المهنئون يملأون مداخل البيت ، والسيارات القادمة جهة منزل والده لا تنقطع ، وصالح سابح في خياله ، يستقبلهم ورأسه بعيد عنهم ، كان يرسم الوضع الأكثر راحة لدخلته ، كيف سيرفع لها غطاء رأسها ، وكيف ستستسلم وتعوم معه في خدر طويل. كان عندما يحييه أحدهم ، لا يتذكر سوى أن يصلب ملامحه ، ويوسع عينيه ، ويلصق يده في يمنى محييه ، يفعل كل ذلك وشعوره في مكان آخر، حيث ستجثو عقيلته ، مروضة ، انهكها تدليك الأيدي طوال النهار، ملفعة كخيمة ضامرة بغشاء سميك ، سيرفعه بمهل وخفة ، ثم يدحرج يديه فوق كتفيها ، وهكذا الى أن يحتوي كامل جسدها، يتخيل كل ذلك وقامته تفور فحولة وانشدادا أمام أجساد محييه ، المتبدلة كل لحظة.
بعد ذلك يبدأ المهنئون بالانسحاب واحدا واحدا، بعضهم يتصنع التثاؤب واحدي عينيه تغمز، أو يحرك ذقنه الى أعلى وهو يتمتم في وجه صالح ، أو يوشوش له في أذنيه وشوشة يتعمد أن تكون مسموعة من الحاضرين.
– من أول دخلة. آه تسمعني.
وصالح ينتشي غبطة وينتفخ صدره.
ينتفخ صدر صالح عندما يبدأ الجالسون بالانسحاب ، واحدا واحدا، كان عندما يخرج أحدهم يفز صالح من جلسته المتربعة وسط خط الجالسين ليودعه ، فيحني ذلك الذاهب رأسه في اذن صالح ونظراته تتوزع على أعين الجالسين.
– من أول دخلة آه ، من أول دخلة.
فتهتز أكتاف الجالسين وتنفرج فتحات أفواههم.
يعم الصالة هدوء مفاجيء ، بعد أن يغادر الرجال. والد صالح يتأرجح في جلسته بين النوم واليقظة ، طفل نسيه أهله نائما، ما لبث أن عاد أحدهم وعلقه بهدوء فوق كتفه وخرج ، بعدها انفجرت صرخات قوية ، ولولات وصهلات طويلة وحلوق صدئة تفني بأعلى صوتها، ساحبين العروس جهة الغرفة ، دخلت أم, صالح وأشارت الى صالح أن يقترب ، وابتسامة ثقيلة تصطرع في جوفها، زحف صالح مترددا، تشده الرغبة ، ويشفيه الصراخ ، قادته أمه من طرف ردائه الى قلب الدائرة التي يمور فيها الزعيق على أشده ، هنا وقعت عيناه لأول مرة على جسد عقيلته المستور بشال داكن ، أخضر ، لكزته أمه بان يدخلا الغرفة ، ويغلقا الباب على نفسيهما ، تشتبك أصابع صالح لأول مرة بأصابع فتاته ، يجرها بهدوء ، يجلسها فوق السرير ثم يتراجع ليغلق الباب.
– مساء الخير يا زفاف.
– هل مازلت صامتة. لقد ذهبوا. تكلمي الآن.
– لا تخافي أنا زوجك.
يرفع يده فوق رأسها ثم يزلقها جهة الظهر، حيث يتدلى طرف الغطاء الأخضر، يسحبه بمهل ، فيظهر وجه عقيلته أحمر، يجري الدفء والنعاس والكحل في صفحته الغائمة ، فترتسم في ثغره ابتسامة انتشاء عريضة ، لأ تلبث أن تنكمش عندما تذهل الفتاة فجأة في وجهه وتجاهد أن تخرج صرخة قوية من حلقها المضغوط بصمت طويل ، يحسر صالح. يديه في خوف ويتراجع قليلا في جلسته.
– لست أنت.. آه. من أنت.
– أنا زوجك يا زفا ف.أنا صالح.
– أنت لست صالح. أنت لست الذي في الصورة.
– ان الصورة التي أعطوك اياها قديمة. اهدئي يا عزيزتي.
– ابتعد عني. أنت لست الذي رأيته في الصورة.
– قلت لك أنا صالح.
وعندما تتصلب ملامح صالح ، وتنتفخ عروق جسده، تصرخ فاطمة صرخات قوية ، ويرتعش جسدها ، تهرع جهة الباب لتفتحه ، ولكن صالح يتلقفها بكلتا يديه ، ويغرز أصابعه في كتفها، ويسحبها جهة صدره، فتروغ عنه ، وتترنح ساقطة فوق السرير، تلفح بأنقاس خشنة ، وتحرك يديها كألغارقة ، باحثة عن صرخة في حنجرتها ، التي لا تسعفها سوى بفحيح شاحب.
تركله برجلها ، فيرفع كفه عاليا ، ويسقطه ثقيلا فوق خدها المهلوك.
وفي الخارج توشوش الألسن بضحكات تشجيع وتفاخر. وعندما ينتهي صالح من الفتاة ويخرج كالمدرك لثأر، رافعا خرقة يعوم فيها الدم ، ترتسم الفرحة على وجه أمه وعلى وجوه المنتظرين ، الذين وثبوا جهة الجسد المتكوم ، يقلبونه دون حراك.
كان العرق يطفح من وجهها ، وتنتصب في رقبتها خطوط زرقاء ناعمة.
– وأبوي. موسويت بها.قتلتلها.
– قومي جيبي ماي يو شريفة.
– سمعت أنه حتى لبصل غاوي
– انزين قومي. نهضي. حتى لبصل. قومي.
– وانتيه موفيش الخلع.
– تتناقرن والحرمة تموت
– صالح. سير ولدي نهم أبوك يقري عليها.
كان الليل قد استقر بجسده كاملا على الحقول ، جسده الشاسع ، الممتد كعباءة شاسعة ، لا يحدها سوى الوميض المتراقص من بيت العريس ، ووميض محطة الكهرباء في أعلى الجبل ، وميض خافت كئيب. في لمعته يظهر القسم المرتفع من الجبل، تسننه التربة وبقايا حفر بائد.
والصمت العميم لا يخترقه سوى نشيش مياه السواقي التي لا ترى، وصفير حشرات ، وما تأتي به الريح الخفيفة من عجينة الأصوات التي تحتدم في بيت العريس ، كانت أصوات البيت ، تأتي ضعيفة ، ملعثمة ، وباهتة الى ساحة الحقول.
كانت الريح الخفيفة تجر معها تلك الأصوات النائحة ، ثم تبددها في الحقول ، تبذرها في الحقول.
محمود الرحبي (قاص من سلطنة عمان)