– لقد أحببت
تلك بداية وسالتها .. وبداية عمل م الجديد المؤقت
تسألني
– أتحسبها جرأة مني؟!
وقبل أن أجيب .. وما كنت أعرف بم سأجيب .. تجيب هي :
– أنا أعتبرها كذلك !
"توجست خيفة من أن تكون مثل زميل لنا في القسم الفني يمطرك برزاز عشرات الأسئلة .. وبينما أنت تحاول أن تتذكر في أي جيب يقبع منديلك . يلحقها برزان الاجابات المسهبة عن اسئلته التي نسيتها في زحمة البحث عن المنديل .."
– أظن أن أول انطباع سيبرق في ذهنك . عبارة تبارك من خلالها ما أنا فيه .. فقد تابعت ما تكتب في الأعداد الأخيرة .. وعرفت رأيك في الحب .. قد تقول : وماذا في ذلك يا ابنتي؟! أن تحبي .. هذا معلم انساني رائع في مسار حياتك .
"كان زميلي المريض يستخدم هذا التعبير كثيرا في الرد على قارئاته الناعمات في مقهى "القلوب الموجوعة " كما كنا نسمي زاويته في مجلة "نون النسوة " . لكن لا يعجبني تعبيرها "يا ابنتي" قد يلائمه هو .. وقد قارب سن التقاعد.. أما أنا فدون ذلك بكثير.." تتوسل :
– أرجوك .. لا تتسرع في إصدار أحكامك ضدي. لا تظن أنني امرأة تتلذذ بقضم أظافرها حتى تنزف دما وألما.. فتئن .. فتسعد .. أوقف طواحين الفكر في رأسك حتى تنتهي سطوري.
"وما فررت من ثرثرة أجهزة التيكرز بصحيفتي اليومية في الطابق الثالث الى تلك الزاوية بمجلة "نون النسوة " المعبقة برائحة النساء.. في الطابق الثاني عشر الى أن يبرأ صاحبها من مرضه الا لأريح رأسي من نعيق السياسيين ".
– هل تعرف لماذا أعتبر عشقي لرجل وقاحة توجعني …؟! لأن هذا الرجل ليس زوجي..:
"بداية مثيرة لنزهتي الغريبة في مجلة "نون النسوة ".
– نعم .. فأنا زوجة وأم .. ولسبب شيطاني أجهله .. عبثت بالجدار السميك لتلك الدائرة المقدسة التي لا يحق لامرأة أن تطل منها على أخر.. اني أعترف .. واني مؤمنة بأن الاتحاد الانساني المدموغ
بالشرعية بين رجل وامرأة هو رحم خاص جدا..
"أركض في فضول خلف السطور".
– وأسميه .. كل زواج .. رحما .. لأن من خلاله تنبثق تلك اللبنات الخيرة السوية .. التي تعمر الكون .. لهذا لم تترك السماء علاقتهما تنظم على هوى كل مختل أثيم .
" يالها من مفارقة مضحكة إن كانت أحدى اللائي أعرفهن .. لو كتبتها باليد لعرفت .. لكن صاحبتها تلثمت بحروف الآلة الكاتبة .."
– وأردد دائما ان الزواج نظام عبقري.. رغم كل الهجمات التي توجه له "أنا أحد المهاجمين .. لكن ليس في حضرة الدكتورة أميمة وليس بعد أن أصبحت أمين سر زاوية القلوب الموجوعة ". – وسر عبقريته .. حرف واحد.. ياء المتكلم .. رجلي .. امرأتي.. تلك الياء لا يقبل الرجل .. ولا تقبل المرأة أن يعبث بها أو تسلب .. لكني الآن أعبث بها.. حين فتحت شفرة في جدار خصوصيتي لآخر .. هو أيضا متزوج وله أسرته .. ماذا ينقصه ..؟! ماذا ينقصني؟! أدمع الدكتورة أميمة ينقصني أنثى..!! لا أظن أنه ينقصها شيء.. بعد أن أنجبنا طفلينا أغلقت مسام جسدها بالضبة والمفتاح .!!"
– بالطبع تنقصا أشياء وتنقصني أشياء.. وأين ذلك البيت العبقري الذي يرتوي سكانه حتى
– الفيض !!
"بيتي والدكتورة أميمة .. . هي من خلال أبحاثها عن أغنام الأنابيب .. وأنا.."
– ما ينقصنا لا ينبغي أن نسلبه من الآخرين ..
"لو تتصلين .. سأضرب لك موعدا في المجلة أولا.. ونرى إن كان الأمر يستحق معاناة الالحاح في طلب لقاءات أخرى في الخارج !!"
– لدي ارادة أوهى من ارادة ميت .. غير قادرة على أن تجسد صراخ ضميري.. قوة تطهرني من عربدة هذا الشيطان !!
فماذا أفعل الله عليك ..:؟!
الموجوعة
أ…ع
"وما زال في الذيل بقية "
على فكرة ..لا تظن أنني ربة بيت خاملة تعاني من الفراغ .. زوجي يغيب عن البيت .. نعم … ساعات طويلة .. وكثيرا ما تقتضي طبيعة عمل أن يتأخر الى ما بعد منتصف الليل .. لكن عملي أيضا مميز.. ويستهلك جزءا كبيرا من وقتي وفكري..!:
ماذا لدي أقوله لتلك المرأة ..؟! بالطبع من السهل جدا أن أشدها تحت جبال من كلمات الوعيد والنذير بنار جهنم .. وأهون من ذلك أن ارتقي أعلى منابر الوعظ .. وأقذفها من عل بخطبة عصماء من ذاكرتي الثرية بمواعظ السلف الصالح ..لو كانت "نهى زهدي" التي تجلس في مقعدي الآن لفعلت .. في العام الماضي حين حصل صاحب الزاوية على اجازة عدة أسابيع أحالتها الى مجلس أعلى للوعظ والسب .. نستقبل فتاويه الصارمة كل أسبوع .. ضاحكين .. ونحن نتذكر هذا الصباح الذي فاجأها فيه زوجها .. وهي ممدودة عارية في فراشها بجوار صحفي تحت التمرين لم يمض على وجوده في القسم الذي كانت ترأسه أكثر من شهرين وماذا لو عرضت الرسالة على نصف محرري الجريدة ؟! ليس بالطبع ذاك النصف الذي نسميه بالعذريين لأنهم لم يعرفوا من النساء سوى زوجاتهم !! كنه النصف الآخر.. بعضهم سيسخر مني .. ويقول _هل تريد اذنا لتكون الرجل الثالث ؟! وأحدهم قد باغته مكاشفة .. فيرى نفسه .. ويرانا .. سطور تلك الرسالة .. أنا شخصيا كدت أقع أسير تلك اللحظة .. كأن ذلك خلال حرب الخليج .. كنت أزور مستشفى ميدانيا…لفت انتباهي جندي أمريكي بدا من خلال عينيه الزائغتين انه خارج ميدان الحرب .. كان مصابا بشظية في أعلى ساقه .. اقتربت منه .. سألته عن شعوره .. قلت له تحديدا:
– هل تشعر بأنك معني تماما بهذه الحرب ؟! لا أقصد بلدك .. أنت كشاب .. هل تمثل هذه الحرب بالنسبة لك قضية ما ؟!
استمرت نظراته موغلة في تيهها.. كأنه لم يسمعني .. لكنه بعد لحظات مد يده داخل سترته .. وأخرج من جيب داخلي صورة قال بصوت واهن وهو يتأملها:
– ترى من الشيطان الذي يعتلي زوجتي الآن في غرفة نومنا بمدينة دالاس؟!
تطلعت نحوه .. ويداخلي شعور غامض بالذنب .. وكدت أتمتم في لحظة صحوة لضمير أمضى عمره في سبات : أنا.. ؟ لكنا حين مد لي يده ليريني الصورة .. تمنيت وأنا أتأمل شفتيها الشهيتين وصدرها النافر لو كنت أنا رجل وساوس زوجها..!
وحين عدت بعد أيام الى منزلي . وكانت الساعة تقترب من الثانية عشرة ليلا لم أشذ أن أوقظ الدكتورة من نومها.. وتلك كانت عادتي حين أعود متأخرا.. ودائما أعود متأخرا .. تمددت بجوارها .. أغمضت عيني وسافرت الى دالاس .. الى غرفة نوم الجندي الامريكي .. أعددت "سيناريو" مقنعا.. قلت لها اني أحمل رسالة من زوجها الجندي .. تهللت أسارير وجهها.. كافأتني بدعوة على فنجان شاي داخل المنزل .. حدثتها عن الشرق وسحر رجال الشرق .. تطفح أسارير وجهها الطفولية بمشاعر الانبهار.. قلت لها أنها نموذج الانثى الشقراء التي يحلم بها رجال الشرق .. تنفجر أساريرها زهوا.. وهي تصيح كم أنت لطيف !!
ولم يكن الباقي صعبا!!
أفيق من وهني.. توجهت الى الحمام الملحق بالغرفة واغتسلت .. فما أسوأ أن تلحظ الدكتورة أن زوجها.. والد طفليهما .. المعلق السياسي .. مازال يستمني . وان كنت أظن أنها لو لحظت لما اعتبرت ما أفعله سهما جارحا لكبرياء أنوثتها .. ستراني ربما حالة مرضية جديرة بالدراسة .. وقد تنتهي الى نتائج مذهلة تقوم بنشرها في أحدى الدوريات العلمية التي تراسلها .. انها تحفظ أسماء وعناوين وأرقام هواتف ورؤساء تحرير عشرات المجلات العلمية شرقا وغربا.. لكنها من بين كل صحفنا اليومية والاسبوعية تعرف بالكاد اسم "صحيفتي" فقط لأنني أعمل بها .. أنا لا أراها إلا في الفراش تغط في نوم عميق .. وفي الصباح الباكر أحيانا أشعر بها .. وهي تقفز من فوق السرير الى الحمام .. فدولاب ملابسها .. فالمطبخ .. فالشارع لكحق بعملها.. أما طفلانا فعهدت بهما الى الشغالة وأنا.. أظنها لا تجهل علاقاتي السرية .. وترضي ربما باهمالي لها.. حتى لا
أكدر شغفها الشديد بكل ما في وحدة أغنام الأنابيب التي ترأسها. صديق قال لي مرة ساخرا:
– العالم أو لا شيء "هـ جـ..ويلز" أنت أيضا .. كل نساء العالم .. أو لا شيء .. أظنك وأنت على فراش الموت سوف تشعر بالمرارة لأن الوقت والظروف لم يمكناك من مضاجعة كل نساء الأرض ..!
أهذا أنا ؟! لو كنت كذلك … فلم أحافظ على عادات مراهقتي القديمة ! لم أكن هكذا أبدا.. ولم يكن كذلك داخلي .. كنت أراهن في أشعار ابراهيم ناجي وابي القاسم الشابي التي كنت أحفظها أطياف ملائكة .. في عذوبة الطفولة .. وبهجة الأحلام .. وزغردة الصباح .. كانت صبايا قويت ر وهن يتهادين على الطريق الزراعي في اتجاه المدرسة .. يبدين كأبيات شعر تتدفق من شمس الصباح .. مثلهن لا ياكن ولا يشربن .. ولا يخطئن .. ولا يتعرين عل الأسرة .. ولا يأتين بهذا الفعل القبيح كما يدعي الكبار.. الذين لا أصدقهم ..
وحين صدقت .. عندما رأيت "راوية " تمثالي الجميل عارية أسفل زميلي في الجامعة .. قررت الا أراهن إلا هكذا.. وبـ"راوية " بدأت .. لكنها أبت أن تنزع قطعة واحدة من ثيابها. فررت بها الى خيالي .. قاومت .. ربع قرن وهي تقاوم .. وربع قرن وأنا أستعذب مقاومتها وهي تخمد
ببط ء.. إن لم يكن في مخدع الواقع .. فعل أسرة أخيلتي ، وربما أواصل ما بدأت أواليها ظهري.. وانزلق بنعومة في سبات عميق ..! المهم أن حصونها المنيعة استسلمت !!
تلك هي عقدتي اذن !! حسنا .. ان كان ما يقوله علماء النفس صحيحا من أن معرفة المريض بمشكلته بداية العلاج .. فها أنا بدأت أعالج نفسي .. والفضل يرجع الى صاحبة تلك الرسالة .. حين التقي بها سأخبرها بذلك .. ربما بعد أن تستسلم !!
يرن جرس الهاتف .. عامل التليفون يخبرني أن سيدة اسمها ،أ. ع … ترغب في الحديث مع محرر باب "القلوب الموجوعة " بشأن رسالة بعثت بها.. أتأمل ذيل الرسالة التي أمامي، أ.. ع .. إنها هي، أمازالت تدب تحت الجلد تلك الرغبة الغامضة في أن أكون رجلها الثالث ..!
– أعني أكلمها..
لا يصلني من الطرف الأخر سوى عبارات مبهمة .. حديث بين اثنين .. انصت باهتمام .. رجل وامرأة .. كأنها تستثمر لحظات انتظارها الى أن يتم تحويل المكالمة في تسوية حساب مع الرجل .. تنهره .. تحذره من أنها ستخبر المدير العام .. يخيم الصمت لحظات .. تكدره أصوات خافتة رفيعة قادمة من مكان بعيد بعض الشيء .. أشعر بأنفاسها وهي .. ربما .. تدني سماعة الهاتف من شفتيها.
– ألو .. !! أضغط السماعة على اذني في ترقب عصبي لأن تكررها.
من يمنحني معجزة تؤكد لي أن ما أسمعه ليس يقينا..
تتوحد كل حواسي في أذني.. تنضغط بحوافها في سماعة الهاتف .. لكن لا شيء سوى تلك الأصوات الرفيعة القادمة من مكان بعيد.. عرفت فيها قبل أن يفلق الخط مأمأة أغنام ..!
تأملت ذيل الرسالة ".ذ.ع ، يا إلهي .. أميمة عبدالعزيز.."
وضحكت .. !!
محمد القصبي ( قاص من مصر يقيم في سلطنة عمان)