الشخصيات:
ميشع: ملك المؤابيين , الملكة: زوجة الملك ميشع – القائد سلمانو: قائد جيوش ميشع- الأمير: ولي عهد الملك ميشع – الاله كموش: إله الشمس والحرب، إله المؤابيين القومي – الالهة عشتار كموش: إلهة الخصب عند المؤابيين وزوجة الاله كموش التاريخ
أعيان مؤاب: الشيخ الأول
– الشيخ الثاني
– الشيخ الثالث
– الشيخ الرابع
مجموعة كومبارس
لوح التاريخ
تبدو خلفية المسرح مقسمة الى ثلائة مستويات، المستوى الأعلى يجلس التاريخ بهيئة رجل مسن ملتح متربعا وأمامه مجموعة من الألواح الطينية… في المستوى الأوسط وعلى يمين خشبة المسرح تظهر امرأة ممدة ورجل يصوب الى بطنها رمحا يعلوه الشمعدان السداسي، وعلى يسار المستوى يظهر الملك عجلون منكفئا على عرشه بطريقة توحي بأنه قتل غدرا.
المستوى الأدنى، تظهر مجموعة من أعيان مؤاب وشيوخ قبائلها يجلسون جلسة نصف دائرية مطأطئي الرؤوس صامتين. على خشبة المسرح تعبر قافلة من الرجال والنساء تحمل أكياس الحبوب تجر الخيول والكباش، جزية يدفعها المؤابيون الى الاسرائيليين.
الصوت الأول: في ليل الذل غرقنا نحن المؤابيين بالخيبة، ركد زمننا كالماء في بركة آسنة منذ سقط ملكنا عجلون غدرا، وصار جيشه المهزوم نهبا لرماح الغزاة.. نبت البؤس في الحقول بعد أن استلبت خيراتها وصارت حكرا على العابرين وسما يسري في عروق زراعها، عم الخراب، وسقطت مؤاب في قعر النسيان.
الصوت الثاني (نسائي بحزن ): خارج الحركة نغفو، نتنفس هواء المهزومين نستعير عيونا انطفأت نضارتها، نعيش بأرواح غادرتها قوة العشق.
صوت ثالث (متسائلا بحزن ونبرة فيها شيء من القوة ): كيف سنخرج من عماه اللاتمايز المكاني؟ كيف سنخرج من اللاوجود الى عالم الوضوح والحركة؟
صوت رابع (بيأس ): لم نحفر ماضينا على ألواح الزمن.. وكل ماض غير معلوم هو في حكم العدم.
التاريخ: الأحداث التي أسلمت للصمت نضارها تذهب للنسيان وتخطىء دائما طريق العودة الى الذاكرة..
يدخل ميشع، يقف بمنتصف المسافة ما بين شيوخ وأعيان مؤاب، والتاريخ ميشع (مخاطبا التاريخ ): الخبر المسموع يسبق الخبر المكتوب.
التاريخ (ساخرا): وأي أخبار غير أخبار الهزائم، ترك الذين سبقرك..
ميشع: تركوا الكثير، لكنك اكتفيت بنقش العوارض مما ذكره العابرون في أسفارهم.
التاريخ: لا تاريخ سوى المحفور على ألواح الذاكرة.
ميشع: المحفور على ألواح الذاكرة، بشري بالضرورة وللبشر دائما قصد وغاية.
التاريخ: تعلمت أن أنقش في ألواحي كل ما ينبغي أن يذكر
ميشع: ألواحك وعي وحركة، بحث وكشف، حضور وغياب،وغياب، وكل ذلك إنساني لا وجود له دون الانسان. ولأنها كذلك (الألواح ) ينبغي أن يكون نقشها مدرسة الحرية وغايتها الحرية. (متوجها الى شيوخ مؤاب وأعيانها يخاطبهم بصوت قوي).
إذا كان التاريخ قد أغلق دون روإيتنا بواباته واكتفى بزيف الأسفار الوحشية، فهيا معي الى الأرض، فممحاة النسيان لن تقوى على الغاء تضاريس وطن تعمر حقوله السواعد، وتحمي مدنه الرماح.
(ومنتصبا متوجها الى الجمهور)
ولا تنتظروا مجيء التاريخ اليكم.
لوح الحرية
يقسم المسرح الى ثلاثة مستويات، في المستوى الأعلى يقف الاله كموش وكأنه يحمي مؤاب، وفي المستوى الثاني تظهر المرأة الممددة ورجل يصوب نحوها رمحا بأعلاه الشمعدان السداسي، وعلى يسار
المستوى الملك عجلون منكفئا على عرشه مقتولا بطريقة توحي بالغدر، المستوى الثالث قافلة الرجال والنساء تحمل الأكياس، وتجر الخيول والكباش وتمض بالجزية في حركة دورية بطينة. الاضاءة ضعيفة على المستويين الثاني والثالث، وعلى خشبة المسرح تبدو مجاميع من الرجال والنساء تعمل بالبناء والزراعة ونقل المياه. يدخل ميشع الى المستوى الأعلى حيث الاله كموش، ويقف متأملا ما
يجري على خشبة المسرح من أعمال البناء، يحدث نفسه بصوت هاديء ونبرة عالية.
ميشع: مؤاب، أريدك خضراء، نسائم خضراء، مدنا خضراء، حقولا خضراء… مسيجة بكرامة السواعد التي عمرتك،الكن الحزن الأسود ينبت في أرض الزيتون، والنهر يحمل أزهار الخيبة.. آه يا. حزن مؤاب، حزن نقي سري المنبع، زواله بعيد.
(يطو صوته ويرتفع مخاطبا نفسه )
كيف أنزع عن عنق مؤاب ذلك القيد، بنيت المدن وحصنتها، حفرت الآبار، زرعت الحقول، عصرت المراعي، امتلأت المخازن بالزيت والقمح والعسل، قدمت الى كموش كل ما يريد من الأضاحي، وما
تزال مؤاب مكبلة بقيد القهر، مغمورة بحزن عميق على قوافل خير أرضها وهي تمني الى العابرين ثمنا باهظا لسلام زائف.
(بضيق أكبر) انا مسكون بلهيب يأكل رأسي، لساني تأكله قرصات الشوك والسنوات تمر من خلفي بؤسا مقيما في أرواح الناس والحقول.
يتوجه الى الاله كموش يكو صلاته جاثيا:
"أنت عال وبعيد، لكن نورك ضاف على الأرض أنت عال وبعيد لكنك تصنع النهار… وعندما تميل وراء الأفق البعيد، تفرق الأرض في ظلام كأنه الموت.. الكل يفرق بالصمت والظلام يسود» (1) اشرق،
كي تبعثر الظلام وتضج الأرض بالضياء اشرق كي تعمر روحي بنور المعرفة.
الاله كموش: لا أحد سيفك لغز مرارتك وأنت تحاول أن تزيح عنك أثقال عزلتك.. ستطل تمسد أورام روحك وغربان الفاجعة تحوم فوق رأسك.
ميشع: الفاجعة ان تظل مؤاب أسيرة مجون رغبات العابرين واطماعهم.. لا أريد ان أبقى لأموت في فراشي وقورا منتضيا خنجري النظيف رافلا بثياب الملك الفاخرة.
(برجاء قوي)
خذ بيدي كي أصعد بمؤاب الى تلك الذرى العالية، فأمتد منك وأنت الشمس.. الى سماء تجمعنا عروشها ليشهد الناس كلهم لمجد مؤاب.
الاله كموش: لن تصل الى ما تصبو اليه بالتضحية والتكفير فقط، بل بالمعرفة التي تجلو العقل.. تأملات العقل الصافي، ستتجلى لك دروب الذرى العالية..
ميشع: سأبقى هنا.. هنا في هذا المكان، حتى يبلى جسدي وتجف روحي أو أصل الى نور المعرفة » (2).
كموش (مكررا وبصوت أعمق ): لن تصل الى ما تصبو اليه بالتضحية والتكفير فقط بل بالمعرفة التي تجلو العقل.. بتأملات العقل الصافي، ستتجل لك دروب الذرى العالية.
كموش (وبصرت أعمق يحمل أبعاد ترنيمة كونية )
: «يا عبد اصحبني الي تصل الي
يا عبد اصحبني الي تصل الي
يا عبد اصحبني الي تصل الي » (3)
ميشع يفيق من ذهول صلاته، ينتفض واقفا مخاطبا الجمهور ونفسه: «إنها هي… أكبر من كل كبير، وربما أبسط من كل بسيط، أبحث عنها في أعماقك، ولتكن الإرادة قوسك، والعقل سهمك، شد قوسك، امض اليها، فهي غديك الوحيدة.» ( 4)
لوح الثورة
تقسم خلفية المسرح الى مستويين، الأول بإضاءة متوسطة يقف الاله كموش كمن يرعى ويراقب مؤاب، المستوى الثاني بذات ترتيب المشاهد السابقة وتظهر المرأة المطعونة على يمين المسرح والملك
المغدور على يساره، إضاءة على خشبة المسرح قوية، يظهر كرسي عرش الملك ميشع خاليا، والى جانبه الكرسي الخاص بالقائد العسكري سلمانو، والكرسي الخاص بولي العهد، تحيط به مقاعد مخصصة لشيوخ القبائل.
يجلس الجميع بحالة انتظار وملامح القلق بادية على وجوههم.. يدخل الملك ميشع، وهو متوجه بثقة وشموخ الى مقعده
ميشع: ليجلس الجميع
سلمانو ( بعد أن يستقر في مقعده ): للملك ميشع طول العمر… أرجو أن تكون الصلاة للاله كموش صلاة مباركة.
أحد الشيوخ: لتستجب الآلهة لصلوات الملك.
ميشع:أردت من صلاتي في معبد كبير ألهتنا كموش معرفة الطريق الى مجد مؤاب، الى الذرى العالية، حيث الفضاءات المفتوحة على آفاق التاريخ الرحبة. (يصمت برهة ويتابع متوجها بحديثه الى الأعيان وشيوخ القبائل ).
اجتمعت اليكم اليوم، لأستمع لآرائكم.. ليقل كل منكم ما يجول في صدره دون تردد، فلست الوحيد الذي يحمل عبء مجد مؤاب، فسواعد أبنائكم هي التي عمرت المراعي والحقول.. وهي ذاتها التي تسوق خيرات مؤاب جزية تدفعها للعابرين الذين اسكبوا تاريخنا.
الشيخ لأول: كيف نمضي بمؤاب الى فضاءات أرحب ولا أحد يلهج بترنيمة الحرية..؟!
القائد سلمانو (بألم ): ألم تدرك بعد ضرورة الحرية ونساء مؤاب (يصمت برهة ويستأنف ) وخيرات أرضنا تساق لشراء رضا الغزاة العابرين..
الشيخ الأول: لن تدرك معنى الحرية مدنية لا تعرف الفرح أو الحزن.. وتنهى أمسياتها المغبشة على عتبات التعب.
الشيخ الثاني: مدينتنا هدها تعب بناء ما هدمته الهزيمة، وهي بعد لم تصل معنى فرح الانتصار.
الشيخ الثالث: (مكملا ما بدأه الثاني): وهي أيضا لم تصل معنى الحزن على بطل حقيقي سقط وهويقاعر الغزاة.
سلمانو (مستفزا): كان لنا أبطال قاتلوا وانتصروا ولم يموتوا نياما في أحضان نسائهم…
الشيخ الرابع: أينهم..؟ ابتلعتهم دهاليز النسيان، ونحن من أسقطهم عندما قبلنا كشف عوراتنا.. والخضوع لأطماع العابرين..
الشيخ الأول: أي شيء سيبقى غير عتمة تسرق جواهر أرواحنا وفراغ يوصد أبواب الغرر، طالما بقينا هكذا نندب الماضي ولا نستطيع اللحاق بركب الحاضر.
الشيخ الرابع: ستظل للحقول رائحة الجنازات، وسنظل عاجزين حتى عن الموت في دفء المراعي العامرة…
سلمانو: في تراب مؤاب ما يجعله يستشعر رعشة الموت وتكسر أغصان الروح. وفيه ما يستحق البعث من جديد. (موجها حديثه للملك ) لا شيء سيبقى لنا حين تخبو جذوة الروح، والغازي العابر يختال في حقولنا الفنية..
ميشع (كمن يخاطب نفسه ): إنها هي نسخ الحياة الذي يسري في عروق التراب فيخضر.. وهي المعرفة التي تعبدت في محراب كموش حتى غمرتني بنورها، فاضاءت طريق مجد مؤاب (مخاطبا الحضور ).
: بعد الذي سمعته منكم، وكان صدى لما يجول في خاطري، لن نستمر بدفع الجزية الخضوع لنزوات «عمري» (وبصوت تحريضي).
سيشيح عني النهار الذي سينير بضيائه جبهة مؤاب الشامخة… ستنكرني «حشبون » لو تركتها مفتوحة الجراح للعابرين يعبثون بها.. وستلعنني " ميدبا " لو قبلت الصمت، وهيأت للعابرين انتحارها المريح.
سلمانو (متسائلا): أهي الحرب إذن يا سيدي؟
ميشع: إنها الحرب. طريقنا الى الحرية حيث مجد مؤاب الذي لن يزول.
أحد الشيوخ: ولتكن، لنا ما ندافع عنه، ولأهلنا ما يقاتلون من أجله فكرامة مؤاب بقية الطريق الى الحرية…
يهب ميشع واقفا يحيط به سلمانو والأمير وبقية الشيوخ والأعيان.
ميشع (مؤكدا): هي الحرب إذن، لنمتط جميعا جيادها، ونطير بها على دروب الموت من أجل مجد مؤاب وحريتها الكاملة.
لوح الحصار
المدينة محاصرة، في المستوى الأعلى لخشبة المسرح يقف الاله كموش والالهة عشتار كموش، يرقبان ما يجري. على المستوى الأدنى الملك ميشع والأمير وسلمانو قائد القوات المؤابية وبعض الأعيان يطلون من أسرار المدينة يرتدون جميعهم ثياب القتال، وتحت الأسرار مجموعات من الغزاة العابرين تستعد لاقتحام بوابة المدينة المغلقة.
ميشع (ناظرا للأسفل ): قتلة يهبطون من التلال البعيدة يدقون بأظلافهم الوحشية رئة النهار، يحملون على أكتافهم وزر آلام الناس وينتظرون كسوف شمس كموش.
الشيخ الأول: للمدينة ما تقاتل من أجله ولن ينتهي هذا الليل دون. أن تأخذ بثأرها كاملا.
الشيخ الثاني (مؤكدا): للناس ما يقاتلون دونه، وكفئران بلون الرماد سيدفعونهم عن أسرار (لمدينة يجرجرون أشلاء وحشيتهم العتيقة.
سلمانو: المدينة ضاعفت تعزيز أسوارها، ولن يستطيع اللهب اختراقها، لدينا كل شيء ولن نسمع سوى صرخات الموت المر، ننتزعها من حناجر المعقدين.
ميشع: علينا أن نستمر في الطريق الذي يقودنا اليه دمنا، والدم الذي يرى النور تشربه الأرض فتخضر.
(تغادر المجموعة خشبة المسرح، ترتفع اصوات المعركة، تظهر الملكة على المستوى الأعلى متوجهة الى الالهة عشتار كموش )
الملكة (تتحدث الى نفسها): على أبواب ليلي تقف صرخات الموت، أياد
لا مرئية تمتد، تنتزع روحي وتدحرجها في الساحات ككرة من ذهول.. فوق الأسرار المشتعلة يؤرجح الغراب نعيقه ليطرد من يومي فرح العرس القادم، فمنذ نزلت عن عرشك ايتها الأم الأولى، وهم يطاردون سنابل رعيناها بالأهداب، وبيوت عمرناها بالمحبة يفقأون عيون الأجنة في بطوننا ويصنعون من عظامها رماحا تنقش بالدم ألواحا حيكت قصصها بسلاسل من قسوة وغضب.
(تكمل خطواتها باتجاه الإلهة عشتار تركع متضرعة ): اليك أعبر نفقا من الصراخ، محاطة بألسنة اللهب، يطاردني الشر ملوحا بذراعين صخريتين أصلي لأركع عند قدميك يا سيدة الخصب، سيدة الحياة… فمذ نظرت اليك، سموت بسمون، فمرت كأرض مؤاب بخصبك الحمق… فأحمي خصبي، خصب مؤاب يا سيدة الحياة..
يدخل ميشع، ينظر الى الملكة الراكعة تحت قدمي الإلهة عشتار
ميشع: هل يرفع اليأس أنخابه، والمدينة تعانق الموت دفاعا عن كرامتها..
ترفع الملكة رأسها اليه وتبقى في وضع الركوع أمام الإلهة عشتار تهتف بتضرع
الملكة: رائحة الموت تخنقني، الهواء حديد يجرجر وراءه ثقل المذابح الى المنعطفات، سيل قسوة وحشية يهدر فى أزقة المدينة ينزع من عروقها نسغ الحياة..
يتقدم الملك ميشع نحوا لإله كموش يتضرع اليه نصف راكع
الملك ميشع (متضرعا): يا إله الألم الأفدح، جئتك فأبصرت، وساغادرك أعمى، إن لم أجد بقية الطريق الى نصر مؤاب.
الملكة (بضراعة ): يا إله الألم الأفدح، يا إلهة الخصب، المدينة تختنق بالحصار، والغربان الناعقة، تنهش ما تبقى جيف القتلى، ولم يبق دم ثور أو أسير لم يسفح لنيل رضاكما..
كموش: يا ميشع، «إن لي عبادا صامتين، إذا رأوا جلالي لا يستطيعون أن يسبحوه،واذا رأوا بهائي لا يستطيعون أن يكلموه، فلا يزالون صامتين حتى أخرجهم من مقام صمتهم الي.» (6). الالهة عشتار، والاله كموش معا وبصرت يتوالى بالارتفاع والقوة.
الاثنان معا: «يا عبد اصحبني الي تصل الي
يا عبد اصحبني الي تصل الي
يا عبد اصحبني الي تصل الي ».
يقف ميشع قبالة الآلهة ذاهلا بينما تستمر الملكة بالركوع.
ميشع بذهول: تتجلي ايها المقدس كحقيقة أخرى… تظهر نفسك مختلفا عما كنت (فيتلفظ مخاطبا نفسه كمن اكتشف شيئا) القربان (يتابع بعد برهة صمت ) لمسة رعب تنتشل الهياكل القديمة من نعاسها… رعشة روح غضة ستمسح بقية أوهامنا (بقسوة يحادث نفسه ) بخنجر (يصمت قليلا) خنجر صغير لا يكاد يملأ راحة اليد، لكنه ينفذ باردا في عنق الابن المذهول، وهناك سيقف، عند مكان ترتعد فيه حبيسة صرخة مدوية وسيكون كافيا لبث الرعب في قلوب الغزاة (يصرخ متألما).
الملكة (بهلع ): الأمير… ابني.. لا..
ميشع (بألم وقسوة ): البارقة الأخيرة.. بالألم الأكبر سيعرج النصر على سفوح الفاجعة منزوعا من أفراحه العجلى.
الملكة (مخاطبة عشتار كموش ): ابني يا سيدة الخصب، من سيقتات على دفء رحمي، حين تتجمد الأحلام على أسرار المدينة المحاصرة، وتهجر المساء طيور الفرح ولا يبقى في قهر القلب سوى الحسرة؟
الإلهة عشتار كموش: من جرب الموت كثيرا يفقد عذابات النزاع الأخير.
(يمضي ميشع وتستمر الملكة بالركوع أمام الآلهة )
الملكة (نائحة ): المجد للتراب، المجد للسنابل، للحياة الحرة كل. القرابين، لكنه ابني، نار ستأكل روحي… والخنجر غائص في القلب… المجد لمؤاب لكنني في كل مكان سأظل أرى الخنجر غائصا في القلب.
يدخل ميشع ومعه الأمير… يتوجهان الى الآلهة، بينما الملكة مستمرة في الركوع
الأمير (بخشوع ): على الانسان أن يمضي في الطريق الذي يقوده اليه دمه.
ميشع: الدم ألذي يرى النور تشربه الأرض فتخضر.
الأمير: وذلك أجدى من أن يعيش المرء بذل يسري في عروقه.
الملكة (ترفع رأسها وتنظر اليهما): الخنجر سيغوص في قلبي كما يغوص المحراث في الأرض الجدباء (متوسلة الى ميشع ) لا تغمده في صدري.
الأمير (مخاطبا الملكة): بذلك الخنجر أو بدونه سترتعش الروع رعشتها الأخيرة وتنأى عن متاهات العتمة.
ميشع ( مؤكدا) الخنجر شعاع شمس كموش التي ستشعل وهاد مؤاب بضياء النصر.
الأمير (مخاطبا والدته ): سنمضي في تلك الطريق… لا تنظري وراءك أبدا، صلي لمؤاب كما أصلي أنا.. فلا أنت ولا أنا بوسعنا أن نلتقي دون تحقيق نصر مؤاب. ( يتابع هامسا لنفسه)، أيها الاحتضار الخافت، سراج العشق يكفي كي نستقبل طعنة ليلنا.. أيها الفراغ… هذه الضوضاء لن توقع سقوطنا…
أيها الموت… هذا الخوف لن يعانق رغبة حياة تصرخ في الخلاء،..
ايتها الأغنية… ليهدر الموت في الروح فبالمستحيل وحده نمضي لنضمد جراحنا.
يتجه ميشع والأمير الى زاوية المسرح يهمان بالخروج
الملكة (صارخة ): الى أين تمضي به؟
ميشع: الى هناك… الى حيث لا نستطيع الوصول أولئك الذين يحيطون بنا، هناك… هناك فقط نستطيع تحقيق مجد مؤاب.
يخرجان، بينما تتوجه الملكة الى الزاوية الأخرى للمسرح.
الملكة (بذهول ): يدخل الموت ويخرج… النسوة يزرعن (لقمح وهم يسنون الرماح.. يخرج الموت ويدخل.. النسوة يصنعن الحياة وهم يصنعون الموت،.. نار تأكل روحي والخنجر غائص في القلب… نار تأكل روحي… والخنجر غائص في كل مكان.
يتقدم ميشع والأمير الى المستوى الثاني، حيث تظهر أسرار المدينة المحاصرة، تخفت الأضواء تدريجيا، يتقدمان حتى يصلا حافة السور..
الإله كموش يردد بصوت يتعالى تدريجيا «يا عبد اصحبني الي…. تصل الي
«يا عبد اصحبني الي…. تصل ال
يا عبد اصحبني الي،… تصل الي
يا عبد اصحبني الى،،.. تصل الي ء
بؤرة إضاءة قوية… يظهر رأس الأمير مسندا الى حافة أسور، الملك ميشع يرفع خنجره ويهوي به على رقبة الأمير، تطلق الملكة صرخة قوية حادة. ترتفع أصوات المعركة، تميز منها أصوات مذعورة تولي
الأدبار هاربة من أمام بوابات المدينة المحاصرة.
………………..
لوح ميشع
يقسم المسرح الى ثلاثة مستويات، في المستوى الأول تقف المرأة المطعونة ملطخة بالدماء تحمل حزمة سنابل تطفيء بها شمعات الشمعدان السداسي على التوالي وتحت قدميها جثة أحد الغزاة، في
المستوى الثاني يظهر الملك ميشع على العرش يحيط به شيوخ مؤاب وأعيانها وقادة المعارك. في المستوى الادني يظهر مقعد التأريخ خاليا أمام منضدة صفت عليها ألوح طينية. على خشبة المسرح تتحرك مجاميع تعمل بإعادة البناء. بطريقة تظهر الشموخ والاعتزار.
يدخل التاريخ الى المستوى الخاص به، يخاطب الملك ميشع جئتك لأنقش حجرك، حجر الملك العظيم ميشع (ببطء) يملي التاريخ والتاريخ يحفر حجرا أسود مخروطي الشكل (حجر ميشع ): «أنا ميشع بن كموشيت ملك مؤاب الذبياني وأبي ملك مؤاب ثلاثين سنة وأنا ملكت، وأنشأت معبدا لكموش فأعانني على قهر كل الملوك وأشمتني بكل أعد ائي المبغضين:
أنا الذي بنيت المدن ورفعت أسرارها وعمرت الأرض وقلت للشعب ليحفر كل رجل منكم بئرا داخل بيته وليحفظ قمحا وزيتونه وعسله. ساعدني كبار القوم وكانوا خمسين بالعدد. فذيبان كها كانت خاضعة لي، وقد ملكت 100 مدينة أضفتها الى مملكتي.
أما عمري ملك الاسرائيليين وابنة آخاب، اللذان اضطهدا مؤاب كثيرا… قاتلتهما وجعلني كموش أراهما مهزومين امامي وبادت اسرائيل بادت الى الأبد..».
جموع من النسوة يحملن أطفالهن وأدوات الزراعة وحزم القمح ينزلن الى خشبة المسرح من المستويات المختلفة أثناء حوار الملك ميشع مع التاريخ، ومع انتهاء كلام الملك ميشع تنهي المرأة في المستوى
الأعلى إطفاء الشمعدان السداسي يسقط الشمعدان وتتقدم المرأة تحمل جثة ابنها الى مقدمة المسرح وتتقدم خلفها جموع النسوة حتى يغطين التاريخ وعرش الملك ميشع ويشكلن ستارة تغلق المسرح..
1- عن ترنيمة أمون.
2- عن بوذا،
3- عن النفري.
4- عن النفري.
سهير سلطي التل(كاتبة من الأردن)