تنبع الأهمية الاستثنائية لدراسة منظور الفيلسوف الالماني الكبيرجورج فيلهلم فريدريك هيغل Georg Wilhelm FriedrichHegel (1770ذ1831) حول الاسلام من واقع ان الفلسفة الهيغلية تمتلك نفوذاً متزايداً في عقلنة سيادة الغرب على العالم. وهذا يصدق حصراً في مجال فلسفة التاريخ، اذ أن فلسفة التاريخ الهيغلية هي اليوم اكثر الفلسفات تأثيراً في كافة النظريات والأيديولوجيات السياسية الغربية الكبرى المحافظة منها والثورية وغيرهما على حد سواء. فمنذ الأربعينيات اعتبر الفيلسوف الفرنسي موريس ميرلوبونتي (1961- 1908)، ان الفلسفة الهيغلية «مصدر كل ما انجز في الفلسفة منذ قرن»، فيما يرى مؤرخ الفلسفة الهيغلية في القرن العشرين جاك دونت أن الفلسفة الهيغلية «غيرت مصير العالم».
وهنا ينبغي ان نشير ايضاً الى الجدل الحاد الذي اثاره في مطلع القرن الحالي المنظر الاستراتيجي الامريكي فرانسيس فوكوياما عبر فكرته حـول ما اسماه بـ(نهاية التاريخ) زاعما ان الهيغلية تنبأت بالانتصار الحتمي وحتى الابدي للعقل الامريكي كعقل كوني على النظم العقلية الاخرى معتبرا ان طلائع ذلك الانتصار تمثلت بسقوط جدار برلين واثره على الامبراطوية السوفييتية وولادة «النظام العالمي الجديد» متمثلا بالسيطرة الكونية للنظام الليبرالي الرأسمالي بنموذجه الامريكي خاصة زاعما، وهو ما تراجع عنه لاحقا، انه يستند في استنتاجاته تلك على تفسير خاص به لأطروحات هيغلية حول هذا الموضوع.
وبالطبع فان هذه الاقوال والكثير غيرها في ابراز الاهمية الكبيرة للفلسفة الهيغلية ليست مجرد عبارات مديح مجاني او مبالغات اكاديمية انما هي قناعات فلسفية تستند الى افكار هيغلية صريحة كما تسعى الى عقلنة اسسها وطرحها كحقائق ملموسة. لاننا، بالفعل، اذا اخذنا الفلسفات الغربية المعاصرة المهمة نجدها جميعاً تأخذ الكثير من هيغل وتعترف بالتأثر به وبفضله عليها. فالماركسية كفلسفة وكايديولوجيا ما كانت ستحقق ما حققته من نفوذ لولا فلسفة هيغل،اذ من المعروف ان كارل ماركس كان تلميذاً وفياً لهيغل وعنه بالتحديد اخذ نظريته الديالكتيكية ومنظوراته الخاصة في تفسير التاريخ الانساني وان كان قد ادخل عليها تغييرات جوهرية اصيلة وكبيرة. والفوضوية مدينة هي ايضاً للهيغلية بالكثير. فنحن نعرف بالفعل ان باكونين كان احد الهيغليين اليساريين في بدء حياته السياسية. والفلسفة الوجودية، بتياريها الملحد والمؤمن، ما كانت ستبلغ ما بلغته على يد سارتر وكارل ياسبرز وغابريل مارسيل وغيرهم لولا تشبعهم المسبق بالفلسفة الهيغلية. ونفس الشيء فيما يتعلق بالفلسفة البراغماتية الامريكية والفلسفة الوضعية المنطقية وفلسفات الجمال بتياراتها المتعددة.
من جانب اخر يمكن القول دون تردد ان الايديولوجيات الغربية الحديثة المختلفة التي تحكم العالم اليوم تجد -رغم تناقضاتها العميقة- اصولاً مشتركة لها ومتطورة الى هذا الحد او ذاك في الفلسفة السياسية الهيغلية وتتبنى اطروحات سجلها هيغل او اوحى بها في واحدة او اخرىمن كتاباته. والاكثر طرافة هو ان معظم التناقضات التي نجدها بين تلك الفلسفات وهذه الايديولوجيات تجد اصولها هي ايضاً في الفكر الفلسفي الهيغلي ذاته لا سيما السياسي منه وكانعكاس للتناقضات العميقة التي عرفها الفكر السياسي الغربي ابتداءً من النصف الثاني للقرن الثامن عشر.
ان عبقرية الفلسفة الهيغلية تتأتى،في رأينا، من ثلاث خصائص اساسية فيها حرص هيغل على تطويرها بشكل متواصل وعميق. وهي اولاً: ارساء الفلسفة على أسس منطقية دقيقة وثابتة بشكل تصبح معه كـ «علم» أسوة بالرياضيات او الفيزياء مثلاً بما يضمن لها الاعتماد على منهجية صارمة، ما يجعل الفيلسوف متخصصاً محترفاً وليس مجرد متأمل يطرح اسئلة كونية او وجودية ويقترح الاجابة عليها.
وثانياً، القيام بجعل الوعي العقلاني الانساني بمثابة الموضوع الوحيد والمادة الاولية للبحث الفلسفي مع اخذ هذا الوعي ضمن شموليته المطلقة بشكل لا يمكن معه للميتافيزيقيا ان تستقل عن السياسة او الاخلاق، او لفلسفة الجمال أن تستقل عن الدين او المنطق مثلاً. انما اخذ جميع هذه الميادين الفرعية الفلسفة ضمن وحدتها العميقة كفروع لعلم واحد هو الفلسفة دون الغاء استقلاليتها الداخلية في نفس الوقت.
وثالثاً، السعي الى اخذ الوعي الانساني ضمن وحدة مطلقة سواء على الصعيد الجغرافي- الثقافي (شرق- غرب) او على الصعيد التاريخي (ماضي- حاضر- مستقبل) او اخيراً على الصعيد الروحاني حيث لا تهم التسميات الخارجية للوعي (مسيحي او يهودي او احيائي او اسلامي)، انما فقط محتواه الداخلي الذي تتمحور حوله طبيعة العلاقة بين العقل المطلق والعقل الجزئي، اي بين الله والانسان في هذه الروحانية او تلك.
هذا المنهج الذي بلوره هيغل وسعى الى وضعه موضع التطبيق في الفلسفة كان لابد ان يقوده الى تناول كل التاريخ الانساني وكامل تاريخ الفلسفة والفنون والفكر السياسي والديني ضمن الحدود التي تسمح له بها المعلومات التي يقدمها ويمتلكها عصره الثقافي والمعرفي خصوصاً فيما يتعلق بتاريخ وحضارات وفلسفات وفنون الشعوب الاخرى غير الغربية وغير المسيحية. اذ ان انتماءه للمسيحية كدين وللغرب كحضارة وفر له معرفة كاملة نسبياً بهما،لا سيما وان هيغل كان قارئاً نهماً ومطلعاً مثابراً وعارفاً عميقاً بالعقائد المسيحية والثقافة الغربية القديمة (الاغريقية والرومانية) والوسيطة (القرون الوسطى) والجرمانية اي الحديثة (بمكوناتها الرئيسية الالمانية والانكليزية والفرنسية). وقد ساعده على معرفته العميقة بالديانة المسيحية كونه قضى عدة سنوات من حياته كطالب في مدرسة دينية لوثرية كان من المفترض ان يتخرج منها كقس لوثري لولا انه اختار العمل الاكاديمي على مهنة رجل الدين. كما ان معرفته العميقة باللغات الانجليزية والفرنسية والالمانية الى جانب اللغتين القديمتين الاغريقية واللاتينية سهلت له امكانية الاطلاع مباشرة على النصوص الاصلية لكبار المفكرين والكتاب الغربيين وعلى خفايا الثقافة الغربية إجمالاً.
قبل ان نتناول المنظور الهيغلي حول الاسلام كدين وحضارة وتاريخ وفلسفة ودولة وقوة سياسية كونية وغيرها، لا بد من التأكيد هنا على ان فهم هذا المنظور يسمح بشكل كبير بامتلاك رؤية اكثر وضوحاً عن معضلات الموقف من الاسلام في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة اجمالاً لا سيما الفلسفة السياسية وفلسفة التاريخ وانعكاسات ذلك في شتى جوانب الثقافة الغربية من جهة، ويسمح من جهة اخرى في ادراك الكثير من التناقضات العميقة والمظاهر التي تطبع اشكاليات الفكر الغربي حيال الاسلام والشرق عموماً والعالم العربي والشرق الاسلامي خاصة.
مصادر هيغل حول الاسلام
لقد ذكرنا قبل قليل ان هيغل كان قارئاً نهماً للكتب باللغات الفرنسية والانجليزية واللاتينية اضافة الى الالمانية مما يجعل من العسير جداً علينا القيام هنا بتقديم جرد او تحديد دقيق للمؤلفات التي اخذ منها مادته عن الاسلام. فهذه المصادر عديدة جداً ومتنوعة ومتشابكة ومتناقضة. بيد اننا نستطيع بالمقابل حصر اصنافها بأربعة لعبت دوراً مباشراً او غير مباشر، سلبياً او ايجابياً في بلورة المنظور الهيغلي حول الاسلام. وهذه الاصناف الاربعة هي:
أ- الكتب والمؤلفات الدينية المسيحية لا سيما كتابات لوثر.
ب- المؤلفات الفكرية والادبية والتاريخية التي وجدت في الغرب قبل ولادته او ظهرت اثناء حياته والتي تعبر بشكل او باخر عن منظور تقليدي غربي حول الاسلام.
ج- كتب الرحالة الغربيين الذين زاروا العالم الاسلامي والمكتشفين الاوروبيين الذين كتبوا حول هذا العالم.
د- النصوص العربية والاسلامية التي كانت متوفرة في الغرب بترجمات المانية او فرنسية او انجليزية او لاتينية بغض النظر عن دقة او عدم دقة هذه الترجمات او الاهمية الكبيرة لهذه النصوص.
أ- كتب التراث الديني
مما لاشك فيه ان هيغل تعرف على الاسلام اول ما تعرف خلال فترة السنوات الخمس بين 1788 و1793 عندما كان طالباً في المدرسة اللاهوتية اللوثرية المسماة بـ«ستيفت توبنغن» والتي تخرج منها بنجاح مرشحة اياه ليصبح قساً بروتستانتيا. ففي هذه المدرسة كانت العلاقة بين المسيحية والاسلام هي موضوع اساسي من مواضيع مادة التاريخ. وبالطبع فان هذه العلاقة تطرح من وجهة نظر مسيحية شديدة العداء للاسلام آنذاك. ولما كنا نعرف ان هيغل ظل طوال حياته الفكرية شديد الانسجام الداخلي مع العقيدة المسيحية كما يؤكد ذلك الكاتب الفرنسي ميشيل هولان في كتابه «هيغل والشرق»(1)، فاننا نستطيع التيقن من ان تأثير هذه الفترة ظل كبيراً على هيغل ولم يستطع الخروج عليه بشكل تام. صحيح ان السجال ضد الاسلام اخذ طابعاً اقل حدة في اللاهوت اللوثري، الا انه ظل ذا محتوى مناهض في الجوهر حيث استمرت البروتستانتية على اعتبار الاسلام في احسن الاحوال كمتمرد على الكنيسة وغيرها من الاعتبارات الموروثة والسطحية. واضافة الى هذه المواقف التي كونتها الكنيسة حيال الاسلام منذ القرن السابع الميلادي اثر انتصار الاسلام عليها جنوب حوض المتوسط وطردها نهائياً من كل الشرق تقريباً، جاء التراث الغربي المسيحي المتكون خلال القرون الوسطى الاخيرة كنتيجة للحروب الصليبية ليغني الترسانة المسيحية المعادية للاسلام التي ورثتها البروتستانتية الالمانية. وعلاوة على كل ذلك فان الاخطار العسكرية التي كانت تمثلها الامبراطورية العثمانية على المانيا في زمن لوثر «وحتى فترة قريبة من ولادة هيغل» قادت اللوثرية اضافة الى عناصر جديدة الى هذه الترسانة وتتجسد هذه العناصر في عدة كتابات دونها لوثر نفسه ضد الاسلام وضد الاتراك وأهمها رسالة طويلة بعنوان «موعظة بالصلاة ضد الاتراك» يعتبر المسلمين فيها بانهم «جيش من الشياطين».(2)
ويمكن القول باختصار ان الصورة (المغالية، المتعصبة) التي يقدمها هذا الصنف من المصادر حول الاسلام والعرب تتمحور حول الاستنتاجات الثلاثة التالية:
أولاً: اعتبار النبوة المحمدية والديانة الاسلامية زائفتين ومن صنع الشياطين وموجهتين ضد المسيح والمسيحية.
ثانياً: اعتبار القرآن كمجموعة من النصوص المقتبسة بشكل مشوه من الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد.
ثالثاً: اعتبار العرب شعباً بدائياً يحب العنف وبسيط العقلية وبالتالي عاجزاً عن أي تفكير منطقي او انتاج روحاني او فلسفي جديدين.
ب- المؤلفات الفكرية والادبية الغربية
هذا الصنف من المصادر شديد التنوع والاهمية ويتباين جداً في موقفه من الاسلام حيث نجد فيه مؤلفات صريحة في عدائها للاسلام واخرى اكثر موضوعية واتزاناً وثالثة تتراوح في مواقفها بين العداء والموضوعية بل ان بعضها يتناقض هو ذاته في موقفه من العالم الاسلامي والاسلام والعرب. فالبعض منها يعادي الاسلام كدين ويعترف بعبقرية العرب ككتابات الفرنسي قسطنطين فولني بين اخرين، والبعض الاخر يمتدح الاسلام التركي ويهاجم الاسلام العربي كالمستشرق النمساوي فون هامر بورغستال في مؤلفاته المختلفة سيما كتابه الضخم بعنوان «تاريخ الامبراطورية العثمانية» والبعض الثالث يرفض كل ما هو اسلامي دفعة واحدة كما هو الحال بالنسبة لمونتسكيو في «روح القوانين» وكذلك بالنسبة للمفكر الالماني فريدريك تشليغل في كتابه «فلسفة التاريخ» والبعض الرابع يعترف بعمق الاسلام وعبقرية نبيه وبفضل المسلمين على الانسانية كما نجد لدى غوته في كتابه «الديوان الغربي الشرقي».
ان كتابات هؤلاء الكتاب المذكورين وكتابات فولتير وهيردر وجيبون وكتابات عصر التنوير حول الاسلام كانت مصدراً أساسياً في منظور هيغل في هذا المجال فقد قدمت له مادة ثرية وعميقة ولكنها تركت عليه آثار تناقضاتها في نفس الوقت.
توخياً للدقة نذكر هنا اهم هذه المؤلفات التي، لدينا الدليل القاطع، من خلال كتابات هيغل ورسائله واثاره، على انه اطلع عليها مباشرة وهي:
– كتاب «التشريع الشرقي» للمستشرق الفرنسي انكتيل دو بيرون الصادر في امستردام في عام 1778 «منشورات مارك ميشيل».
– كتاب «القاموس التاريخي والنقدي» للفيلسوف الفرنسي بيير بيل الصادر في روتردام عام 1715 «جزءان».
– كتاب «تاريخ الامبراطورية العثمانية» تأليف المستشرق الفرنسي كانتمير الصادر في باريس عام 1743.
– كتاب «تدهور وسقوط الامبراطورية الرومانية» من تأايف المؤرخ الانجليزي ادوارد جيبون، الصادر في لندن عام 1776.
– كتاب «الديوان الغربي- الشرقي» من تأليف غوته، الصادر في عام 1819.
– كتاب «فرقة الحشاشين» من تأليف هامر بورغستال الصادر في شتوتغارت عام 1818.
– كتاب «تاريخ الامبراطورية العثمانية» من تأليف هامر بورغستال، الصادر بثلاثة اجزاء ضخمة في عام 1827 في بيست.
– موسوعة «المكتبة الشرقية» من تأليف المستشرق الفرنسي ديربياو، الصادرة في باريس عام 1697 «سبعة اجزاء».
– كتاب «روح القوانين» لمونتسكيو، الصادر في جنيف عام 1748.
– كتاب «آثار دين محمد» من تأليف الالماني اولسنر، الصادر في باريس عام 1810.
– كتاب «المنطق العربي»(باللاتينية) من تأليف سولاندري الصادر في اوبسالا عام 1721.
– مسرحية «التعصب او محمد النبي» لفولتير الصادرة في عام 1741 في باريس.
اضافة الى كتابات فولتير الاخرى التي جاء فيها على ذكر الاسلام والشرق الاسلامي.
ج- كتب الرحلات والاكتشافات
ان هذا الصنف من المؤلفات اقل اهمية من سابقه كمصدر معلومات لهيغل حول الاسلام. غير انه يستخدم مراراً اشارات من مؤلفات الرحالة الانجليزي جيمس بروس التي يتحدث عن لقاءاته مع عدد من المسلمين في افريقيا وذلك في كتابه «رحلة لاكتشاف منابع النيل» الصادر في لندن ابتداء من عام 1763، وبشكل اهم بالنسبة لكتاب «رحلة في مصر وسوريا» للفرنسي فولني الصادر في باريس عام 1787.
د- النصوص العربية والاسلامية المترجمة
في كتاباته المختلفة ذكر هيغل القرآن مراراً مشيراً الى هذا النص او تلك الفكرة فيه، ورغم انه من غير الثابت بانه قرأ القرآن فعلاً فالأكيد انه عرف بعض مقتطفات منه في كتابات اخرى او في بعض الترجمات العديدة الموجودة، ومن جهة اخرى يشير هيغل مراراً الى شخصية النبي محمد والى السنة النبوية عموماً مما يوحي بانه يمتلك فكرة ما عنها. اما النصوص العربية والاسلامية الاخرى فقد عرف هيغل الكثير من الشعر الصوفي والشعر العربي وافكار المعتزلة والفلاسفة المسلمين الاخرين. هذه النصوص كان بإمكانه مراجعتها او قراءتها في العديد من المصادر انذاك وأهمها:
– كتاب «الف ليلة وليلة» في الترجمة الفرنسية التي نشرها انطوان غالاند في باريس عام 1704 والتي تمت ترجمتها الى الالمانية ونشرت عام 1712.
– رسالة «حي بن يقظان» لابن طفيل التي ترجمها اشوهرن للالمانية ونشرها في برلين عام 1783.
– كتاب «الشاهنامه» للفردوسي، حيث قام المستشرق الالماني غورس بترجمته الى الالمانية ونشر الترجمة بجزءين في برلين عام 1820.
– ديوان الشاعر الصوفي الايراني حافظ الشيرازي الذي ترجمه المستشرق النمساوي هامر بوغستال الى الالمانية ونشره في فيينا عام 1812.
– كتاب «دلالة الحائرين» للفيلسوف اليهودي العربي موسى بن ميمون الذي ترجمه بوكستورف الى اللاتينية ونشره في بال عام 1629.
– كتاب «مختارات تاريخية عربية» اعداد وترجمة بوكوك، المنشور باللاتينية في اوكسفورد عام 1650.
– قصائد «مولانا جلال الدين الرومي» في ترجمة الشاعر الالماني الكبير روكيرت، المنشور في توبنغن عام 1822.
– كتاب «مختارات عربية» -جزءان- ترجمة المستشرق الفرنسي الكبير سيلفستر دو ساسي المنشور في باريس عام 1826.
اذن، من الواضح من كل ما تقدم ان معلومات هيغل عن الاسلام والعرب والشرق الاسلامي كانت مهمة جداً نسبياً وواسعة ومتنوعة بشكل مثير ولهذا فهي ستسمح له في بلورة منظوره الفلسفي الخاص حول الضرورة التاريخية والطبيعة العميقة للاسلام كمكون اساسي في الحضارة وفي التاريخ الانساني. وهذا المنظور يبدو كاملاً وعميقاً في الواقع اذا تفحصنا كتابات هيغل بدقة على الرغم من ان آراءه بهذا الصدد تكاد تكون خفية في كتاباته التي نشرها في حياته ثم متفرقة ومبعثرة جداً في دروسه البرلينية التي تحولت بعد موته الى مؤلفات مهمة مثل «دروس فلسفة التاريخ» و»دروس فلسفة الدين» و«دروس تاريخ الفلسفة» و«دروس فلسفة الجمال» ولننتقل الآن الى معرفة خصوصية منظوره حول الشرق الاسلامي ومختلف جوانب هذا المنظور أي موقفه من الدين الاسلامي ومن الفن الاسلامي ومن الفلسفة الاسلامية ومن التاريخ الاسلامي اجمالاً سيما السياسي منه. ونلاحظ من الان ان تناول هذا الموضوع غير ممكن الا في اطار فلسفة التاريخ الهيغلية.
3- الشرق الاسلامي في فلسفة الهيغلية للتاريخ
في تحليل وتقسيم تاريخ الوعي الانساني عموماً ينطلق هيغل من الاطروحة اللاهوتية المسيحية القائلة بان الانسان هو في جوهره ابن الله، فالوعي الانساني استنتاجاً هو انعكاس بشكل او باخر للوعي الالهي وكذلك الامر بالنسبة للارادة والابداع ومختلف الصيرورات الاخرى. ويؤكد هيغل في اكثر من موضع في كتاباته تبنيه لهذه الفكرة اللاهوتية المسيحية مع فارق جوهري هو انه يصوغها بلغة الفلسفة بينما تطرحها المسيحية بلغة الايمان او الدين.
ويقوم المنهج الفلسفي الهيغلي من جانب اخر على مفهوم الضرورة والغاء أي دور للصدفة. فعلى مسرح تاريخ الوعي الانساني يبدو كل عنصر فاعل مكلف -دون دراية او ارادة منه- بمهمة محددة يولد من اجلها ويتحضر لانجازها ثم ينجزها فعلاً. وبعدئذ تدق ساعة نهايته ويستوجب عليه شاء أم أبى ان يترك المسرح لقوة جديدة صاعدة. وفي هذه السيرورة لا يبدو ذلك العنصر على شكل فرد او مجموعة صغيرة من الأفراد «النخبة» انما على هيئة شعب او أمة. والتاريخ ايضاً هو تعاقب هذه الأمم على قيادة العالم ضمن مخطط خارج ارادتها جميعاً هو انعكاس لمخطط الهي تطوري. حيث أن سيرورة تطور الوعي الانساني الكوني تشبه الى حد كبير سيرورة تطور طبيعة معتادة وهيغل يذهب الى حد مقارنتها مجازاً بتطور الفرد الانساني انطلاقاً من حالته الجنينية قبل الولادة ثم مرحلة الولادة والطفولة تليها مرحلة الشباب والحيوية، تليها مرحلة الرجولة والمسؤولية، تليها مرحلة الكهولة والحكمة. وهذه المراحل من التطور التي يقطعها تاريخ الوعي الانساني في سيرورته الشاملة هي انعكاس برأي هيغل لتطور «الروح المطلق» كما ان تاريخ الوعي الانساني هو انعكاس لتاريخ اخر هو تاريخ وعي «الروح المطلق» عن ذاته.
من جانب اخر يرى هيغل ان تطور الوعي الانساني، يتجسد موضوعياً في عدد من الفعاليات والحركات التاريخية والابداعات الروحية ذات الطابع الملموس. فهو يتجسد قبل كل شيء في شكل الدولة وطبيعة تنظيم العلاقة فيها بين الروح الفردية والروح الجماعية، بين الروح الجزئية والروح الكلية. فالدولة الابوية هي الاطار الخاص بمرحلة جنينة الوعي الانساني ودولة الاستبداد الفردي هي الاطار الخاص يمرحلة طفولة الوعي الانساني، والدولة الديمقراطية البدائية هي الاطار الخاص بمرحلة شباب الوعي الانساني، ودولة استبداد القانون هي الاطار الخاص بمرحلة رجولة الوعي الانساني، اما الدولة الديمقراطية التمثيلية البرلمانية فهي الاطار الخاص بمرحلة كهولة ونضج الوعي الانساني.
ان وجود الدولة هو الشرط الضروري الاول لولادة المؤسسات الروحية الاخرى وهي الدين والفن والفلسفة بشكل خاص وعن هذه المؤسسات تتولد مؤسسات روحية اخرى ثانوية نسبياً هي الاخلاق والعلوم والعلاقات الدبلوماسية وغيرها. ففي الدولة الابوية لا يمكن ان نجد الا ديناً يقوم على السحر وعبادة الطبيعة المباشرة، وفناً يقوم على تقليد مظاهر الطبيعة وبعض الاخلاق والعلوم والعلاقات البدائية جداً والعفوية تماماً. وفي الدولة الاستبدادية لا يمكن ان نجد الا ديناً يقوم على عبادة الطبيعة لكن مجردة وغير مباشرة هذه المرة وفناً يعكس هذا التجريد وفلسفة بدائية اقرب الى العقيدة الدينية ومصاغة بلغة الايمان. اما في الدولة الديمقراطية البدائية فنجد ديناً قائماً على عبادة طبيعة مجردة وشخصانية مؤنسة، أي ممنوحة وعياً وحيوية عقلانية، وفناً يجعل الانسان مركزه ونقطة انطلاقه وفلسفة مستقلة بذاتها عن الدين لكنها لم تغادر الأجواء الدينية بعد.
وفي اطار الدولة الاستبدادية المؤسساتية نجد ديانة تقوم على عبادة الطبيعة مجردة بشكل مطلق، وبشكل لا يبقى من الطبيعة المادية سوى وجودها الرمزي مطروحاً على شكل إله واحد ونجد فناً يعكس هذا التجريد وهذه الرمزية، ونجد فلسفة معقدة ظاهرياً لكنها شكلية المحتوى داخلياً. اما في الدولة الديمقراطية التمثيلية فنجد ديناً يقوم على الاتحاد الواعي بين الله والانسان، وفناً يمجد الانسان باعتباره ابن الله وممثل تحققه الارضي، وفلسفة متطورة في مختلف المجالات.
هذه هي باختصار شديد المحتويات الاساسية للنظام الفلسفي الهيغلي في تفسير تاريخ تطور الوعي الانساني. واذا انتقلنا الان الى تلمس ذلك على الصعيد الواقعي التاريخي للانسانية فان هذه التصنيفات تتجسد لدى هيغل على الشكل التالي:
– مرحلة جنينية الوعي الانساني وتتجسد بافريقيا التي يعتبرها هيغل «ليل الوعي الانساني» اي ما قبل الوعي التاريخي حيث يلاحظ ان افريقيا لم تنجح في اقامة أية دولة وبالتالي لم تنجز الا اشكالاً بسيطة على الصعيد الديني والفني والاخلاقي متجسدة في روحانية قائمة على السحر وعبادة الاشجار والانهار، وأكل لحوم البشر والغاء أية قيمة للإنسان بذاته.
– مرحلة طفولة الوعي الانساني وتتجسد بالشرق عموماً سيما الصين والهند وبلاد فارس وبابل ومصر القديمة، حيث يلاحظ ان الديانات التي قامت في هذه المناطق كانت تقوم جميعاً على تقديس الطبيعة المباشرة متجسدة رمزياً بالامبراطور في الصين وبرؤساء نظام الطبقات في الهند وبعبادة النار في ايران القديمة وبعبادة التماثيل ذات الهيئة الانسانية او الحيوانية في بابل ومصر. ففي هذه المرحلة يشعر الانسان انه يمتلك قيمة بذاته لكنها قيمة ثانوية مقارنة مع قيمة الامبراطور والرؤساء والنار.
– مرحلة شباب الوعي الانساني وتتمثل بالحضارة الاغريقية القديمة حيث يقدس الانسان رموزاً له بتماثيل الالهة المنحوتة بدقة على شكل جسم انساني، أي ان الفن الكلاسيكي وحقوق المواطنة في الديمقراطية الاغريقية، وموضوعات الفلسفة الاغريقية تدل جميعاً على شعور عالٍ بقيمة الانسان في العالم الاغريقي، لكن هذه القيمة غير شمولية بعد. فشعور الفرد الاغريقي بقيمته لا تتأتى لديه من هويته الخاصة كإنسان بل من هويته الخاصة كأثيني وكأغريقي. وهذا العجز في الوعي الاغريقي يجد نتائجه الملموسة في وجود نظام الرق في المجتمعات الاغريقية القديمة، وايضاً في كون الوعي الفردي الاغريقي ظل اسير فردانيته ولم يفهم ان قيمته الفعلية تكمن في عالميته، اي في ضرورة ان ترسى القيمة الانسانية للفرد على اساس انتمائه للانسانية العالمية، وليس فقط للانسانية اللاتينية او الاغريقية.
– مرحلة الرجولة تتمثل بالحضارة الرومانية حيث يقدس الانسان رموزاً له بالقانون والدولة وهي مؤسسات معنوية ومجردة وليست مادية طبيعية. وهذا التطور يقترن بتطور اخر متمثلاً بالنزعة العالمية للحضارة الرومانية والوعي الذي طورته. لكن هذا التطور يظل محدوداً نظراً لأن قيمة القانون والدولة طغت على قيمة الفرد الانسان. كما ان النزعة العالمية للحضارة الرومانية اقترنت بنزوعها لفرض عالميتها بالقوة والعنف، مما جعلها عملياً تسحق الفرد الملموس باسم العالمية المجردة.
– مرحلة الكهولة والنضج النموذجي يتمثل بالحضارة الغربية -المسيحية التي تقرن عالميتها -حسب هيغل- باحترام عميق للفرد الانساني باعتباره ابن الله، وباشاعة المحبة بين البشر وبموازنة العلاقة بين الفرد والمجموع العالمي بشكل يصبح احترام قيمة الفرد شرطاً ضرورياً لمشروعية قيمة المجموع العالمي. وتعتبر الديمقراطية التمثيلية الانتخابية عن هذه الموازنة امثل تعبير. وهذه المرحلة هي الذروة العليا لتطور الوعي الانساني.
وهنا لابد ان نلاحظ بان هيغل يؤكد على الدوام بان سيرورة تطور الوعي الانساني تذهب جغرافياً من الشرق باتجاه الغرب بالضرورة. وكلما انتقلنا من الشرق باتجاه الغرب كلما بدت الروحانية الواعية اكثر سمواً. فبعد ان يترك القارة الافريقية جانباً باعتبارها خارج تاريخ الوعي، يرى هيغل ان الصين هي نقطة البداية الاولى الفعلية، تليها الهند فبلاد فارس فبابل فمصر وكلها مكونات داخلية ضمن ديالكتيك الوعي الشرقي الذي بمجموعه هو طفولة الوعي الانساني. واذا تقدمنا اكثر باتجاه الغرب يأتي العالم الاغريقي يليه العالم الروماني وتقف اوربا الغربية كخاتمة لهذه السيرورة على الصعيد الجغرافي. وبموازاة ذلك يؤكد هيغل ان التطور يتم بالضرورة ايضاً على الصعيد الزماني، فالحضارة الصينية تسبق الحضارة الهندية، وهذه تسبق الفارسية تليها البابلية فالمصرية فالاغريقية فالرومانية واخيراً الحضارة المسيحية الحديثة.
والحال ان ظهور الاسلام في الشرق بالذات جغرافياً وبعد المسيحية بالذات يبدو كضربة قوية لهذا المنظور التطوري الجغرافي- التاريخي. لاننا لا نستطيع ان نفهم كيف يستطيع الشرق ان يلعب دوراً عالمياً في تطور الوعي في حين ان هذا التطور لا يمكن ان يحصل الا في الغرب من جهة، ومن جهة اخرى ان ظهور الاسلام بعد المسيحية تاريخياً لابد ان يقود الى الاستنتاج ان الاسلام كوعي روحاني هو بالضرورة اكثر تطوراً من الوعي الروحاني المسيحي سيما وان هذا الاستنتاج يبدو بديهياً اذا احترمنا المنهج الهيغلي نفسه. فإلى أية حدود التزم هيغل نفسه بهذا المنهج الذي اراد له ان يكون علمياً وصارماً، والى أية مدى استطاع الانحياز لـ»العلم الفلسفي» والتحرر من انحيازه الطبيعي لثقافته الخاصة؟
قبل الاجابة على هذه الاسئلة من الضروري ان نلاحظ ان النصوص التي يتحدث فيها هيغل عن الاسلام هي نصوص سريعة دائماً وشديدة التبعثر غالباً، الا انها مركزة وعميقة باستمرار بشكل يوحي لنا بان هذا الفيلسوف الالماني الكبير واجه مشكلة حقيقية في ادخال الاسلام في نظامه الفلسفي وهي مشكلة تفضح برأينا تناقضاً جوهرياً في عمق نظامه الفلسفي. ومما يدهش جداً ان دروسه حول فلسفة الدين لا تضم أي فصل مكرس للاسلام على الرغم من انه حلل في هذه الدروس جميع اديان البشرية الصغيرة والكبيرة الاخرى. وهذا الحال اثار انتباهنا ان دروسه الاخرى حول فلسفة التاريخ وحول فلسفة الجمال وحول تاريخ الفلسفة لا تتضمن الا فصولاً عجولة مفروضة عليه بشكل او بآخر. ومع ذلك فان ما هو موجود يكفي للقول بوجود منظور كامل لدى هيغل حول الاسلام.
العرب قبل الاسلام في فلسفة هيغل
ان المعضلة الاولى التي يطرحها الاسلام، كدين وكحضارة، على الفلسفة الهيغلية هي ظهور هذا الدين في الجزيرة العربية وبين العرب بالذات. فهذا الشعب الذي عرفه هيغل جيداً الى حد ما من خلال كتابات فولتير وغوته وفولني وغيرهم من كتاب ومفكري عصر التنوير والمؤرخين والرحالة، يبدو له كشعب مشتت متكون من عدد كبير من القبائل الصحراوية المتنقلة المتنازعة فيما بينها ومع جيرانها بشكل لا يسمح لهم بناء دولة متطورة ومجتمع مدني متقدم لأن حياتهم في الصحارى وحركة تنقلاتهم الدائمة تتناقض بشكل عميق مع قيام الدولة والمجتمع المدني. يقول هيغل عن العرب قبل الاسلام:
«ان هذه الجموع من القبائل الرحالة لا تستطيع ان تحقق تطوراً وتربية بشكل ذاتي اصيل، فهي لا تكتسب الحضارة الا بعد استقرارها في السهول التي تحتلها وتستقر فيها والا بعد ان تفقد طبائعها الاولى. غير ان هجماتها على الحضارات المجاورة تؤدي بذاتها الى احداث انقلابات في الشكل الخارجي للعالم».(3)
في القسم الاخير من هذا النص يبدو واضحاً ان هيغل يسعى هنا الى وضع اللبنات الاولى لتفسيره الهادف الى اخذ الفتوحات العربية الاسلامية كواحدة من الهجمات الكبرى التي قام بها شعب من الرحالة على الحضارات المجاورة. لكن الفتوحات العربية مع الاسلام ليست أول هجمة من هذا النوع فقد سبقتها وتلتها هجمات عربية عديدة. ففي كتابه «دروس حول فلسفة التاريخ» يقول هيغل: «ان بابل ونينوى كانتا تشعران بحاجة دائمة لوقاية انفسهما من هجمات العرب الرحل عليهما لذلك كانتا تسعيان على الدوام الى تصفية حياتهم البدوية وجرهم الى الاستقرار في مناطق ثابتة عبر العمل في الزراعة والمهن والتجارة. وحتى في فترة لاحقة ظلت بغداد تعاني دورياً من عبث البدو».(4)
لكن هيغل لا يرى في العرب قبل الاسلام شعباً همجياً او بدائياً. انما بالعكس. فهو يجد ان العرب، وما دامت الصحراء تقدم لهم اكتفاءهم الذاتي من الزاد والماء، هم شعب طيب الاخلاق نبيل ورقيق، لديه شعر جميل، ويحب الحرية ويعتز بنفسه وكرامته الى درجة قادت هيغل في فلسفة الجمال الى اعتبار العرب الجاهليين بمثابة «شعب من الابطال»(5). هذه النظرة الهيغلية نجدها مبكرة جداً في كتابات الفيلسوف. ففي مؤلفاته المسماة بـ»كتابات الشباب» كتب ما يلي عن الكرم العربي: «عندما يشرب العربي قدح قهوة مع الغريب يشعر بانه يرتبط مع هذا الغريب بعهد صداقة. وهذا الفعل المشترك يربطه مع الغريب الى درجة ان العربي يحرص على ان يظهر اشد انواع الوفاء وكل النجدة لذلك الغريب».(6)
ومهما يكن الامر فان هذه الصورة ظلت في ذهن هيغل عن العرب، وهذا هو ما نجده واضحاً بشكل خاص في فلسفة الجمال حيث يقول هيغل عن المعلقات الجاهلية: «ان هذا الشعر هو الشعر الحقيقي اللائق باشخاص ناجحين ومستقلين. شعر رغم كل الغرابة التي نجدها فيه يجعلنا نندهش بقدراتهم على اللعب بالصور والمقارنات وعلى التعبير عن روح انسانية واقعية»(7) ويضيف ايضاً: «ان هذا الشعر يتضمن نفحة تحمل الحياة».
لكن كل هذه المشاعر الهيغلية لا تغير من الاستنتاجات الفلسفية التي سبق ذكرها والتي تنص على ان الفتوحات العربية الاسلامية هي شكل من اشكال الهجمات العسكرية، قام بها البدو على الحضارات المجاورة. بيد ان هذا التفسير يظل تبسيطاً جداً، سيما وان هيغل يقر نفسه بان الروحانية الاسلامية هي «الدرجة الارقى في الروحانية الشرقية»(8). لحل هذه الصعوبة الكبيرة والتناقض الصارخ في منظوره سيلجأ هيغل الى بلورة مفهوم غريب يقول بان الاسلام هو «ثورة الروحانية الشرقية»(9)، أي «ثورة» ضد انتقال رسالة الوعي التاريخي الى يد الغرب المسيحي. ان الاسلام بكلمة اخرى يصبح بمثابة ردة الى الوراء وردة عنيفة وسلبية انتقاماً من الوعي الشرقي الذي لم يعرف ان يواصل التطور الى الامام.
لكن هذه الثورة العنيفة وهذه الردة السلبية هي ضرورة بحد ذاتها ضمن التطور التاريخي للوعي الانساني في سيره نحو الحقيقة المطلقة مع الروحانية المسيحية الغربية، اي انه كان لابد ان يجيء الاسلام ليدمر الاوثان ويهدم الدولة الفارسية المجوسية والدولة الرومانية الضعيفة في ايمانها بالمسيحية، لكي تخلق الارضية المناسبة والشروط الضرورية الاخرى لانتصار الروحانية المسيحية عالمياً.
ولحل مشكلة ضرورة التطور على اساس سيرورة زمانية- تاريخية ولما كان ظهور الاسلام لاحقاً على ظهور المسيحية فان هيغل سيطور مبدأ ينص صراحة على ان المسيحية الفعلية والحقيقية لم تظهر الا مع لوثر والبروتستانتية وهكذا يزول التناقض التاريخي- الزماني المذكور من نظامه الفلسفي. أما الكاثوليكية والمسيحية الشرقية السابقتين على الاسلام وعلى البروتستانتية معاً، فانهما بنظر هيغل مسيحية سطحية او بالاحرى تمهيدية لأن الحقيقة المسيحية المطلقة ظلت مجهولة من قبل المسيحيين حتى مجيء لوثر.
وبهذا التفسير «الفلسفي» يضرب هيغل ثلاثة عصافير بحجر واحد فهو يجرد المسيحية الشرقية من علاقة عميقة مع الحقيقة المسيحية، ويدين الكاثوليكية بسطحية فهم هذه الحقيقة ويسلب الاسلام أية علاقة مع الحقيقة الالهية المطلقة. وبهذا يصفي حساب البروتستانتية مع كل الديانات الاخرى التي يمكن ان تتهمها بالهرطقة واللاشرعية. وبالطبع فان انحياز هيغل لديانته البروتستانتية هنا صريح ومفجع بشكل يضرب في الصميم تأكيداته السابقة حول «العلمية» في الفلسفة، مما يدعم الرأي السائد في بعض الاوساط الفلسفية الكاثوليكية والقائل بأن الفلسفة الهيغلية ما هي في الواقع سوى العقيدة الدينية اللوثرية مصاغة بلغة الفلسفة وان كل مزاعم هيغل حول العلمية والحيادية والبحث العميق غير قادرة على طمس هذه الحقيقة الكبيرة.
خصوصية الدين الاسلامي
في الفلسفة الهيغلية
يرى هيغل «ان الدين الاسلامي هو دين روحاني مثل الدين اليهودي لكن مضمون الاسلام يطابق مضمون الدين المسيحي، لأن فكرة الله الاسلامية تناظر في تطورها فكرة الله المسيحية»(10). فماذا يجب ان نفهم من هذا القول؟
باعتبارها ذروة الروحانية الشرقية، تبدو الروحانية الاسلامية لدى هيغل بمثابة تطور كمي- نوعي للروحانية اليهودية والنقيض المطلق للروحانية المسيحية «في صيغتها البروتستانتية» التي هي بالنسبة لهيغل المجسد الاكثر اكتمالاً للحقيقة الالهية والوعي الراقي للعلاقة بين الذات الالهية والذات الانسانية. ان علاقة الاستمرارية بين الروحانية اليهودية والروحانية الاسلامية يحددها هيغل على الشكل التالي:
ان فكرة الله الواحد الاحد في اليهودية تمثل تقدماً هائلاً يحققه الوعي اليهودي على جميع مراحل الوعي الشرقي. فالاله الذي يبدو متجسداً بالامبراطور في الصين وبأعلى هرم الطبقات في الهند وبالنار في المجوسية، يفارق الطبيعة المباشرة او الشيئية عبر قطيعة حاسمة ومطلقة مع الاشياء ليصبح إلهاً ذا محتوى روحي بحت لا يدرك بالحواس المجردة انما عبر التأمل والفكر فقط. علاوة على ذلك فهو يبدو للتأمل الواعي كذات حرة سامية ومريدة. لكن ما ينقص الوعي اليهودي هذا هو سلبية تصوره للعلاقة بين الانسان والذات الالهية. فانعدام فكرة الحياة بعد الموت في اليهودية من جهة وتجريد الانسان الملموس من أية قيمة ايجابية في الدنيا حيال «يهوه» من جهة ثانية تمثل جانبين سلبين في الوعي اليهودي لأن هذا الوعي يعجز عن ادراك حقيقة ان الاقرار بقيمة الذات الالهية تتطلب كشرط سبق الاقرار بقيمة الذات الانسانية، صحيح ان الشعب اليهودي يجد قيمة وقناعة بفكرة كونه «شعب مختار» من قبل الله، الا ان هذه الحقيقة هي قيمة وهمية متخيلة فحسب. وعلاوة على ذلك فان القول بوجود شعب مختار من قبل الله ينطوي بحد ذاته على تجريد للذات الانسانية من قيمتها الفعلية لان فكرة الشعب المختار تحصر هذه القيمة بمجموعة من الناس فقط (أي اليهود) في حين ان الحقيقة الالهية المطلقة لا تعرف هذا التعبير. ولذلك فان المسيحية والاسلام يمثلان تقدماً هائلاً على اليهودية بالغائهما فكرة الشعب المختار واقرار مبدأ المساواة بين جميع الشعوب والافراد فيما يتعلق بامكانية الاتحاد الروحي مع الله واستلام حقيقته.
لكن هذا التطور الذي تحققه الديانتان المسيحية والاسلامية يأخذ اتجاهاً متضاداً بالنسبة لاحدهما الاخر. فقول المسيحية بمبدأ الاتحاد بين الله والانسان عبر فكرة التثليث «الاب والابن وروح القدس» وبمبدأ نزول الابن الى الارض للتضحية من اجل الانسان، يتضمن حسب التفسير الهيغلي مفهوماً عميق الدلالة على ايجابية قيمة الانسان ضمن هذا الاتحاد. وهذا ما تؤكده نصوص الكتاب المقدس الاخرى القائلة مثلاً «بان الله خلق الانسان على صورته كمثله» وغيرها. اذ ان مجموع هذه المبادئ ينعكس في الدولة التي تخرج من المسيحية جاعلاً منها دولة عدالة وموازنة بين الذات الانسانية والذات الجماعية ودولة ديمقراطية وحقوق. وينعكس في الفن والفلسفة وغيرها من العطاءات الروحية الملموسة بجعل الاهتمام بالانسان وتجسيد قيمته المذكورة هدفاً مركزياً لها ومحوراً لانشطتها وتأملاتها.
اما في الاسلام فان فكرة القول بالمساواة المطلقة للبشر لا تقترن بفكرة الاتحاد بين الله والانسان حسب هيغل. انما بفكرة الانفصال بينهما. وهذا الانفصال مؤسس في الجوهر على مبدأ الغاء أية قيمة للانسان الملموس امام القيمة المطلقة للذات الالهية وهذه الفكرة يعبر عنها هيغل كما يلي:
«ان الاسلام يكره ويحتقر كل ما هو ملموس. فالله هو واحد مطلق بشكل لا يبقي فيه للانسان أي هدف لذاته وأية قيمة خاصة»(11). ويضيف هيغل: «ان الهدف الذي يسعى له الاسلام هو هدف ذهني بحت لذلك فهو لا يسمح بأي تصوير او تمثيل لله»(12). هذا الهدف الذهني البحت يقود الوعي الاسلامي الى نوع من العدمية والشعور الذاتي باللاقيمة وكذلك الشعور بضرورة احتقار وتدمير كل ما هو ذو قيمة من الموجودات الملموسة لان كل شيء يجب ان يفقد قيمته امام عظمة ومطلقية القيمة الالهية.
وهذا التوجه يتجسد عملياً حسب هيغل، بشدة التعصب الاسلامي الى درجة انه يعتبر الاسلام بمثابة دين التعصب. وهو يعبر عن كل هذه الافكار بالنص التالي لهيغل: «ان السمات الاساسية للاسلام تتضمن ما يلي: يجب ان لا يزدهر شيء في الحياة الواقعية وان كل ما هو فاعل وحي يتجه بكل طاقاته نحو اللانهائي البعيد وان عبادة الاله الواحد يصبح الرابطة الوحيدة التي يجب ان توحد جميع المؤمنين. وفي مجرى التوجه نحو هذا اللانهائي البعيد يختفي كل حاجز وكل تمايز بين الامم والطبقات حيث لا توجد أية قيمة للامتيازات العرقية او الامتيازات السياسية بالولادة او الملكية والثروات. وحده الانسان المؤمن يمتلك قيمة خاصة. وهذه القيمة متأتية من فعل عبادة الله والايمان به والصوم والتخلص من الرغبات الجسدية الملموسة الخاصة. لكن جميع هذه الاوامر تظل بسيطة اذ ان الجدارة العليا للمؤمن هي الموت في سبيل الايمان والذي يسقط في المعركة من اجل الله يضمن الجنة بشكل اكيد».(13)
وضمن نفس السياق يضيف هيغل في مكان آخر قائلاً: «بالنسبة لمحمد وحدهم المؤمنون يؤخذون بنظر الاعتبار. وهذا الموقف لا يتأتى من موقف يقوم على النظرة المغلقة بل يقوم على التعصب. لان العلاقة القومية اي العلاقة النابعة عن الرابطة العائلية الطبيعية «التي نجدها في اليهودية عبر فكرة آل ابراهيم واسحق ويعقوب» والعلاقة النابعة عن رابطة الانتماء الى بلد محدد، تظل تسمح ببعض المجال».(14)
وعلى اساس ذلك يستنتج هيغل «ان الدين الاسلامي هو دين تعصب في الجوهر»(15)، وهذا التعصب «هو تعصب في سبيل تعميم اعتناق الاسلام»(16)، لأن الخوف من الله هو الذي يسيطر على المؤمن، وهذا الاستنتاج هو الذي سيستخدمه هيغل لتفسير الفتوحات العربية الاسلامية على اساس انها اعمال تدمير وتخريب. بكلمة اخرى ان التعصب لله ونشر الايمان به وتعميم اعتناق الدين الاسلامي تجعل المسلم يتجه كلياً وبكل طاقاته للتجرد من كل ما هو مصالح مادية او هدف ذاتي من جهة ولاخضاع كل ما هو خارجه ايضاً. ولهذا فشخصية المؤمن المسلم تبدو مزدوجة متناقضة بنظر هيغل فهو نبيل لا نظير له في النبل من جهة ومدمر لا مثيل له في حب الدمار من جهة اخرى. اذ يقول هيغل «ان المسلم قادر على اظهار اسمى درجات النبل والسمو. وهذا السمو المجرد من أية مصالح تافهة ينتج جميع الفضائل الدالة على العظمة الروحية والبطولة يبدو معها المسلم حراً بشكل لا مثيل له في النبل والكرم والشجاعة والحكمة. لكنه عندما يستسلم لمصالحه الذاتية لا يتردد ان يكون فظاً مخادعاً وقادراً على كافة البشاعات والفضائع».(17)
وهذا المنظور هو الذي قاد هيغل الى اظهار اعجاباً واحتراماً شديدين حيال المتصوفة المسلمين من جهة وادانة صريحة للفتوحات الاسلامية وللامبراطورية العثمانية من جهة اخرى.
واضح اذن ان هيغل ظل في جميع هذه الاحكام منحازاً كلياً لثقافته المسيحية ونظرتها التقليدية المعادية للاسلام. ولذلك فان جميع هذه الافكار تظل عديمة الاهمية ونقطة ضعف كبيرة في الفلسفة الهيغلية الخاصة بالتاريخ وبالدين. فهو ودون ان يكلف نفسه جهد فهم الاسلام بشكل عميق يسمح لنفسه باطلاق مختلف الاحكام الاعتباطية ضده.
الدولة والفلسفة
1- طبيعة الدولة الاسلامية
لابد من الاشارة هنا ان النظام الفلسفي الهيغلي يؤكد ان الدولة في عالم ما لا يمكن ان تكون الا انعكاساً لطبيعة الدين او الروحانية الدينية السائدة في ذلك العالم. فالدولة هي الناتج المباشر للدين حيث يقول هيغل موضحاً ذلك بما يلي: «عندما نقول بأن الدولة تتأسس على الدين وانها تمد جذورها فيه فاننا نقصد بذلك جوهرياً بأن الدولة تخرج من الدين وان كل دولة محددة هي نتاج حتمي لدين محدد»(18).
وانطلاقاً من هذا المفهوم،ولما كان الدين الاسلامي هو دين يشيع الخوف والطاعة لدى المؤمن حيال الله، فان الدولة التي تخرج من الدين الاسلامي لابد ان تكون وفق المنهج الهيغلي دولة خوف وطاعة هي ايضاً. لكن هذا الخوف وتلك الطاعة الموجهة نحو الله في الدين، تتوجه نحو الحاكم في الحياة ضمن الدولة الاسلامية التي تبدو بدورها دولة استبدادية بشعة بالضرورة في نظر هيغل، دولة لا وجود فيها لأبسط شكل من اشكال الحرية وحيث الأفراد لا يمتلكون أية قيمة بالنسبة للحاكم الذي يتصرف كما يشاء وكما تتطلبه شهواته ونزواته وتقلباته.
صحيح ان هيغل يقر «بان الانسان حر بطبيعته»(19)، لكنه يضيف بأن الفرد في ظل الدولة الاستبدادية مرغم بالضرورة ان يتخلى عن كل شكل من اشكال الحرية. والحرية الوحيدة المسموح بها في هذه الدولة هي حرية المستبد. يقول هيغل عن الدولة الشرقية التي يعتبرها جميعاً وبالضرورة دولاً استبدادية: «ان ما يهيمن في الشرق هو الاستبداد. فالانسان اما خائف ومتردد او يسيطر عبر اشاعة الخوف. فهو اذن اما سيد او عبد. وبكلمة ان الخوف هو الذي يحكم الشرق»(20). لكن الدولة الاسلامية تبدو كذروة الدولة الاستبدادية.
وهذه الحالة من العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الدولة الاسلامية عموماً يتأتى بنظر هيغل كانعكاس لطبيعة العلاقة بين الله والمؤمن سيما وان الحاكم يعتبر نفسه بمثابة «ظل الله على الارض» و»خليفة الله».
هيغل والفلسفة الاسلامية
في كتابه «دروس حول تاريخ الفلسفة» الذي يسعى الى تغطية كل تاريخ الفلسفة منذ سقراط الى ديكارت، وجد هيغل نفسه مضطراً الى تخصيص فصل صغير عن الفلسفة الاسلامية تحت عنوان «فلسفة العرب» فشهرة الفلاسفة العرب والمسلمين في الغرب لم تكن تسمح له باغفال تناولهم في مؤلف يزعم دراسة كل تاريخ الفلسفة.
وهنا ايضاً فان محتوى كل فلسفة خاصة يبدو لهيغل انعكاساً لمحتوى الدين الذي تنطلق منه هذه الفلسفة بالضرورة. ولما كانت الاديان الشرقية جميعاً تقوم على فكرة الفصل وليس الاتحاد بين الله والانسان، يرى هيغل: «ان الفلسفة الشرقية هي فلسفة دينية عموماً»(21)، بما في ذلك الفلسفة الاسلامية التي يؤكد هيغل بانها «لا تتضمن أية عطاء اصيل»(22)، ثم يضيف: «ان دراسة الفلسفة العربية بشكل مفصل هي مسألة غير مفيدة وغير ضرورية»(23). واذا كان لابد من التحدث عنها فذلك برأيه لأسباب تاريخية بحتة اذ يقال هيغل: «اننا لا نتحدث عن الفلسفات العربية هنا إلا لأسباب تاريخية وخارجية»(24). اما السبب في كون هيغل يرفض اعتبار الفلسفة الاسلامية كجزء اساسي مهم من تاريخ الفلسفة فذلك لأن هذه الفلسفة لا تمثل برأيه مرحلة خاصة في تاريخ تطور الفلسفة. لان العرب كما يقول «لم يستطيعوا تطوير مفهوم الفلسفة، ولأن المسائل الاساسية التي اهتموا بها هي ما يلي: معرفة فيما اذا كان العالم أبدياً واثبات وحدانية الله»(25).
اما هذه الفائدة التاريخية التي يجدها هيغل في تناول الفلسفة العربية- الاسلامية في محاضراته حول تاريخ الفلسفة فهي بالتحديد لأن العرب هم الذين قادوا الغربيين الى اكتشاف المؤلفات الفلسفية الاغريقية وبشكل خاص مؤلفات ارسطو. ويعترف هيغل في هذا المجال بـ»ان المعرفة التي قدمها العرب حول ارسطو ومحافظتهم على النصوص الارسطية كانتا مصدراً مهماً للعالم الغربي في هذا المجال. لأن الغربيين ظلوا لفترة طويلة لا يعرفون شيئاً عن ارسطو الا من خلال الشراح العرب».(26)
ولتجريد العرب من أية ابداعات اصيلة في تطوير الفلسفة يركز هيغل في القسم الاعظم من الفصل الذي خصصه للفلسفة الاسلامية، على الدور الذي لعبه المسيحيون والسريان في الترجمة من الاغريقية الى العربية. اي انه يجرد الابداع الفلسفي العربي- الاسلامي حتى من فضله في ترجمة الفلسفة الاغريقية والاحتفاظ بها.
من جانب آخر وفيما يتعلق بالجوهري لا يقوم هيغل في هذا الفصل سوى بتعداد اسماء الفلاسفة العرب والمسلمين كالكندي والفارابي وابن سينا والغزالي وابن رشد وابن طفيل وغيرهم، الذين يعتبرهم جميعاً مجرد شراح لارسطو وليس كفلاسفة فعليين.
وفي الواقع فاننا نلاحظ ان الاضطراب والتناقضات هي التي تسيطر على العرض الذي يقدمه هيغل في هذا الصدد.
هذا هو باختصار شديد موقف هيغل من الاسلام والعالم الاسلامي وحضارته. وعموماً فان الاستنتاج الكبير الذي تقدمه لنا دراسة منظور هيغل حول الاسلام هو ان هذا المنظور سطحي وتبسيطي ومتناقض للغاية. وهذه الامور تجد اصولها الجوهرية في منطلقات نظامه الفلسفية وانحيازه المسبق لثقافته الغربية- المسيحية. فانحيازه المطلق للغرب قاده الى التمسك بشكل قسري بفكرة ان الشرق لا يستطيع ان يبدي اي عطاء روحي اصيل او لعب دور يذكر باستثناء ذلك الخاص بـ«طفولة الوعي الانساني»، اما انحيازه للمسيحية ديانته، فقد قاده الى التناقض الخاص القائم على اعتبار كل ما يظهر بعد المسيحية في التاريخ الروحاني الانساني كظاهرة عديمة الاهمية وفارغة المحتوى. وفي هذه النقطة بالتحديد تكمن المشكلة الكبرى التي يثيرها الاسلام بوجه الفلسفة الهيغلية وبوجه جميع فلسفات التاريخ والدين الغربية التي لا تستطيع تجاهل الاسلام وحضارته من جهة ولا تستطيع الاعتراف له بدور كبير من جهة اخرى.
ولقد ترتب عن هذه المنطلقات القسرية، ان هيغل يجد نفسه غير قادر على اعطاء أي دور حضاري للاسلام، وبالتالي ذهب الى اختيار بعض الاطروحات التي تلائم منهجه المذكور بشكل انتقائي قسري هو الاخر.
الهوامش
1) HULIN Michel, Hegel etl?547;Orient, Paris, Vrin, 1979, p. 13.
2) LUTHER, Oeuvres, Genève, Lobor/Fides, 1962, tome 2, p. 288.
3) La Raison dansl?547;histoire, trad. Papaioannou, U.G.E.
, 10/18, 1965, p. 273
4) Leçons sur la philosophie de l?547;histoire, trad. Gibelin, p. 142
5) Esthétique, trad.Jankélévitch, tome 4, p. 151
6) L?547;esprit du Christianismeet son destin, trad.
J. Martin, p. 68
7) Esthétique, trad.Jankélévitch, tome 3, p. 151
8) La Raison dansl?547;histoire, trad. Papaioannou, U.G.E.
, 10/18, 1965, p. 293
9) Leçonssur la philosophie de l?547;histoire, trad.Gibelin, p. 276
10) Leçonsur la philosophie de la religion, trad.Gibelin
, Paris Vrin, 1959, tome 4, p. 209
11) Leçonsur la philosophie de la religion, trad.Gibelin
Paris Vrin, 1959, tome 4, p. 210
12)نفس المصدر اعلاه، الجزء الثالث، صفحة 27.
13) Leçonssur la philosophie de l?547;histoire, trad.Gibelin, p. 276
14) Leçonsur la philosophie de la religion, trad.Gibelin
, Paris Vrin, 1959, tome 4, p. 83
15)المصدر السابق، الجزء الرابع، صفحة 208.
16)المصدر السابق، الجزء الرابع، صفحة 208.
17) Leçonssur la philosophie de l?547;histoire, trad.Gibelin, p. 277
18) La Raison dansl?547;histoire, trad. Papaioannou, U.G.E.
, 10/18, 1965, p. 152.
19) نفس المصدر السابق، صفحة 141.
20) Leçonsurl?547;histoire de la philosophie, trad.Gibelin
tome 2, p. 21
21)المصدر السابق، صفحة 70.
22)المصدر السابق، صفحة 77.
(23)المصدر السابق، صفحة 1018.
(24)المصدر السابق، صفحة 1024.
(25)المصدر السابق، صفحة 997.
(26)المصدر السابق، صفحة 1035.