مكالمة هاتفية..رنت لها أوصالي ،عندما سمعت صوتك يردد بحنان : ماذا تريدين يا عزيزتي ؟ أرجو أن تطلبي شيئا أحققه لك؟
تجرأت وقلت: أتمنى أن أجلس معك ساعة…ساعة فقط، حتى أبوح لك بما لم أبحه لنفسي .!
توقعت مجيئك، فجئت، هيا ارتدي ملابسك بسرعة سوف نخرج في نزهة تستغرق ساعة، كما وعدتك، لقد قطعت مسافة أربعمائة كم من أجل ساعة…هيا بسرعة…
ماذا ارتدي؟ وأي لون يناسب حديثي وأشجان قلبي ؟ احترت لكن حيرتي لم تطل عندما أدركتني عقارب الساعة محذرة.
أنا جاهزة ، هيا لنخرج قبل أن تتبخر أحلامي ، ويذوب فؤادي على نبض متصلب ينتظر أشهر مجيئك ، الآن سوف أسرح عيني في عينيك. أشكو لها وأسمع منهما شكوى أيضا ، فهذا زمان لا يفرق بين أحد، ولا تعجزه المسافات التي بيننا حتى يمارس قسوته…!إنني أحترق وعقلي ما عاد يستوعب أيامي ! وعجزت ذاكرتي عن تسجيل يومياتها ، فبدأت الذكريات تدفن الذكريات …….
لن نخرج …إنني أختنق لا أستطيع أن أطفئ ما بجعبتي، أرجو أن تتفهم خوفي من هذا العالم وأنت بعيد عني !أرجوك ساعة…ساعة فقط أعدك بأن أخلع ساعة يدي وأضعها أمامي على الطاولة حتى أتذكر حجمي الحقيقي كلما جرفني الحديث ،لأرتد إلى الساعة!
-لقد دعاني بعض الأصدقاء لحضور فيلم جديد، يجب أن أذهب لمشاهدته معهم الآن لقد أوقعوني في حرج،أنا لم أتصل بهم إلا للسلام عليهم والآن لا أستطيع الانسحاب…افهمي موقفي ، فأنت التي تقدر الأمور دوما، سوف أعود مبكرا ونجلس معا، فعندى الكثير من الأخبار أود أن أصرح لك بها ،لأنك فتاة ذكية جدا وجميلة أيضا… غمزها بعينه وهو يدير ظهره قائلا:
– سوف أعود سريعا، وتتحدثين كما تشائين ،لن أتاخر!
وأنا لن أبوح بشيء اذهب كما تريد ، وتمتع بوقتك ما شئت فحرام على تلك المسافة التي قطعتها أن تضيع دون استثمار ؟!
وأنا سوف استثمرها أيضا ، «شيطان في الجنة/هنري ميللر» أول ما وقعت عليه عيناي، تناولته وبدأت أقلب الصفحات عبثا، المهم ألا أنكسر أمام قلبي …
ساعات طوال وأنا أنتظرك …أسر لنفسي بأنني لن أتحدث إليك لكنني أنتظرك …في كل مرة جلسنا فيها معا، كنت تبدأ الحديث أنت وتنهيه أنت ويضيع منتصفه بالإشارة إلى صمتي وضرورة الخروج على هذا الصمت والتحدث عن همومي ومشكلاتي «فلا بد لصدى الحياة الجامعية الجديدة التي أعيشها أن ينعكس على حياتي العلمية»
كنت دائما أستمع لشكواك، وأتفاعل معها بكل ما اوتيت من إحساس ، وأخفف عنك قدر ما أستطيع لا بل فوق ما أستطيع لتخرج مرتاحا مسرورا ، وأنت تقول بفرح: في المرة القادمة سوف أكون المستمع وأنت المتحدثة …أبتسم ويبدأ قلبي بالتقاط الصور لكل الأشياء حتى أخبرك بها عندما نلتقي … لكن الصور تتراكم ، وتضيع عبر ذكريات باتت تتعفن في غرفة مظلمة…
قالت جدتي بحدة : هذا لقاء مهم يجمع أصدقاءه الشباب هل تريدينه أن يأخذك معه ويجلسك بين أحاديثهم بصفتك ابنته المدللة؟ أو لعلك تريدينه أن يتراجع بكلامه أمام زملائه؟ بنات آخر زمن!
تخليت عن حدتي ،وأطرقت مستسلمة ، ولربما كانت هذه هي المرة الأولى التي أستسلم بها لنقاش دون نقاش.
جئت بعد منتصف الليل ، كانت عيناي مغمضتين ،على ماتبقى من دموع ، ويداي غائرتين في صفحات الكتاب . صوت جدتي تقول: لماذا تأخرت إنها نائمة
لست نائمة يا جدتي ، وما زلت أنتظر بين رجف القلب وعقم اللسان
– سوف أراها في الصباح ،أنا متعب الآن …
صوت خطواته يرتفع باتجاه غرفتي ، فتح الباب، لست نائمة، يالحسن حظي!! ، اقتربت وجلست بجانبي بحنانك المعهود ، بدأت تتحدث برموز غامضة، دون مقدمات ، استمعت إليك بحرص ، كعادتي، لأنني إذا أخلصت يوما، فهذا يعني مصيبة على عاتقي «لأن إخلاصي شرس قاتل لا يرحم نفسه».
إنها زوجتك هذه المرة ، فأنت لا تستطيع أن تستمد من بريق عينيها بريقا خاصا يشكل لك الرؤية الاجتماعية التي تتمنى…
عدت لكلامك الجميل وصوتك الحنون ، وأخذت تثبت أن الحياة الزوجية كذبة كبيرة، وسراب نركض وراءه، وعندما نصل إليه نجده قد تنحى إلى مكان آخر لنعاود الكرة_باسم الأمل_نلهث خلفه.
بدات مشاعري تحدثك وعيناي تواسيك ،وشفتاي تدعو لك…
صوت جدتي من المطبخ:العشاء جاهز…نهضت باسم دعوة العشاء هذه المرة، والجيد منك أنك اغلقت الباب خلفك، حتى لا يسمع أحد صراخ فؤادي بعدك.
لن أبحث عن رفيق جديد لروحي العطشى التي سوف تيبس أوراقها غدا عندما تلسع الشمس وجعها …الآن فقط قررت أن أبكي بصوت عال، لعلي أغسل خطيئة نفسي التي اقترفت منذ سنين وهي تنتظر على المحطات أملا أن تبوح بسر روحها ، ووجع قلبها المخنوق بكل الآهات عله يصير صوتا جميلا؟؟؟
فتح الباب مرة أخرى ليقول :سوف آتي في الشهر القادم ونجلس معا وتتحدثين…أغلقت عيني وهو يتحدث، ولأول مرة أسررت: ليتك لم تأتِ………ليتك لم تأتِ.
امتنـــان الصمـــادي
كاتبة من الأردن