…. في منتصف حياته صيادا ولكن ما لبث وان طرد من الساحل حين سحب ساكنو سعف الشواطيء، قواربهم فجرا عن الماء بعد أن نشر صراخا بينهم بأنه رأى رتلا من الحيتان تدلي برؤوسها من بين الصخر, عمل بعدها سقاء في سوق السمك, وأن الماء الذي يبيعه جلب من نبع انفجر بجانب قبر أحد الأولياء ولن يطال شاربه العجز مهما بلغ وحين رصده أحدهم,يتقدمه ضوء قنديل ترتعش لمعته الباهتة في انحناءات الطريق.
رآه يقف أمام فتحة بئر مهجورة, فأخبر عنه بائعي السمك فطردوه, ثم عمل منظفا للمراحيض لكنه شرع يعرض بلسانه حال الفضلات وأصحابها، ثم مساعدا لأحد عطاري السوق, فأخذ يفح في آذان الداخلين بأن صاحب الحانوت يخفي بذرة المنام النشطة, وحين ألح الناس على التاجر ونبشوا صناديقه المغلقة أمام عينيه, عمل مناديا لسلع السوق, لكنه طرد من أول صباح فيه.
وعندما عمل بناء لم يتحمله رفاقه حين كان ينادي عليهم من أعلى البنيان بأن طوبة في طريقها اليهم,وعندما يرفعون رؤوسهم لا يجدون سوى أسنانه الغارقة في الضحك الى أن سقطت حقيقة وهو يصرخ وراءها.
ثم عتالا في أحد المخازن المظلمة للسوق, ما لبث وأن طرد منه بعد أن راه أحد التجار يتفخذ العتلة بين ساقيه قبل أن يرفعها، ووقت الأعياد كان يعمل جزارا، يطرق مامر في طريقه من بيوت, يقطع الرؤوس الثاغية ويمضي.
وكان يأكل في أي مكان يمر في طريقه وهو يضحك في وجوه كل من يراهم, ويقدر أن يصرخ وراءه أحد المحسنين ملوحا بقبضة يقطر منها الأكل, ويشيع بأن امرأة من الجن وجهها يشبه القمر تراوده وقت الغروب, وقد قطع عهدا بالا يلمس غيرها, وكان يجيب عندما يسأل عن ابنائه منها بأنه لايستطيع أن يملأ الجبل بزعيقهم.
وحين يعود الى بيته فوق الجبل, فان حزنا عميقا يغوص الى قلبه, ويتوالى شريط حياته القاتم مبعثرا بين الطرقات والأيدي بدون جسد رطب أو أطفال يرعاهم, يفتح نافذته المطلة على السماء لتتراءى له هالة القمر وقد استقرت شعلته الهادئة ماسحة أسطح الجبال والبيوت القليلة, يزلق أحدى يديه بين فخذيه ويمرر رأسه على صور جميع اللائي مررن عابرات في طريق عودته الطويل.
وفي آخر أيامه عمل كناسا لطرقات السوق الى أن وجدت وصية بجانب جثته في غرفة الخشب ( كل ما أملك في هذا الجبل هو ل… ول… في وجه القمر ).