1ـ الوردة المستحيلة
تحت هذه الورقة، أخفي منابع نبضي التي تسلك طريق اسمك وتتهدّج بحروفه، دمعة، دمعة، حيث لا أعود أميّز بين وقع قلبي و وقع رائحتك في حلمي حين تجدل أنفاسي وتقود شظايا حمّاي إلى نبع غيومك الباردة والمتّشحة بعسل الضوء، فتحملني مراياك طيراً يفقد علوّه إلاّ في هوائك، فمدّي لي الهواء ليرتفع قلبي فوق أرياف تبتنيها أهدابي لمياه حلمك وثمار نجماتك الناعسة، ولتنحدر الأنهار بمهرجان كائناتها إلى أقدام دارتنا، تتملّق قامة محبّتنا الوارفة وتستجدي أشجار الفتنا كي تتقلّد الصحراء ظلّ شغفنا المضيء كحزام زحل وحليب المجرّة.
غُطّي في نومك ودفء نظرتي التي تحرسك، لأغطّ في حلمي الذي أفرشه لأنسكابك وأرهنه لأعضائك.. فترفّقي بمياهي وهي تذبّ عن ضفتيك الأشنات وحطام الزوارق ودعيها تنبت شراعي في هواء لايربّي الأشرعة ولا الأمواج لتصطبغَ رايتي بشمس ذابلة تذكيها زرقة أصابعي اللاهثة، وهي ترى إلى مداك المشعّ بفاكهة تقترحها عيناك في فتور الظهيرة أو شلل المساء فأشدّ قلبي إلى سواحلك الريّا والمستترة بأعشابها الرخيمة لتمسحي بزيت ولهك المضيىء ما اعتراني من دخان وغبار خلال تلمّسي الدروب ـ السراب لمياه شفقك المنحني. وتنحنين لألتقاط المحار، لأرى صوت لهفتي يسيل على أقواس نعاسك المشرئب… وأنحني من حنيني، فتلتقطين بيُسر ثمار الحاح أعضائي على تذكّر مايتناثر من تفاصيلَ ذهبية لكسل جسدك الدائب في اعداد عسل تعلق به أخيلتي، ومصائد لريشي الذي يتقصّف تحت وطأة نظرتك الصارخة بآسمينا يختلطان كالماء والماء أو كالرمل والرمل، فلنشرب نخب اندياحنا كموجتين في حضن انذهالنا الذي يتوقّد بأنفاسنا المؤاتية، فريّاكِ، تهبّ شراعاً يحمل بعيداً زورقي الراهن المليء بأمكنتك المختلسة من ضجيج العيون. عالياً حيث أربّي قامتك وأحرسها بشهقة يدي وسائر أعضائي المترملة دون لمسة عافية مرآك وحيث أهندس أيّامي وأرصفها لقدميك الحافيتين كالنوم فلا تركلي نعاس أزمنتي، حين يسيل على معصميك ليريك حلمي المزرقّ كقمر يجلد في ليالي الرمال.
خذي الشمعة وارسمي أفقاً يوحّد قامتينا المبتلّتين بماء نظراتنا، فكم استحممت بنظراتي المترفّقة بأعضائك… لنا النبع دائماً والأزهار التي تحاكي جسدينا الساطعين في ريف تقترحه أعشابك السمراء، لتهبّ الطبيعة وفية كالشاي في بريّة صداع يشقّ الأغاني والأيدي الحميمة المستسلمة لنعاسها كالقطط.
قد أنسى ما سأتذكّره ذات صباح ناصع ومبتل كالأوزّة عن بيتك الذي يجاور يدي وملمس جنوني فأنجز أرقي المفتوح على اغماضتك لأجل أن تبقى أهدابك أطول من بالي ولأجل أن تبقى سوداءَ أكثر في بياض
يتقن البياض ولأجل ان توقظ يدي حين تسترسل في انذهالها أمام تدفقك بالبط والعسل الأزرق.
حرّري أصابعي من السهو والسجائر لتعدّ الأغصان والموجة لطفوكِ وتستعين بالحرير للاشادة بوَهج نعاسك يتصاعد كأبخرة الذهب في سماء تحتشد بغيوم الفضة وكؤوس العشب. يرتبك حبري وهو يرى إلى زرقة أو خضرة تموجك المليء كالأسفنج والأعزل كالجسد أو كيدي حين تومىء ولاتصل..
دائما لا وصول يا عربةَ الأسى وهذه الجراح سككٌ لاتوصل ولاتنتهي والجسد سفر أو مسافر في أيّام تتموج، تزوغ كالزئبق، كمثلك. ارتّب رائحتك الأثيرة وعادات أصابعك، انحياز عينيك ونكهة صوتك على شرشف الصمت الذي يحرضني على فرك الزعفران والابتهال لتوابل نعاسك في الحمّى ليتصاعد وهجك نافورات عسل وفضة تؤازر نحاسي الساطع في صيف جنوني الأصفر. أخمّنك خلسة لأتيقن اندلاعك مرعىً يُضمر الحليب والوعيد الأخضر لحصاني الكئيب.
2ـ جمرة اللغة
في ظلام وحشتك، أعلّق قلبي سراجاً، أفرش العمر سجّادة، فجوسي ياغزالة..
دعيني أتنشّق رطوبة العشب وتنفس الأرياف في الأصائل.
دعي غيومك تُغيّب أكوان الدخان والضجيج واحتراق الأسفلت وعيون الكلاب النابحة
…………….
في غياهب ليالييّ المتوحشة واصطفاق الأبواب والشبابيك في قلبي وجنون الستائر والقطط النائحة في الريح، آلمني من أطرافي وأصرّ دموعي وتهدّجي، أشحذ ظلّ ألقك ياجوهرتي، مستمطراً لوناً لرماد هذا القلب، مستمطراً خربشة منك لدفتري الموقوف لتعنيف الريح والغبار..
يا جوهرة عمري الحطبي
يا ينبوعاً انبثق في صدأ أيّامي
يا جمرةً في ارتعاش لغتي،
انّ قلبي اكرة باب مهجور لم يمسسه أحد بعدك أو قبلك،
فافتحيني.. أنت السحر الذي يفتحني ويغلقني
يا نبعي وحجارتي
اسقيني يا كأسي وساقيتي
خذيني إلى بركة انشداهنا لنحتفظ بشيء من رذاذ الحلم
لنباهي به رمالنا
نقطيني بربيعك لأعرّي الأشجار من غبارها،
قربيني من نجمة شفتيك الفاغمة، لأركض في مسارب حلمي
يا محلومة قلبي
يا مواسم الفراشة واخضرار الندى
يا ألوان رؤاي المشعّة
كم سأبكي في ضمور الحدائق وازرقاق أطرافي وسهوم هوائي وتخشّب لياليي دون فجر يديك
……………
أنا بريدٌ لا يصل وشراع يختنق في مداه وانتظار ينتظر
هبّي من وردتك لتندثر الشوارع فيّ وتختنق رمالي على ساحل قلبي
هبّي من درسك لتنكسر زجاجة ذاكرتي المدرسية وتلتئم مرآة المراعي الزرقاء وأعثر على كسرة ريف، خلف سياج المدرسة…
أسألك، عشباً قصيراً وقميصاً أنشره كالأفق
فأنا مرصود من الحجارة والرمل، من العاقول والسموم
خذي بيدي إلى هواء لم يُمسّ
علّنا نقع على صورتنا في مرآته.
باســـم المرعـبي
شاعر من العراق يقيم في السويد