1
تلمع المقاعد الخشبية شبه الخالية من الجالسين؛ بطلاء يظهر جمال عقد ثمرة الخشب, تنتشر تلك المقاعد في أرجاء الحديقة العامة التي تحتل مساحة نصف فدان على الأقل, الحديقة ممتلئة بأشجار يشار إليها عبر يافطة بأنها أشجار نادرة, فعلى اليمين شجر ليلك ولوز مر, وعلى اليسار شجر بتول سامق وممشوق بأوراق نحيلة خضراء, وفي الوسط تتربع شجرة تين بنغالي هائلة الحجم يهيأ لعيون الجالسين في هيام الحب؛ أن فروعها تخترق السحاب! وبين الممرات هناك الكثير من الأحواض المزروعة بالفل والجارونيا والريحان والأجاسيا, وغيرها من الزهور المتعددة الألوان والأشكال, يطل من بينها الورد البلدي الأحمر وكأنه سيد الزهور في كل الأحواض.
البنت فقيرة الجمال, والجالسة على المقعد الخشبي، تبدو وكأنها تتملى زهور شجرة العناب الأبيض الرقيقة والتى تتوسط زهرتها بذرة سمراء تشبه حبة القرنفل, لكنها في الحقيقة تتملى الوجوه الداخلة من بوابة الحديقة بحذر بالغ واضطراب.
باب الحديقة الحديدي عريض ويطل على الشارع العمومي الواصل بين أول المدينة وآخرها. منذ العاشرة صباحًا تبدأ عربات الأجرة بالتوقف أمام الباب, ينزل الأحبة أيديهم بأيدي بعضهم منتشين بصوت زقزقة العصافير المتنقلة بخفة بين أفرع الشجر الأخضر, في ذلك التوقيت تكون الحديقة في أوج زينتها, مرشوشة ممراتها المتربة بالماء, ومسقية زهورها من قبل البستاني, وبمجرد نزول الأحبة؛ تكمل العربات طريقها إلى نهاية المدينة حيث المقابر التي تستقبل هي الأخرى زائريها, المؤقتين والدائمين دون موعد!
من غرفة بوفيه الحديقة الخشبي؛ تشدو ليلى مراد بصوتها الناعم عبر الراديو الفيلبس الأخضر تعلن على الجالسين أن الحب جميل ….
تنهض البنت حائرة العينين من مقعدها وتسير على ممر مبلط, طولها معقول وشعرها الأسود الفاحم يرتمي خلف ظهرها مفرودًا, بخجل تتوقف لتسحب لأسفل حزامًا عريضًا يحيط بخصرها الرفيع؛ ثم تعاود التقدم بتعثر مخافة الوقوع جراء كعب حذائها العالي الذي لم تعتده, وحيث مقعد يتوسط الحديقة تجلس وعيناها على البوابة.
الشمس تخترق الأفرع الجافة لشجرة التين البنغالي الضخمة, راسمة على الأرض السمراء بقعًا من ضوء تُمَاثِلُ-فِي غير تمام-فراغ الفروع. البنت التي تنتظر؛ تداعب شعاع الشمس وتصنع بأصابع كفها؛ ظلاً لطائر يتحرك على الأرض وتبتسم دون تفريط نظرها في تملي القادمين.
عامل بوفيه الحديقة النحيف؛ يسير بخطوات مسرعة، ويشد إلى حجرته الخشبية خرطوم الماء بعدما انتهى البستاني من عمله, وخلال دقائق يخرج البستاني بمقصه الأصغر ليقطع بعض الزهور, وعلى إثره يخرج عامل البوفيه رافعًا بباطن كفه؛ صينية نحاسية عليها كوب شاي وزجاجة برتقال كتلبية لطلب عاشقين، ورغم بعده عن البنت ذات العيون الشغوفة؛ فإنه يتابع بطرف عينيه سبابة يمناها، التي تدور حول سبابة يسراها, في حركة لا يقطعها سوى النظر في الساعة والالتفات إلى البوابة.
عندما يرى البستاني شغف البنت بالزهرة الحمراء التي قطعها من الحوض يبتسم ويهديها لها, تشم البنت الزهرة الندية ثم تأخذها في حضن صدرها الملهوف, وبعد وقت يقترب عامل البوفيه منها بعد الانتهاء من تقديم ما يحمله لزبائنه، ينظر لها بألفة ويبتسم:
ماذا تشربين, يا آنسة؟
= عصير ليمون, لو سمحت.
يسرع عامل البوفيه إلى حجرته الخشبية, يضرب بالصينية الفارغة على جانب ساقه اليمني في حركة تشي بتوتر ملحوظ, وكلما التفت للبنت, وجدها غير عابئة بالنظر إليه, فعيناها ما زالت تتطلعان بشغف إلى الباب الحديدي. عامل البوفيه لم يزل يتابعها بعينيه وهو يشرب شايه خارج حجرة عمله, وعندما ينتهي، يرمي ما تبقى في الكوب من «تفل» ، وينهض إلى داخل حجرته، واضعًا على الصينية النحاس كوب الليمون, مقبلاً تجاهها بعين محدقة ووجه مصمم:
تفضلي.
في أثناء التقاطها الكوب, تلمح تحديقه غير العادي, فتسأله بضيق وغضب:
لماذا تنظر هكذا؟!
= كل خير والله، أنا أأأ…
تتقطع كلماته على طرف لسانه؛ فيستدير راجعًا لحجرته محمر الوجه وقد ابتلع كلامه الذي كاد ينطق به.
ترفع البنت رأسها مسرورة؛ حين تلمح شابًا حلو الملامح يدخل وحيدًا، تجفف العرق عن وجهها الخمري الملطخ بالأصباغ وقد شعرت بصدرها يعلو ويهبط وسط تلهف عينيها الضيقة المكحولة المتابعة لخطوات القادم, لكنها تزفر بغضب بعد انحراف الشاب عنها, استجابة لنداء الفتاة الجالسة في الركن المنزوي.
كل حين تأخذ البنت رشفة من كوب الليمون وعينها الحائرة مازالت تتابع الداخلين من باب الحديقة يقطعون تذكرتي دخول ويبحثان بعيونهما عن مقعد خالٍ, وفور أن يجلسا يأخذهما الحديث الخافت والنظرات الخجولة التي تفضح عطشهما للحب الذي لم تذقه الفتاة مرة.
الوقت يمر سامحًا لأشعة الشمس أن تخترق أفرع شجرة التين أكثر؛ فتكبر مساحة بقع الضوء الساقط على الأرض. البستاني يدخل غرفة عامل البوفيه ويخرج وقد ارتدى ملابس الخروج قابضًا بكفه على ما قطفه من الورود الملونة.
عامل البوفيه النشيط يُقبل, ملبيًا إشارة الزبائن الذين بدأ بعضهم في النهوض، يحييهم مبتسمًا وهو يلتقط النقود التي طلبها، ثم يجمع الأكواب والزجاجات الفارغة من فوق المنضدة وعيناه تتابعان البنت التي هوت من بين يديها وردتها الحمراء أثناء شرودها, تنحني لالتقاطها, وعندما ترفع رأسها ترى الشمس وقد احتلت الأرض بكاملها؛ محركة ظل الشجرة في اتجاه آخر.
معظم الداخلين أخذوا ينهضون بعد أن لسعتهم الشمس، ومع مغادرة آخر شخص للحديقة، ترفع البنت رأسها وتزفر في يأس، تبحث بعين عن عامل البوفية، وبالأخرى ترمق البوابة المفتوحة بأمل أخير؛ لتتفاجأ بعامل البوفية يقف أمامها، تخرج ورقة نقود وتمدها له؛ فيبلع ريقه، وبصوت مرتعش يهمس:
آنسة ليلى، أنا من اتصل بك، وحدد الموعد.
فترفع وجهها فقير الجمال وتتملى لأول مرة وجه عامل البوفيه القمحي وعينه السمراء الممتلئة بالإعجاب والتوتر, وعندما يفاجئها بطلب يدها, تخفض رأسها ولا ترد, ثم تغادر الحديقة ببطء وهي تفكر هل تلحق بآخر عربة رثة في قطار الزواج, أم تبقى مع أمها في الشقة الخالية تأكلهما الوحدة؟
2
المقاعد ما زالت تبرق بلمعة خفيفة لعقد ثمرة الخشب؛ رغم الحروف الكثيرة والأسماء داخل قلوب نحتها المحبون, في أرجاء الحديقة وعلى حواف أسوارها اقتلعت بعض الأشجار النادرة فور جفافها, كالليلك واللوز المر, كما هذبت شجرة البتول فصارت نحيفة أكثر من اللازم, وبين ممرات الحديقة ردم حوض بعيد كان مزروعًا بالفل المجوز والأكاسيا, لكن الورد البلدي الأحمر ظل كما هو؛ سيد الزهور في أحواض الحديقة.
تَجْلِس الزوجة على المقعد الخشبي, وقد ارتدت فستانًا واسعًا لونه أزرق؛ يتسع لراحة بطنها المنتفخة بالحمل، مستظلة بشجرة التين البنغالي الضخمة والتي هبطت جزوعها المتعرجة لتمتص غذاءها من التربة, بابتسامة ناقصة تنظر إلى الشجرة الممتلئة بأعشاش العصافير الحائرة تتنقل بين الفروع. أفرع الشجرة الوارفة يتساقط منه ما يشبه التين الضامر لكنه أحمر، تستدير الزوجة برأسها, مشيرة لزوجها عامل البوفيه القادم من بعيد في خطوات مسرعة، فيحييها بكفه مبتسمًا, ويكمل سيره إلى داخل حجرة البوفيه الخشبية، والتى تهتز تحت وقع ضربات كعب الغزال التي يشدو بها محمد رشدي من كاسيت كبير غير مألوفٍ للعين.
تخرج الزوجة مرآتها الصغيرة لتصلح بطرف منديل ورقي فَضل طلاء شفتيها الحمراوين، ورغمًا عنها تسأل نفسها في المرآة كالعادة؛ عن صواب ما فعلته عندما هربت لتتزوج رغمًا عن أمها, وسط تعجبها من القدر الذي جمعها بزوجها إثر اتصاله العشوائي الأول والذي أضحى متكررًا بعد أن تعرى عطشه للحب وعطش صوتها الناعم للزواج! وقبل أن يأخذها الشرود, تدس المرآة في حقيبتها بسرعة, حتى لا يلمح زوجها الخارج توًا من كشكه الخشبي فيغضب. بعد أن يلبي زوجها طلبات زبائنه، يقترب منها ناظرًا وبابتسام يقول:
انهضي واتصلي بأمك, وبإذن الله سترد.
يتركها مسرعًا إلى حجرته التي دخلها قبله البستاني ليرتدي ملابسه بعد أن حصل على إجازة في الغد ليكشف في الوحدة الصحية عن سر ارتعاشة يده كلما أمسكت بمقص تقليم الزهور. تنهض الزوجة متثاقلة إلى حجرة إدارة الحديقة، تستأذن الموظف قبل التقاط سماعة الهاتف، تطلب الرقم ثلاث مرات متوالية, وعندما تيأس من سماع رد؛ تضع السماعة وتعود ببطء إلى مكان وقوف زوجها أمام باب الكشك الخشبي وتخبره:
– قلت لك إنها تعرف أنني المتصلة, لذا يرن جرس الهاتف ولا ترد.
– غدًا ترجع المياه لمجاريها وتغفر لكِ.
مع كل رشفة من كوب شايه, يسحب نفسًا عميقًا من سيجارته, ثم ينهض متثاقلاً إلى حجرته، فتتطلع وهي جالسة إلى زهرة حمراء ملتصقة بفرع ضخم من شجرة البوبسيانا؛ تُباغَت بسقوطها؛ فتتابع الزهرة بشغف وهي تطير في الهواء حتى تستقر على الأرض، ولحظة تنهض لالتقاطها يباغتها الألم؛ تصيح على زوجها، الذى يركض قاصدًا حجرة الهاتف الأرضي, يطلب بصوت مرتعش عربة الإسعاف، التي تأتي أسرع مما يتوقع، تتساند على زوجها وهي تتأوه, حتى خروجها من البوابة المفتوحة وركوبها عربة الإسعاف التي يلتف عليها بعض الزائرين فور أن تقف أمام باب الحديقة المفتوح على وسعه.
3
شجرة التين البنغالي الضخمة قُلِّمَتْ فروعها وجذوعها المتدلية بقسوة؛ فجفت أوراقها وهجرتها العصافير. المقاعد بلا لون وفى وضع رث, جعل الزبائن يهجرون الحديقة إلى أماكن أخرى, إلا القليل من المسنين الذين يأتون؛ لاستعادة الذكريات المختبئة في أروقة المكان.
تَجْلِس الأرملة واضعة نهاية طرف إيشاربها الأسود على الأنف، متجنبة استنشاق الغبار الآتي مع هبات رياح الخريف، تشد حروف إيشاربها الأسود على رأسها وتنادي بغضب على ابنها الذى يحاول تسلق شجرة البوبسيانا؛ فيقبل إليها غاضبًا.
معظم شجر الحديقة اقتلع وأحواض الزهور جفت لسبب لا يعلمه سوى البستاني الجديد! والذي لا يهمه سوى التوقيع في دفتر الحضور والانصراف,
تحضر الأرملة على الصينية النحاسية طلبات لسيدة عجوز وزوجها, ومن غرفة بوفيه الحديقة يأتي صوت عدوية الراقص يخبر السامعين أن الناس بالخارج «كله على كله»!
الرياح الشديدة تسقط من الفروع الهشة لشجرة التوت البنغالي؛ عصيًا رفيعة؛ فيلتقط طفلها من الأرض عصًا، يضعها في فمه كأنها سيجارة، فتهرول إليه الأرملة عندما تراه، تلطمه على خده, وتتركه يبكي، تدخل إلى الغرفة وتخرج إلى رجل كالح الوجه يجلس بمفرده، تضع له فنجان القهوة على الطاولة؛ فيحاول ملامسة كفها:
هل فكرتِ؟
تسحب كفها بسرعة, وتستدير متأففة من وجهه الممتلئ بالبثور؛ غير عابئة بالرد على كلماته:
غدًا, المزاد وستأتين زاحفة.
تسحب ابنها الباكي من يده، تدخل إلى الحجرة الخشبية وتجهش هي الأخرى بالبكاء، ماسحة-بعد وقت طويل-دموعهما بطرف طرحتها السوداء، ومن فتحة الباب الواسع تخرج وهي تمسك الصينية النحاسية وعليها كوبا شاي وينسون, مخلفة وراءها ظلاً قصيرًا.
الرجل يتلصص على تفاصيل جسمها المختفي داخل الجلباب الأسمر، يبلع ريقه بنهم وينهض مقتربًا منها، يحدق في عينيها بشبق؛ فتخفض عينيها في ضيق، ينفس الرجل بكلمات يحمر لها وجهها، وهو يخرج لها ورقة النقود، يظل يحركها بيديه لمنعها من التقاطها بسهولة، وفور التقاطها للورقة تعطيه الباقي وتستدير متأففة تلعنه في سرها، وتظل عينا الرجل متطلعتين لردفيها المترجرجين في الجلباب, وحين تبتعد، يخرج من الباب المفتوح على وسعه, بعد نداء البستاني الشاب عليه.
بجهدها المتواضع تلبي طلبات الزبائن, وحين ينهكها السعي، تجلس على المقعد الخشبي المتفصد, تضع رأسها على راحة كفها المنبسطة، وهي تبصر في الشارع عربة موتى تحمل نعش أحد المتوفين تلحق بها عربات أجرها أهل الميت للحاق بالدفنة, فتتذكر تفاصيل يوم جنازة زوجها والذي مات بلا سبب وأمها التي ماتت بعده بأيام بعد أن صالحتها وغفرت لها طيشها. وعندما تفيق من شرودها تفكر في مصيرها وهي الأرملة الفقيرة, عندما تعرض الحديقة كلها للانتفاع.
وحينما ترى أن الحديقة صارت خالية بعد انصراف العجوزين, تذهب إلى غرفة البوفيه لترمق البراد والأكواب والكنكة والبابور بنظرة حزينة, وتخرج مغمضة عينيها إثر هبات التراب التي أحدثتها الرياح. وبصوت حزين تنادي ابنها المشغول عنها باللعب, فيأتيها بعد وقت, تأخذه من يده ويخرجان ببطء من باب الحديقة التي يعمها الصمت, وتضرب الرياح أفرع شجرها الجاف بقوة.
4
شجرة التين البنغالي العجوز استأصلوها بأمر من مالك الحديقة الجديد؛ وغرسوا مكانها نخلاً بلاستيكيًا, بداخله لمبات ملونة تضيء في الليل آليًا، تَجْلِس العجوز شاردة وهي تحني رأسها على مسند المقعد الجديد، تنظر مرة إلى السماء الملبدة بالغيم، ومرة لابنها الذي صار طول أبيه, يضبط ببيونه الأسود على ياقة قميصة الأبيض, ويتحرك ناحية الزبائن, بكفه قلمٌ وفي الأخرى نوتة ورقية:
أمرك, يا باشا.
= قهوة زيادة, يا ابني.
تنظر العجوز إلى ابنها من بعيد وتطبق شفتيها في ألم، لكنها تغالب حزنها, وتستجمع قواها وتنهض، تسير بتثاقل إلى أول جالس، وعندما تهم بإلقاء ما بيدها من ودع؛ تمنعها يد الجالس، وتعطيها ورقة نقود مشيرة إليها بالانصراف؛ فتأخذ النقود وتسير بتثاقل لمنضدة أخرى.
النخلة البلاستيكية ترسم على الأرض ظلاً لخيال مآتة، والسماعات الضخمة المثبتة في أركان الحديقة تنبعث منها أغنية أجنبية راقصة، تتمايل الشابة الجالسة كفها بكف صديقها, انسجامًا مع الإيقاع الصاخب، الشابة تأخذ نفسًا من سيجارتها الأجنبية, مطلقة الدخان في وجه صديقها في ابتسام ونشوة، وفور استئذان صديقها لدخول الحمام، تخرج هاتفها وتكلم شابًا, وعندما تلمح صديقها مقبلاً، تغلق الهاتف وتدسه بسرعة في حقيبتها, ثم ترسل إلى صديقها قبلة عندما يقترب، يردها صديقها إليها؛ فتبتسم.
الشاب ابن السيدة العجوز يسير رافعًا بكفه صينيةً معدنيةً لامعة, عليها فنجان قهوة وزجاجة ماء، ورغم بُعد أمه عنه، فإنه يحرسها بطرف عينيه، يضع ما يحمله على المنضدة سائلاً الجالس عن أية خدمة أخرى يؤديها؛ فيشير له بالانصراف، يقترب من منضدة الفتاة التي دخنت آخر سيجارة من علبتها, فتخرج له الفتاة ورقة نقود؛ ليشتري لها علبة من نفس النوع.
يشتريها الولد ويقتنص بضع دقائق، يسند فيها ظهره المتعب على الجدار، ليشرب كوب شاي ويدخن سيجارة وهو ينظر لصورة مضيئة لرجل أعمال شهير تقول أمه إنه كان يعمل في الحديقة, يشرب الشاب شايه بسرعة قبل أن يلمحه مدير الحديقة وينهره، وفور أن ينتهي، يرمي ما بقى في الكوب من «تِفْلٍ»، ويسير ليعطي الجالسة علبة السجائر.
فتقترب أمه من نفس المنضدة, ترمي صدفها البحري أمام الشابين, وتلمه بكفها النحيلة، مخبرة البنت – التي تنفث الدخان في وجهها – بكلمات تحفظها عن المصير, وفور أن تنتهي ورديتهم تستند السيدة العجوز على ابنها ويغادران الحديقة من بابها الواسع في اتجاه المقابر التي صارت تستقبلهم كساكنين.
هاني القط