حسونة المصباحي *
ذهبت إليه مثلما أذهب إلى عطش يحكم التائهين عند تهاوي الفصول*.
في اللية الفاصلة بين التاسع والعاشر من شهر أكتوبر من عام 2019، توفي في باريس الشاعر الفرنسي الكبير لوران غاسبار . وأنا كنت قد تعرفت عليه مطلع الثمانينات من القرن الماضي، ذات خريف شاحب إذ قادني صديقي الشاعر خالد النجار أول مرة إلى بيته عبر المسلك الحجري الذي ينزل مُتًَعرّجا باتجاه بحر سيدي بوسعيد بالضواحي الشمالية لتونس العاصمة…
في تلك الفترة، كنت قد تخطّيت للتو تجربة مرة في حياتي عشت خلالها البطالة والجوع والتشرد بين المدن، وكانت بقايا أوجاعها لا تزال كامنة فيّ كمون النار تحت الرماد. سلواي الوحيدة كانت اعتكافي في مدينة القيروان بعيدا عن صخب العاصمة، وضجيج مثقفيها، اليساريين منهم بالخصوص، والذين كانوا يعيشون في بحر من الأوهام. وفي عزلتي، غرقت في القراءة. وبين وقت وآخر، كان يأتي خالد النجار محمّلا كعادته بعناوين كتب جديدة، وببشائر تخفف من أوجاعي، وبفوضى جميلة تُكْسرُ الرتابة في المدينة الخاملة النائمة في السهول المغبرة. وفي كل زيارة من زيارته، كان يبتكر مناخات سوريالية بديعة تُعيد لي الثقة بالنفس، والأمل بأن حياتي ستجدّد، وستخضرّ مثل شجرة في أول الربيع.
وذات يوم، كنت أتجول برفقة خالد النجار في شوارع القيروان السابحة في شمس الخريف الذاهلة. وفي لحظة ما، راح يحدثني بحماسه المعهود، وبصوته الذي يصبح عذبا حين يكون الشعر محور الحديث، عن صديقه لوران غاسبار، حاثا إيّاي على التعرف عليه. ثم فجأة توقف خالد النجار عن السير، وقال لي بعد أن تمعن فيّ لبضع لحظات: «لكن لماذا نؤجل الأمر مادام بإمكاننا أن نفعل ذلك اليوم». ومن دون أن ينتظر جوابا مني، جرّني إلى موقف سياّرات الأجرة.
وصلنا إلى بيت لوران غاسبار في آخر المساء. وجدناه ممددا على أريكة، وحوله أوراق كثيرة وكتب. استقبلنا بترحاب كبير. وبعد أن قدمت لنا زوجته الشاعرة جاكلين داود القهوة، شرع لوران غاسبار يحدثنا عن مشاريعه القادمة، وعن كتاب كان بصدد انهائه والذي سيكون بعنوان «أوراق ملاحظات» وفيه نصوص عن مدن عربية وتونسية فتنته. كما يتحدث فيه عن عمله كطبيب جراح محكوم عليه بأن يواجه الموت يوميا :»كان من الممكن أن أمضي أكثر أوقات حياتي في تلك الأماكن التي تتكاثف فيها آلام الناس. وفي كل يوم تمتلئ عيناي بصور تحلّل الجسد الإنساني، وتعفنه، وتفتته تماما. (…) بين الأفواه المُكَمّمَة، أتعلم في كل يوم تشكّلَا جديدا للنظرة، وتآكل الأمل والليل، وكيمياء الشدة، والوحدة، الوحدة القصوى». وفيما بعد قرأت لأحد النقاد مقالا عن هذا الكتاب الذي صدر عن دار «غاليمار» المرموقة، وفيه كتب يقول :»في نفس الوقت-أو تقريبا-نحن نجد لوران غاسبار مأخوذا بالحياة، وبالضوء. وهو يعثر على الضوء في مشاهد الطبيعة التي يفضلها عن غيرها، في الصحاري وفي الواحات، وفي الجزر اليونانية، وفي صحراء سيناء، وفي تونس. مشاهد طبيعية متناقضة لكنها باذخة وفاخرة، ورؤى للأحجار وللحدائق، ومدائح لأنوار الحياة». ويضيف نفس الناقد قائلا:»بالنسبة للوران غاسبار، كل ابتكار –حتى ولو كان متواضعا-وكل سعادة هما من نور. وهو يعثر على هذا النور حتى في الأسواق: نور الأيدي التي تُخيطُ، وتَخْبزُ، وتَنْسُجُ، وتضرب الحديد. سعداء من ينصتون إلى الصمت. سعداء من يحذقون الاستماع، وتفسير أنغام القيثارة، والقصب، والنار أو الريح».
وفي ذلك اللقاء، حدثنا لوران غاسبار بصوته الذي لا يعلوا أبدا عن بيلينسكي، وهو واحد من أهم شعراء المجر في القرن العشرين. وكان يعدّ آنذاك ترجمة فرنسية لمختارات من شعره. كما حدثنا عن الشاعر الألماني الكبير راينار ماريا ريلكه الذي ترجم إلى لغة موليير مختارات من أشعاره ورسائله. ولما غادرنا بعد الثامنة، أحسست كما لو أنني أطير فوق بحر سيدي بوسعيد :» شجرة تين عارية مثل الهضاب، تترك في البعض من الأماكن ألسنة من الماء الخضراء تمر(…) من أين تأتينا تلك القوة الضّارّة التي تدفعنا إلى تعتيم النور القليل المُتَبَقّي لنا؟ الحقيقة أن المشكلة ليست في أن نعرف كيف نتجنب الكراهية، وكيف نتعلم ألاّ نكره، بل كيف نحب» (من كتاب أوراق ملاحظات».
* * *
بعد ذلك، تعددت لقاءاتي بلوران غاسبار سواء وحدي، أو برفقة خالد النجار. وكم كانت ممتعة الجلسات معه في بيته الواقع في منحدر على سفح هضبة سيدي بوسعيد…ضوء المساءالشاحب يتسرّب من خلال النوافذ العريضة المفتوحة على المدى الأزرق. رائحة الشعر تعطر البيت كما لو أنها رائحة نبيذ معتق. يظل لوران غاسبار ممددا على الأريكةالتي وضعت حولها وسائد وشّحتها صبايا الجنوب السمراوات برسوم متعددة الألوان. يتحدث خالد النجار في أمور شتى تتصل بالشعر، وبالسياسة، وبقبائل بربر الجنوب التونسي، وبالهنود الحمر في قرية «كوكناواغا» الكندية التي زارها، وعنها كتب نصا بديعا. بين الحين والحين يروي خالد النجار طرفة من الطرائف يضحك لها لوران غاسبار، وزوجته وأنا. ولا يتحدث لوران غاسبار إلاّ قليلا لأن الاستماع إلى خالد النجار يمتعه كثيرا…
ينزل الليل بهدوء. يعلو نشيج البحر عند أسفل الهضبة. أتأمل أنا الشاعر الذي ينصت إلينا وعلى وجهه ألق الكلمات المخزونة في أعماق روحه فيبدو لي شبيها بحكيم قادم من العصور السحيقة….
* * *
عقب كل لقاء ، كانت علاقتي تزداد توطدا بلوران غاسبار. ولعله أعجب ببعض نصوصي الشعرية التي نشرتها آنذاك في مجلة «الكرمل»، لذا لم يتردد في ترجمتها بمساعدة زوجته لتكون ضمن الملف الذي أعده عن الأدب التونسي الحديث، والذي نشرته مجلة «أوروبا» الفرنسية في عدد من أعدادها. وكان كل حوار معه يفتح أمامي آفاقا جديدة ليصبح الشعر في جوهره، وفي معناه العميق أقرب إلى نفسي أكثر من أيّ وقت مضى. ومع مرور الوقت، تمكنت من أن امتلاك بعض المفاتيح التي ساعدتني لاحقا على النفاذ إلى عالمه الرحب، وعلى ملامسة خفايا ألغازه الشعرية التي كانت تبدو لي في أول الأمر غامضة ومستعصية.
ولعل أهمّ شيء تتوجب الإشارة إليه هو أن لوران غاسبار المولود عام 1925 ينتمي إلى منطقة» الكاربات» الواقعة بين رومانيا والمجر. وهي نفس المنطقة التي ينتمي إليها مبدعون كبار أمثال باول تسيلان، وأوجين يونسكو، وشيوران. ومثل هؤلاء، اختار لوران غاسبار المنفى المضاعف، الجغرافي واللغوي، وب «نعال من ريح» مضى إلى الشرق القديم، باحثا في أديانه، وفي أساطيره، وفي صحاريه، وفي أنهاره وبحاره، عن الشعر في بكارته الأولى حيث شرع الرب في تسمية الأشياء بأسمائها. والمراحل التي سبقت اكتشافه للشرق كانت بمثابة «آلاف الكيلومترات من الليل فوق أرض في حالة فوضى». وقتها كانت الحرب الكونية الثانية تحرق الأخضر واليابس في العالم بأسره. وكان هو في الثامنة عشرة من عمره لما جند وأرسل فورا إلى الجبهة الروسية ليقاتل ضد الجيش الأحمر. وبسبب فراره، تمّ حبسه عام في أحد المعسكرات النازية بألمانيا إلاّ أنه تمكن من الفرار ليخترق في عربة دواب «ليال لم تعد ترغب في الأرض، وأرضا لم تعد ترغب في الإنسان». ورغم الجوع والخوف والبرد والثلوج، تمكن الفتى من الوصول إلى باريس التي كانت تحتفل بتحرير فرنسا من الاحتلال النازي. وفي «عاصمة الأنوار» التي اشتهرت باحتضان المنفيين القادمين من كل مناطق العالم، استعاد لوران غاسبار الرغبة في الدراسة لينتسب إلى كلية الطب ليتخرج منها طبيبا جراحا في أوائل الخمسينات من القرن الماضي. ثم ذات يوم قرأ اعلانا في إحدى الجرائد يتمثل في أن المستشفى الفرنسي بالقدس في حاجة إلى أطباء، فلم يتردد في الذهاب إلى الأرض القديمة التي طالما حلم بها وهو يقرأ شعراءها وفلاسفتها وسير حكمائها ورسلها. حال وصوله إلى هناك فتنته حياة البدو الرحل فقرر أن يكون شبيها بهم. وها يركب الحصان في الصباح الباكر ليتجول في الصحراء مُسْتَنطقا الأحجار، والطبيعة العارية، وآثار الأقدام الحافية التي تقطع المسافات الطويلة غير عابئة بحمّارة القيظ. وأحيانا كان يستهويه أن يتجول في ضوء القمر في الصحراء ليستعيد أساطيرها المثيرة، وسير من سعوا لاستكشاف أسرارها وخفاياها عبر العصور. وشيئا فشيئا تعلم هو القادم من جبال «الكاربات» الوعرة الواقعة «خلف ظهر الرب» كما يقول أهلها، أنه يوجد في أرض الشرق الموغلة في القدم ما هو أساسي، أي الشعر. وفي الحين انعقدت الصلة الحميمة بينه وبين شعرائها وحكمائها فإذا نصوصه تنبجسُ محمّلة بأصدائهم، مواصلة تساؤلاتهم أمام أسرار الغيب، وألغاز المجهول، ومستعيدة دهشتهم أمام تحولات الانسان والطبيعة. حتى لغة الشعر نفسها بدت له وهو يهيم على وجهه في الصحراء مع البدو الرحل، عاكسة لروح الشرق، ولتجلياته عبر العصور. فهي «تَجْرُفُ الأزمنة والفضاء الهارب، وتؤسس الأحجار والتاريخ، لتتحول فيما بعد إلى مكان لاستقبال غبارها. وهي تمتلك الحيوية التي بها تقام الامبراطوريات، وبها تتلاشى وتضمحل. وهي في النهاية شبيهة بفناء خلفيّ متآكل اكتسحته الأعشاب الوحشية، وغطّى البَهَقُ حيطانه، وفيه يتمهل ضوء المساء لبعض الوقت».
إن العطش الذي أحس به لوران غاسبار لاستكشاف الشرق، والتعرف على شعوبه، وطبيعته، يُبيحُ له أن يكون شاعرا «شرقيا» بالمعنى الذي يسمح لنا أن نقول بإن كافافيس شاعر «اسكندراني»، وأن سان-جون بيرس شاعر «كاراييبي» (نسبة إلى البحر الكارايببي حيث ولد وأمضى طفولته). وما أبدعه لوران غاسبار هو عبارة عن ملحمة شعرية فيها تتمازج الأساطير البابلية والآشورية، والأرامية، والمصرية القديمة بقصص الأنبياء والرسل، وبقصائد شعراء الشرق القدماء من بلاد اليونان بالخصوص، انطلاقا من هوميروس، وبارمينيدس، وحتى جورج سيفيريس، وايليتيس…
* * *
بعد حرب عام1967، وتحديدا عام 1970 جاء لوران غاسبار إلى تونس ليعمل طبيبا جراحا في مستشفى «شارل نيكول» بالعاصمة التونسية. وفي عطله كان يواصل اسفاره عبر العالم، مترددا على الجزر اليونانية خصوصا في الربيع والخريف. ومن وحي أسفاره الكثيرة، كان يكتب نصوصه الشعرية والنثرية التي تشبه شذرات هيراقليطس والحكماء القدماء. وقد ظلت صلتي به قائمة حتى بعد أن هاجرت إلى المانيا مقيما في ميونيخ. وفي ربيع عام1991 ، جاء لوران غاسبار الى هذه المدينة بدعوة من المركز الثقافي الفرنسي ليقرأ الشعر أمام الجمهور الألماني. وقد فضّل أن يقيم في بنسيون متواضع تديره عجوز فقدت كل أسنانها تقريبا. وخلال الأيام الثلاثة التي أمضاها هناك، ظل يتردد على المتاحف ، متجولا في الحدائق، والشوارع القديمة. وأثناء جولاتنا، حدثني عن طفولته في جبال «الكاربات»، وعن والده الذي حرضه على تعلم اللغتين الفرنسية والألمانية لأن «اللغات مفتاح العالم» كما كان يقول له. كما حدثني عن عربة الدواب التي قطعت به ألمانيا التي كانت تحترق بآخر نيران الحرب، وعن سنواته الأولى في باريس، وعن شعراء كبار عرفهم عن كثب مثل سان-جون بيرس، ورني شار، وهنري ميشو، وآخرين. أما عن الشرق الذي كان يمر آنذاك بمحنة أخرى، محنة حرب الخليج بعد غزو العراق للكويت، فلم يقل شيئا. وكان واضحا أنه يتحاشى الكلام حول الموضوع تماما مثلما يتحاشى الطفل الحديث عن موت أمه، أو عزيز عليه. ولم أشأ أنا أن أفتح الجراح … وتحت أمطار ذلك الربيع المر، كنت سعيدا أن أتيه مع لوران غاسبار في ميونيخ مكتفيا بالاستماع إلى صوته الدافئ الحنون وهو يروي الذكريات القديمة :» يداك سوف تواصلان التيه عبر الحجر الكلّسيّ، مُضيفة إلى تآكلها تآكل السن في الذاكرة. غدا. أمس. من باستطاعته أن يَفْصُلَ بين ما يكتمل وبين ما لم يكتمل بعد».
*لوران غاسبار :من ديوان «يهودا» –صفحة 108 -دار غاليمار-1993
رسائل إليّ من لوران غاسبار
سيدي بوسعيد18 أغسطس 1986
عزيزي حسونة،
ضحكنا حدّ البكاء ونحن نقرأ رسالتك حتى ولو كنا تأثرنا كثيرا بآلامك التي ليست مُنفصلة عن الحب…
لكي نبلغ الغبطة() يتوجّب علينا أن نمر» من هناك. يمكنك أن تستوحي من كل أوجاعك قصائد رائعة.
خالد(يقصد خالد النجار) أعلمني أنه ينوي أيضا ترجمة «أوراق ملاحظات». لكن يبدو أنه لم يجد دارا للنشر قادرة على اصدار مثل هذه «المغامرة».
سوف أرسل إلى مجلة «أوروبا» التي تعدّ عددا خاصا عن الأدب التونسي، البعض من قصائدك التي لم أتوصل بعد إلى وضعها في اللغتين، أي الفرنسية والعربية. هل تقبل أن تنشر فقط باللغة الفرنسية بعد أن نكون قد قمنا بترجمتها، واعتنينا بها؟
الصيف حار جدا، لكني أحب هذا.
نفتقد زياراتك كثيرا.
أحييك
ل.غ.
في آخر الرسالة كتبت جاكلين داود، زوجة لوران غاسبار الملاحظة التالية:
سبينوزا يقول بإن رغبتنا سابقة لكل حاجة من حاجيات رغبتنا.
حظ سعيد إذن
أقبلك
جاكلين.
أما لوران غاسبار فقد كتب الملاحظة التالية معلقا على ملاحظة جاكلين:
في الحقيقة، يقول سبينوزا بإن رغبتنا هي التي تحدد فضائلنا ومساوئنا التي ننسبها إلى أيّ أحد آخر.
الحاجة المحبوبة أو المكروهة ، والتي نقول فيما بعد إنها حسنة، أو كريهة، هي أحيانا، بل غالب الأحيان الأثنان معا.
سيدي 28 بوسعيد أكتوبر 1986
عزيزي حسونة،
وصلتنا رسالتاك.
نفتقدك كثيرا.
هل علينا إذن أن نسافر إلى ميونيخ لكي نراك، ولكي نَحْرقَ معا كومة من الأوراق الميتة؟
لكن لا بدّ من ترك الأوراق الميّتة للأموات، والاهتمام بما هو حيّ، وهو نادر ما يقدر القليل من الناس أن يرونه.
الطقس هنا رديء جدا. ربما يكون أجمل في ألمانيا.
أنا سعيد بأنك استمتعت بقراءة كتابي «أوراق ملاحظات».
سوف نرسل مختارات من قصائدك التي بذلنا جهدا كبيرا في ترجمتها. وأنا أعتقد أنها ستروق لك وهي منقولة إلى الفرنسية.
على أية حال نحن أحببناها كثيرا.
وماذا عن روايتك؟
صداقتنا.
لوران
سيدي21 بوسعيد ديسمبر1987
عزيزي مواطن ميونيخ،
أخيرا وصلتنا أخبار من الذي نفى نفسيه اختياريّا…
أنا سعيد بأنك تخطط لترجمة «أوراق ملاحظات»، بل أنك تمكنت من أن تترجم البعض من الصفحات.
خالد النجار أخبرني قبل وقت قصير أن المجلة التي يشرف عليها الحبيب السالمي (يقصد مجلة المقدمة) تواجه صعوبات كثيرة، وقد تتوقف عن الصدور؟
ترجمْ لنا بين وقت وآخر واحدة من قصصك التي تفضلها عن غيرها. لديّ صديق يشرف على مجلة في باريس، وهو لا ينشر لأجل «سواد عيني»، بل ما أحبه أنا. ويمكنك أن تحظى بإعجابه. سوف أحاول أن أساعدك في هذه الترجمة. الأمر ليس سهلا إذ أن المعلومات التي وردتني تقول بإنهم يتعاملون مع مترجمين أثبتوا قدرتهم على الترجمة، ونشروا ترجماتهم في مجلات محترمة. أرسل لي إذن نصوصا مكتوبة بالآلة الكاتبة. علينا أن نحاول رغم تشاؤم أصدقائي الباريسيين.
لعلك سمعت بأنهم منحوني جائزة باريس الكبرى للشعر لعام 1987.
صداقتي
في أسفل الرسالة كتبت جاكلين داواد الملاحظة التالية:
سعيدة بمشاريعك
سنة سعيدة
أقبلك
هامبورغ 8 مارس 91
عزيزي حسونة،
كل شيء انتهى على ما يرام في هامبورغ حيث كان التلقي بالفرنسية رائعا جدا. وأنت على حق. فهامبورغ مدينة فاتنة من الشمال، بل أنني عثرت في متخف «الكونست هالا» على مجموعة من اللوحات البديعة من القرنين الرابع عشر، والسابع عشر- ليست بجمال اللوحات التي رأيتها في ميونيخ، لكنها لراقت لي كثيرا. كما عثرت على مجموعة من اللوحات الجيدة من الفن الحديث.
وقد سعدت وأنا في هامبورغ بلقاء الموسيقار جروج ليجيتي الذي يعجبني كثيرا. وقد حضر القراءة الشعرية التي قدمتها في المعهد الفرنسي.
أشكرك جزيل الشكر على كل شيء، وبلغ تحياتي إلى أردموته((يقصد ادموته هيللر التي كانت تدير «مجلة فكر وفن الألمانية « وإلى أصدقائك في ميونيخ.
إلى لقاء قريب.
ملاحظة: أحببت قصتك عن الحلم الفلسطيني التي قراتها بالألمانية. كما قرأت وأحببت قصتك «حكاية جنون ابنة عمي هنية». وأنا أعتقد أن هذه القصة الأخيرة هي التي تتمتع بحظ أوفر لنشرها في مجلة فرنسية أنا على صلة بها.
20-03-91
عزيزي حسونة،
قبل أن أسافر مرة أخرى، سوف أرسل إليك نسخة من النص الذي كتبته من وحي زيارتي إلى» اليمن السعيد». وهو نص طويل أرجو أن يروق لك… باستثناء هذا، الأسبوع الذي خصصه «بيت الشعر» بباريس لبيلينسكي بعد أن صدرت ترجمتي لمختارات من قصائده كان رائعا، ومرّ بسلام.
أرجو أن تكون السيدة اردموته قد توصلت بكتابي عن تاريخ فلسطين…
صداقتي ومودتي لكم جميعا
باريس23 أغسطس94
افتقدناك كثيرا في الندوة التي انتظمت في «سيريزي» حول أعمالي. وقد حاولت أن أدعوك عن طريق القسم الثقافي التابع لوزارة الخارجية إلاّ انهم لا يقدرون على تمويل سفرتك واقامتك بما أنك مقيم في ألمانبا. لكن هناك مشروعا آخر، وهو أن جان ميشال بلاس (ناشر ومشرف على مهرجان الشعر) يمكن أن يدعوك إلى باريس إذا ما قبل وزير الثقافة انجاز المشروع الذي هو بصدد اعداده.
أحببت كثيرا الصفحات التي كتبتها عني…أطلعني عليها خالد النجار … مجلته لم تصدر بعد.
صداقتنا
لوران