«ثمة مكان بالذكرة يسمى (بالمعلول) وهو الجزء المسؤول عن الاحداث الجسيمة التي تخزنها الذاكرة. لكن لذلك المكان بابين، الأول باب يمكن استرجاع كامل الذاكرة دون أي تحريف، والباب الثاني مسؤول عن إعادة تنظيم ومونتاج الذاكرة المسترجعة وجعلها تنسجم مع ما يريد صاحب الذاكرة أو على الأقل تشويهها لإظهارها بشكل مختلف، وهذا الباب يُفتح بشكل اساسي عند النوم، وتظهر الذاكرة المحرفة بشكل احلام، لكن المشكلة تبدأ عندما يفتح هذا الباب في اليقظة…»
(روايات متعددة لما حدث – فصل الافصاح2015 – كتاب الايضاح 2017)
* * *
«عليك أن تترك آثارك في نقطة، ومن ثم تقدم داخل ذاك الكابوس.
منذ تلك اللحظة التي قررت فيها إبدال يقظتك بنومك، أصبح عليك الانتباه إلى الطريق الذي تسير عليه.
في البداية حاولت التكيف مع الجنون الذي بدأ قبل ذلك بفترة. فلا يغلب الجنون إلا جنون مواز. لم يكن الأمر سهلا أن تبادل يقظتك مع نومك، لكن وصول قدرتك على الاحتمال إلى الحافة اجبرك على الاختيار بين جنون يمكنك السيطرة عليه، أو جنون لا تعود منه أبدا.
تُثبت شيئا منك على الجدار وتعبر بوابة (المعلول) الثانية وتنتظر استقرارك في نقطة ما لتتخذ خطواتك التالية… «
(روايات متعددة لما حدث – فصل 2015 عن 2014 )
* * *
« تختار نقطة أخرى، جزء من اطرافها خارج 2014 وطرفها الثاني مغروس في منتصف 2016 في تلك الليلة التي فقدتَ فيها عددا من جيرانك. وكنتَ أيضا على وشك الفقدان معهم. تلك الليلة التي لم تنم بعدها بشكل جيد أبدا! تلك الليلة التي لم تعد تستطيع حبس دموعك بعدها… ليس سيئا أنك لا تتذكرها، لكنها موجودة في (المعلول) وستعبر إحدى البوابتين في وقت ما، هذا لا يهم الآن، لنعد الى تلك النقطة في بداية 2014؛ عدتَ من رحلتك، لم تكن سعيدا فقط، لكنك اوعزتَ لنفسك أن الوقت حان لتبدأ حياة أخرى… تتذكر هذا.. حسنا، هناك ستغرس نقطة البداية، ثم ستنزلق نحو 2015 ببطء وحذر حتى تصل إلى تلك الليلة التي لا تتذكرها والتي لم تعتقد أنك سترى بعدها نور الصباح…»
(روايات متعددة لما حدث – ربط2014 بـ 2015)
* * *
«نتقدم قليلا قليلا، لكن هذا أفضل من الوضع السابق، لا شك أنك تتذكر شيء من معاناتك السابقة… لا تتوتر لن نخوض في هذا اليوم، فاليوم مميز تماما، رغم أنه حدث في نهاية 2015 كان يوما استثنائيا يذكرك بأيام ما قبل 2000؛ نعم ذاك اليوم، لقد عبر إليك الآن من بوابة (المعلول) الأولى، فهو لا يحتاج إلى أي مونتاج أو تشذيب، يوم متكامل شعرت فيه بالأمان. ربما في اليل حدثت بعض المنغصات، لكن بهجة النهار امتصت الكثير، نعم كنتم الأربعة معا للمرة الأولى منذ ابتدأ هذا الجنون…»
(روايات متعددة لما حدث – نقطة أمل 2015)
* * *
«سقطتَ على الأرض مبكرا هذا الصباح، السقوط عادي جدا، كلنا نسقط، لكنك لم تنهض، قلت إنك تريد تجربة الوقوف لفترة أطول بعد مرور الكثير من 2016 وأنت جالس، هذا أربك الباقين، وجعلهم يرغبون بالسقوط ايضا؛ تعرف عندما يتعلق الأمر بك فالجميع يرغب باتباع طريقتك، قليل من الفوضى وشيء من… لا تغضب، تعرف أن المزاح جيد في الصباح الباكر، فهو يجعلك تفتح رئتيك على اتساعها، وتعرف أيضا أن الكوابيس تخاف من القهقهة، وربما ساعد هذا في تحسين صورتك التي لم تعد تعجبك، أيضا أخبرتني البارحة حول شبح حاول أن يتحدث إليك! حديثنا لم يكتمل. بوابة (المعلول) الثانية اقُفلت بسرعة، لذا لنتحدث عن الشبح، هل تشعر أن ملامح الشبح مألوفة؟ ثم ذاك الأنين الذي شعرتَ بالحنين نحوه…»
(روايات متعددة لما حدث – فصل الاقتراب)
* * *
« تحتاج إلى كلمات أخرى اليوم، الأخبار التي ملئت رأسك طول الليلة الماضية حول ما جرى في2015 كانت كارثية، لذا لنتحدث عن ذاك اليوم التي قادتك قدماك إلى الجبل المطل على المدينة، نعم نفس الجبل الذي رفض مرارا أن يتحلى بالخضرة. في ذلك اليوم أحضرت معك باقة من الزهور لتنثرها على الجبل وأنت تلتقط عدة صور للمدينة لتعطيها إليها… تتذكر هذا… نعم قبل أن يمنع الصعود إلى الجبل… نعم هنا نتوقف. صورة للمدينة والوقت يقترب من الغروب كانت أثيرة عليك. الحمرة عند خط الأفق ابهجك حتى النخاع… نعم أنت تبتسم الآن… أنت تعبر بوابة (المعلول) الأولى من جديد. هذا جيد.. نعم جيد… هل تتذكر اسمك الان…؟»
(روايات متعددة لما حدث – فصل الذاكرة)
* * *
« تريد العودة، لكن هذا غير متاح حاليا، كلتا بوابتي (المعلول) مغلقة. لا بأس في قليل من التوقف هنا. لم تأخذ استراحة منذ بدأنا… ما رأيك في فكرة الاتصال بها؟! آخر اتصال بها كان في منتصف2016، كنتَ تعتقد حينها انها مشغولة لذا اكتفيتَ بإلقاء التحية وإعلامها أنك مازلت هنا… الوقت مناسب للحديث وربما فرصة لإخبارها عن الحياة الأخرى التي ترغب في البداية معها…»
(روايات متعددة لما حدث – إنصاف لـ2016 – استراحة جانبية)
* * *
« 2016 الربع الأول، هذا يوازي ثلث (ما حدث). أنتم الأربعة تمسكون الجهات الاربع، كان الأمر مصادفة، لكن من لا يؤمن بالمصادفات سيعتقد أنكم خططتم للأمر منذ فترة، حينها كانت بوابتا (المعلول) متسقتان، إحدهما تُفتح في النهار والأخرى في الليل. أنت أخذت القلم وهي الكتاب، ورفيقيكما واحد المصباح والثاني اللوحة المتوهجة، خرجتم، اثنان اثنان، ثم واحدا واحد، لم تكن هناك ظلمة تحجبكم، ولا نور يدلكم، راهنتم على أمل الخروج من هذه الدائرة المميتة، وكل من يعثر على بوابة الخروج سيرشد الآخرين اليها، بعد أيام عدتم خائبين، أنت بدون قلم، وهي بدون أوراق، ورفيقيك دون ضوء… كان الأمر استلاب لما تبقى لكم… بعدها في منتصف 2016 سقط رفيقاك، ثم سقطت هي…»
(روايات متعددة لما حدث – فصل ثلث ما حدث)
* * *
« هنا لا بأس من بعض الإيضاح لتتسلسل الأحداث بشكل جيد في رؤوسنا، كنتم أربعة، فتاتان وشابان، ثلاثة اكلتهم الأحداث ما بين 2014و2016، وأنت أتيت الى هنا بعد منتصف2016 بقليل.
في منتصف 2014 رغبتَ بحياة أخرى، والآن لا تتذكر حتى حياتك الاولى، اليقظة والغيبوبة تبادلا الادوار واختل نظام فتح بوابتي(المعلول) لديك.
أحيانا تبدأ بالاستجابة للعلاج بشكل جيد، لكن تقدمك بشكل عام بطيء…»
(روايات متعددة لما حدث – فصل العبور)
* * *
« تتذكر ارتباطك بها في 2014، كنتما متلائمين، أنت تحب الكتابة والأقلام، وهي تحب القراءة والارقام، أعجبتك قراءتها لك، وأعجبتها كتابتك عنها، كان التناغم يوحي بالمزيد، ثم حدث (ما حدث)، أنت لم تعد تكتب وهي لم تعد تقرأ، قررتما مواجهة الأمر، هما أيضا قررا مواجهة الأمر معكما، هما أيضا كانا متناغمين هو مخرج، وهي ترسم.
قرار المواجهة كان في لحظة وهج، كل منكم سيأخذ أحد الجهات، عدتم الأربعة سريعا، مخذولين؛ منهكين؛ والقرار الجديد سيكون لفترة، لكن سكونهم تفجر عليكم هذه المرة، والحصيلة رحيلهما ورحيلها ورحيل عدد من جيرانك…وذاكرتك أيضا.
بوابة (المعلول) الثانية فيها أنك أكملت كتابة رواية عنكما، كان هناك طفل في نهايتها يلوح لكما بفرح، ثم حدث (ما حدث) أصوات القذائف تخترق الفصول الأربعة الأولى من الرواية؛ كذلك لوحة الغلاف وشريط تسجيل حفل توقيع الرواية، وعدد من الحضور…»
(روايات متعددة لما حدث – فصل الفقدان)
* * *
(انتهي القسم الأول من روايات متعددة لما حدث، والذي غطى الربع الرابع من 2016 والنصف الثاني من2017 أثناء وجود الكاتب في المستشفى للعلاج من صدمة تعرضه -كما يقال- لنيران صديقة. القسم شمل عشرة أجزاء في 119 صفحة من القطع الصغير)
(القسم الثاني متعلق بالربع الأخير من2014 والنصف الأول من2016 ويشمل مذكرات مخرج افلام وثائقية في جزءين الأول في21 صفحة والثاني في 25 صفحة)
(القسم الثالث يكشف الربع الاول من2015 إلى النصف الثاني من2017 في 100صفحة)
* * *
« دائما هناك من يقوم بمقاطعتي أثناء انشغالي بالعمل؛ فيلم وثائقي عن الأحجار المستخدمة في بناء البيوت القديمة، ويجب تسليم الفيلم في نهاية الربع الأول من2015. فك طلاسم النقوش تركته لها؛ خبرتها في رسم المناظر الطبيعية مثالية للاستعانة بها في مثل هذا العمل. كاتب التعليق المصاحب للسيناريو جيد أيضا، ورفيقته قارئة جيدة وصوتها أكثر من رائع، وتجيد التعامل مع الأرقام، وأنا الإخراج بجانب التصوير لتوفير شيء من الميزانية. والاجمل أننا كلنا الأربعة نسكن في عمارة واحدة هما في الطابق الثاني ونحن في الرابع.
العمل تقدم بسرعة في البداية؛ المخطط المبدئي؛ اللوحات الافتتاحية؛ الميزانية؛ جداول أماكن ومواعيد أخذ لقطات التصوير… ثم بدأت المقاطعات.
قالت إنها تلقت دعوة للمشاركة في ورشة للرسم. قالت إنها ستُقسم وقتها بين العمل في الفيلم والاعداد لمشروعها الذي ستقدمه في الورشة، لكن الأمر لم يكن سهلا، لذا أبطئتُ جداول التصوير حتى تتفرغ أكثر لمشروع الورشة، فقد كانت هذه أول دعوة تتلقاها في مشوارها الفني، ورفضها سيكون ثقيل عليها وعليّ أيضا…»
(روايات متعددة لما حدث -القسم الثاني- مذكرات)
* * *
« لليوم الخامس لم نستطع الذهاب لمواقع التصوير بسبب القصف، هي قالت إن هذه إشارة لها، وأنها ستستغل هذا التوقف لتنتهي من مشروع ورشة الرسم بسرعة، كاتب التعليق قال إنه في إطار الانتهاء من كتابة المسودة النهائية لما تم تصويره حتى الآن، وإذا استمر التوقف لفترة أطول سيبدأ في كتابة روايته التي أجّل كتابتها لحين الانتهاء من الفيلم الوثائقي، أنا اتجهتُ إلى أوراقي القديمة بحثا عن ما يمكن تحويله إلى فيلم قادم، الآن أفكر في أننا ربما جميعا كنا بحاجة لبعض الراحة، لكن إذا أستمر التوقف لفترة أطول سيكون الأمر كارثيا، أرغب في انتهاء الأمر سريعا، وعودة الهدوء…»
(روايات متعددة لما حدث -القسم الثاني- انعطاف جانبي)
* * *
« شهر كامل مر ولا يبدو أن شيء سيتغير خلال الأيام القادمة، استنفذت كل طاقتي على التحمل خلال الشهر الماضي، موعد تسليم الفيلم الوثائقي مر، أنجزنا فقط ما يقارب النصف، والمغامرة بالخروج بكاميرا تصوير في هذا الوضع خطيرة، وأيضا نحتاج لتصاريح خاصة.
هي أنجزت مشروعها الذي ستقدمه في الورشة، وإلى الآن لا توجد وسيلة للسفر لحضور الورشة التي ستعقد الأسبوع القادم، هذا الضغط الإضافي جعلها أكثر توترا، ولا تستطيع النوم إلا بالدواء المنوم.
لابد من حل سريع وإلا سينفجر كلانا في وجه الآخر…»
(روايات متعددة لما حدث -القسم الثاني- شروخ عميقة)
* * *
« حسنا، لم تعد كل الأمور مهمة الان. حتى يدي ترفض الإمساك بالقلم لأسجل (ما حدث) خلال أسبوع من العيش في الجبهة. في البداية كنتُ شاهدا وفي النهاية اصبحتُ شريكا.
قالوا ليّ إن كاميرتي ستسجل بحُرية، وما سيظهر في الفيلم الذي سيعرض في النهاية سيكون قراري. قالوا إنهم بحاجة لعين محايدة تنقل للآخرين ما حدث ويحدث.
وليضمنوا موافقتي تلقى باقي فريق عمل الفيلم عروضا؛ هي حملت لوحة الرسم واتجهت إلى الجانب الآخر -فلتكتمل الصورة لابد من زاوية أخرى- عرض آخر جاء لكاتب تعليق الفيلم، ورفيقته جاءها عرض آخر.
كان العرض أفضل من البقاء هناك، وفرصة للهروب من الجنون عبر جنون آخر، قبل رحيلنا اتفقنا على الحياد والنضال من أجل الحقيقة. وهكذا تفرقنا في الجهات الأربع…»
(روايات متعددة لما حدث -القسم الثاني- نقطة في أعلى الصفحة)
* * *
« رحلة طويلة بالأقدام امتدت لأكثر من أربع ساعات، والهدف اختيار مواقع جيدة للتصوير، كان ذلك ضروريا بعد حل مشكلة تدبير مصدر للكهرباء لتشغيل الكاميرا. الجبل الذي ظللنا لعدة ساعات نسير في دروبه كان وعرا بطريقة غريبة، وأجزاء منه محروقة، قالوا إن معركة شرسة حدثت قبل أيام ومن المتوقع تكرارها في لحظة، وعند اختياري مناطق للتصوير يجب الأخذ في الاعتبار أن يكون بجوارها أماكن يمكنني الاختباء داخلها.
أجواء الحرب مخيفة فعلا عندما نتخيلها، لكن عندما نكون وسط الحرب يبدو الأمر مختلفا، في أول يوم ليّ هنا كنتُ متوترا، وشيئا فشيئا بدأت عيني وفكري يعتادون على الضوء وحركة المحاربين، وفي اليوم الثاني لم يعد لأصوات الانفجارات ذاك التأثير، نغمات الانفجارات صارت أليفة وتعطي مؤشرات أخرى، المحاربون أيضا صورتهم مختلفة هنا عما نرسمه لهم، وما أدهشني فعلا هو رهبتهم امام الكاميرا، كانت أيديهم التي تحمل الأسلحة تهتز، وأصواتهم متشنجة، كان هذا متناقض مع جسارتهم في الحرب.
افكار جديدة ورؤية مختلفة تتشكل في أعماقي، ما يحدث هنا مختلف… وأمسى ما يؤرقني في الليل، أن اعتاد على حياة الحرب…»
روايات متعددة لما حدث -القسم الثاني- الأيام الأولى في الجبهة)
* * *
« أربع جثث إضافية تتراص في ذاكرة كاميرتي، الجميع هنا فرح بكاميرا التصوير التي جلبتها معي عندما وصلتُ هنا، كلهم طلبوا مني أخذ صور شخصية لهم، وكذلك صور ثنائية وجماعية مع زملائهم؛ والجميع زودني بعناوين وأرقام هواتف عائلاتهم حتى أوصل الصور لهم، ما يقارب الأربعين مقاتلا في هذا الموقع، حتى من يأتي بالمؤن والذخائر يطلبون التقاط الصور. والجميع يفرحون عندما يشاهدون الصور على شاشة الكاميرا، تلمح الحياة والرضا في عيونهم، وأكاد أقول لهم أن الحرب قبيحة وستجعلهم قبيحين.
صور الجثث الأربع لم تفارقني، ولم أستطع الأكل طوال اليوم، كان قد مر على موتهم عدة أيام…»
(روايات متعددة لما حدث -القسم الثاني- يوميات حرب)
* * *
« ثلاثة وعشرون يوما هنا، لم أعد ذاك الشخص الذي كنتُ عليه عندما جئتُ هنا.
الأمر ليس مرتبطا بقسوة العيش هنا، بل بإعادة التفكير بكل قناعاتي السابقة.
معاني الحياة والموت التي تبدلت كثيرا. ثم حياتي السابقة وما ينتظرني في الغد…
العالم الذي لم يعد هو نفسه، ولم أعد أستطيع تمييز هل من الجيد عودته كما كان أم أن الوضع الحالي أفضل لأنه أقل تعقيدا…؟! لم أعد أعرف من أنا، ولا ماذا أريد…»
(روايات متعددة لما حدث -القسم الثاني- اختراق خط الدفاع الاخير)
* * *
« أقسى ليلة مرت عليّ هنا، جلسنا متباعدين قليلا في كهف يستخدم كملجأ داخل الجبل، كل واحد منا انشغل بشيء، أنا بدأت اتفقد آلة التصوير السينمائية الجديدة التي تعمل بالوضع الليلي، وهم خمسة أفراد بقوا في الموقع، والباقي في مهام قتالية واستطلاع في الخارج، فجأة ارتفع صوته؛ شاب في نهاية العشرين، دونما مقدمات قال إنه سيفتح محلا لصنع الحلويات، بقية حديثه جعلني أترك الكاميرا وأتجه لخارج الملجأ حتى لا يرون دموعي. لم أكن أعرف أنني أتأثر لدرجة البكاء. طفله الصغير الذي دار حديثه بعد ذلك عنه جعلني أهتز من أعماقي، أنا وهي والأسرة التي نريد تكوينها، مرورا بفرصتها الأولى في المشاركة في ورشة الرسم التي ضاعت بسبب الحرب؛ الحياة؛ هذه الحياة، كل شيء تفجر وجعلني أرغب في الصراخ والنحيب…»
(روايات متعددة لما حدث -القسم الثاني- بوح)
* * *
« أنا أكره الحرب، كنتُ أكرهها بسبب ما قرأته وسمعته عنها، لكنها كانت كراهية على الورق كما يقولون، وأعتقد أنني إذا قرأت ُما يمجد الحرب لكنتُ أحببتها.
هنا عرفتُ لماذا يجب علينا أن نكره الحرب، عرفتُ حقيقتها، عرفتُ قسوتها وعبثيتها، وربما هذا الشيء الوحيد الذي كسبته هنا…
لم يعد هناك معنى لوجودي هنا، ويجب عليّ الرحيل، لكن إلى أين أرحل؟! والأهم ما جدوى الرحيل أو البقاء…»
(روايات متعددة لما حدث -القسم الثاني- يوميات للحرب)
* * *
« المدينة ضاجه بأكثر مما أعتقدتُ، ضجيجها أشد ازعاجا من ميدان المعركة، ما يميز المدينة نسيان الحياة داخل دائرة تجبرك المدينة على الدوران داخلها، وإذا كنتَ وحيدا فالمدينة أشد قساوة.
أقف لساعات في شرفة شقتي في الطابق الرابع منتظراً أي شيء يخرجني من هنا. هي لم تعد بعد، أنا وباقي فريق الفيلم استسلمنا مبكرا ورجعنا، هي أكثر عنادا، وأكثر جنونا، وستبذل جهدا أكبر. لكن لا أحد يستطيع أن يكسب هذه الحرب، المتحاربون والذين يراقبون بحيادية كلهم خاسرون في هذه الحرب…»
(روايات متعددة لما حدث -القسم الثاني- عودة)
* * *
« ما يثير استغرابه هو أن الصوت كان متأخرا، شعر بالمنزل يهتز وشظية احتكت بجانب من رأسه، ومن ثم سمع أزيز صوت الصاروخ… هذا كان آخر ارتباط واع له بالحياة في منتصف2016. لكن هناك بداية صغرى في منتصف 2014 وبداية كبرى نهاية2014، وبداية النهاية في بداية 2015؛ وكلها تلاشت بالنسبة له والصاروخ يغوص في العمارة التي يسكن في طابقها الثاني…»
(روايات متعددة لما حدث -القسم الثالث- فصول لليقين)
* * *
« استفاق في المستشفى، رأسه مغطى بالشاش الأبيض، وباقي جسده سليم، نهض وأخذ يحدق فيمن حوله، الغرفة ممتلئة بمرضى مغطين جميعا بالشاش الأبيض في مناطق مختلفة من أجسامهم.
كان يشعر أن هناك خطأً كبيراً في الصورة من حوله، لكنه لم يستطع تحديد موقع الخطأ، فاكتفى بالسكون حتى تتضح الأمور أكثر.
دخلت ممرضة وسألته عن اسمه، لكنه لم يرد عليها، واستوى على فراشه. وهو يتساءل عما يفعل هنا…»
(روايات متعددة لما حدث -القسم الثالث- فصل اليقظة عن الغيبوبة)
* * *
« الطبيب أخبره أن لديه مشاكل في الذاكرة وسيتم تحويلة إلى قسم المعالجة النفسية، وهناك سيحاولون مساعدته على تذكر اسمه. وأخبره بسقوط صاروخ على منزله، وانتشال ثلاث جثث؛ رجل وامرأتين على صلة به؛ الرجل مخرج افلام وثائقية، والمرأتان فنانة تشكيلية والثانية مذيعة…»
(روايات متعددة لما حدث -القسم الثالث- البداية)
سمير عبد الفتاح