أحاول في هذه الصفحات القليلة تقديم مقاربة أولى في التعرف على بعض السمات الأسلوبية التي تهيمن على مساحة واسعة من الشعر العماني المعاصر ، من خلال أبرز اتجاهاته الت ما زالت فاعلة فر الساحة الأدبية ، منطلقا من كون الأسلوب هو ما يميز الخطاب الأدبي من غيره وان أدبية النص لا تتحقق من خلال موضوعاته وافكاره وقضاياه برغم أهميتها، وانما تتحقق هذه الأدبية في الطريقة التي تتحول فيها هذه القضايا والأفكار الى وقائع جمالية 0
وطبقا لهذا الرأي ، فإنه من الخطأ الإعتقاد بأن الأسلوب قشرة خارجية يسبح على جسد النص ، أو إنه شكل خارجي مستقل عن تحركات المضمون … لأن القصيدة هي: مضمون يتشكل ، ومن خلال شكلها ، ومن خلال وسائط تحويل تجربتها تكتسب شروط أدبيتها وعناصر شعريتها:
لقد انشغل كثير من نقادنا على امتداد العصور بمطاردة شعرية النص من خلال مرجعيات تاريخية واجتماعية ونفسية وغالبا ما كانوا يقيسون جماليات النصوص الأدبية من خلال وفائها بشروط المحاكاة ، أو استجاباتها لنظريات الإنعكاس بوصف الأدب مرآة تعكس الأعراف والتقاليد أو تعكس المتغيرات الإجتماعية أو تعكس ذات المبدع نفسه ، متجاهلين أن النص الشعري هو قبل ذلك فن وواقعة جمالية ، تستجيب لعناصر بنائها وتشكلها الفني قبل أي شئ آخر ، وهذا التشكل يعود الى بنيته الأسلوبية ، ومستويات التحويل الجمالي لتجربته .. وبخاصة تلك الطرق والتراكيب والصيغ غير العادية التي يلجأ اليها الشاعر في إنتاج دلالته الشعرية.
ولا جدال في أن النقاد العرب القدامى قدموا رؤى وإستبصارات نافذه في جماليات النصوص وأساليب التشكيل .. في إطار الجزئيات ، ما يعجز الكثير من المتأخرين عن مجاراتها لغة ومعجما ونحوا وصرفا وبلاغة .. ووقفوا طويلا أمام تقنيات علم المعاني والبيان والبديع التي كان لها دور لافت في الصياغة الأدبية .. ولكنهم للأسف لم يستطيعوا التخلص من مأخذين إثنين كان لهما اثر سلبي في مسيرة النقد العربي :-
الأول : الرؤية المعيارية التي تقسم الأساليب والتقنيات ليس من خلال أهميتها في الواقع أو حسب ترددها في النصوص وإنما بحسب قيمتها المثبته في الذهن أو العرف سلفا.
الثاني: عدم النظر الى النصوص وحدات كاملة .. وإنما كانوا يعمدون الى تفتيتها جزئيات إستجابة لنزعة التقعيد.
قد تتداخل مباحث الأسلوب مع الشعريات ، غير أن الذي لا شك فيه أن مباحث الأسلوب يمكن أن تمد النقد الأدبي بروافد مثمرة يمكن أن تضيء الكثير.
أسوق هذه المقدمه وأنا أتابع خارطة الشعر العماني المعاصر في مساحة واسعة من النتاجات الشعرية المختلفة المتباينة في اتجاهاتها ومستوياتها ، ما يصعب معه استخلاص قواعد عامة وقوانين محددة تضبط أساليب الشعر العماني بكل اتجاهاته .. لذلك سأكتفي بإبراز بعض السمات الأسلوبية التي تهيمن على هذه الإتجاهات.
فالاتجاه التقليدي : الذي يقوم على استدعاء القالب الموروث واستحضار نموذجه القديم شكلا ومضمونا، هذا النمط من الشعر يعتمد على الذاكرة ولا يحفل كثيرا بالتخييل ، وغالبا ما يقدم نصوصا يمكن أن تكون ظلا لنص قديم أو لخليط من نصوص كتبت في عصور سابقة … قد تمييز هذا النمط بجزالة اللغة ومتانة البناء التركيبي حسب المقاييس البلاغية المألوفه. ولكنه منغلق على الأغراض التقليدية من مديح وفخر ورثاء وغزل .. وغالبا ما تقوم أسلوبيته على مضاعفة الجانب الإيقاعي ، واللعب في التشكيلات الصوتية ، والسعي أحيانا لإظهار البراعة اللفظية كتعويض عن محدودية الرؤية ونقص المخيلة.
يقول سالم بن علي الكلباني :-
أنا حر عربي مسلم
والوفا دوما شعار المسلم
يحتمي الحق بأقدامي
شرف الحامي وعز المحتمى
نور الله بي الأرض ولن
تكتسي ما عشت ثوب الظلم
ان كنت امشي على الثرى
فطموحي فوق هام النجم
نلاحظ ارتفاع النبرة الخطابية ، وأسلوب المبالغة ، ،اطلاق العبرات المنتفخة والأسلوب التوجيهي المباشر. كل ذلك يذكرنا بأساليب الفخر الشائعة في الشعر العربي القديم. فما الجديد في قوله: انا حر عربي مسلم وقوله والوفاء دوما شعار المسلم وقوله يحتمي الحق باقدامي وقوله نور الله بي الأرض إنها صيغ تتحرك بخط مستقيم وفي وضوح فاقع.
أما قوله فطموحي فوق هام الأنجم فهو مستقى من الرصيد التراثي المحفوظ. واذا كانت المحسنات البدعية قد تقلصت في هذا النص نسبيا.. فان الذي لا شك فيه أن هذا النص يسترجع القالب المحفوظ والرؤية الجاهزة والنزعة الخطابية الصائتة بكل اللواحق دون تفرد في بناء الجمل أو خصوصية في التشكيل.
ويقول أبو سرور
هذا هو المجد من يعشقه لم ينم
فالمجد بالجد لا بالنوم والحلم
هذا هو المجد لو قيست مناصبه
تلقي الثريا له تمشي على القدم (2)
لا شك ان ابا سرور أحد الشعراء الكبار الذين يمثلون الإتجاه الكلاسيكي المحافظ في السلطنة حيث نلاحظ في شعره سطوة العقل وبروز الحكمة..
اللغة الجزلة والتراكيب المنضبطة ولكننا لا نغفل ان هذا النص يعارض أو يجاري نصا سابقا عليه (البردة) للبوصيري أو (نهج البردة) لأحمد شوقي أو يتناص على نحو واضح مع عشرات النصوص السابقة عليه التي قيلت في باب الفخر .. المبالغة وارتفاع النبرة الخطابية واللغة الحادة .. والصور المستدعاه من حقل الذاكرة وانكماش في مساحات التحويل الأدبي .. إن شعرية هذا النص متأتية الى حد كبير من الترجيع الإيقاعي الصائت في كل بيت.
ويقول هلال بن بدر البوسعيدي : "أكثرت في القول ، بل أكثرت في الخطب أقلل – فديتك – وأحمل يا أخا العرب جردت سيفا .. ولكن لإمضاء له فكأنما السيف منسوب الى الخشب بني العروبة .. هل طاب المقام بكم وفي فلسطين أشلاء على لهب.
امتلاك لناصية اللغة ، وسيطرة على استثمار القالب الشعري القديم .. وحس قومي عال ، وطاقة تحريضية مؤثرة ولكن ذلك كله يساق عبر شكل نمطي معروف. وصور مكررة مستدعاة من حقل التراث ومن رصيد القالب الجاهز ولا يمكن أن نغفل ان هذه القصيدة تجاري او تعارض قصيدة ابي تمام في فتح عمورية التي مطلعها :
السيف اصدق انباء من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب
"كثرة القول مقابل العمل"
"السيف الذي لا مضاء له" والاستفهام الإنكاري في هل طاب المقام لكم ذلك كله مستدعى من أساليب الشعر التحريضي في عصوره المختلفه يعزز ذلك صيغ الأمر والنبرة الخطابية العالية وذلك التقابل البلاغي بين السيف والخشب 00 بين طيب المقام هنا وأشلاء اللهب هناك.
ويقول خميس بن ماجد :
حكم القضاء على الأنام
دقيق عاداته التفريق والتمزيق
بنيا يكون المرء بين رفاقه
حتى يودع ما لدية رفيق
والنفس غافلة تخادعها المنى
ويغرها التفخيم والترقيق
طبقت على حب البقاء نفوسنا
هيهات ليس الى البقاء طريق
الى أن يقول :
يا كوكبا أشجى النفوس كسوفه
أضنى رفاقك بعدك التحديق
هذا المقطع من ديوان صغير صدر عام 1998 لكن الغريب ان الشاعر قدم في ذيل الصفحات حوالي 140 هامشا يشرح فيها المفردات التي يراها صعبة .. وغير خاف ان هذه القصيدة تسترجع قصيدة التهامي التي مطلعها :
حكم المنية في البرية جاري
ماهذه الدنيا بدار قرار
وتجاريها رؤية وشكلا ومضمونا ، كما نلاحظ النبرة الخطابية العالية وارتفاع الجانب الإيقاعي ، وتراجع مستويات التحويل الدلالي والصور القاتمة على حدود المنطق ، كما نلاحظ الحكمة الباردة المستدعاة من رصيد الذاكرة المألوف عبر تقنيات بلاغية أدت المدى القصير.
ان أغلب قصائد هذا الاتجاه تتواجه فيها مستويات التحويل الدلالي الذي هو شرط الشعرية الأول .. لتسقط في فذ التقليد واستحضار القالب القديم الجاهز ، محاولة تعويض الفقر الدالي بتوفير أعلى درجات الإيقاع ، سواء في القافية الصائته وانواع التكرار وأشكال المحسنات البديعية الأخرى.
تتراجع في اغلب شعر هذا الاتجاه تقنية الكناية .. واشكال المعادل الموضوعي .. كما تتراجع اساليب المفارقة الدرامية وتتقلص الى حد كبير تقنيات التشبيه التمثيلي والاستعارات الكبرى المستدعاة من اصقاع الحلم لترتفع نبرة الخطاب العقلاني القائم على حدود المنطق .. ولتسبح على جسد النص تشكيلات البديع وبنية المشابهة التي لا تحلق بعيدا ولا تتجاوز المألوف.
ولا شك في ان هناك بعضا من النصوص الأخرى التي كتبهإ الخليلي وابو سرور وسالم بن حمود السيابي وهلال بن بدر البوسعيدي .. وآخرون .. قد استطاعت أن تتفلت قليلا من ضغط النموذج القديم .. وسطوة القالب الجاهز لتلامس قضايا العصر محققة المعادلة الصعبة : الجدة في إطار الموروث ، ولكنها ظلت نصوصا قليلة لا يمكن ان تشكل ظاهرة.
الإتجاه الثاني:
وهو اتجاه يستجيب لإيقاعات العصر الحاضر ، وفيه أجواء القرن العشرين .. يستفيد من الشكل القديم أطارا عاما بعد زحزحة قوالبه الكلاسيكية ، المفردة تصبح أكثر إيحاء ، والتراكيب تغادر جزالتها وفخامتها لتقترب من ايقاع الحياة اليومية ، والصور تبتعد عن حدودها المنطقية تتقلص موضوعات الفخر والمديح والهجاء الفردي لمعانقة هموم حياتية أوسع . لا يعتمد هذا الاتجاه على استرجاع القالب القديم لينسج على منواله ، وإنما يتحاور معه متمثلا نصوصا شعرية احدث .. تلك التي ظهرت مع المهجر وجماعة ابولو وشعراء التفعيلة مشكلا منها ومن خبرته الجمالية وخصوصية تجربته إطارا اكثر استجابة لمتغيرات العصر.
يقول عبدالله الطائي :
يا شعر يا وجدان
يا أوزان فني يا افق
ما النفع من خواطري
ارسلها مع النجوم منطلق
ما النفع من جواهري
أنثرها كواكبا على الشفق
وها انا تحيط بي سحابة
اكاد من دجاها اختنق
كأنها موكولة بي
بابها مثل السجون منفلق
نلاحظ الإيقاع الهادئ واللغة الهامسة ، والانفلات من حدود المنطق مع خصوصية التجربة التي تتسرب عبر الكواكب والنجوم .. قد ينوى هذا النص امام قلق بعض القوافي التي ترهق النص بيد ان الذي لا شك فيه ان هذا النص لم يكن ظلا باهتا لنص سابقا عليه .
ويمكن تلمس بذور هذا الاتجاه في بعض ما كتبه الخليلي وهلال البوسعيدي لم يهمل رواد هذا الاتجاه الجانب الايقاعي .. بل تطور على ايديهم حتى اصبح شرطا حيويا من شروط ادبية النص ، ليس بوصفه سلاسل تطريبية وإنما بوصفه جزءا من مسلسل الدلالة الشعرية ، إيمانا منهم بان الايقاع والوزن جزء منه قادر أن يطلق التجربة الشعرية الى منطقية في النفس الانسانية لا تصل اليها الجملة النثرية .. هذا الايمان قادهم الى المبالغة احيانا في توفير مستويات إيقاعية متعددة في النص بدء من الوزن والقافية وانتهاء باشكال التوازي والتكرار والتقابل والتماثل .. قد لا يتطلبها النص احيانا عبر توسيع مديات التحويل الدلالي. من خلال بنية المشابهة التي تجاوزت أطرافها المنطقية لتصل احيانا الى إصقاع الحلم.
شعرهم يبني جسرا بين الذاكرة والتخييل 00 فإذا كانت اللغة في النمط الكلاسيكي اكثر جزالة واقرب الى المعجم فانها هنا أكثر ايحاء وشفافية واذا كانت القصائد هناك تستثمر البحور الطويلة ، فانها هنا تعتمد على البحور القصيرة 00 هناك الزخارف البديعية والصور الملتقطة من الذاكرة ، وارتفاع النبرة الخطابية وهنا الصور الملتقطة من الذات أو من الواقع المعيش ، هناك امتداد للشعر في عصوره الأولى .. عصور النباهنة واليعاربة 00 وهنا امتداد للشعر لدى جماعة المهجر وابولو والسياب ونزار قباني والبياتي.
يقول سعيد الصقلاوي :
"كنت في السبق وحيدا ثم جئت
انت الهثت جيادي وسبقت
ماعلى ايامنا إن أنت لحت
في سماها مثل نجم وسفرت
كالصباح الياسميني وعزمت
في سعاف الكون الحانا وطفت(ا)
ايقاع متدفق .. والشاعر يستخدم اسلوب التضمين والقافية المدورة عبر صور متلاحقة تقوم على بنية المشابهة "مثل نجم" "كالصباح الياسميني" "إصطخبت نيرانا" "انفجرت عطاء" "انغرست نخلا" "أنت تأريخي" ، عنواني ، صوتي ، انطلاقاتي وهو في قصيدة "حبك موسم النعمي" التي تصبح الحبيبة وطنا والوطن حبيبة ، يطلق عشرات الصور التي تقوم على تقنية التشبيه والاستعارة.
( تعالي وأغرسي فرحا
بقلبي ساحر الفتن
تعالي وأعزفي شغفي
نشيدا في صدى الزمن
افيضي في شراييني
عطاء زاخر المننن
ورفي بين اجفا ني
ربيعا زاهي الفنن
ويستمر في توليد هذه الصور التي تتراكم على نحو تراصفي "رفي ربيعا" طلي صبا ، أنت العود والمنفى ، وأنت الطهر ، وانت بلاغة البلغاء ، وأنت الماسة ، وانت طموح خلاق ، وانت فخار مفتخر … الخ بحيث اننا نجد صعوبة في ملاحقة هذه الصور التي تتراكم تحت نزعة التوليد غير ان نشد بعضها بنية دراسية تحفظها من التشتت فهو مصور بارع وبقدر ما تتاح صوره من عالم المألوف وتمتص من اصداء الرومانسيين العرب فإنه أحيانا يفاجئك بالجديد الذي تنتجه مخيلته "الصباح له صهيل"
"وهو مبحر .. والليل أشرعة" "ورداؤه الإرهاق والتعب"
فالمألوف ان يقال : صباح جميل .. أو ابيض او وردي الى آخر هذه السلسة من حقل الخيارات المألوفه ولكن يكسر التوقع باختيار لفظة "الصهيل" التي تفاجئك بكل ايحاءاتها واصدائها البطولية المتفائلة ..
واذا قال "هو مبحر" فهذا مجتلب من رصد الذاكرة .. اما ان يستحيل "الليل" الى اشرعة فهذا تشغيل المخيلة بعيدا عن سطوة المألوف.
ويمكن القول أن شعر حسن المطروشي يتحرك في هذا الاتجاه .. حيث اللغة الموجية والايقاع المرتفع والهم المعاصر عبر صور تتجاوز حدود المنطق معتمدة على التخييل لمعانقة المأساوي والفاجع مستثمرا في الغالب تقنية التشبيه والاستعارة يقول:
حقا أتيتك محتاجا الى وطن
انا الغريب الذي يغتالني تعبي
كل الموانئ والشطآن تعرفه
وجهي المعلق بين الماء والسحب
هذه القصيدة التي تجعل من الحبيبه وطنا وملاذا تستثمر بنية المشابهة على نحو لافت "محتاجا الى وطن" "يفتالني تعبي" "تلم عن الاه عن شفتي" "يا قطرة الغيث" "أنا الصحاري" "سفائن الفجر في عينك" "صبي الحرائق" "اوقديني شموعا" كما اننا نجد بنية التقابل والتضاد التي تتجاوز الأشكال اللفظية المألوفة فهو غريب وهي وطن ، وهو جدب وهي غيث ، وهو بوار وهي غيمة ماطرة .. وهو منفى وهي سفينة النجاة وبقدر ما تعتمد القصيدة على بنية التقابل فإنها ايضا تفجر طاقاتها الإيقاعية عبر بنية التماثل والترادف.
فقوله : وجهي المعلق بين الماء والسحب .. فالماء والسحب من حقل دلالي واحد . وقولة "هذا سؤالي وهذا منتهى طلبي" فالسؤال والطلب ينصرفان الى حقل دلالي واحد . وقوله "أن يمطر الغيم بعد القحط والنصب" فالقحط والنصب من حقلين متقاربين ومثل ذلك قوله "النور والذهب" و "لا تبكي ولا تكتئبي" أو "كمأسورة ومغترب" فبقدر ما توفر هذه التماثلات من توسيع للمستوى الايقاعي .. وإنعاش الحقل الدلالي بيد ان تكرارها بهذا الشكل يوحي ان بعضها جاء حشرا فائضا لتحقيق مساند إيقاعية ليس غير.
أما شعر هلال العامري، فلا شك في انه يمثل انعطافه في هذا الاتجاه ويمكن القول ان شعره الذي يقوم على التفعيلة ، يعد حظوة باتجاه قصيدة النثر، حيث الرؤية التي تتجاوز المألوف ، واللغة التي تقترب من ايقاع اللغية اليومية ، وما يجعلها قريبة من النثر. والبناء الذي يستفيد من السرد وأساليب المفارقة ، مع زهد واضح في استخدام التشبيه والمحسنات البديهية .. وعدم التديل على التشكيل الايقاعي الصائت محاولا جهد امكانه ان يرفع اليومي الى صفة المدهش :
(اتوسد أحزاني
بصقيع الليل القاتل
وتدثر خطوي اهاتي
وأعانق أمنية
تهرب من مقصلة الفزع الآتي) 9
ليس في هذا النص مفردات يمكن ان تسقطها.. حتى نبرة الايقاع العالية نسبيا.. جاءت لتخدم الدلالة .. نلاحظ الرؤية الاكثر عمقا والصورة الغرائبية الأمنية التي تهرب من مقصلة الزمن القادم .. ان شعرية هذا المقطع لا تكمن في تلك الاستعارات الجزئية .. (اتوسد أحزاني) (وتدثر خطوي أهاتي).. بل ان شعرية هذا المقطع جاءت من خلال أسلوب المفارقة أو المفاجأة التي باغتت المخيلة بما لا تتوقعه .. (أعانق أمينة ، تهرب من مقصلة الفزع الآتي)
الهوامش
1- الندوة الأولى لشعراء دول الخيلج العربية ص 161
2- فعاليات ومناشط 93/94 الاصدار الخامس ص 177
3- الديون ص 105.
4- المنهل الجاري ص 61.
5- …
6- اجنحة النهار ص 51
7- نفسه ص 35
8- قسم ص 33
9- رياح للمسافر بعد القصيدة ص 42
ثابت الآلوسي (أكاديمي من العراق)