بعد رحلة طويلة ما بين مصر وسوريا وينبع وأشيقر والزبير والرياض نبع كتاب "الردة والفتوح " ومعه ددكتاب الجمل ومسير عائشة وعلي " للمؤرخ العربي الشهير سيف بن عمر التميمي الضبي الأسيدي المتوفى عام 180للهجرة من تحقيق وتقديم الدكتور قاسم السامرائي نشرت دار "سمتسكامب " للوثائق الشرقية كتاب المؤرخ العربي الشهير سيف بن عمر التميمي الضبي الأسيدي المتوفى عام 180للهجرة ، في مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض.
وهو المؤلف الذي لم تتح الفرصة للمؤرخين والمستشرقين والباحثين الإطلاع على نصه الكامل قبل الأن ، ومع انه كان مصدرا هاما تم الاستشهاد به في أكثر كتب التاريخ العربي والإسلامي وكان عونا للباحثين في تحقيق الوقائع التاريخية من جوانبها المختلفة.
وكانت مخطوطة الكتاب قد أهديت من بين جملة من المخطوطات الهامة قدمها أحد أولاد العالم الجليل الشيخ محمد بن حمد العسافي عام 1411 هجرية الى مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض. وكان العثور عليها مفاجأة غير منتظرة ، لأن الإستشهادات التي تناولتها في تاريخ الطبري وغيره لم تنقل منها الا القليل ، كما أن كاتبهما ظل موضع جدل على أكثر من صعيد.
ويقول المحقق الدكتور السامرائي في تقديمه لكتاب سيف بن عمر "إن العثور على هذه المخطوطة النادرة ، مهم جدا لكل معني بالتاريخ الإسلامي وذلك لأنها من النصوص الإختبارية التاريخية الأولى التي لم يصل الينا منها إلا النزر القليل جدا، وتقع أهميتها بعد هذا في انها قد أثرت معلوماتنا بأخبار عن فترات من تاريخنا لم ترد في غيرها".
وعلى سبيل المثال فانه فضلا عن أخبار كثيرة مما أورده سيف بن عمر لم ترد في الطبري أو غيره ، فأنها مكنت من معرفة المنهج الذي اتبعه الطبري في اقتباساته من المصادر التي اختارها في كتابة تاريخه. كما انها ألقت الضوء على أسلوبه في كتابة التاريخ حيث وضع الحجر الأساسي لعلم التاريخ عند المسلمين " حسب الدكتور السامرائي. ويزيد المحقق قوله "إن المخطوطة تصحح جملة من الآراء الخاطئة حول سيف بن عمر بفنه اخباريا مفروغا من اسناد، وبالتالي تمكننا من تصحيح كثير من الأخطاء الواردة في طبعة لايدن من تاريخ الطبري وفي طبعة القاهرة التي اعتمد ناشرها أبو الفضل ابراهيم على طبعة لايدن بأخطائها الكثيرة جدا بالرغم من ادعائه انه قارنها بمخطوطات آخر.
والى جانب هذه المزايد تحمل المخطوطة تقييدات (أو هوامش وملاحظات ) تنص على مقار بتها ومقابلتها مع نصوص أخرى أو إبلاغها بالسماع ال ثقات الشيوخ في مجالس الأدب والاجتهاد. كما يظهر ألك واضحا من تقييدات التصحيح والمقابلة المثبتة فضلا عن انها قوبلت على نسخة أخرى أيضا ويظهر ذلك كما يؤكد ا لمحقق ، في اختلافات القرانة المثبتة في الحواشي مع ترافق المصطلح"خ" أي في نسخة أخرى.
وفي المخطوطة سمتان بارزتان أولاهما أن النسخة تحمل تقسيمات النسخة الأصل الى أجزاء، ويتطابق تقسيمها مع المترن التاريخية التي استندت اليها، والسمة الثانية اتباعها منهج اسناد يختلف بين قطع النص للتميز وتقصي الدقة ، بحيث يمكن فرز ما اسند للنص وما هو مزيد من الناسخ.
وتقع المخطوطة في 175 ورقة بمقاس 5. 25ل × 5ر19 سم وتحتوي كل صفحة على 17 سطرا. وكتب النص فيها با لمداد العفصي الزاجي الداكن الذي تحول لونه بمرور الزمن ويفعل الرطوبة والتأكسد الى اللون البني الغامق ، بخط النسخ المملوكي الواضح المشكول ، على ورق (كاغد) عربي الصنع أسمر كان يصنع في الشام من بقايا القطن والقنب منذ القرن السابع وحتى نهاية القرن التاسع للهجرة. ويستفاد من تقييدات وتعاليق المخطوطة ان كاتبها هو أحمد بن ابراهيم الحيمي (أو الخيمي) وأنها قد تكون نسخت قبل سنة 786للهجرة عندما كان الشريف سعد بن ابي الغيث بن قتادة (المتوفى سنة 180للهجرة ) أميرا على ينبع. الا ان المخطوطة نقلت بين أيد عديدة الى نجد ثم الزهير لتعود مرة أخرى الى نجد بعد رحلة طويلة دامت ستمائة عام ، وبعد أن فقدت أثناءها أجزاء كبيرة منها، وبعد أن عاثت فيها الفئران فسادا، لتستقر في مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
وثمة ستة عناوين يضمها الكتاب بين دفتيا هي "أول خطبة خطب بها علي _ رضي الله عنه _ حين استخلف ، وحديث مكة (ونشاط الأمويين )، وخروج عائشة ، ومسير علي الى الربذة ، ومسير عائشة من مكة الى المبصرة ، ومسير علي بن أبي طالب من الر بذة الى المبصرة. ومن هذه العناوين نقل الطبري روايات سيف عن معركة الجمل. وكان سيف قد أخذ روايات شهود عيان لهذه المعركة ذكرت اسماؤهم في سند الطبري.
وتعد مصنفات سيف بن عمر، وفي مقدمتها المخطوطة المحققة مرجعا أساسيا لكثير من المؤلفين سواء كانوا من المؤرخين أو أصحاب المعاجم ، كل حسب حاجته ، فمنهم الذهبي وابن حجر العسقلاني وابن عساكر. وكان الطبري قد اعتمد اعتمادا كبيرا على مؤلفات سيف بن عمر في أخبار الردة وفتوح الشام والعراق ومصر وفإرس وما وراء النهر وحوادث الدار ووقعة الجمل وأخبار الخلفاء الراشدين وما جرى في أيامهم من الأحداث. وتعرضت استشهادات الطبري بسيف بن عمر وما قيل عن تفضيله إياه على الواقدي الذي له أيضا كتاب في اخبار الردة وحروبها.
إلا أن الدكتور قاسم السامرائي يرى أدان الطبري لم يقدم سيفا عل الواقدي أو غيره ، فقد اختار مصادره وفقا للمنهج الذي وضعه ، فأهمل جملة من كتب الردة الوثيمة وكتاب الردة لأبي محفف وكتاب الردة للعطار وكتاب الردة لإسحاق بن بشر البخاري، ومع هذا فقد ورد ذكر الواقدي في 454 موضعا من تاريخ الطبري بينما ورد ذكر سيف في 368 موضعا فقط ". ويعلل السامرائي ذلك بقوله أدان الطبري قد لا يكون وثق من روايات الواقدي في اخبار الردة وحوادث الدار وحرب الجمل ، فأهملها لأنه لم يحمد روايته ".
ويسهم الكتاب في إلقاء أضواء إضافية عل خلاف المستشرقين بصدد سيف بن عمر، لاسيما وإن فلها وزن ودي خويه وكايتاني وكارل بروكلمان طعنوا في مواضع من روايته التي أوردها الطبري وغيره. وسيكون بالوسع بعد تحقيق الكتاب بالصورة الجديدة وتوافر كامل النص في مواقع عديدة لم ينلها التلف والزمن ، ان يعاد النقاش والجدل حول مصادر سيف بن عمر ومن ثم انصافه ، ويذكر بهذا الصدد ان الدارسين الغربيين المعاصرين ابدوا تجاه سيف ونصوصه تحررا أكثر من أسلافهم فدرسوا، كما يؤكد السامرائي، سيف بن عمر بغير منظار فلها وزن. ومنهم البرحت نوت ومارتن هاينز وفؤاد سزكين وأيلا لا نداو.
ولم يقتصر نقد اسناد سيف بن عمر عل المستشرقين فقط بل أن بعض الكتاب من المسلمين قد عاب عليه روايته عن عبدالله بن سبأ، الذي لا يزال موضع خلاف في كثير من الصعد.
الا أن أخوين أشادوا بفضله وموسوعيته من المسلمين والغربيين ، يورد منهم فريدلاندر وليفي الافيدا ولويس ماسينيون وغيرهم.
ويفتقر النص التاريخي عن سيف بن عمر الى تفصيل حياته ، وكل ما نعرفه عن أنه تميمي اسيدي ضبي برجمي سعدي، كان أصله من الكوخة وسكن البصرة وتوفي في خلافة هارون الرشيد. قال عنه الذهبي "مصنف الفتوح والردة وغير ذلك ، يروي عن هشام بن عروة وعبداثه بن عرم وجابر… كان اخباريا عارفا، روى عنه جبارة بن المفلس وابو معمر القطيعي والنضر بن حماد.
وأخيرا فـ "كتاب الردة والفتوح " طبع بعدد محدود من النسخ ( 450 نسخة فقط ) والتي جاءت في مجلدين أولهما: يتضمن النص المحقق تحقيقا علميا موثقا، والثاني يتضمن صورة المخطوطة مع مقدمة باللغة الإنجليزية. ويقع كل منهما في اربعمائة صفحة.
من اسماعيل زاير(كاتب عراقي مقيم في هولندا)