يقع كتاب الناقد والأكاديمي السعودي الدكتور سعد البازعي «جدل التجديد: الشعر السعودي في نصف قرن» الصادر مؤخرا في الرياض عن وزارة الثقافة والإعلام، ضمن سلسلة تُعنى برصد المشهد الثقافي في الجزيرة العربية، وقد وضع الباحث في التصدير برنامج الكتاب، فأشار إلى أنه يسعى إلى «رسم صورة للمشهد الشعري في المملكة العربية السعودية عبر ما يقارب الخمسة أو الستة عقود الممتدة منذ خمسينيات القرن العشرين وحتى اليوم»(ص9).
ويشرح البازعي المقصود بعنوان الكتاب بقوله «ولن يخفى على القارئ أن التجديد المقصود هنا مرادف للمفردة الشائعة الأخرى، أي «التحديث» أو «الحداثة»» ويعلل اختياره لمصطلح التجديد بدلا من التحديث والحداثة بـ»كثرة ما أصاب الأخيرة تحديدا من استعمال أفقد المفردة بعض دلالاتها وأغرقها في أبعاد أيديولوجية تحتاج معها إلى المراجعة»(ص9).
ويشرح الكاتب مقصوده بلفظة «الجدل» في عنوان هذا الكتاب، فيجعلها دلالتين إحداهما مستمدة من مفهوم «الديالكتيك» أو «الجدلية الهيغلية» القائمة على «تنازع الأضداد»، أما الدلالة الثانية فهي الحوار المحتدم على شكل خطابات نقدية ومواقف سجالية ذات طابع سوسيو ثقافي حول مشروعية التجديد أو التحديث. (ص10)
ويشير البازعي إلى أن كتابه الواقع في مائتي صفحة من القطع المتوسط إنما هو «رسم صورة تقريبية ومكثفة تختزل المشهد في نقاط تبدو عالية التمثيل للعناصر الكثيرة التي يزخر بها».(ص12)، فهل نجح الكتاب في تحقيق هذا الهدف؟ نترك الإجابة عن هذا السؤال، الآن، لأن تقرير إجابة مُنصفة تحتاج إلى قراءات متعددة الأطراف ولأهل مكّة، الأدرى بشعابها، أولا وبالذات، وما نودّ القيام به في هذا الحيّز المحدود إنما هو تقديم الكتاب تقديما عامّا.
ولعلّ الباحث قد استبق احتجاجات المنتقدين المُفترَضين لعمله بقوله «أتوقع أن تكون هذه المحاولة غير مرضية للبعض سواء كانوا ممن كان يمكن للكتاب أن يشملهم بوصفهم شعراء، أي يقعون في دائرة البحث، لكنهم لم يدخلوا فعليا في إطاره من خلال التحليل أو الإشارة لأعمالهم، أو من الدارسين الذين يرون أن البحث أغفل ماهو مهمّ أو أهم ممّا هو متناوَلٌ» (ص13) ويجيب عن هذه الاهتمامات بقوله إنّ «الكتاب ليس تأريخا للمشهد الشعري في المملكة أو مختارات لقصائد تمثل ذلك المشهد، وإنما هو قراءة لبعض جوانبه»(ص13).
ويوضّح البازعي منهجه في الكتاب مبرزا أنه اختار الأسلوب الموضوعاتي / التاريخي لإنجاز قراءته لمشهد الشعر السعودي. ويبيّن الباحث أنه حاول مراعاة اختلاف الاتجاهات الشعرية والاهتمامات الموضوعية إلى جانب البعد التاريخي أو المراحل التي برزت تلك الاتجاهات والاهتمامات أثناءها. ويضرب مثال جمعه في معالجة موضوع الذات والآخر بين ستة شعراء يمتدون زمنيا من محمد العامر الرميح في منتصف القرن العشرين ومحمد الدميني وحسن السبع في أواخره، محاولا تبين ما قد يوجد بينهم من وجوه التقاء واختلاف، في الآن نفسه(ص15).
ويضع البازعي في القسم الأول من كتابه إضاءات أولية حدد فيها ما أسماه معالم المشهد الشعري التاريخية والثقافية والمنهجية، متطرقا إلى مكونات التجربة الشعرية.
وانطلق في القسم الثاني إلى إبراز آفاق التجديد دارسا في الفصل الأول من هذا القسم الشعراء الرومانسيين الرمزيين (حسن عبدالله القرشي وناصر أبو حيمد ومحمد سعيد المسْلِم). واهتم في الفصل الثاني بتحليل جدلية الذات والآخر عند الشاعرين محمد الرميح ومحمد فهد العيسى. واعتنى الفصل الثالث بالإشكالية نفسها عند الشعراء غازي القصيبي وسعد الحميدين ومحمد الدميني وحسن السبع.
واهتم الباحث في القسم الثالث من كتابه بقضية استكشاف الذات عند شعراء السبعينات والثمانينات، فدرس نماذج من «حداثة التفعيلة»، كما يقول، في باقتين من الشعراء، الأولى شملت محمد العلي وسعد الحميدين وأحمد الصالح، والباقة الثانية اشتملت على عبدالله الصيخان ومحمد الثبيتي وعلي الدميني وأشجان هندي.
أمّا الفصل الثالث من هذا القسم فقد تناول «قصيدة النثر: الطريق الآخر إلى الشعر» عرض فيه الباحث إلى نماذج للشعراء فوزية أبو خالد ومحمد الدميني وإبراهيم الحسين وأحمد الملا.
وينتهي الكتاب بقائمة من المصادر والمراجع العربية.
هذا الكتاب – على الرغم من خلوّه من خاتمة عامّة تبرز أهمّ النتاAئج التي توصّل إليها الباحث – يقوم على جانب كبير من الانضباط المنهجيّ، يتمثل أساسا في احترام المنهج الذي اختاره الباحث وفي محاولته عدم الانجرار وراء الأحكام المسبقة أو أحكام القيمة.
ويُعدّ هذا العمل مكملا لمشروع موسوعة الشعر السعودي وفاتحة لجدل خصيب، نتوقع أن «يعصف» إيجابيا برصانة عروض الباحث ونقوده النصية، ولكنها – وهذا قدرها – تبقى جزئية وانتقائية، عسى أن تتفتق قرائح النقاد على قراءات وتأويلات تُثري «جدل التجديد في الشعر السعودي» الذي أطلقه سعد البازعي من عقاله.
صابــر الحباشـــة
كاتب وباحث من تونس