الفصل الأول من هذا الكتاب عنوانه: جان جاك روسو ذلك المجنون. وفي الصفحة الأولى منه. التي تعد الصفحة الأولى من الكتاب نفسه. الذي جاء بدون مقدمة سواء من المترجم أو المؤلف. أو حتى تنويه من الناشر. في هذه الصفحة الأولى التي تعد المصافحة الأول بين القاريء والكتاب يقول المؤلف.
"شهدت المائة عام الأخيرة نموا متزايدا لأثر الدور الذي يقوم به المثقفون. وفي الحقيقة فإن صعود المثقف العلماني كان عاملا أساسيا في صياغة العالم الحديث. وهو أمر إذا نظرنا اليه من المنظور الطويل للتاريخ لوجدنا أنه يعتبر ظاهرة جديدة. صحيح أن المثقفين في صورتهم الباكرة. كرجال دين وكتاب ووعاظ. كانوا قد رسخوا الزعم بأنهم يرشدون المجتمع ويهدونه منذ البداية. ولكنهم كحراس للثقافات الكهنوتية سواء كانت بدائية أو متقدمة – كانت اجتهاداتهم الاخلاقية والايديولوجية تتم في إطار التقاليد الموروثة. وفي حدود السلطة الخارجية أي أنهم لم يكونوا أرواحا حرة ولا عقولا مغامرة. وما كان بامكانهم أن يكونوا كذلك. وبانهيار السلطة الكهنوتية في القرن الثامن عشر. ظهر نوع جديد من المعلمين الأوصياء ليملأ ذلك الفراغ ويسيطر على آذان المجتمع".
ويصل الى القول:
"ولأول مرة في التاريخ الانساني. وبثقة كبيرة وجراءة متزايدة. نهض أناس ليؤكدوا أنهم قادرون على تشخيص الأسقام بالعمل فقط. والأكثر من ذلك أنهم يستطيعون استنباط صيغ تمكنهم من تعديل عادات البشر الأساسية الى الأفضل. وليس بناء المجتمع فقط ".
ولكن المؤلف يقفز من الصفحة التالية مباشرة الى طرح الأسئلة. وذلك قبل استعراض حالة المثقفين الذين يتناولهم في هذا الكتاب ويتساءل:
هل كانوا – يقصد جماعة المثقفين – أمناء في علاقاتهم الجنسية وتعاملاتهم المالية؟
هل كانوا يقولون الحقيقة ويكتبون الصدق؟
الفكرية الخاصة أمام اختبارات الزمن وفي التطبيق العملي؟
هذا ما يقوله المؤلف في صفحتي الكتاب الأولى والثانية ولكن تعال لنقرأ ما كتبة – نفس المؤلف في آخر نفس الكتاب بالتحديد في الصفحة قبل الأخيرة منه. وهي صفحة 355.
وهي التي تقع في أخر الفصل الأخير من الكتاب ورقم الفصل الثالث عشر. وفد خصصه لمجموعه من الكتاب المعاصرين هم: جورج أرويل. سيريل توتر يلي، ايفلين رو، نورمان مايلز. كينيث ثنيان. رايزفاسنبدر جيس بولدوين. نعوم تشوموسكي. وهذا الفصل هو الوحيد الذي يخصصه المؤلف لعدد من الكتاب في حين أن كل فصل كان مخصصا لكاتب واحد.
يقول المؤلف. في أواخر هذا الفصل:
والآن. نحن عند نهاية التساؤل. مائتا عام تقريبا مرت فقد بدأ المثقفون العلمانيون يحلون محل الاكليروس القديم لهداية البشرية وإصلاح أحوالها. وقد فحصنا عددا من الحالات الفردية. لأولئك الذين حاولوا تقديم النصح والارشاد. فحصنا مؤهلاتهم الأخلاقية، وقدراتهم على الحكم من أجل تحقيق ذلك الهدف. وعلى نحو خاص تحرينا موقفهم من الحقيقة ووسائلهم للبحث عن الدليل وتقديمه ومواقفهم لا من الانسانية بشكل عام. وانما من البشر على نحو خاص. كيف يعاملون أصدقاءهم؟ زملاءهم؟ خدمهم؟ وقبل ذلك كله – أسرهم؟ كما تعرضنا للنتائج الاجتماعية والسياسية للعمل بنصائحهم.
وبعد هذا يصل المؤلف الى الحكم المطلق. ليكتب:
– أعتقد أنني ألمس اليوم تشككا عاما من الناس عندما يقف المثقفون ليعظوا. وهو اتجاه متنام بين عامة الناس، لا توجد كلمة واحدة في الكتاب عن العامة وموقفهم من المثقفين وتغير هذا الموقف ولم يدرس المؤلف هذه القضية طوال كتابه. ومن الصعب الغاء مثل هذه الحقيقة الخطيرة في آخر الكتاب وكأنها حقيقة مسلم بها.
يكمل: إن الاتجاه المتنامي بين عامة الناس في أن يختلفوا حول حق الاكاديميين والكتاب والفلاسفة مهما كانوا بارزين من أن يقولون كيف نسلك وكيف ندبر أمورنا؟
والمعتقد السائد أن المثقفين ليسوا أكثر حكمة ولا أكثر قيمة – كمصلحين – من السحرة أو رجال الدين القدامى.
وأن من هذا الرأي. هذا الشك. فأي مجموعة من الناس في الشارع يتم اختيارهم عشوائيا من المحتمل أن يقدموا لنا آراء وأفكارا معقولة من الأمور السياسية والأخلاقية. تماما. مثل أي عينة من المثقفين. مرة ثانية لا يقدم لنا المؤلف الدليل على هذا الحكم القاطع والخطير والذي لا تسنده أي أدلة أو دراسات. والذي يجافي الواقع ويقف ضده. لأنه من المعروف أن الانسان العادي في زماننا لا يهتم بالأمور البعيدة عن حياته. بل ان ضغوط الحياة اليومية. تحرمه من نعمة الخيال التي تمكنه من تناول أمور السياسة والأخلاق.
ويستطرد المؤلف في هذه الأحكام العامة:
– بل لعلني أذهب بعيدا لأقول: أن أحد الدروس الرئيسية التي تخرج بها من هذا القرن المأساوي الذي شهد التضحية بملايين من الابرياء في مشروعات لتحسين أحوال البشرية هو:
– حذار من المثقفين ! لا يكفي أن يظلوا بعيدين عن مجال السلطة. بل يجب أن يكونوا دائما محل شك كلما حاولوا أن يتصدوا للنصح الاجتماعي.
حذار من اللجان والمؤتمرات والجماعات واتحادات المثقفين ! لا تثق بالبيانات التي تصدر من بين صفوفهم المسننة لا تصدق شهاداتهم عن القادة السياسيين أو الأحداث المهمة لأن المثقفين علاوة على أنهم أناس فردانيون وانشقاقيون لدرجة كبيرة. في إنهم يتبعون أسلوبا معينا في سلوكهم عندما تتناولهم كمجموعة تجدهم غالبا متطابقين أكثر من اللازم داخل الدوائر التي يكونها أولئك الذين يقدرونهم أو يبحثون عن رضاهم. وهذا ما يجعلهم خطرين عندما يجتمعون حيث يساعدهم ذلك على خلق مناخ عام سائد من الآراء والأفكار التي تؤدي الى مسارات غير منطقية ومدمرة. وقبل ذلك طه علينا أن نتذكر دائما ما ينساه المثقفون عادة: الناس أهم من الأفكار. الناس أولا. وان أسوأ أنواع الاستبداد هو استبداد الأفكار الذي لا يرحم.
تلك هي الكلمة الأخيرة في هذا الكتاب الضخم وبعدها. بيان دقيق بـ 79 مرجعا عاد اليها المؤلف من أجل أن يوثق الوقائع الخطيرة التي نسبها الى المثقفين الذين صبغوا لنا هذا العصر بكل ما فيه.
وما بين المقدمة المتفائلة والتي ترصد صعود المثقف وقيامه بدور أساسي في قيادة البشرية: خلال المائة عام الأخيرة. وما بين التحذير في الخاتمة الذي يذكرنا بمحاكم التفتيش. من العصور الوسطى تدور مهمة هذا الكتاب ويمتد دوره وتقدم رسالته التي كتب من أجل ايصالها للناس.
وقبل قراءة هذا الكتاب. كنت أتخيل عبارة: "كلما سمعت كلمة مثقف تحسست مسدسي". وهي العبارة الشهيرة التي قالها جوبلز وزير اعلام هتلر. وكانت ترن في إذني عبارة: "امسك مثقفا" التي هي جزء من واقعنا العام في العالم الثالث. وكنت أقول لنفسي ان المجتمعات المتقدمة التي نبت تقدمها على مغامرة العقل لا يمكن أن تفكر – مجرد تفكير – في مثل هذا الكلام.
ولكن هاهو الغرب الذي يعايرنا كل يوم بالمواقف التي تتخذ ضد المثقفين من بلادنا. يقع في نفس هذه المشكلة. بل ويمارسها بصورة ربما كانت أكثر فظاظة من هذا الذي يتم في بلادنا.
في البداية تصورت أن هذا الكتاب ربما يقع تحت طائلة الهجوم غير المبرر على نجوم اليسار في الأدب والفن. وهذا الهجوم كان يقف وراءه ويدعمه وربما يموله اليمين الغربي.
ولكن هذا الهجوم. لا مبرر له الآن. واعتقد أن الأجهزة الغربية. قد حولت الاعتمادات الخاصة بالهجوم على التجربة اليسارية ونجومها في كافة المجالات الى اعتمادات أخرى. بعد أن بحثت عن أعداء جدد توجه لهم مثل هذه الحملات.
وهل يمكن نسيان أن رموز هذا الكتاب هم من قادة التجربة الغربية. البعيدة تماما عن أي شبهة يسار؟! وباستثناء الفصلين الخاصين: بماركس وبر يشت. يبقى كل الأبطال من رموز اليمين الغربي. فأي يسار يهاجمه مثل هذا الكتاب؟
ولكن أليس من الأفضل بعد كل هذه المقدمات ان ننطلق الى الكتاب نفسه. بين الفصل الأول والفصل الثالث عشر. يتناول الكاتب أبطاله تحت هذه العناوين: جان جاك روسو ذلك المجنون الممتنع.
شيلى: قسوة الأفكار، ماركس نباح اللعنات الكبرى. ابسن بالعكس. تولستوي: الشقيق الأكبر للاله. همنجواي. المياه العميقة. بريخت: قلب من الجليد. رسل: تفاهات منطقية سارتر: كرة صغيرة من الفراء والحبر. ولسون: الوسم بالنار. جولان الضمير المضطرب. لليان هليمان: الأكاذيب اللعينة.
وهذه مجرد أمثلة مما قاله المؤلف عن بعض المثقفين الذين شكلوا وجدان وضمير القرن العشرين.
روسو كان طفلا وحيدا – وهي حالة يشترك فيها مع كثيرين غيره من قادة الفكر الحديث. وعاش روسو 14 عاما من عمره معتمدا على مدام دي وارين وكان عشيقها في فترات مختلفة من حياته. في سنة 1745 التقى روسو غسالة ملابس شابة اسمها تيريزا لافاسير كانت تصغره بعشر سنوات. وقد قبلت المرأة أن تكون عشيقته بشكل دائم، الأمر الذي منحه بعض الاستقرار في حياته. وروسو كانت دموعه دائما تحت الطلب وها نحن الآن أمام روسو في التاسعة والثلاثين من العمر. فاشل حتى هذه السن. يتوق الى الانتشار يسعى الى الاهتمام والمقالة التي كتبها كانت ضعيفة ولا تصلح للقراءة. وقد كتب الناقد الشهير جوليوس لوميتر يصف ذلك التأليه الفوري لروسو بأنه أحد الأدلة على الغباء الانساني. بل إن المؤلف يأخذ على روسو أنه كان يشعر دائما بالرغبة في القبول. وانه كان يكتب في شبابه الكثير من خطابات الاستجداء. وانه كان يعاني من أنانية مفرطة. لقد كتب روسو ذات مرة: سوف أترك هذه الحياة لو علمت أن هناك من هو أفضل مني. وكان يقول عن نفسه: أنا أكبر من أن أكره.
يقول عنه المؤلف: كان خبيرا ممتازا في الدعاية لنفسه وكان يستخدم في ذلك: أطواره الغريبة، وفظاظته الاجتماعية وتطرفه الشخصي. حتى شجاراته. ويصل الى أن روسو كان مريضا عقليا ولم يكن يعرف الصداقة المنزهة عن الفرض. وبصيغة ثانية يعاني من العقم الذهني وان عقله كان مشوشا. ويقول عنه أنه عندما كان شابا كان يتسكع في الشوارع الخلفية ويكشف عن نصفه الأسفل. أيضا فقد كان يعاني من الجشع الشديد للثروة والاحتقار الشديد لها.
ديدرو: بعد معرفة تامة بروسو يلخصا بقوله:
– مخادع، شيطان، مغرور، عديم الذكاء، غليظ القلب،، منافق كله حقد. وعند فولتير: وحش يجسد الحقارة والغرور.
سجل أحد الأكاديميين قائمة بعيوب روسو على النحو التالي:
– مازوكى، محب للمظاهر، مصاب بوسواس مرضي، ممارس للعادة السرية. شاذ جنسيا "شذوذ كامن لحوح"، عاجز عن الحب الأبوي. شديد الارتياب في الآخرين. نرجسي شديد الانطواء يملؤه الشعور بالذنب. جبان لدرجة مرضية. مريض بالسرقة. صبياني السلوك، سريع الاستثارة، بخيل.
وبعد أن يثبت هذه القائمة من العيوب القاتلة. يقدر المؤلف أن يكتب بعض المزا يا. ولا يعرف الانسان لم البدء بالعيوب. لو كان هناك ثمة مزايد.
كانت يقول عنه: كانت لدية حساسية روح كمالها لا يضارع وهو عند شيلى: روح أشبه بالمسيح لا يليق بصحبتها الا ملائكة السماء. وتولستوي يقول عنه: روسو والانجيل لهما أكبر أثر في حياتي.
ويقول عن شيلى، في الفصل الذي خصصه له:
– كان شيلى في حياته مصابا بخيبة الأمل بسبب.عدم انتشار أعماله على نطاق واسع. ويائس من إمكانية مرور أفكاره السياسية والاخلاقية في المجتمع. هذا عن شيلى الشاعر. ولكن ماذا عن شيلى الانسان؟! كان سلوكه مستقرا. وكان من سماته الطفولية الشديدة. انه مبتز مصاص للدماء.
وهو يبدأ فصل كاول ماركس بالقول إن تأثيره على الأحداث وعلى عقول الناس – الرجال والنساء – في العصر الحديث أكبر من تأثير أي مفكر آخر. ولكنه لا يلبث أن يقول إن ماركس لم يكن مهتما بالبحث عن الحقيقة، وانما بالمناداة بها، بل يقول إن "رأس المال" كتاب ماركس الشهير والذي غير البشرية أكثر من أي كتاب أخر. هذا الكتاب عبارة عن سلسلة مقالات أدمجت في بعضها دون بنية حقيقية. كان ماركس أكاديميا فاشلا.
يقول عن ماركس: إن قدميه لم تطأ مصنعا أو منجما أو مكانا فيه عمال، بل كان يرى أن العمال علف مدافع الثورة ولا أكثر. وانه كان يبحث عن الحقائق التي تلائمه فقط وان ماركس لم يكتب من رأس المال سوى المجلد الأول فقط. وان هذا المجلد لا يتسم بأي نسق منطقي إن سلسلة من الفروض المفردة في ترتيب عشوائي والذي يخرج به القاريء من رأس المال. هو فشل ماركس الذريع في فهم الرأسمالية.
ويصل الى المستوى الشخصي من التناول. فيقول عن ماركس إنه كان قذرا بدرجة لا تحتمل. شعره أسود أشعث كالفحم وبشرته كالحة قذرة. بصيغة الذين اقتربوا منه أنه الديكتاتور الديمقراطي. يقول عنه باكونين: ماركس لا يؤمن بالاله. ولكنه يؤمن جدا بنفسه ويجعل الجميع في خدمته. قلبه لا يملؤه الحب بل المرارة ولا يحمل عطفا كثيرا للجنس البشري.
ويكتب عن الصفات الشخصية لماركس:
– كان يعيش حياة غير صحية. لا يمارس الرياضة كثيرا. يأكل طعاما حريفا وبكميات كبيرة يدخن بشراهة يشرب بإفراط خاصة البيرة القوية. نادرا ما كان يستحم أو يغتسل. كان يعاني من البثور والدمامل لمدة ربع قرن تقريبا. كانت تظهر أحيانا في كل جزء من جسمه. بما في ذلك الخدان وقنطرة الأنف والفخذان.
أما عن علاقة ماركس بانجلز رفيق عمره. وشريك قضيته. فيكتب عنها:
– كانت العلاقة علاقة استغلال من جانب ماركس وغير متكافئة بالمرة. حيث إن ماركس كان هو المسيطر دائما.
ويعود الى ماركس من جديد.
– ليس له وقت محدد للنوم. عادة يسهر طول الليل ثم يرقد بكامل ثيابه على الأريكة. ويظل نائما حتى المساء. لا يزعجه دخول أو خروج الدنيا كلها وهو نائم. لا توجد في البيت قطعة أثاث واحدة سليمة كل شيء مكسور ممزق. رث. طبقات من الغبار تفعلي كل شيء. والفوضى تعم المكان. وفي وسط غرفة المعيشة توجد طاولة فبيرة من طراز قديم عليها مفرش من البلاستيك. فوقه مخطوطات وكتب وجرائد ولعب أطفال وقطع قماش ومزق من سلة الخياطة الخاصة بزوجته. وأكواب بحواف مكسرة وسكاكين وشوك ولمبات ومحبرة وكؤوس. ان صاحب أي محل خردة ليخجل من بيع هذه الأشياء الغريبة.
وفي الفصل الخاص بالكاتب المسرحي هنريك إبسن. يقول المؤلف جملة تلخص فلسفة هذا الكاتب كله..
– كلما نظرنا الى الرجل العظيم عن كثب. بدا لنا أكثر غرابة.
وكالعادة فهو يبدأ بعيوب ابسن، يقول إن أول شيء كان يلاحظه عليه الناس هو غروره الشديد. وان ثمة جانبا واحدا من غرور ابسن كان يقترب من السخف لغرابته حتى المعجبون به فشلوا في الدفاع عنه وهو انه كان مولعا بالميداليات والأوسمة والأنواط. وكان يتمادى في استجدائها ويفعل أي شيء في سبيلها.
ويقول المؤلف إن ابسن كتب خطابا الى سمسار أرمني له علاقة بالبلاط الملكي المصري. ليساعده في الحصول على ميدالية مصرية. وكتب بالحرف الواحد: أدان هذه الميدالية ستكون ذات قيمة كبرى في تقوية وضعي في النرويج".
وعن صفاته الشخصية يكتب صاحب الكتاب: لم يكن يستطع أن يوقف لسانه السليط. لم يكن يعرف شيئا عن الأدب النرويجي. كان عيابا مغرما بالنقد القاسي. بل ان ابسن كان يقول عن نفسه "الغضب يزيدني قوة وان كان لابد ان تقوم حرب فلتقم". كان ابسن يبحث دائما عن الامان الذي لا يتحقق الا باستمرار الكسب المادي. وتكديس الأهوال وكان ذلك أحد القوى الدافعة لوجوده. كان بخيلا وكان على استعداد ان يكذب من أجل المال. ويقول المؤلف عنه. ان احتقاره للجنس البشري كان بلا حدود. وكان يرى أنه ليس من حق معظم الناس ان يكون لهم رأي. وعندما تقدم في العمر كان يهوى البنات الصغيرات بشكل عام. وكان رجل كلام ولم يكن رجل فعل. وعندما كان يسير في الشوارع كان يخاف من أمرين. إما من سقوط شيء فوق رأسه. أو من الكلاب. كلاب الشوارع. وفي الثالث والعشرين من مايو سنة 1909 مات ابسن وكانت أخر كلمة لفظها هي: بالعكس.
تولستوي له فصل في هذا الكتاب. وتولستوي هو أعظم روائي في العالم. وروايته: الحرب والسلام تعد أعظم نص روائي في تاريخ البشرية. فماذا كتب عنه في هذا الكتاب الذي لا يفعل أكثر من تجميع اللعنات الموجهة لكل كتاب العالم؟!
كان نيكراسوف يقول عنه: كان يثير اشمئزازنا جميعا. كانوا جميعا مستاءين من الأسلوب الذي يحاول أن يحصل به على أفضل ما في العالمين: المجتمع الراقي والبوهيمية. وعن علاقته بالناس يقول: ان تولستوي لم يبذل أي جهد من أجل فهم المرأة. وانه كان يعتبر الدعارة من المهن القليلة الشريفة المناسبة للنساء.
ورغم هذه العيوب الكثيرة. الا أن تشيكوف يكتب. أخشى موت تولستوي. لو مات لحدث فراغ كبير في حياتي. لم أحب شخصا كما أحببته. طالما هناك تولستوي في الأدب فمن السهل علي ومن اللائق أن أكون كاتبا.
تولستوي – وتلك هي الأحكام الأخيرة التي ينهي بها الكاتب الفصل الخاص به – دمر أسرته وقتل نفسه بمحاولته إحداث تحول أخلاقي شامل كان يرده حتميا.
همنجواي كان يكره أمه. كان يقول عنها: تلك القحبة. ويمجد أخته عاهرة كاملة..وأنه لم يشعر بأي نقص لعدم اكمال تعليمه في الجامعة. وانه لم يتعلم من الجميع حتى من كتاب الدرجة الثالثة.
وكان يعتقد. وأحيانا يتباهى أن الكذب يعد جزءا من تدريبه ككاتب. كان يكذب بوعي دون تفكير. ويكتب: من الطبيعي أن يكون أفضل الكتاب كذابين جزءا كبيرا من حرفتهم هو أن يكذبوا. أن يخترعوا إنهم كثيرا ما يكذبونه دون وعي. ثم بعد ذلك يتذكرون كذبهم بندم شديد. ويقول عنه: احترامه للصدق كان قليلا. وأنه لم يعتنق أي مباديء سياسية أبدا. طول حياته. كان همنجواي عبارة عن سطح خارجي يبدو متماسكا ولكنه يخفي تحته لجة من السذاجة في أي موضوع. انه الكاتب الذي كان يشيد بالصداقة التي كان من الصعب عليه أن يحتفظ بها طويلا. وكانت هناك حالة من التضارب حول مسحة أنثوية. أو ربما ميل لارتداء ملابس الجنس الآخر أو الانتماء اليه. فكان ذلك من همنجواي نابعا من هوسه بالشعر القصير في النساء. وينسب ذلك الى أمه التي كانت ترفض أن تلبسه ملابس ولد في طفولته. ويكتب عن همنجواي: كان ارنست على درجة بالغة من القذارة. ومن أكثر الرجال تدنيا في الذوق.
وعن أسباب انتحاره المأساوي. يقول صاحب هذا الكتاب. انه – همنجواي -عندما كان يكتب أقل من مستواه كان يعرف ذلك. ولم يستطع أن يتحمل ذلك. كان يحاول أدن يجد العون في الشراب حتى أثناء الكتابة. ولكن المستوى العام كان ضعيفا ومن هبوط ووعي همنجواي بأنه كان عاجزا عن عادة القبض على عبقريته – ناهيك عن تطويرها -عجل باكتمال دائرة الاكتئاب والشراب من حوله. همنجواي رجل قتله فنه.
وحياته درس يجب أن يعيه كل المثقفين وهو أن الفن وحده لا يكفي.
برتولد بريشت , ومن الصفحة الأولى يقول عنه: مازال حتى اليوم شخصية غامضة. أما في طفولته فقد أحرق الانجيل وضبط يفش أثناء الامتحان. وكان كثير الكذب. وانه كان انتهازيا أكثر من كونه صاحب أيديولوجيات وان الجبن والنزعة التدميرية كانا من صفاته البارزة. وان عبقريته الوحيدة كانت في الدعاية لنفسه مثل همنجواي تماما. وكان أعداء بريخت يقولون أنه يلبس قمصانا من الحرير تحت الملابس الجلدية البروليتارية. وكان صاحب موهبة متميزة في التجلي البصري. وبعد ان اشتهر كان ينشر أعمالا في طور الاعداد. وهي مسودات نصوصه. وكان بارعا في العلاقات العامة وأساليب تقديم نفسه للجمهور وكان بارعا في تقديم مصالحه الخاصة في الوقت الذي يعلن فيه اخلاصه للجمهور.
يكتب المؤلف عن بريشت:
كان يكذب باقتناع شديد. وكان حريصا على تصحيح أي أخطاء في الأحداث تكشف هذه الأكاذيب وهكذا حقق كل ما يريد: جواز سفر نمسويا، دعما حكوميا من ألمانيا الشرقية نأشر من ألمانيا الغربية، حساب في بنك سويسري. ومن الأقوال التي تنسب اليه: لا تنس أن الفن خداع وان الحياة نفسها خدعة كبرى.
بطله – بطل بريشت – جاليلو يقول: بإمكاني أن أصل الى وضع محترم بالزحف على بطني فقط. وكان بريخت يقول دائما: لكي تنجو لابد وان تكون أنانيا.
يقول المؤلف عن بريشت انه كان مقبل أياد من الطراز الأول. وكانت لديه أكثر من امرأة في وقت واحد. وكان يقول إن انجابه طفلا من أي علاقة يمكن أن يدمر سلامة النفس تماما. كان يستخدم أي امرأة ثم يلقي بها بعد ذلك بعد تحقيق الأهداف التي كان يريدها. وكان مقاتلا من أجل حقوق الناس دون أن يكون مكترثا بسعادة أقرب الناس اليه. وهكذا حقق بريشت شهرة وأهمية بالقليل الذي كان عنده بالفعل.
أما أعماله الأدبية فهي معظمها. ان لم يكن كلها كانت مسروقة. فقد سرق من شيللى وسرق من همنجواي. وسرق من كيلنج وعندما لفت همنجواي نظره الى التشابه الشديد بين أحدى مسرحياته وقصة قصيرة لهمنجواي انفجر بريخيت:
– اخرج من هنا. اخرج.. اخرج.
كان بريخيت يقول إنه يعيش فيما كان يسميه بالكوخ الريفي. وفي شقته في المدينة كان يحتفظ بصور ماركس وانجلز لكي يريها لمسؤولي النظام عند زيارتهم. ولكنه كان يضعها بطريقة بها قدر من السخرية – غير ملحوظة للعين الرسمية ويثير ضحك الأصدقاء.
في الفصل الخاص ببريشت. يقول المؤلف أنه حاول البحث عن صفة وحيدة جيدة له. وهذه هي المرة الأولى التي يكتب فيها هذا الكلام.
لقد حاولت في هذه الدراسة أن أجد شيئا لصالح بريشت أستطيع أن أقوله. ولكن بصرف النظر عن كونه كان يعمل بجد دائما ويرسل طرود الطعام الى أوروبا أثناء الحرب وبعدها مباشرة الا أنه لا يوجد ما يمكن أن يقال عنه.
انه المثقف الوحيد – بين أولئك الذين قد تناولتهم – الذي يبدو بدون ملمح واحد يفتديه. كان مثل معظم المثقفين. يفضل الأفكار عن الناس ويقدمها عليهم. لم يكن هناك دفء من أي من علاقاته. لم يكن له أصدقاء بمعنى الكلمة. ومن الواضح أن بريخيت. يقول المؤلف – انه كانت لديه معتقدات ثابتة.
قال عنه مترجمه الفونس بيير ابراهام. ان بريشت قد أخبره قبل وفاته بوقت قصير. انه كان ينوي أن ينشر عسر حياته التعليمية بمقدمات جديدة يقول فيها انه لم يقصد ان يأخذها أحد على محمل الجد.
على ان الكتاب فيه في بعض الاحيان لمحات متألقة. اقرأ معي مقدمة فصل ابسن.
– الكتابة على اختلاف أنواعها صعبة.
والكتابة الابداعية تحديدا. عمل ذهني شاق. فالابداع الخلاق. خاصة ان كان على نطاق واسع. يتطلب طاقة استثنائية ودرجة عالية من التركيز. وان يقضي إنسان ما حياته العملية كلها وهو يواصل تطوير وتوسيع حدود فنه. فإن ذلك يدل على مستوى رفيع من الانضباط النفسي وقوة الذهن. الأمر الذي لا يتوافر الا لقلة من الكتاب.
ومع هذا لابد من القول ان الكتاب يركز بصورة جوهرية على عيوب المثقفين الذين تناولهم. مع أن الجوهر بالنسبة لأي مثقف هو نتاجه الثقافي. هو الباقي للبشرية بعد أن يرحل الجميع. أما هذه العيوب فلا يتعامل معها سوى الناس الذين عاصروا هذا المثقف أو ذاك. وهؤلاء يرحلون معه حتى وان بقوا بعده عددا من السنوات. ومع هذا فإن الكتاب يتوقف أطول مما ينبغي أمام مثل هذه العيوب الشخصية.
مشكلة الكتاب الجوهرية ان الذين يتكلم عنهم باستثناء الفصل الأخير – رحلوا عن عالمنا. لم يبق منهم سوى نتاجاتهم وبالتالي فإن فرصة الرد من قبلهم ليست قائمة. أيضا فإن هناك مراجع ولكن هذه المراجع خاصة بالعيوب التي يرويها أخرون. أما العيوب التي يقولها الكاتب نفسه فلا توجد مراجع لها أبدا.
والنسخة التي ترجم عنها الكتاب الى العربية صادرة في لندن سنة 1989. أي منذ حوالي تسع سنوات ومؤلفه بول جونسون. أما مترجمه طلعت الشايب فقد كان موفقا في ترجمته لدرجة انني كنت أتصور خلال قراءة الكتاب انه ليس مترجما. ولا منقولا عن لفة أخرى. ولكنه مكتوب أصلا باللغة العربية وتلك هي قمة النجاح في الترجمة. بل والعبقرية فيها.
سبق لطلعت الشايب ان ترجم كل هذه الكتب حدود حرية الابداع لمارين سقاج. ورواية البطء لميلان كونديرا. ورواية فتاة عادية لآرثر ميللر. والكتاب الخطير لصامويل هنجنتون صدام الحضارات. وهو الكتاب الذي خرج منه عصر جديد في تاريخ البشرية. هو العصر الذي نعيشه الآن.
يبقى عتاب لحسني ابواليزيد صاحب دار شرقيات التي نشرت هذا الكتاب فلا توجد ترجمة حياة لمؤلفه. وكان ذلك مهما جدا. كما أن الكتاب بدون مقدمة توضح موقف الدار من الكتاب نفسه. خاصة وان الكتاب صرخة احتجاج ضد المثقفين الذين يشكلون الجمهور الذي تتعامل معه الدار سواء على شكل مؤلفين. أو قراء. فكان لابد من مقدمة لهذا الكتاب سواء من المترجم أو الناشر. لأن مشكلة الكتاب الحقيقية هي رسالته، فما الهدف من وراء تجميع كل هذا الغسيل القذر لأبرز قادة القرن العشرين. وهو ما أتمنى أن يتم في الطبعة الثانية من مثل هذا الكتاب وان كانت دار شرقيات لم تصدر طبعة ثانية من أي كتاب نفد من كتبها حتى الآن.
يوسف القعيد (كاتب وروائي من مصر)