شمس الدين العوني
شاعر تونسي
(إلى الصديق الشاعر العراقي الراحل، زهير بهنام بردى، هناك في نينوى…)
ستجلس كعادتك على المقعد الخشبي
ستجلس كعادتك على المقعد الخشبي الأخضر
بحديقة صباك
تحصي الخسارات الجميلة
متأملا.. تجاه نوافير الحوض الأزرق التي كفت من زمان عن اللعب
وصار يزينها صديد السنوات..
وقبة المقام المعنون بالبياض
والعشب الآهل بالذكرى
والعصافير وهي تقيم أعشاش حياتها في أشجار البلوط
ودولة النمل المستقلة حقا في التراب قبالة المقعد الخشبي الذي…
يحضن الحكايات والأسرار..
ستجلس وستفعل كل هذا لو فكرت في الذهاب مرة أخرى ….
إلى حديقة قلبك.
نعم..البحر يتعب أيضا
نعم..البحر يتعب أيضا..
وما المشكلة في ذلك…
كل هذا النشاط الصباحي والمسائي والليلي
صخب الأمواج والمد والجزر..
استيعاب البقايا والمهملات والمقذوفات البشرية..
والغرقى وأحزان ذويهم…
نعم … البحر بقدمين وأفكار وعقل وروح من ماء…
البحر يتعب أيضا..
ماذا لو
ماذا لو
كان بإمكانك
أن تتخيل جبلا يذهب إلى حديقة…..
يطلب لجوءا ليرتاح من عزلته… أو
أن تتخيل شجرة تحضر مسرحية وبأغصانها لوعة الفراق..
أو سؤالا يعانق أجوبته بعيدا عن أعين الغرباء والحكماء ورادار القلق..
ثم ماذا لو.. تخليت عن ظلك لبرهة تحت شمس أيامك..
وأعني خيالك النبيل..
لتدرك أكثر فكرة الجبل والشجرة والأسئلة… والظلال…
الـ…ك..ور..ون…..ا
يا براءة الأشياء والأفعال…
هل الكون واحة أم غابة أم خلاصة كلمات
والزمن… هل هو حكمة السلحفاة المنسية أم إيقاع عقربين على الحائط
كنت أتسلى بما مررت به منذ أكثر من ثلاثين سنة
حيث القصائد مفترق طرق حالكة
ولكن باذخة في خساراتها النادرة..
أمدح الكورونا
كنت أتسلى.. أقرأ كل ذلك، أنتبه لصمت الحجر وصبر الصخور والجدران وكل ما هو… غير الإنسان
فعلت ذلك وأفعله
صمت كرنفالي وموسيقى هادئة.. يتعلم الإنسان درس المشي في أرض الله متبسمًا للنملة الشاعرة
هههههههه.. جميل هذا التبدل بغتة
لون مبتكر من الصمت كأنه الشعر الذي لم نبلغه.. إنه هو بخياله الأقصى
المعنى الآخر للعيش
أتذكر السيد ماتسو باشو
في حكمته الفارقة «أوائل الثلج الناعم تكفي لتحني أوراق النرجس…».
ها هي الأكوان تصمت لتكف عن الهيجان الرجيم..
جميل هذا الأفول الأرضي لتمنح المدن والشوارع والأزقة أصواتها للفراغ
المجال للفراشات تتلمس جسد ربيع محسوس
الأمكنة للسادة الطيور والكلاب والدواب تستعيد حريتها تنظر للشرفات
تقص حكاياتها للمرة الأولى على الإنسان وهو ماكث في الضيق.. يعزف لحنا من الخوف والأمل
يرقب مذهولا وداعة المشهد الداكن عنده
يحصي الموتى والمصابين والمتعافين ويغني مأخوذا بالفجيعة
أرى وجوها بها آثار شقاوة
وتحلم بالعناق الأبدي…
أمدحك وأمجد بهاءك كوفيد-19
يا براءة الأشياء والأفعال…
هل الكون واحة أم غابة أم خلاصة كلمات
…………..
أين اللغة.. والكلمات
غير أن رجلا لا أعرفه
في الطريق إلى حفل توقيع الكتاب الذي لم ينشر
كنت أحث الخطى
غير أن رجلا لا أعرفه ظل يقنعني محاولا
بأن الليل والنهار صديقان يعملان بالتناوب
وبأن السياسة فن تشكيلي… أبعد من التجريد
وبأن الحمقى والمغفلين روائيون ونقاد وشعراء
يسعون للانتشار السريع بمسدسات كاتمة للأصوات
وأيضا.. بأن الشعب مصطلح نقدي لا يقبل المراجعة
في الطريق إلى العالم.. هذا
عطلت مظاهرة رؤساء عاطلين وافتراضيين
سير بائع القماش المتجول على دراجة عادية
تعود إلى عام 40
الشجرة
مثل جدة قديمة
الشجرة تحكي شجنها للأغصان
تقص نواحها الخافت على الأوراق
هي تفعل كل ذلك
بينما حطابون ينعمون بموسيقى الفؤوس
عطب
الساعة التي تتصدر الشارع الطويل
مرت بها رياح
ولسعتها حرارة صيف
الساعة التي يفترش العشاق عند أسفلها عشبا
الساعة التي أذكرها الآن
نعست عقاربها من زمان
في حضرة هذا الليل
لا تثرثر في حضرة هذا الليل
كن مثل ناي أو تدثر
بالصدى
بيروت… الروشة
(إلى محمّد عليّ شمس الدّين)
هي ترقص في مياه الزّينة
وهم يشربون شايا
عند مدخلها
بيروت ادخلي غرفتنا
حيث لا ينتهي الرّقص
لا ماء أطلبه لترتوي الكتابة
لا شأن لي في جحيم اللّحظة
لا ماء أطلبه لترتوي الكتابة.
فقط
أنا هكذا من زمان
أحتفي بوردة ليس يخفيها الرّماد
أبوح لها بغنائي
وقد تطربها أسراري
من يسأل
من بوسعه أن يسأل عصفورا عن أحواله
بستانيا عن أيامه
طفلا عن لعبه
ومن في وسعه أن يسأل
فأسا عن دموعها وعن أشجان الشجرة
ومن أيضا بوسعه أن يوقع بفراشة
في شباك طفولته ليسألها عن
أحوال العصفور والبستاني والطفل والفأس
وشعب الأشجار النادر
مثل سلام كوني
مثل سلام كوني
أصعد سلالم الوقت
وأمحو فخاخا مواربة
تقتات من
شغف المعنى
والحلم …
ومثل فلاح قديم أبتكر لحقول نشيدي معولا
وفأسا
وأنامل من سنابل
وأشجارا تنحت كل هذا الهبوب والظلال
الظلال يحتاجها طفل
لتقوده إلى نشيده
حيث لا سلالم ولا سلام
سوى عصفور يخاتل فخاخه
يرسم بريشه الناعم
نوافذ للخلاص
يعزف
هو يعزف أبجديات الصمت
يبحث لها عن وطن في جسده
ينحت لها جاهدا
شجرة يسميها أحيانا الوقت وأحيانا أخرى يدعوها لنسيان لونها…
يعرف أصوات الصمت
لذلك هو يلهو بالنعاس
مفتعلا ليلا ونايًا وموسيقى للتذكر
كي ينسى الأبجديات والشجرة واللون
يفعل كل هذا مرارا… على سبيل اللهو
لا تزعج ذبابة
لا تزعج ذبابة
لا تقتل فكرة… ودعك من ضجيج الحمقى.
… وقالت فاطمة (أمي)
كن لحنا أبديا
مثل أمك أو أبيك
لا تدع قلبك نهر حجر
جهز ظلالك للآخرين
وكن حليف الشجرة
الخيَال
فداحة الصّورة، فصاحة القلب
الخيَال -مثلا-
أن تسقط الوردة إلى الفوق
وأن يضيع صوت المغنّي