زكريا محمد، شاعر فلسطيني، برز اسمه في بدايات الثمانيات من القرن الماضي، حيث نشر مجموعته الشعرية الاولى ” قصائد اخيره”. يعتبر ان الشعر لم يقيده، بل كان اساس انطلاقته الادبية ومنها اتجه لكتابة الرواية، والمسرح واتجه ايضا نحو الرسم والنحت. مبدع كتب في الميثولوجيا والاساطير والاديان. في شخصه تلمس الهدوء والاتزان، وهوقليل الحديث الا انه يعبر عما في داخله بجمل قصيره بليغة تشبه قصائده. يحب الانزواء ويبدو ان ذلك بسبب نشأته في القرية، حيث ولد في قرية الزاوية، القريبة من مدينة نابلس. لا يحب الاضواء ولا الشهرة ولا يسعى لها. زاهدا في الحياة كما كان زاهدا في البدايات بقصائده الا ان ثورة الفيس بوك احدثت عنده تغيرا في كتابة الشعر فأصبح يكتب يوميا على عكس عاداته في البدايات. قريب من الوسط الثقافي الا انه لم تجمعه صداقات حميمة مع احد. كان قريبا من الشاعر الراحل محمود درويش الا انه لا يدع صداقته، وعمل معه منذ عام 1996 وحتى 2000 في منصب سكرتير تحرير مجلة الكرمل. يرغب بالجلوس في الخلاء و التأمل عوضا عن الجلوس في مقهى. يعتبر ان الله تعالى اعطاه فرصة ثانية للحياة بعد صراعه مع المرض لذلك هو يحرص دائما على استغلال وقته لانجاز كل ما خطط له، فهو دائم الكتابة والقراءة والبحث. اعماله الشعرية ترجمت الى اللغات الفرنسية والاسبانية والانجليزية. مجلة “نزوى” التقته في مدينة رام الله وكان لها معه اللقاء التالي:زكريا محمد، شاعر فلسطيني، برز اسمه في بدايات الثمانيات من القرن الماضي، حيث نشر مجموعته الشعرية الاولى ” قصائد اخيره”. يعتبر ان الشعر لم يقيده، بل كان اساس انطلاقته الادبية ومنها اتجه لكتابة الرواية، والمسرح واتجه ايضا نحو الرسم والنحت. مبدع كتب في الميثولوجيا والاساطير والاديان. في شخصه تلمس الهدوء والاتزان، وهوقليل الحديث الا انه يعبر عما في داخله بجمل قصيره بليغة تشبه قصائده. يحب الانزواء ويبدو ان ذلك بسبب نشأته في القرية، حيث ولد في قرية الزاوية، القريبة من مدينة نابلس. لا يحب الاضواء ولا الشهرة ولا يسعى لها. زاهدا في الحياة كما كان زاهدا في البدايات بقصائده الا ان ثورة الفيس بوك احدثت عنده تغيرا في كتابة الشعر فأصبح يكتب يوميا على عكس عاداته في البدايات. قريب من الوسط الثقافي الا انه لم تجمعه صداقات حميمة مع احد. كان قريبا من الشاعر الراحل محمود درويش الا انه لا يدع صداقته، وعمل معه منذ عام 1996 وحتى 2000 في منصب سكرتير تحرير مجلة الكرمل. يرغب بالجلوس في الخلاء و التأمل عوضا عن الجلوس في مقهى. يعتبر ان الله تعالى اعطاه فرصة ثانية للحياة بعد صراعه مع المرض لذلك هو يحرص دائما على استغلال وقته لانجاز كل ما خطط له، فهو دائم الكتابة والقراءة والبحث. اعماله الشعرية ترجمت الى اللغات الفرنسية والاسبانية والانجليزية. مجلة “نزوى” التقته في مدينة رام الله وكان لها معه اللقاء التالي:n لنبدأ معك من وخزة الشعر الأولى؟l بدأتُ كتابة الشعر بعد منتصف السبعينات ولكن نادرا ما كنت أنشر قصائدي. وأول قصيدة نشرتها في بغداد في احدى المجلات العراقية حيث كنتُ أتعلم الأدب العربي في جامعة بغداد. وأعتقد أنني كنتُ من الناس الذين تأخروا في الكتابة، حيث كنتُ في بداية العشرينات من عمري، ولم تكن عندي الجرأة وذلك بسبب هيبتي من الشعر . ولدتُ في قرية الزاوية وكانت أجواء القرى معزولة في ذلك الوقت وعندما انفتحت على العالم تفتحت شهيتي للثقافة والأدب. n متى علمت أنّك شاعر؟l كنتُ دائما أحب الشعر وألاحقه وعندي إحساس أنني أستطيع كتابة الشعر حتى لو لم أكتب إلا قصائد قليلة ثم رجعتُ إلى عمّان ثم إلى بيروت. كانت بداياتي الفعلية مجموعة صغيرة جدا . والآن إذا أردتُ مراجعتها سأقوم بخذف ثلثها . وهي مجموعة صغيرة وأضفتُ لها قصائد لاحقا وربما بسبب أنني لم اثق بها اسميتها “قصائد اخيرة”. وفي العنوان قدر من المناكفة عكس القصائد الأولى. لا أستطيع تأكيد رغبتي آنذاك بترك الشعر، لان ذلك غير مؤكد، ولكن بقي الباب مفتوحا على احتمال تركي الشعر والصمت. ووقتها كنتُ أتساءل هل للشعر جدوى؟ كنا وقتها من الجيل الذي يرغب في تغيير العالم. أتساءل هل الشعر يستطيع تغيير العالم حقا. وكان هذا الشعور يفتح الصمت، وكأنني قطعتُ شوطا وهذه قصائدي الأخيرة. لا يأتي العنوان مصادفة من الشاعر ولهذا عادة يفهمُ الشعراء ومراحل تطورهم من العناوين . آنذاك ارسلتُ المجموعة لاتحاد الكتاب الفلسطينيين وتمت طباعتها، ثم قامت الحرب في لبنان وذهبت غالبية النسخ ولم يبق الا نسخة واحدة احتفظت بها معي. في تلك المجموعة يمكن رؤية تطوري، وفي داخل المجموعة عدد من القصائد تشير إلى أين أذهب.n ماذا يمكنك أن تقول عن علاقتك بالثورة والمقاومة؟l نحن كتاب وشعراء يكتبون على الطريقn لنتكلم أكثر عن علاقتك بالكتابة؟ l كنا نكتب بشكل مختلف، كنا شبابا نرغب أن نكون مختلفين. كتبتُ في مجلة الحرية في مواضيع السياسة وأحيانا في الأدب، وعندما ذهبتُ الى سوريا ثم انتقلتُ الى تونس وبعدها رجعت إلى الاردن سنة 1994 . كنتُ دائم التنقل وذهبتُ الى قبرص وفي الاردن كتبت في جريدة راية الاستقلال. أول إصدار كان لي في عام 1981، أما المجموعة الثانية “أشغال يدوية” صدرت عام 1990. كان ثمة زمن طويل نسبيا بين الاصدارين الاول والثاني، ثم اخذت المسافة تقصر بعد ذلك. المجموعة الثالثة ” الجواد يجتاز اسكدار” صدرت عام 1994، وصدرت عن دار السراب في لندن كانت مجموعة تؤسس لحياتي الشعرية. كانت هذه المجموعة قد عملت مصالحة بيني وبين الشعر، وبدا لي أنني توصلتُ فيها إلى اختيار أسلوبي في كتابة الشعر وتوصلتُ أيضا إلى مصالحة مع فكرة جدوى الشعر، وأننا لا نستطيع تغيير العالم ولكن نستطيع أن نغير ونؤثر في أرواح محددة، وأن التأثير في هذه الأرواح حتى لو كان عددها محدودا ليس بالأمر الهين. في مجموعتي الثالثة توصلتُ إلى المعادلة التي مكنتني لأن أثق بمستقبلي الشعري وأن أثق أن الشعر له تأثير ما. وكتبتُ فيها على راحتي أكثر بكثير من المجموعات السابقة، كنتُ قد بلغتُ الأربعين وشعرت أنني أكتب الشعر بحرية. نشرتُ القصيدة مع بروفاتها وتحضيراتها، وكان نابع من إحساس ما بحريتي بكتابة ما أريد، دون انتظر ماذا سيقول الآخرون. وتيقنت أنه لم يكن بالإمكان الفكاك من الشعر، فهو كالزواج الكاثوليكي لا خلاص منه . مجموعتي الرابعة “ضربة شمس” صدرت عام 2003 وهي علامة في حياتي الشعرية حيث كنتُ وقتها أتنقل بين قبرص وفرنسا. ثم تواصلت إصداراتي فكان “أحجار البهت” وهي مجموعة اعتقد أنها جيدة. n بمن تأثرت من الشعراء؟ l تأثرتُ بشعراء كثيرين قدماء وحديثون من العرب والغربيين مثل لوركا وسعدي يوسف وآخرين، مشيرا إلى أن الشاعر دائما مسكون بالشعراء الآخرين. وبالتالي كيف يكون ذاته ضمن تأثير الاخرين، وكيف يخلق شعره متأثرا بالآخرين. n ما هي طقوس الكتابة لديك ؟l تقوم الكتابة عندي على دفعات وموجات، قد أنقطع مدة ولكن الشعر يأتي فجأة . هذه طريقتي لا أجلس على كرسي بشكل يومي، بل تأتي القصائد دفعة واحدة . كنتُ انتظر الشعر ليأتي وانتظر اللحظات لأكتب. كنتُ انتظر الشعر ومروره. ولكن الآن منذ ثلاث أو أربع سنوات أجلس كل صباح واكتب. اكتشف امكانياتي من خلال شاشة الحاسوب حيث اكتب واكتب كل يوم وفترات الانقطاع أصبحت قليلة . ولا أعرف هل هو تطور داخلي أو مرتبط بالفيس بوك. في هذه الفترة كتبت قصائد في مجموعتي الشعرية “كشكبان”، حيث اختلف شعري جديا اظن ذلك، لا أعرف كيف، ولكن شعوري أكثر انتصارا في داخلها. وأشعاري ليست كالسابق كتلة واحدة ومتماسكة، وأن هناك عنصرا مركزيا ومصيرها واحد. الآن قصائدي صارت كأنّها متضاربة، متناقضة في داخلها، وتهدف إلى إثارة شعور أكثر من الوصول لتجميع مجموعة. وهذا يعكس محاولاتي للخروج بشعر جديد بأساليب أخرى. ويبدو أن ذلك لاضطراب اللحظة واضطراب المنطقة منذ فترة طويلة.n الجيد في الأمر.. أنّ الشعر لم يمنعك من كتابة أشكال أخرى ؟ l بعد أن قطعت هذا الشوط، انفتح أمامي المجال لأكتب ما أريد وبدأتُ في الأشكال الكتابية الأخرى مثل الرواية وكتابة المسرحية وقصص الاطفال، ويبدو أنّه عندما يبلغ المرء الاربعين ويمسكُ في ذاته الشعرية ويعرف أسلوبه الشعري، له أن يكتب في غير اتجاه. لم تكبلني فكرة أنني شاعر وتولد لديّ إحساس أن ثمة قدرة لي لأكون روائيا أو أي شيء آخر ولا احد يستطيع أن يفرض عليّ حدودي. وحدي اكتشفت حدودي واكتبها . الإنسان يخوض محاولة دائمة لاكتشاف حدوده ولذا اتجهت الى الرسم والنحت. وبدا لي أنني اقتنعتُ وصرتُ مستعدا أن أفعل ما أريد دون أن انتظر رأي الاخرين. كتبتُ أيضا عددا من النصوص المسرحية، عددها ثلاثة نصوص، لكن لم يكن عندنا مسرح ثابت لذا لم تستمر هذه التجربة، بينما التجربة المسرحية كانت تنتعش بين الشام وتونس وقبرص. اصداري “احتفال في قلعة الموت” هو كتاب مسرحي وهو محاولة لاختبار حدودي، بمعنى أنني لستُ فقط شاعرا، أنا أريد أن أكتب ما أريد وقادر على التجول في هذا الحقل من أطرافه إلى أطرافه وليس فقط في الشعر.n لنتحدث أيضا بشيء من التفصيل عن اشتغالك الروائي؟l كتبتُ روايتين هما “العين المعتمة” وصدرت عام 1997 و “عصا الراعي” وصدرت في عام 2002، كانت تجربة ممتعة، في التجربة الأولى استعدت أجواء الطفولة الأسطورية والميثولوجية، والرواية الثانية أستعدتُ فكرة الثنائية الفلسطينية في الشتات والوطن والموت والحياة. عندي أيضا مشروعان وقد بدأتُ في الكتابة، ولكن ترددتُ. n بما أننا نتحدث عن الرواية .. ما رأيك بجائزة البوكر العربية؟ l وبرأيي أن كل ما يكتب عن جائزة البوكر وغيرها من الجوائز وفي ظل الواقع الذي نعيشه يشير إلى أن الرواية أصبحت وسيلة للشهرة، وحتى لا أشعر أنني أتجاوز الشعر من أجل الرواية. كتبتُ مشاهد وأجزاء من الرواية لأنني أشد أعداء الموضة وأعاكس المزاج العام أسير عكسه تماما وبالتالي أجلت الموضوع. مع أن هناك ثمة مشروع روايتين أعمل عليهما واحدى الروايتين تتحدث عن رحلة شاب فلسطيني من القدس إلى مكة قبل الإسلام.من يتابع كتاباتك يلحظ أنّ اهتمامك تجاوز الإبداع الشعري والروائي، يستنتج أنك مولع بالميثولوجيا والأديان فقد أصدرت ستة كتب تتحدث في هذين الموضوعين وهي : “عبادة إزيس وأوزيريس في مكة الجاهلية” صدر عام 2009، و”ذات النحيين: الأمثال الجاهلية بين الطقس والأسطورة”، صدر عام 2010، و”حول ديانة مكة في الجاهلية: كتاب الحمس، الطلس، الحلة”، صدر عام 2013، و”مضرط الحجارة: كتاب اللقب والأسطورة”، صدر عام 2014، وأيضا حول ديانة مكة في الجاهلية: كتاب الميسر والقداح”، وصدر عام 2014 ، و”نقوش عربية قبل الإسلام” وصدر عام 2015. كنتُ منذ حوالي 20 عاما مشغولا بالديانات القديمة والميثولوجيا، وكتبت خمس كتب حول ديانة العرب قبل الإسلام واكتشفت أشياء مذهلة ومدهشة، أننا لا نعرف شيئا عن ديانة العرب قبل الاسلام. وما نستهلكه هو نتاجات غربية زائفة ومضللة ومشوشة، لأن الغربيين أنفسهم لا يعرفون جوهر ديانة العرب قبل الإسلام. عندي كتاب ديانة مكة قبل الاسلام وهي الحمس والطلس والحلة، وهي ثلاث طوائف دينية رئيسية قبل الاسلام. لم يكتب احد حول هذه الطوائف سوى الطائفة المعروفة عندنا هي الحمس، ولا يوجد أدب عربي أو غربي رغم وجود مصادر امسكت بهذه الطوائف. وحاولت أن اصل إلى جوهر ديانة العرب قبل الإسلام وحاولت أن اعرف أي آلهة عبدت كل تلك الطوائف وتوصلت إلى أن الرسول حليا وعائلته بنو عبد المطلب وبني هاشم هم من الحلة وهو عكس ما هو شائع انه حمسي. المصادر اعتقدت أن قريش كلها حمس. وهذا خطأ، ولا يمكننا فهم ديانة مكة دون العودة إلى هذه الحقيقة حيث كانت تلك الديانة مقسومة لثلاثة طوائف، وعائلة الرسول من طائفة الحلة وأن الاسلام انبثق من أرضية حلية.n حدثنا أكثر عن مشروعك الجديد في الأديان؟l اعمل على كتاب جديد حول تشكيل الديانة اليهودية في العصر الجاهلي، كيف شكلت الديانة وتحت أي ظروف، وانطلاقا من أي مصالح. فقد نشأت الديانة اليهودية في العصر الفارسي، وانطلاقا من مصالح الفرس ومجموعة من اليهود، حيث تلاقت مصالح الامبراطورية الفارسية مع مصالح مجموعة يهودا وهذا أدى إلى خلق الديانة اليهودية .n ماذا عن القراءة ، وهي المعين الأساسي لمشروع الكتابة ؟ l أقرأ الشعر العربي والشعر المترجم، لكن الشعر العربي الموجود يشبه بعضه البعض، فنحن في مناخ واحد وفيه قدر من التشابه، ولذلك يجب أن أقرأ شيئا لا يشبهني ويختلف عني فأحصل على شيء جديد ولذا فإنني أكثر من قراءة الشعر المترجم. n كيف ترى الشعر الفلسطيني اليوم ؟ l الشعر الفلسطيني في حالة جيدة وليس في أزمة. والآن له اتجاهات مختلفة وتيارات مختلفة وهناك أسماء شباب جديدة . لا يوجد بها اشكالية ويبدو أن هناك مستقبلا جيدا. الحياة الادبية الفلسطينية تتقدم، وإن كان ثمة احباط سياسي شامل، ولكن لا يوجد ازمة ثقافية، ونحقق تقدما وثمة اجيال جديدة. منذ اللحظة التي اتى فيها محمود درويش رفع فيها الشعر الفلسطيني، وصار النزول عن هذا السقف غير ممكن، ولم يعد مقبولا. لكن بالمقابل هنالك الشعر الجيد ولكن لا يجد من يعترف به.الغالبية تكتب النثر والقلة من يكتب الشعر التفعيلي، والاساس أن نكتب نصوصا جيدة أيا كان شكلها، والاختلاف الحاصل الآن أنه لم يعد أحد يكتب سياسة بالشعر كما كان حتى التسعينات من القرن الماضي. n برأيك ما الأسباب التي تقف وراء ذلك ؟l ربما ضجرت الناس من الكتابة السياسية، وأن الشعر أنجز دوره بعد أن أنجزت منظمة التحرير الفلسطينية مهمة ترسيخ الهوية الفلسطينية والتي لم تعد مهددة. صرنا نكتب عن اشياء اخرى وما انجزه الشعراء محمود درويش وسميح القاسم واحمد دحبور بنشر الهوية والحفاظ عليها اعفى الاجيال اللاحقة من ان تكتب عنها، وهذا جيد فلم نعد محكومين بموضوع واحد، ولم تعد اسرائيل تفرض علينا ان نكتب عن القمع والدبابات والجندي الاسرائيلي.n لنتحدث عن علاقتك بمحمود درويش؟ l كنتُ اشتغل عند درويش لسنوات، وكنتُ سكرتير التحرير لمجلة الكرمل، الذي رأس تحريرها الراحل . وهو الآن رحل وخسرناه ولا أحب أن أبدو كصديقه. كنت اشتغل عنده وكان شخصا ودودا جدا، ويحترم من يعمل معه انطلاقا من احترامه لذاته وتجربتنا معا في العمل امتدت من عام 1996 – 2000 .n من يعرف الاديب محمد زكريا شخصيا يعلم أنه يتحاشى الناس ويحب الانعزال والانزواء، تراه يمشي في مدينة رام الله لوحده وتلحظ تأمله الدائم، متواضع يقف ليسلم على كل من يعرفه ويبتسم بود كبير؟l قصائدي في السنوات الأخيرة تنبع من العزلة والصمت، بمعنى عادة ابتعد عن المناسبات العامة واجلس في البيت، واحب ان اجلس على التلال والجبال اسمع الصمت وامارس الصمت. اعتقد ان الصمت جزء موجود في الشعر، ولا ينفع كتابة الشعر الا بجزء من الصمت . الشعر ملتزم بالصمت.n ربما من الصعب أن نتحدث عن المرض؟l لم يبقَ وقت لي لكي اهدره، هناك مهمات عليّ أن أنجزها. فقبل عشر أو أثني عشره سنة اصبتُ بالسرطان وشفيتُ ومنذ تلك اللحظة أحس أنني في سباق مع الزمن، وان الله اعطاني فرصة للحياة وعلي ان انجز المهمات التي علي، ولا يوجد وقت اضيعه. هناك عدة مشاريع يجب انجازها والوقت مسألة حاسمة . المرض كان عاملا حاسما في انتاجي، وقد اعطيت فرصة جديدة اخرى وعلي ان استغلها وان انجز ما علي، متفائل بالحياة ولدي رغبة كبيرة في ان اعمل. n مشوار طويل، وانجاز كبير، وابداع متميز، هذا هو واقع حال الشاعر والروائي والكاتب والرسام والنحات زكريا محمد ولكن هل اخذ حقه في الشهرة؟l الشهرة مسألة مُعقدة لها علاقة بأشياء كثيرة وبالظروف وبالمواهب. هذا الموضوع لا يقلقني وتركت الشهرة للآخرين. والمناخ الأدبي هو مثل كعكة، كل واحد يريد ان يأخذ قطعة منها ولكنني لا أهتم بنصيبي منها. وأتعهد لهم أنني لن انافسهم وليريحوا انفسهم. n الغريب أنك اعتمدت كتابة قصائدك على الحاسوب ووضعها على صفحتك في الفيس بوك واعتزلت الورقة والقلم ؟l مع الفيس بوك تقلصت المساحة بين الكتابة والنشر إلى الحد الأدنى، بل تم حذفها نهائيا. وصارت الكتابة والنشر كما لو أنهما عملية تتم بضربة واحدة حتى أنني في احيان كثيرة كنت اقوم بالتدقيق النهائي للقصيدة بعد نشرها على صفحتي. فأنا على ما يبدو أكون أقدر على رؤية اخطائها الطباعية او اللغوية او الفنية حين اراها منشورة امامي على صفحة الفيس بوك. كنت عمليا انشر ثم ادقق. ما فعله الفيس بوك يتخطى انه الغى ألفاصل الزمني بين الكتابة والنشر بل ألغى تقريبا الزمن الفاصل بين لحظة الكتابة وبين القارئ. فبعد ثوان من كتابة القصيدة تكون قد وصلت الى قارئ ما، وهو من جهته يكون قادرا على ان يبدي وخلال اقل من دقيقة رد فعله على القصيدة لكي يلتقطه الكاتب مباشرة. n ماذا عن الانعطافة التي حدثت في شعرك خلال السنوات الأخيرة منذ عام 2012 فقد حل مناخ مختلف في قصائدك؟l السطور طالت والايقاعات تغيرت الى حد لا بأس به، الموضوعات اختلفت، كما ان كلمات جديدة دخلت قاموسي . فوق ذلك.. هنالك نغمة متصوفة تسللت الى قصائدي. نغمة لا علاقة لها بمناخ التصوف السائد، والذي ظل دوما يتجنبه، ويمقت قاموسه. هذه هي المرة الثانية التي اشعر فيها بقوة بوجود تغيرات عميقة في شعري. كانت المرة الاولى مع مجموعة “الجواد يجتاز إسكدار”. ففي تلك المجموعة احسست انني اتحرر ، وانني استطيع قول ما اريد من دون خوف ولا حرج. اي استطيع ان اقوله متخففا من ضغط المناخ العام، ومن ضغط القارئ المفترض. الآن الوضع افضل حيث اكتب ما اريد وبالطريقة التي اريد. حريتي تتسع ومتعتي تشتد. n ما الأسباب التي تظنها تقف وراء هذا التطور، تأثير الفيس بوك أم تغيرات حدثت ببطء ثم اعلنت عن نفسها على صفحة الفيس بوك؟ l لست أدري. ربما حدث الامران معا بطريقة لا استطيع فهمها حتى الآن. سيمضي زمن قبل ان نتاكد من تاثيرات النشر الالكتروني على كتابتنا عموما، وعلى الكتابة الشعرية خصوصا. اذ يبدو ان الشعر كان هو الاكثر استعدادا للتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي. كما انه ربما الاكثر استفادة منه. وايا كان الامر فانا على استعداد للاقرار بما فعله الفيسبوك معي ايا كان مقداره.ان الكتابة على الفيس بوك بالنسبة لي لم يكن حدثا الكترونيا فقط. بل كانت تصعيدا كاملا لعزلتي. انها العزلة وقد بلغت منتهاها. صحيح ان الاصدقاء على الفيس بوك كثيرون لكن وجودهم الوهمي ضرورة من ضرورات تمرير العزلة بل وتصعيدها. فلكي تمر عزلة بهذه القسوة كان لا بد من وجود ضجيج ما يوحي بان العزلة غير موجودة. كأنك تشغل جهاز التلفزة عندما تكون وحيدا لكي يبدو لك وكأن اصوات الملء تسيطر على اصولات الخلاء. بهذا المعنى، فهذه القصائد بذات العزلة: ولدت في العزلة ، تغنت بها، وارتدت حجابها، وهي تحمل قسوتها.
تغريد سعادة*