يقول المغني الكوبي الشهير سيلفيو رودريغيث في إحدى أشهر أغنياته التي أهداها إلى صديقه الشاعر السلفادوري الثوري الرومانسي روكي دالتون الذي كان قد تعرف عليه وعايشه في هافانا أيام كان دالتون منفيا هناك:
لست أدري هل أوجعته الطلقة
التي أردته قتيلا،
لكني أعرف أن قاتله
كان يموت وهو يقتله.
لست أدري أين جعلوا
الكره ينام،
اليوم يجب علي أن أنظر إلى السماء
لو رغبت في أن أمنحه زهرة.
عايدا، خوانخو وخورخي
من الخمسة بقي ثلاثة،
أين روكي وروكيطو؟
ومتى سيتم البدء بعدئذ؟
روكي دالتون كان صديقي،
كان أكبر مني قليلا،
والآن يبدو لي مثل ابن
في حاجة ماسة إلى الحب.
بهذه الكلمات الرقيقة خلد المغني الكوبي شاعر السلفادور الأول. ولد روكي دالتون بسان سلفادور سنة 1935، وتابع تعليمه الابتدائي والثانوي بمسقط رأسه، قبل أن يشد الرحال إلى سانتياغو حيث سيلتحق سنة 1953 بكلية الحقوق بجامعة الشيلي، وإن كان سيغادرها فيما بعد إلى سان سلفادور لإتمام دراساته الجامعية، فقد تلقى دراساته الجامعية في الشيلي والسلفادور والمكسيك. وفي سنة 1957 زار صحبة طلبة آخرين من السلفادور الاتحاد السوفياتي للمشاركة في المهرجان العالمي السادس للشباب والطلبة حيث تعرف هناك على العديد من المثقفين والسياسيين الذين سيكون لهم شأن كبير في مجال السياسة والأدب العالميين، مثل كارلوس فونسيكا السياسي النيكاراغوي الشهير، مؤسس الجبهة الساندينية للتحرير الوطني، والكاتب الغواتيمالي ميغيل أنخيل أستورياس الحائز على جائزة نوبل للآداب سنة 1967، والشاعر الأرجنتيني خوان خيلمان والشاعر التركي ناظم حكمت، وكان آنذاك يعتبر من أهم الأصوات الشعرية في السلفادور، إذ كان قد بادر رفقة شاعر غواتيمالي منفي بالسلفادور إلى تأسيس حلقة أدبية جامعية ستضم شعراء أساسيين في المشهد الشعري السلفادوري مثل مانليو أرغيتا وخوسيه روبيرطو ثيا وروبيرطو أرميخو وتيرسو كاناليس وآخرين الذين أطلق على جيلهم الجيل الشعري الملتزم.
تعرض روكي دالتون للاعتقال والنفي، فعاش إقامات مطولة في المنفى بكل من غواتيمالا وكوبا وتشيكوسلوفاكيا والمكسيك. بعد سنوات المنفى عاد الشاعر إلى وطنه والتحق بالجيش الثوري للشعب، الجناح العسكري لحركة الثوار السلفادوريين الذي كان يخوض حرب عصابات ضد الديكتاتورية في السلفادور، وهناك سيتم إعدامه وبدون محاكمة من طرف رفاقه سنة 1975 عن عمر يناهز 39 سنة، بتهمة كونه عنصرا مدسوسا متعاونا مع المخابرات المركزية الأمريكية بناء على شكوك ثبت بأنها خاطئة، وسيتم رد الاعتبار له كأحد أهم الأدباء الثوار في بلده السلفادور وفي دول أمريكا اللاتينية قاطبة، إذ أصبح شاعر السلفادور الأول والأكثر شعبية بين الناس، كما غدا شعره يدرس للأطفال في المقررات الدراسية ويتغنى به البسطاء من أبناء شعبه في كل حين.
ترجمت قصائده إلى العديد من اللغات وأنجزت حوله العديد من الدراسات، وكان من قبل قد نال جائزة كاسا دي لاس أميريكاس سنة 1969، من أهم أعماله الشعرية:
ـ النافذة في الوجه 1962.
ـ دوْرُ المُهَان 1962.
ـ البحر، تنويعات 1962.
ـ الشهادات 1964.
ـ خمارة وأماكن أخرى 1969.
ـ قصائد سرية 1980.
ـ كتابٌ مقيتٌ قليلا 1988.
ـ كتابٌ أحمرُ لأجل لينين 1986.
ـ قصائد أخيرة 2005.
لقد كان عبور هذا الشاعر الكبير رغم إقامته القصيرة في العالم عميقا لأنه خلف قصائد رائعة، ونظرا لفاجعة اغتياله بطريقة بشعة ولا إنسانية كان من الطبيعي أيضا أن يلقى من أصدقائه مراثي تطفح بالحب والتقدير لروح الإنسان فيه ومن بين الشهادات ما كتبه صديقه الشاعر الأرجنتيني خوان خيلمان:
«أحيانا أفكر أنك شبيه بفارس أريوستو ذاك الذي جندلوه بجراح قاتلة في نزال، ولم ينتبه إلى أنه قد مات واستمر يقاتل. لما أطلق القاتل رصاصته من المؤكد أن امرأة لا تنطفئ قد أدخلت السلوى على قلبك، ثنية صيف، لغز فقر بلا نهاية. هربت دوما من الإعدامات رميا بالرصاص، من الموت بالخطإ، وكتبت في أحشاء الليل.»
أو تلك التي قالها عنه خوليو كورتاثار:
« الحديث مع روكي دالتون كان مماثلا للحياة بشكل أكثر كثافة، مماثلا للحياة مرتين. لربما لا أحد من أصدقائه سينسى الحكايات الأسطورية لأسلافه، الرؤية المدهشة للقرصان دالتون، مغامرات أفراد أسرته؛ وأحيانا أخرى، ودون أدنى رغبة لكن مضطرا للدفاع عن وجهة نظرٍ ما، عن ذكريات السجون والموت المتسكع، وعن الهروب مع الفجر، عن المنافي وعن اللفات، أسطورة المحارب والمسيرة الطويلة للمناضل»
وهذه شهادة أخرى لشاعر جرب مثل دالتون الانتماء السياسي والمنفى، الشاعر الأوروغوايي ماريو بينيديتي يقول:
« إنه ليس فقط واحدا من أكثر شعراء أمريكا اللاتينية حيوية وحركية بل إنه أحد الشعراء الذين عرفوا جيدا تصريف الالتزام السياسي مع الصرامة الفنية»
وفي الختام نورد هذه الكلمة لدالتون والتي تلخص بإيجاز مساره في الحياة يقول:
«لقد أتيت إلى الثورة عن طريق الشعر».
القصائد الشعرية لروكي دالتون
l المجانين
نحن المجانين لا تلائمنا الأسماء
الكائنات الأخرى
تحْمِلُ أسماءها مثل بدلات جديدة
تطبعها على بطاقاتٍ صغيرةٍ بيضاءَ
تنتقلُ بعدئذ من يدٍ إلى يدٍ
ببهجةِ الأشياءِ البَسيطةِ.
ويا لهُ منْ فرَحٍ يبدو على المُسَمَّيْنَ ألفْرِيدُو وأنطونيو
والمَسَاكين خْوَانات والمسمين سيرخيو الصامتين
وأليخاندرو مع رائحة البحر!
كلهم يمددون من حناجرهم ذاتها التي تغني
أسماءهم التي يُحسدون عليها مثل بيارق حربية،
أسماؤك التي تبقى على الأرض رنانة
رغم أنهم يمضون إلى الظل صحبة عظامهم.
لكن المجانين، آه يا سيدي، نحن المجانين
الذين من فرط النسيان نختنق،
المجانين المساكين الذين تختلط علينا حتى الضحكة،
والذين يملأنا الفرح بفيض من الدموع،
كيف لنا أن نمضي ونحن نجتر الأسماء من خلفنا،
ونحْنُ نُحِيطُهَا بِالعِنَايَةِ،
ونُشَذِّبُهَا مِثْلَ حَيَواناتٍ فِضِّيَّةٍ صُغْرَى،
ونَحْنُ نَرَى بعُيُونِنا هذِهِ أنَّهُ ولا حَتَّى الحُلمُ يَفْرِضُ
ألا تضيعَ في الغُبارِ الذي يتَمَلقُنا ويَكْرَهُنا.
المجانينُ لا نستطيعُ أنْ نشْتاقَ إلى أنْ يُنادُوا عليْنا بأسْمَائِنا
لكِنَّنا سَنَنْسَى أيْضاً ذلك.
أمس
جَنْبَ ألمِ العَالمِ ألمي الصَّغيرُ،
جَنْبَ جَسَارَتي جسارةِ تلميذٍ السِّجنُ الحقيقيُّ لرجالٍ بلا صوتٍ،
جنبَ ملوحة دمعاتي
القشرةُ الدنيويةُ التِي أقبَرَتْ جِبَالا وطيورَ الصّفيرِ الذهبية،
جنبَ يدي العزلاءِ النارُ
وجنبَ النَّارِ الإعصارُ والانهياراتُ البارِدَةُ،
جنبَ عطشي الأطفالُ الغرقى
يرْقصون بشكلٍ لانِهائِيٍّ بلا ليالٍ ولا قاماتٍ،
جنبَ قلبي الآفاقُ القاسيةُ
والأزهارُ،
جنبَ خوفي الخوفُ الذي انتصرَ عليهِ المَوْتَى،
جنبَ عزْلتي الحياةُ التي أقطعُ أشواطها،
جنبَ اليَأسِ المُتبَدِّدِ الذي يقَدَّمُ إليَّ
عُيونُ مَنْ أحبهم
وهُمْ يَقولونَ لِي أنَّهم يُحِبُّونَنِي.
أمريكا اللاتينية
الشَّاعرُ وَجْها لِوَجْهٍ مَعَ القمَرِ
يُدَخِّنُ أُقحُوانتَهُ المُثيرَةَ،
يشْرَبُ جُرْعَتَهُ منْ كَلِمَاتٍ غَرِيبَةٍ،
يُحَلقُ بريشَاتِهِ ريشَاتٍ مِنَ النَّدَى،
يُدَاعِبُ كَمَانَهُ اللُّوطِيَّ الصَّغيرَ.
حَتَّى يحطِّمَ وَجْهَهُ
على الجدَارِ الخَشِنِ لِثُكْنَةٍ.
شعرية 1974
يا شِعْرُ
اُعْذُرني لأنِّي ساعَدْتُكَ على استِيعَابِ
أنَّكَ لسْتَ مَصْنُوعاً مِنْ كَلِماتٍ فَقَطْ.
شعرية 1962
إلى رَاوُولْ كاسْتِيَّانُوسْ
الغمُّ مَوْجودٌ.
يَسْتَعْمِلُ الإنْسانُ نكباتِهِ القديمَةَ مِرْآةً.
بالكَادِ سَاعَة قبْلَ الغَسَقِ
يُجَمِّعُ ذلكَ الإنْسانُ فَضَلاتِ يَوْمِهِ الجَارحَة
وَيَضَعُهَا بأسىً قُرْبَ القَلْبِ
ثُمَّ في غُرَفِهِ العَميقةِ المَعْزُولةِ
يغْرَقُ بِعَرَقِ سُلٍّ لَمْ يَتِمَّ إِخْضَاعُهُ بعْدُ.
هُنالِكَ يُدَخِّنُ ذلك الإنْسَانُ بوَقارٍ،
سيُبْدِعُ خُيُوطَ عنْكَبُوتِ السَّقْفِ المَشْؤُومَةَ،
يلْعَنُ طَراوَةَ الزَّهْرَةِ،
ينْظُرُ إلى قَدَمَيْهِ الفَظيعَتَيْنِ،
يَعْتقدُ أنَّ السَّريرَ قَبْرٌ يَوْمِيٌّ،
لا يمْلِكُ في جَيْبِهِ فِلْساً واحِداً،
جائِعاً
يئِنُّ.
لكنَّ البَشَرَ، باقي البَشَرِ
يفْتَحُونَ قُلوبَهُمْ بِبَهْجَةٍ لِلشَّمْسِ
أوْ لِحَوَادِثِ القَتْلِ فِي الشَّارِعِ،
يَرْفَعُونَ وَجْهَ الرَّغِيفِ مِنَ الأَفْرانِ
مِثْلَ رَايَةٍ سَخِيَّةٍ ضِدَّ الجُوعِ،
يَضْحَكُونَ مَعَ الأَطْفَالِ حَدَّ إيلامِ الهَوَاءِ.
بِخطوَاتٍ قليلةٍ يَمْلأونَ بَطْنَ المَحْظُوظَاتِ،
وفي وَقارِهِمْ يَشُقُّونَ الأَحْجَارَ مِثْلَ فَوَاكِهَ عَنِيدَةٍ،
يُغَنُّونَ عُرَاةً مَعَ كَأسِ المَاءِ المُنْعِشَةِ،
يُمَازِحُونَ البَحْرَ وَيُواجهُونَهُ ببشاشَةٍ،
يُشَيِّدُون في الفَلَواتِ بُيوتاً مُتَناغِمَةً مِنَ الضَّوْءِ.
وَيَنْتَشُونَ بِرَحَابَةٍ مثْلَ آلِهَةٍ،
يُقِرُّونَ قَبَضَاتِهِمْ ضِدَّ اليَأْسِ
وَنيرانَهُمْ المُنْتَقِمَةَ ضِدَّ الجَريمَةِ
وحُبَّهُمْ ذا الجُذُورِ اللامُتَناهِيةِ
ضِدَّ الْمِحَشَّةِ الفَظِيعَةِ للبَغْضَاءِ.
الغَمٌّ مَوْجُودٌ أجَل.
مثْلَ اليَأْسِ
أَوِ الجَريمَةِ
أوِ البَغْضَاءِ.
فَلِمَنْ يَجِبُ أنْ يَكُونَ صَوْتُ الشَّاعِرِ؟
مثل الخالدة
شِعْرِي
مِثلُ الخَالِدَةِ
يَدْفَعُ ثَمَنَ
وُجُودِهِ
في شَكْلِ خُشُونَةٍ.
بيْنَ الأحْجَارِ وَالنَّارِ،
في مُواجَهَةِ العَاصِفَةِ
أو في خِضَمِّ المَحْلِ،
فَوْقَ راياتِ
الضَّغِينَةِ اللازِمَةِ
والانْدِفَاعِ البَهِيِّ جِدّاً
لِلْغَضَبِ،
تَبْحَثُ زَهْرَةُ شِعْرِي دَوْماً
عَنِ الهَواءِ
وَعَنِ الدُّبَالِ،
عَنِ النُّسْغِ
وعَنْ شَمْسِ
الحَنَان.
البَحْرُ
إلى طاتي وميري ومارغاريتا
اللائي اقتسمت معهن إحدى الموجات
I
ثمَّةَ أحْجَارٌ عَظِيمَةٌ في عَتمَتِكَ الهائِجَة،
أحْجَارٌ عَظِيمَةٌ بِتَوَارِيخَ غَسَلهَا ظِلُّكَ
لأنَّ شَمْسَ النَّهَارِ نَفْسَهَا تَلْتَهِمُ ظِلَّكَ.
تُطَقْطِقُ مِنَ البَرْدِ وَهِيَ تُوَدِّعُ الهَوَاءَ
الَّذِي لا يَتَجَرَّأُ عَلَى اقْتِحَامِكَ.
آهٍ أيُّها البَحْرُ، حيثُما يسْتَطِيعُ اليائسُونَ أنْ يَنَامُوا
تُنَاجِيهِمُ انْفِجارَاتٌ هادِئَة،
أَبْجَدِيَّةُ الدُّوَّارِ، مَشْهَدٌ طَبِيعِيٌّ مُتَحَلِّلٌ تُقَلِّدُهُ الأَسْوَارُ أعْلى المَراتِبِ،
النَّوَارسُ وزَبدُ الحِيتانِ رَبِيعُكَ،
والهَيَجَانُ هَرَمٌ أخْضَرُ،
انْبِعَاثُ النَّارِ الشَّديدَةِ أقاليمُكَ،
وأثرُكَ الأبْهَى سيَكُونُ حَلَزُوناً
يَقْطَعُ الفَلاةَ بِخُطى طِفْلٍ.
قَدْ أحْبَبْتُ دَوْماً تِلكَ القُرَى المُتَبَايِنَةَ
والتي تَبْدو مَسْلوبَةً مِنْ أَيادي البَحْرِ،
بَلْداتٌ صَغيرَةٌ جنْبَ الرِّمالِ،
مَوَانِئُ صاخِبَةٌ في ثَمالةِ مِلْحِ البَارودِ،
مدَاشِرُ تَقْشَعِرُّ فِي الضَّبَابِ المَلِيءِ بالمَرْجَان،
مُدُنٌ كُبْرى جَبَّارَةٌ في مُوَاجَهَةِ العَواصِفِ الذَّليلةِ،
قُرَى صَيَّادِينَ عُمْيانٍ تَحْتَ مَنَارَةِ زَيْتٍ،
مَصَانِعُ مُتَرَقِّبَةٌ بينَ منابتِ القُرَّامِ بِمُدىً طَويلَةٍ.
فَالْبَارَايِيسُو مِثْلَ شَلالٍ هَائِلٍ مُعَطَّلٍ،
مَانْطا وبُونَا ميناءا الإكوادورِ اللذان مَنَعَانِي مِنَ الأوْراقِ،
بوينابينتورا العَطِرَةُ مثْل مِيناءٍ مُدَنَّسٍ كَبِيرٍ،
باناما بعيْنَيْن وَخَزَهُما الفُجُورُ،
كارْطَاخِينَا دَوْماً جَائِعَةٌ بانْتِظَارِ القَراصِنَةِ،
فِيلْمْستادتْ تغْرَقُ فِي نِطَاقَاتِ النَّفْطِ،
تِينِيرِّيفِي وقَدَحُ نَبِيذِهَا العَذْبِ،
بَرْشلونَة تَتثاءَبُ بينَ البُنوكِ والدَّرَكِ،
نابُولي مُتَوَرِّمَةٌ بِبَهاءٍ،
جُنِيفُ ولِينِينْغْرَادُ، سُوشِي لاغْوَايْرَا وبْوِينُوسْ أيْريسْ،
مُونْتِيفِيدِيُو مثل أقْحُوَانَةٍ،
بْوِيرْتُو لِيمُونْ وكُورِينْتُو،
أكَاخُوتْلا في شَاطِئٍ مُتَمَهِّلٍ منْ وَطَني،
الجَمِيعُ يَتَأمَّلُ ذَاتَهُ فِي مِرْآةٍ رَصِينَةٍ تَمْخُرُهَا الدَّلافِينُ
مُبْعِداً سَنابِلَ زُمُرُّدٍ لا تُحْصَى
مثْلَ سيْفٍ سَريع.
II
مِلْحُ القَرَابِين…
غارسيا لوركا
لوْ يُخَلِّصُ اللَّيْلُ قُبَّتَهُ الكِبْرِيتِيَّة،
وتَتَغَضَّنُ تحْتَ الشُّعاعِ وُحُوشُكَ الضَّائِعَةُ،
والحِيتانُ الطَّليقَةُ عَشْرُة أطْفَالٍ سِرَاعٍ
تُنْضِجُ عميقاً نشِيدَ الحَرَاشِفِ.
الأوكْسِجينُ المَيِّتُ فَوْقَ المَعادِنِ
حينَ يعْبُرُ مَوْكِبَ أحْصِنَةِ البَحْرِ الذَّهَبِيَّةِ
يُعَكِّرُ صَفَاءَ الماءِ الأخْضَرِ بِجُرْحِهِ اللَّعِينِ،
بيْنَما يُتَابِعُ أصَمَّ طَقْسَ الأخَاطِيبِ.
مِلحُ القرابِينِ جِيرَةٌ مُتَآكِلَةٌ،
ضَوْءٌ دُونَما نارٍ ناهِشَةٍ، حَرْقٌ مائِعٌ،
دَمٌ شَاحِبٌ قَدِيمٌ مِنْ تَيَّارٍ غَاضِبٍ
حَيثُ الغَرْقَى يَبْعَثٌونَ مِنَ العَدَمِ حُمَّاهُمْ.
والبَحْرُ، البَحْرُ يَدْفنُ خَبَرَهُ المالِحَ،
البَحْرُ أصَمَّ يَفْتَرِسُ الحُرُوقَ الشَّمْسِيَّةَ،
البَحْرُ يَرْفَعُ وَجْهَهُ، نُدْبَتَهُ إلى السَّماءِ،
البَحْرُ يسْقُطُ ثانيَةً في عِنايَةِ الهاويَة.
وفي المَرافِئِ تَخْدَعُنَا رائِحَةُ
الطَّحالِبِ مهْزُومَةً مِنَ الحِيتَانِ المُرَّةِ،
فَالبَحْرُ لَيْسَ جُثَّةً بَلْ حُلْماً تَجْلِدُهُ السِّياطُ،
متاهَةٌ مُتَحَرِّكَةٌ حَيْثُ تَرْتَعِشُ النُّجُومُ.
ساعة موغلة في الليل
حينَما تَعْلمِينَ أنِّي مِتُّ لا تَتَلفَّظِي باسْمِي
لأنَّ المَوْتَ والاسْتِرَاحَةَ سَيَتَوَقَّفانِ.
صَوْتُكِ جَرَسُ الحَواسِّ الخَمْسِ
سَيَكونُ المَنَارَ الضَّئِيلَ الذِي يَبْحَثُ عَنْهُ ضَبَابِي.
حينَما تَعْلمِينَ أنِّي مِتُّ قُولِي مَقَاطِعَ غَرِيبَةً
تَلَفَّظِي زَهْرَةً ونَحْلَةً ودَمْعَةً وخُبْزاً وَعَاصِفَةً.
لا تَدَعِي لِشَفَتيْكِ أنْ تَجِدَا حُرُوفِي الأحَدَ عَشَرَ،
أحِسُّ بِالنَّوْمِ، لقَدْ أحْبَبْتُ فَفُزْتُ بِالصَّمْتِ.
لا تَتَلفَّظِي باسْمِي حينَما تَعْلمِينَ أنِّي مِتُّ:
لأجْلِ صَوْتِكِ سَآتِي مِنَ الأرْضِ المُعْتِمَةِ.
لا تَتَلفَّظِي باسْمِي، لا تَتَلفَّظِي باسْمِي،
حينَما تَعْلمِينَ أنِّي مِتُّ لا تَتَلفَّظِي باسْمِي.
سَاعَةُ الرَّمَادِ
يَنْتَهِي أيْلُولُ، إنَّها سَاعَةٌ لِكَيْ أقُولَ لَكِ
كَمْ كَانَ صَعْباً الّا أمُوتَ.
على سَبِيلِ المِثَالِ، هَذَا المَسَاء
أحْمِلُ فِي يَدَيَّ الرَّمَادِيَّتَينِ
كُتُباً جَمِيلَةً لا أفْهَمُهَا،
لنْ أسْتَطِيعَ الغِنَاءَ رَغْمَ أنَّ المَطَرَ قَدْ تَوَقَّفَ
وَتَحْضُرُنِي بِلا دَاعٍ ذِكْرَى
أوَّلِ كَلْبٍ أحْبَبْتُهُ لمَّا كُنْتُ طِفْلاً.
مُنْذُ أنْ غَادَرْتِ البَارِحَةَ
صَارَتْ هُنَالِكَ رُطُوبَةٌ وَبَرْدٌ حَتَّى فِي المُوسِيقَى.
حِينَمَا سَأمُوتُ
سَيَذْكُرُونَ فَقَطْ ابْتِهَاجِي الصَّبَاحِيِّ الجَلِيِّ،
لِوَائِي بلا حَقٍّ في الاسْتِرَاحَةِ،
الحَقِيقَةَ المَلْمُوسَةَ الَّتِي وَزَّعْتُهَا مِنَ النَّارِ،
القَبْضَةَ التي جَعَلْتُها مُجْمِعَةً
مَعَ هُتَافِ الحَجَرِ الذِي يُلِحُّ عَلى الأمَلِ.
سَأُحِسُّ بِالبَرْدِ مِنْ دُونِكِ حِينَمَا سأمُوتُ،
حِينَمَا سأمُوتُ
سيَقُولُونَ بِنَوايَا حَسَنَةٍ
أنِّي لَمْ أعْرِفْ كَيْفَ أبْكِي.
الآنَ يَتَسَاقَطُ المَطَرُ مِنْ جَدِيدٍ.
لمْ تَكُنْ قَطُّ جِدَّ مُتَأخِّرَةٍ السَّاعَةُ السَّابِعَةُ إلا رُبعاً
مِثْلَمَا هِيَ اليَوْمَ.
أُحِسُّ بِرَغْبَةٍ في أنْ أضْحَكَ
أوْ فِي أنْ أقْتُلَ نَفْسِي.
حُبِّي لَكِ
حُبِّي لَكِ هُوَ أكْثَرُ مِنْ مُجَرَّدِ حُبٍّ،
هُوَ شَيْءٌ يُعْجَنُ يَوْماً عَنْ يَوْمٍ،
هُوَ أنْ تُسْقِطِي ظِلَّكِ إلى جَنْبِي،
وَأنْ نَجْعَلَ منْ ظِلَّيْنَا حَيَاةً وَاحِدَةً.
النَّظَرَاتُ الَّتِي بَعْدَ التَّعَارُفِ
تَتَحَادَثُ فِيما بَيْنَهَا عَبْرَ المَسَافَةِ،
لا حَاجَةَ لِلْكَلِمَاتِ… لا يَهُمُّ!
إنْ كُنَّا نَقُومُ بِتَأوِيلِ مَا تُطَالِبُ بِهِ.
آلافُ التَّفَاصِيلِ اللَّطِيفَةِ التِي لَدَيْكِ عَنِّي،
وَقَاحَتِي حِينَمَا ألْتَفِتُ إلى ما تُخْفِقِينَ فِيهِ،
تَبْرِيرَاتِي حِينَمَا يَكُونُ مِنَ اللازِمِ أنْ يُقَالَ
بِصَرَاحَةٍ ما لا يُمْكِنُ الصَّمْتُ عَلَيْهِ.
حُبِّي لَكِ هُوَ أكْثَرُ مِنْ مُجَرَّدِ حُبٍّ،
حُبِّي لَكِ أشْبَهُ بِهَمْرَةِ ثَلْجٍ،
فَيْضٌ مِنْ نُورٍ، شَيْءٌ شَدِيدُ البَهَاءِ…
مِثْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أوْ مَطْلَعِ الفَجْر.
المُغْتَرُّ
سَأكُونُ مَيِّتاً عَظِيماً.
سَتُضِيءُ عُيُوبِي حِينَئِذٍ مِثْلَ جَوَاهِرَ قَدِيمَةٍ
بِألْوَانِ السُّمِّ المُبْهِجَةِ تِلْكَ،
سَتَكُونُ الزُّهُورُ فَوْقَ قَبْرِي بِكُلِّ أصْنَافِ الشَّذَا،
وَسَيُقَلِّدُ المُرَاهِقُونَ حَرَكَاتِ ابْتِهَاجِي،
وَالكَلِمَاتِ الخَفِيَّةَ لِكَرَبِي.
وَلَرُبَّمَا سَيَقُولُ شَخْصٌ ما أنِّي كُنْتُ وَفِيّاً وَكُنْتُ طَيِّباً،
لَكِنَّكِ وَحْدَكِ سَتَتَذَكَّرِينَ
طَرِيقِي فِي النَّظَرِ إلى عَيْنَيْكِ.
المَوْتُ أحَدُ وُجُوهِ الحُبِّ.
فِي دُخَّانِ هَذِهِ الحِقْبَةِ الفَتِيَّةِ إلى الأبَد
مَاذا يتَبَقَّى لي أمَامَكِ سِوَى حَيْرَةِ المُلُوكِ،
حَرَكَاتِ التَّعَلُّمِ أمَامَ فَيَضَانِ النَّهْرِ،
آثَارِ السُّقُوطِ عَلَى البَطْنِ في الرَّمَادِ؟
الفُتُوَّةُ الخَاصَّةُ تَتَنَاقَصُ
وَتَخِبُّ الكَآبَةُ مِثْلَ بَغْلَةٍ.
لمْ أسْتَوْعِبْ أَبَداً مَا هِيَ المَتَاهَةُ
لمْ أسْتَوْعِبْ أَبَداً مَا هِيَ المَتَاهَةُ
حَتَّى لامَسْتُ وَجْهاً لِوَجْهٍ
صُورَتِي ذَاتَهَا فِي المِرْآةِ الصَّبَاحِيَّةِ
وَأنَا أغْسِلُ عَنِّي الغُبَارَ وَأُحَدِّدُ مَلامِحِي.
لأنَّنَا هَكَذَا نُوجَدُ أكْثَرَ مِمَّا كُنَّا عَلَيْهِ
فِي ضِفَّةِ الشَّمْسِ المُجَنَّحَةِ والرَّقِيقَةِ:
مُتَسَرْبِلين بِدَمٍ وَبشُبَّاكٍ حَدِيدِيٍّ وَسُورٍ،
بِصَدَإٍ وَبُخَارٍ وَجُرْذٍ، أيُّها الأبْنَاءُ الأعِزَّاءُ.
قصِيدَةُ حُبٍّ
الذِينَ وَسَّعُوا قَنَاةَ بَانَامَا
(وَتَمَّ نَعْتُهُمْ بِأنَّهُمْ أصْحَابُ «الأدْوَارِ الفِضِّيَّةِ» وَلَيْسَ «الذَّهَبِيَّةِ»)،
الذِينَ أصْلَحُوا أسْطُولَ المُحِيطِ الهَادِئِ
فِي قَوَاعِدِ كَالِيفُورْنْيَا،
الذِينَ تَعَفَّنُوا فِي سُجُونِ غْوَاتِيمَالا،
المِكْسيكِ وهِنْدُوراسِ ونِيكَاراغْوا
بِتُهْمَةِ أنَّهُمْ لُصُوصٌ ومُهَرِّبُونَ وأنَّهُمْ نَصَّابُونَ
وأنَّهُمْ جِيَاعٌ،
الَّذِينَ هُمْ دَوْماً مُشْتَبَهٌ بِهِمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
(«أسْتَأذِنُ فِي إحَالَتِكُمْ عَلى القَتِيلِ
لكَوْنِهِ يُعَانِقُ الزَّوَايَا مُثِيراً لِلشُّبُهَاتِ
معَ الخُطُورَةِ الشَّدِيدَةِ الَّتِي يَفْتَرِضُهَا أنْ يَكُونَ سَلْفَادُورِيّاً»)،
الَّذِينَ مَلَأوا الحَانَاتِ والمَوَاخِيرَ
لِكُلِّ مَوَانِئِ وَعَوَاصِمِ المِنْطَقَةِ.
(«الكَهْفُ الأزْرَقُ» وَ«التُّبَّانُ» وَ«الهَابِي لانْدْ»)،
زَارِعُو الذُّرَةِ فِي أعْمَاقِ الغَابَةِ الأجْنَبِيَّةِ،
مُلُوكُ الصَّفْحَةِ الحَمْرَاءِ،
الَّذِينَ لا يَعْرِفُ أحَدٌ أبَداً إلَى أيِّ بَلَدٍ يَنْتَمُونَ،
أفْضَلُ الحِرَفِيِّينَ فِي العَالَمِ،
الذِينَ تَمَّ رَتْقُهُمْ بِرَصَاصَاتٍ حِينَ عُبُورِهِمْ لِلْحُدُودِ،
الذينَ مَاتُوا بِحُمَّى المُسْتَنْقَعَاتِ
أوْ بِلَسَعَاتِ العَقَارِبِ أو أفَاعِي اللِّحْيَةِ الصَّفْرَاءِ
فِي جَحِيمِ مَزَارِعِ المَوْزِ،
الذِينَ سَيَبْكُونَ سُكَارَى لأجْلِ النَّشِيدِ الوَطَنِيِّ
تَحْتَ رحْمَةِ إعْصَارِ المُحِيطِ الهَادِئِ أوْ ثَلْجِ الشَّمَالِ،
المَحْمِيُّونَ والشَّحَّاذُونَ والمُدْمِنُونَ على المَارِيجْوانَا،
والأغْبِياءُ أبْنَاءُ العَاهِرَةِ الكُبْرَى،
الذِينَ بِالكَادِ جِدّاً اسْتَطَاعُوا أنْ يَعُودُوا،
والذينَ كَانَ معَهُمْ حَظٌّ أكْثَرَ قَلِيلاً،
وغَيْرُ الحَامِلينَ لِلْوَثَائِقِ الشَّخْصِيَّةِ الأزَلِيِّونَ،
والفَاعِلُونَ لِكُلِّ شَيْءٍ، والبَائِعُونَ لِكُلِّ شَيْءٍ، والآكِلُونَ لِكُلِّ شَيْءٍ،
الأوَائِلُ فِي إشْهَارِ المُدْيَةِ،
والحَزَانَى الأشَدِّ حُزْناً فِي العَالَمِ،
مُوَاطِنِيَّ
وإخْوَتِي.
صُحْبَتُكِ
حِينَما يُرْخِي اللَّيْلُ سُدُولَهُ
وفَاتِراً يَدْنُو منِّي وَجْهٌ منَ السَّكِينَةِ،
تَكُونُ ذِكْراكِ رَغِيفَ البِذَارِ، خَيْطَ تَصَوُّفٍ
تَصِيرُ عَبْرَهُ يَدَايَ الهَادِئَتَانِ
مُتَبَصِّرَتَيْنِ بِقَلْبِي.
سَيُقَالُ لِلْأعْمَى البَعِيدِ
مَاذَا يَنْفَعُ الزَّبَدُ والغُبَارُ؟
لكِنَّ عُزْلَتَكِ هِيَ التِي تَسْكُنُ لَيَالِيَّ،
هِيَ الَّتِي تَتْرُكُنِي وَحِيداً، عَلَى وشْكِ المَوْتِ.
بِهَذَا الشَّكْلِ نَحْنُ حَشْدٌ صَامِتٌ.
البِيرُوقْرَاطِيُّونَ
البِيرُوقْرَاطِيُّونَ يَسْبَحُونَ فِي بَحْرٍ مِنَ السَّأمِ العَاصِفِ.
مِنْ فَظَاعَةِ تَثَاؤُبِهِمْ هُمْ قَتَلَةُ الحُنُوِّ الأوَائِلُ،
وفِي النِّهَايَةِ يُصَابُونَ بِأمْرَاضِ الكَبِدِ ويَمُوتُونَ وهُمْ يُمْسِكُونَ بِسَمَّاعَاتِ الهَاتِفِ
وعُيُونُهُمُ الشَّاحِبَةُ تُحَذِّقُ بِثَبَاتٍ فِي السَّاعَةِ.
لِلبِيرُوقْرَاطِيِّينَ خَطٌّ جَمِيلٌ وهُمْ مُولَعُونَ بِشِراءِ رَبطاتِ العُنُقِ،
وهُمْ يُعَانُونَ مِنَ الإغْمَاءِ حِينَمَا يَكْتَشِفُونَ أنَّ بناتِهِمْ يُمارِسْنَ العَادَةَ السِّرِّيَّةَ،
هُمْ مَدِينُونَ للخَيَّاطِ وَيَحْتَكِرُونَ البَارَاتِ
ويَقْرَؤُونَ رِيدِرْزْ دَايْغِيسْتْ وَقَصَائِدَ الحُبِّ لِنِيرُودَا،
يَتَفَرَّجُونَ عَلَى الأوبِرا الإيطَاليَّةِ ويَرْسُمُونَ عَلى أنْفُسِهِمْ إشَارَةَ الصَّلِيبِ،
يُوَقِّعُونَ مَطْوِيَّاتٍ وَاضِحَةً ضِدَّ الشِّيوعِيَّةِ،
وَيَنْهَارُونَ بِسَبَبِ الخِيَانَةِ فَيَنْتَحِرُونَ بِلا خُيَلاء،
لَهُمْ إيمَانٌ قَوِيٌّ، أثْناءَ الرِّيَاضَةِ يَخْجَلُونَ،
ويَغْرَقُونَ فِي فَيْضٍ منَ الخَجَلِ
مِنْ أنْ يَكُونَ أبُوهُمْ نَجَّاراً.
فَالْسٌ
جَوٌّ يَنْبَثُّ منْ بَعِيدٍ
عَبْرَ مِعْزَفٍ قِيثَارِيٍّ
مُبَدِّداً الوَقْتَ
مِثْلَ الَّذِي يُلقِي البَقْدَنُوسَ
لِقَنَادِيلِ البَحْرِ،
تُرَافِقُكَ مَلائِكَةٌ دَرْدَاءُ
لَكِنْ لَيْسَ بِسَبَبِ حَادِثَةٍ مَا،
بَلْ لِأَنَّهَا لا تَنْتَمِي إلَى زَعْنَفِيَّاتِ الأقْدَامِ،
مَعْدِنُ كُؤُوسٍ لِصِنَاعَةِ مَنَاظِيرَ طِبِّيَّةً،
يا جَنِينَ دُمْيَةِ العَرَائِسِ، أوَدُّ لَوْ تَأخُذني
إلى طُبُولِ أفْراحِكَ
وسَتَكُونُ روحِي مُعَافَاةً
لِعَدَدٍ وَفِيرٍ مِنَ الأعْوَامِ.
وَمَعَ ذَلِكَ يا حُبِّي…
وَمَعَ ذَلِكَ يَاحُبِّي، فِي خِضَمِّ الدُّمُوعِ،
كُنْتُ أعْرِفُ أنِّي في نِهَايَةِ المَطَافِ سَأبْقَى
عارِياً عَلَى ضِفَّةِ الضَّحْكَةِ.
هُنَا،
اليَوْمَ،
أقُولُ:
سَأذْكُرُ دَوْماً عُرْيَكِ بَيْنَ يَدَيَّ،
عِطْرَكِ، عِطْرَ الصَّنْدَلِ
وَأنْتِ ثَابِتَةٌ جَنْبَ شَمْسِ الصَّبَاحِ،
ضَحْكَتُكِ، ضَحْكَةُ صَبِيَّةٍ
أوْ ضَحْكَةُ جَدْوَلٍ
أوْ عُصْفُورٍ،
يَدَاكِ المُمْتَدَّتَانِ والعَاشِقَتَانِ
مِثْلَ زِنْبَقٍ مُخَادِعٍ لألْوَانِكِ القَدِيمَةِ،
صَوْتُكِ
عَيْنَاكِ
ما أضُمُّهُ مِنْكِ وكُنْتُ أنْوي
أنْ أسْتَبْقِيهِ بَيْنَ خَطَواتِي بِالكَلِمَاتِ.
لَكِنْ لَيْسَ ثَمَّةَ وَقْتٌ للْبُكَاءِ.
قَدِ اسْتُنْفِدَتْ
سَاعَةُ الرَّمَادِ بِالنِّسْبَةِ لِقَلْبِي:
بِدُونِكِ ثَمَّةَ بَرْدٌ،
لَكِنَّ الحَيَاةَ مُمْكِنَةٌ.
ترجمة: خالد الريسوني