت او انها على قيد الحياة .
جون كازافيتس هذا الاغريقي الغارق فى الديون قال : احيانا اطرح السؤال على نفسي ماذا اعمل ؟ اقول استطيع ان اعمل للاستديوهات كممثل ، كاتب سيناريو ومخرج استطيع ان أصفى لهم ، اطيعهم و«الطش» اموالهم ، اخيرا سوف لن اكون فخورا بذلك عندي تقدير كبير للمغامرات المختزنة فى ذهني، ان اعمل مع اناس يقتسمون كل شيء الفرح والصعوبات ، ارادوها ام لا، انهم انقياء لانه ليس عندهم شىء قابل للادخار، عندهم الفيلم يجب ان يكون جيدا، اما العكس يجعلهم مزيتين .
خرجت من صالة سينما مانهاتن برفقة العجوز الضرير سرت معه فى شارع 42 ورأيت كثيرا من اضواء محلات الجيس ماسكا يده ، صرخ فى اذني العجوز اسرع فى السير ونفذت اوامر الجنرال كأي جندي جبان .. بعدها صرخ بي العجوز قف وتابع هل ترى صالة السينما؟
إنها فعلا صالة سينما وتابع الضرير هل ترى ملصقات السينما؟ اجبته بنعم ، اردف : ماذا ترى؟
قلت الظلال لجون كازافيتس
سألني الضرير: هل تريد ان تراه ؟ قلت فى نفسي لم لا؟.. امتعض الرجل لصمتي وصرخ نعم أم لا؟ دخلنا سويا للصالة .
بدأ عرض الفيلم وهمس الضرير فى اذني هذا اول فيلم عمله جون فى نهاية الخمسينات . وصمت الى آخر الفيلم ، رأيت فيلما ارتجاليا فتاة شابة وكثير من الشباب مغرمون بها، اخيرا تقع فى غرام شاب ، وحين يكتشف الاخير ان نصفها اسود يهجرها دون عودة .
ادركت هنا انه قبل ان يعطى جون كيندي الحقوق المدنية للمواطنين السود فى امريكا سبقه كازافيتس فى السينما.
انتهى الفيلم ودخلت والضرير الى التواليت .
اللعنة قال العجوز يجب ان اتبول بسرعة قبل ان يبدأ الفيلم ، اجبته ضاحكا الفيلم انتهى خذ راحتك رد العجوز غاضبا: الوجوه ، قلت اي وجوه ؟
سمعت صوته دون ان اراه وهو يهتف فيلم الوجوه Faces فيلم مهم لكازافيتس ياغبي اتسمعني؟
فتحت باب التواليت المطل على صالة السينما ورأيت الصالة المظلمة وكان الفيلم قد بدأ وناديت الضرير: الوجوه بدأت تظهر اسرع .
فهرع الرجل فرحا وارتطم بالجدار واحمر وجهه ألما ومسكت كتفه ورفع يدي قائلا بكبرياء: لا داعى لعطفك قدني الى مقعد كي ترى الوجوه يا احمق .
كان الفيلم بالاسود والابيض هو الآخر، عمله كازافيتس فى عام 1968 بعد Shadows همس بأذني العجوز قائلا: كيف هي جينا رولاندز "البطلة " اجبته "انها جنية " قال ماذا تعني؟ لم اجبه وتابعنا رؤية الفيلم .
ريشاد فورست جون ساريلي رجل اعمال مهم لمع مساعده "فريدى" فريد دابير بعد نهاية العمل يذهبان الى حانة ليلية يقابلان "جينى راب " جينا رولاندز ويصطحبانها الى بيتها.. يغنيان يرقصان ويتحدثان بصوت عال .. ويضحكان واخيرا يتشاجران للحصول على جيتى…
فريدي يتنازل وينسحب .. جيني تصطدم بتعاملهما معها كأداة جنسية … وتنظر لريشارد الاخير يحس بالخوف وربما المفاجأة فى هذه الليلة ويترك جيني هو الآخر.
يعود ريشارد الى بيته ويجد زوجته ماريا " لين كاولين " يود مضاجعتها والاخري تود اصطحابه الى السينما وتتحدث عن خيانة زوجة فريدي لزوجها.. يضحكان يتشاجران اخيرا زوجة ريشارد تطالبه بالطلاق وتنسحب يتصل ريشارد بجيني رغبة فى رؤيتها.
يذهب ريشارد لرؤية جيني ليجد عندها بعض الاصدقاء تتخلص منهم جيني لتأخذ راحتها فى السرير مع ريشارد.
ماريا زوجة ويشار تصحب اصدقاءها الى بيتها ومعهم شيت "سيمور كاسل" وتتخلص ماريا من الكل لتبقى مع شيت وحدهما فى الفراش للصباح ، فى الصباح عند جيني يرفض ريشارد اي وعود او حنان.
وعند ريشارد ماريا تحاول الانتحار وشيت يحاول انقاذها يعود ريشارد الى ماريا ويهرب شيت عند رؤية ريشارد يشتم ريشارد ماريا… ريشارد وماريا يموتان بوحدة وصمت .
أدار لي رأسي هذا الكازفيتس لحكما بالاعدام على الخيانة الزوجية والتعاسة لمن لاحب له امثال جيني.. اللعنة على هذا الكازافيتس الذي حول صالات السينما الى مدارس تأهيل للعميان والتعساء امثالي كاميراته ينتعلها الممثل وتصحبه الى حيث يشاء، ايقاع متنرفز، وممثلون احبهم وقد اعطوا للشخصيات كل ملكتهم الفنية وكل ما يملكون .
انتهى الفيلم ، وقلت للضرير: لنذهب الى المقهى وبعد احتساء عدة كؤوس فى مقهى نيويوركي مغمور قال الضرير: هناك فيلم جميل لكازافيتس دعنا نراه بعد قليل .
اجبته بغضب : لا اريد دعنى اشرب ..
رد الضرير: ستندم .. شربت كأسى بسرعة ونهضت قائلا: لا أبالي سأراه فى باريس .
خرجت مسرعا وصفرت لاقرب تاكسي وهربت الى باريس تاركا افلام التهلكة والضرير معا.
في باريس هذه المدينة المتجددة دوما والتي رأيت فيها اول افلام كازافيتس بحثت كثيرا بعد سنين فى منشور برامج عرض الافلام فى الصالات كي اجد فيلما جديدا لكازافيتس دون جدوى ولو فيلما واحد "تهلكة كازافيتسية " يأرب .
وكلمة الضرير ترن فى أذني "ستندم ".
وجاءت المعجزة
اربعة افلام ، اربع تهلكات لكازافيتس ، هطلت على شاشات باريس مرة واحدة .
وقفت طويلا فى الصف الطويل امام سينما "بوبور" مقابل مركز بومبيدو الثقافي لاري "عواصف الحب " Love Streams
جون كازافيتس "روبرت هارسون " كاتب ثرى يجمع النساء فى قصره الفخم وينفق امواله عليهن هاجرا زوجته وطفله لرجل أخر.
فيما تزوره اخته سارة لواسون "جينا رولاندز" بعد طلاقها من زوجها واختيار ابنتها العيش مع الاب "جاك لواسون " و" سيمور كاسل " لم تتوقف سارة بالاتصال هاتفيا معهما من بين "هارمون " وتحلم بالعودة اليهما دون جدوى تنتهي سارة بالذهاب من بيت هارسون للعيش مع رجل أخر، تاركة هارسون وحيدا مع الخمر والمطر والليل .إنها الوحدة والتعاسة والانانية مرة أخرى عند هذا الكازافيتس .
71 ديسمبر أخز يوم لعرض فيلمي «ميني وموسكو فيتز»
Minnie And Moskowitz
وامرأة تحت التأثير
A woman Underth Influence
فى باريس آخر أيام السنة ، لن أبقى فى باريس هذا اليوم بصحبة صدى المفرقعات وهورنات السيارات وكثرة السياح واللعنة على التهلكة وافلامه .
بعد احتساء عدة كؤوس فى المشرب تراءى لي وجه العجوز النيويوركي الضرير ينهرني "ستندم " ويقود قدمي نحو صالة السينما ليرميني فى صحبة كازافيتس وفيلمه ميني وموسكو فيتز.
ومن جديد جينا رولاندز فى دور " ميني مور" امرأة شقراء انيقة ترتاد صالات السينما لرؤية افلام همفري بوجارت لقضاء الفراغ وطرد الوحدة فى لوس انجلوس "سيمور موسكو فيتز". سيمور كاسل شاب عبثي يرتاد ذات الصالات لرؤية افلام بوغارت يلتقى الاثنان فى جراج سيارات بوابة موسكوفيتز بعد مشادة بينى ميني واحد الرجال .. يدافع موسكوفيتز عن ميني يهزمه الرجل وينسحب عنهما تنشأ علاقة حب متوترة ومتقلبة بين سيمور وميني تنتهي بالزواج والاطفال .
قلت فى داخلي ان كازافيتس يشجع العزاب على الزواج فى فيلمه هذا.. وخيانة الازواج فى فيلمه وجوه يدفعهم للموت لم اعد افهم شيئا.
هذا الكازافيتس عشق الحياة والعائلة والاطفال والاصدقاء يجمع امواله من هوليوود كممثل كي يمول افلامه صور اغلب افلامه فى بيته وعمل من جراج سيارته صالة للمونتاج هذا ما قرأته في نشرة التعريف بكازافيتس عند خروجي من صالة السينما.
خرجت للشارع وفجأة احسست شعري يحترق حركت يدي بعفوية لارمي شيئا ما هبط على من السماء واذا به ديناميت كبير انفجر على بعد خطوات منى، هرولت نحو شباك التذاكر لاهرب من الواقع وهبطت نحو التواليت لافتح الباب ياللقرف هناك شخص أخر فى الداخل وجريت نحو الصالة وكان امرأة تحت التأثير A woman Under The Influence نيك "بيتر فولك " مهندس بنايات بعد عمل يومى شاق تنتظره ميبل "جينا رولاندز" زوجته فى البيت وتحضر السهرة لكليهما بعد ان بعثت اطفالهما عند امها يتصل بها نيك كي يخبرها باضطراره للعمل لساعات اضافية ولاسباب اساسية تخرج ميبل من البيت فى منتهى التعاسة متسكعة فى احدى الحانات الليلية وتصطحب احد الرجال الى الفراش الزوجي في الصباح وبعد خروج المجهول يصطحب نيك كل عماله للبيت ميبل تخدم الكل بأدب بالغ ، بعدها تحدث مشادة عنيفة بين نيك وميبل على اثرها تودع ميبل أحدى المصحات النفسية وعند خروجها يعمل نيك سهرة كبيرة فى البيت وقبل وصول ميبل يطلب نيك من الجميع مغادرة البيت إلا العائلة وعندما تصل ميبل تأمر الباقين بمغادرة البيت محاولة الانتحار وينقذها نيك وينسحبون تاركين الاثنين وحدهما ولو مرة واحدة .
انها العودة للبيت للعائلة للاطفال للسعادة "الكازافيتسية " اعطى الحرية الكاملة للممثلين فى عملهم انا لا اقودهم بل اعمل معهم ، واذا كان احد الممثلين يتمرد على حواره فى احد المشاهد صعناها انه لايحس فيا وارى الخلل فى كتابتي للسيناريو وليس فى الممثل ، اضع الهواة من الممثلين مع المحترفين كل منا فى الحياة هو ممثل يحتاج الممثلون الهواة ان يروا انفسهم ويحسوا بقيمتهم .. والمحترفون يعطون للهواة كل فرصتهم دون استعلاء، قالها كازافيتس لا اعرف اذا كانت يونانية كازافيتس قادته الى الديمقراطية فى حياته ومع ممثليه وتقنييه والديمقراطية كلمة يونانية اصلا. خرجت من الصالة بعد ان اديت "الواجب " وتواري عني شبح العجوز النيويوركي الضرير… الساعة تشير الى الحادية عشرة ليلا ، ساعة أخرى وينتهى هذا العام .. نظرت لشارع سان جرمان الملتهب بالمفرقعات وضجيج السيارات .. احد الاشخاص أمسك كتفي التفت فإذا به احد الاصدقاء الليل بادرني قائلا: هل رأيت Opening Night الافتتاح الليلى لكازافيتس ؟ أردف قائلا : غدا آخر يوم يعرض فى سينما لوكسمبرج Luxmborg
صحوت فى الصباح وجريت مسرعا نحو صالة السينما لاري "الافتتاح الليلى " وصلت لشباك التذاكر واكتشفت انني مفلس لكوني نسيت نقودي فى بنطلوني الاخر طردتني العجوز صاحبة التذاكر وذهبت الى التواليت .. وبعد دقائق ادخلتني بائعة الحلوى فى الصالة لاري "الافتتاح الليلى ".
فى الافتتاح الليلى افتتح كازافيتس ليله فى صباحي وهو لا يأبه بالزمن والجغرافيا والتاريخ ولون الانسان والايديولوجية السياسية هذا الكازافيتس المطلق فى جنونه افتتح كازافيتس ليله "بميرتل " جينا رولاندز ممثلة مسرح بين دورين مختلفين فى مسرحية "المرأة الثانية " ، "يوتل " النجمة شاهدت وبالمصادفة حادث سيارة يقتل أحدى المعجبات بها مما يولد عند "ميرتل " حالة شيزوفرينية تتقاسمم حياتها الفنية مع الشخصية فى المسرحية التي تتقاسم بطولتها مع (موريس) جون كازافيتس احد عشاقها السابقين فى الحياة والمسرحية معا.
فى العرض المسرحي يبتدع "موريس " الارتجال المباشر تتبعه "سيرتل " ليخرجا فى حوارهما عن نص المؤلف وتعليمات المخرج وليخترقا كل القواعد.
فى أفلام كازافيتس لا وجود لبطل او سوبرمان ، لا معجزات حول السينما الى حياة او بالاحري الحياة الى سينما طلق هوليوود فى اوج عظمته كممثل ونجم معروف فى امريكا ليتبنى فى افلامه «النيويوركية» الانسان واستقلالية الفنان عانى كازافيتس وعانت معه زوجته جينا رولاندز بطلة اغلب افلامه واطفالهم الثلاثة ومعهم اصدقاؤه بيتر فولك ، ابن غرارا، سيمور كاسل وكل الفنيين والمنتجين الصغار.
هذا الكازافيتس كان مجنونا «كما يسمى نفسه» فى افلامه لم يكن هناك حدث كبير أو قل بل الاكبر من ذلك هناك خيط سحرى لامرىء يعطى للواقعية سحرها من خلال معالجة سينمائية طغى عليها استخدام اللقطات الكبيرة لتثوير طاقات الممثلين .
كان الرجل والمرأة كانت العائلة كانت النهايات السعيدة والتعيسة معا.
قرف كازافيتس المثالية ولم يمثل فى حياته دور المعلم الرائد والادءاء الفارغ .
اذا كانت اغلب افلام كازافيتس لم توزع فى امريكا وذلك ليس لاسباب امنية بل انتقامية (وجرا لأذن )من الموزعين الهوليووديين لخنق كازافيتس ماديا ومعنويا، الكل يخافون المجهول فترك
كازافيتس نهايات افلامه مفتوحة كأفكاره وقلبه وجيوبه .
فى افلام كازافيتس الاثني عشر تبكى وتضحك تصرخ اوتعني تجرح وحتى تتقيأ من فعل كاميراته التي تتوغل فى اعماق شخصياته فى فيلم الازواج Husbands مثلا اثناء المشهد الارتجالي فى لندن بين كازافيتس بيتر فولك وبين كزارا علق كازافيتس : الثلاثة يتقأون ليس لانهم سكارى.. انهم يسكرون كي يتقيأوا لاجل صديقهم الراحل .
اذا مات احد اود ان اشعر تجاهه بشىء ما اريد ان اكون فى منتهى الغضب كي استطيع ان ابكيه ، اتقيا لاحس بفداحة موته .
شخصيات كازافيتس تخلع اقنعتها اليومية كي تودعنا كل معاناتها… عبثها… جذلها… تمنحنا ثقتها المطلقة دون ان توقع معنا عقود الثقة كما هي الحال بين طبيب نفساني واسرار مرضاه .
فجاء حرص كازافيتس ان يتقاسم مشاعره مع الجمهور وهنا يكمن عطاؤه الكبير فى افلامه
قال كازافيتش الفيلم ليس الحياة انه مجرد شريط فلهذا الفيلم يتوجب عليه دائما حتى مضطرا ان يكون منتهى الواقعية كى نقبله بضحكه وبكائه فشخصياته يجب ان يشارك ونكون معنيين بما فيه دون رياء او كذب، الجمهور يود ان يضحك كثيرا ويبكى ايضا يا للمعجزة ان تنجح في التعبير عن شيء في فيلم
هل افلام كازافيتس هي مراة لحياته ومبادئه نعم انها ضرورة وجوده من خلال افلامه وليس واجبا حزبيا او خدمة عسكرية الزامية تؤدي للحروب وهلاك الانسان.
لم تكون افلام كازافيتس ميلودرامية في مواضيعها وشخصياتها بل تمثل كوميدية الموت، الحب والحياة كما يقول.
افلامه تمس مشاعرنا تمتعنا بالرغم من خطورة مواضيعها الاجتماعية العنصرية والعائلية على العكس من الافلام الامريكية الهوليودية التي يستخدمون فيها هذه الحقيقة اليومية كي يعطونا جرعة مخدر باصطحابنا بعوالم الخيال والاحلام كأفلام فرانك لجارا – مكاري وسترغ ، كازافيتس يجعلنا نضحك على هذه الحقيقة حقيقتنا.. وكازافيتس يأخذ حويته فى التصور فيما يتعلق بزمن اللقطة واظهار الديكور كاملا، خرق كازافيتس تقاليد السينما الواقعية والانطباعية معا، ففي افلامه الواقعية نجد الكثير من اللقطات الكبيرة وهذا ما يتعارض مع سينما الواقعية … اما الارتجال فى الممثلين فى افلامه فلا يتجاوزمع ديكتاتورية ميتشكوك وفلييتى وكلاهما من كبار المخرجين .
وهنا من الاسباب الاساسية فى اختلافه مع هوليوود كما قال كازافيتس "اختلف مع الممثلين ولكن ادع لهم الحرية الكاملة فيما يفعلون فلهذا السبب لا اريد العمل مع كبار الشركات الهوليوودية لانهم يقطعون السيناريو الى شرائح ويتحكمون فى كل شىء لاسباب مادية ".
قالت عنه جينا رولاندز زوجته وبطلة سبعة من افلامه جون ممثل ويفهم الممثلين ومعاناتهم ، انه الخوف … خوف الممثل وخشيته من عدم استطاعته تجسيد شخصيتها بشكل صادق قد يكون هذا شيئا ثانويا بالنسبة للآخرين … ولكن بالنسبة لنا هو شىء مهم .. كل ممثل يعبر عنه بطريقته المخرجون الآخرون يعتبرون الممثل مجرد اداة او شخص الى "ربوت ".
وجون يعرف اين تكمن المعضلة ويعد نفسه لاحتياجات ممثليه: مع البعض يجب ان يكون صعبا وقاسيا كي يجعلهم يخشون المخرج اكثر من خشيتهم من انفسهم وهناك ايضا ممثلون فى منتهى الحساسية تجاه تقدير المخرج لموهبتهم كل الممثلين فى العالم يجب ان يتجاوزوا جدار الخوف كلهم يحتاطون من المخرج وجون يعتبر هذه الحيطة مشروعة ولكنه يود دوما ان يكون الممثلون جبهة واحدة ضد المخرج فى الوهلة الأولى يعطى جون اية تعليمات للممثلين حتى لو طلبوا واصروا على ذلك .
جون ينتظر من الممثل ان يأتي جاهزا للاستوديو مع فكرة محددة عن معرفته بالسيناريو وكيفية اداء شخصيته وهذا لايعنى ان يتعلمها بين ليلة وضحاها ، بل بالاحري دراستها عندما نتمرن واثناء قراءتنا للسيناريو حول طاولة عشرة مرات او اكثر يتبادر للذهن اننا خرجنا بنتيجة وجون يحب الممثلين المستقلين وبعد وقت طويل يعطى التعليمات للممثلين لا اعرف كيف يفعل ليتوصل لوصفته الفنية الناجحة مع ممثليه ؟
سبب أخر فى اختلاف كازافيتس مع هوليوود هو تكنيكه التبع فى افلامه .
زوايا تصويره شائنة كادراته غير منتظمة صورة مشوهة الصوت والضوضاء حول شخصياته غير مفهومة .
في هوليوود كل شىء مصنوع بطريقة مثالية من الصورة والصوت ، عدا ان كازفيتس كان فقير الامكانيات فى فيلمه الاول الظلال قال كازافيتس تم التصوير فى الشارع كان الصوت سيئا للغاية تسمع الضوضاء وحديث المارة صدمنا بالنتيجة ولكن انا لم اكن اعرف كيف تحصل على صوت نقى وواضح واتذكر جيدا الوقت الطويل الذي امضيناه فى صالة المونتاج ان نحاول مرارا ازالة هذه الضوضاء السحرية دون جدوى خرج الفيلم كما هو وبعدها صارت الموضة تلك الموضة التي تأثر بها غودار فى فرنسا فى افلامه الأولى الصوت المباشر اثناء التصوير.
هذه الموضة التي مقتتها هوليوود
هوليوود هذه البنك الكبير وظفت السينما كتجارة وصناعة وفن لخدمة اغراضها الميكافيلية المشروعة ولا ينكر ان هوليوود اعطت الكرة الارضية افلاما واحلاما اسكرت سكانها من القطب الى القطب .
ورغم ما اعطاه كازافيتس من 12 فيلما، 12 منبها لا يكفى ان يصحى سكان الارض من غفوتهم الهوليوودية نستطيع تسمية كازافيتس بمخرج افلام للطبقة المتوسطة الامريكية بكل تناقضاتها وبكل جرأة وحب دون التطرق فى افلامه الى الثرى والمسحوق الامريكي لم يكن كازافيتس نابغة فى اعطاء دروس دينية او اخلاقية واظهار صورة "امريكا الفاضلة " فى افلامه واكيد سوف يغفر له مكارثى ذلك الجميل .
عملت فيلمي الروائي الطويل الاول في باريس وقررت اهداءه الى " التهلكة ".
اثناء المونتاج تلقيت نبأ وفاة أبى فأهديت الفيلم لأبى ولكازافيتس عسى ان يتلاقى الاثنان فى العالم الآخر ليختلط صخب أبى بجنون "التهلكة ".
تعريف
ولد جون كازافيتس عام 1929 فى امريكا عن ابوين يونانيين دخل استديو التمثيل كممثل سرعان ما اداره كمعلم .
عرف كممثل هوليوودي معروف فى افلام الاوغاد الاثني عشر وروز ماري ببيي وافلام أخرى كثيرة .
بداية 1959 كرس امواله كممثل هوليوودى لصنع افلامه النيويوركية المستقلة بالتواطؤ مع زوجته الممثلة جينا رولاندز بيتر فولك بن كزارا وسيمور كاسل وغيرهم من الممثلين واصدقائه التقنيين ، عرف كازافيتس كمخرج فى اوروبا اكثر مما فى بلده امريكا عمل 12 فيلما نالت جوائز عالمية منها الاسد الذهبي فى مهرجان فينسيا فى ايطاليا على فيلمه "غلوريا" Gloria.
انطفأ كازافيتس فى شباط 1989 اثر اصابته بالسرطان .
سلام العمار- باريس