كانت ساعة التليفون من الذهب الخالص، وكان صاحب البيت قد أكمل عامه التاسع في ديار العرب، يعمل طول النهار، وجزءا من الليل، في ثلاث شغلانات، ويحسب فيما تبقى من الليل، ما جمعه وما أنفقه وما ادخره.
يتوه عقله في غابة الارقام التي لا أول لها ولا آخر وان كان لا هدف له سوى إسعاد زوجته، وأولاده الذين تركهم في البلد، بدون رجل معهم.
كلما كبرت الأرقام التي ادخرها وارتفع سقف المبالغ التي كونها قال انه الثمن الذي قد يساوي غربته عنهم، وعن بلاده كل هذه السنوات.
امسكت نازك بسماعة التليفون التي كانت من الذهب الخالص وكان يضايقها أنها من الذهب الأصفر، مع أنها سمعت مؤخرا أن أحدى صديقاتها قد اشترت تليفونا من الذهب الخالص ولكنا من الذهب الأبيض، الذي هو أغلى وأقيم وأثمن من الذهب الأصفر.
قلن لها، أن الضيوف الذين شاهدوا تليفون صاحبتها، قد تراهنوا إن كان من الفضة أو الألومنيوم، وعلى الرغم، من أن الرهان، كان على مبلغ يتعدى ألوف الجنيهات، ويصل الى حضن أو قبلة، او حدث الوفاق.
الا أن الرهان، لم يكسبه أحد لأن المفاجأة الحقيقية جاءت عندما اعلنت الصديقة المتفوقة عليها ان التليفون، ليس من هذا ولا من ذاك ولكنه من الذهب.
سألوها في نفس واحد:
ذهب ليس أصفر!!
قالت، ولا يوجد في بر مصر سواه، انه تليفون وحيد.
من يومها، ونازك تنوي أن تطلب من زوجها المتغرب، عندما يتصل بها، احضار تليفون من الذهب الأبيض الخالص. ولكن على شكل مثير وغريب. ولم يدخل مثله بر مصر من قبل حتى تتفوق على الجميع، نساء ورجالا، الا يكفيها أنها تعيش محرومة من رجلها كل هذه السنوات ؟
كان الليل قد جاء، وذهب النهار بحره وعرقه وترابه، وكل هؤلاء الناس الذين يملأونه من الفجر وحتى لحظة انتصاف الليل، وكانت نازك قد بدأت تعاني من ذلك الإحساس الذي يكبس عليها كلما نزل الليل وهي في البيت.
تشعر وإن كانت لا تعرف السبب، ان البيت قد أصبح قبرا وان قميص نومها قد تحول الى كفن وترى بعيني رأسها جنازتها وصوان العزاء وفتحة القبر.
داخت من اللف على حكماء البر، لعل أحدا يشفيها من هذا الكابوس اليومي ولأن كل نصائح الأطباء تراوحت بين سرعة عودة زوجها أو سفرها اليه، وكلتاهما مشورة غير واقعية، ومستحيلة التنفيذ، فقد اكتفت مؤقتا بتعاطي الأدوية وان تحول هذه اللحظة الفاصلة بين النهار والليل الى اتصالات تليفونية ترسم من خلالها شكل السهرة ومكانها والذين سيحضرون وما سيجري فيها.
طلبت نانا التي كان اسمها نازك، واستبدلته مثلما بدلت الشقة والملابس والسيارة والنادي والكوافير فقد حطمت كل ما كان في حياتها القديمة طلبت نانا، صديقتها سوسو، التي لم تكن تعرفها الا من أيام فقط، والتي كان اسمها الى وقت قريب مكاسب.
قالت نانا لسوسو، انها قررت أن تقيم لهم في قصرها، وهي تعرف ان كلمة قصر تقال تجاوزا، لأن الموجود فعلا لا يزيد على فيلا كحيانة ستقيم لهم «برتيتة» هكذا عرفت الكلمة مؤخرا، ولكن سوسو قالت لها ان الكلمة الصحيحة هي بارتي. وأن معناها هو اجتماع الخلق مع بعضهم من أجل اللمة والونس والسهر فالوحدة تقتل الإنسان في عز الشباب.
قالت نانا ان هذه البرتيتة – ذلك ان أمامها وقتا ليس بالقصير حتى تتعود على نطق الكلمة الجديدة – لم تحدث من قبل بل وسيتحدثون عنها كل أيام العمر القادمة.
طبت نانا، نازك سابقا، من سوسو – مكاسب من قبل- ان تحضر معها كلبها الواعر، وأكدت عليها أن حضور الكلب أهم من مجيء كل أفراد الشلة.
حاولت سوسو أن تستفهم منها رفضت نازك أن تبوح بسرها، قالت أن المفاجأة لو اتحرقت لن تصبح مفاجأة أبدا قالت لها سوسو، انها لو أحضرت كلبها، قد يشعر بحالة من الضيق فهي أي نانا، لا تربي كلبة في بيتها وكل ما عندها من الحيوانات الأليفة مجرد قطة سيامية. أغلقت نانا التليفون وهي تقول:
هيه دي المفاجأة:!
يوسف العقيد (كاتب وروائي مصري)
فصل من نص طويل لم ينشر، بعنوان: "أطلال النهار" والنهار هو السادس أكتوبر 1973.