في عُمان اليوم… الشعب يريد الحياة
المطالب المشروعة للإصلاح الدستوري، والسياسي والاقتصادي والاجتماعي التي يجاهر بها العُمانيون في هذه اللحظة الفارقة من تاريخهم المعاصر لتؤصل حضارية هذا الشعب، وعمق وعيه بحقوقه وواجباته. فليس صحيحا ما تحاول بعض الأجهزة- التي عزلها الفساد- نشره من أنها مطالب خدمية بسيطة؛ ستعالج ببعض المسكنات وينتهي الأمر.
الشعب نفد صبره؛ ولأنه شعب حليم كريم بالفطرة، فليتق العاقل غضبة الحليم. سكت طوال تلك السنين احتراما وليس ضعفا، أصالة وليس تسطحاً. حبا وتقديرا للرجل الذي حكم واجتهد أيما اجتهاد. حتى جاء الوقت الذي تسيطر فيه فئة بعينها على كل مفاصل الحياة في البلاد؛ فالرأي رأيهم والأمر أمرهم؛ الوطني من يدين لهم بالولاء والطاعة، والمواطن الصالح من يرضى بفتات منحهم وعطاياهم من المال العام.
الشعب في عُمان اليوم؛ يريد الحياة والحياة فقط؛ حياة كريمة عزيزة. لا يريد أن يستجدي رغيف خبز أو فرصة تعليم، أو وظيفة يفني فيها حياته.
الشعب يريد أن يشعر بالأمان الراسخ؛ لا الأمان الهش المربوط بشخص أو مجموعة. بل الأمان الموثوق بعروة المؤسسات التشريعية والرقابية والمحاسبية النزيهة، الشفافة. الشعب يريد محاكمة المستهترين بالوظيفة العامة، بقطع النظر عن رتبهم ومكانتهم. الشعب يريد إعلاما حرا؛ يحترم عقله ويعبر عن أشواقه وأحلامه. الشعب يريد عدم الاستخفاف بأرواح أبنائه بمجرد أنهم تظاهروا لأجل الخير العام.
الشعب لا يريد المزاحمة في الحكم، ولا التباهي «الأجوف» في الإعلام العربي والدولي؛ بل يريد أن ينشغل بحماية ماله العام، والحفاظ على لحمته ووحدته الوطنية، والاشتغال بتعزيز العلم والمعرفة لأجياله. وهي مهام أصيلة لأي شعب على هذا الكوكب، وإن وُكّلَ البعض في إدارتها فإن على البعض هذا، ألا ينسى بأنه مكلف بأداء أمانة جسيمة؛ تنوء عن حملها الجبال. لا أن يتناسى هذه الأمانة في «التنعم» بالمال العام، و«التمنن» على الناس بما هو حق أصيل لهم، وترويعهم بالطائفية والمذهبية والإقليمية. والتي أصبحت ألاعيب بدائية لن تجدي نفعا مع شباب واعٍ ومتيقظ.
الشعب يريد إصلاح النظام اليوم وليس غدا؛ وهذا حق مشروع له؛ والزمن العربي الراهن بكل ثوراته، ونهضته من سبات الاستبداد والظلم؛ يغذي هذا المطلب، ويمنحه شرعية تاريخية لا يمكن لعاقل أن يتجاهلها، لا يمكن لحصيف أن يقزمها. وعندما يريد الشعب فليس من قوة تقف أمام هذه الإرادة. وشخصية كالسلطان قابوس يدرك هذه المعادلة الإنسانية الشهيرة جيـداً؛ لأنه قـرأ التاريـخ؛ وصقلـه الحاضـر، وما زال مسكونا بالمستقبل. لذلك لا أظنه يسمح لمجموعة قليلة معزولة؛ أصبحت منبوذة من غالبية شعبه؛ أن تُسيء لما أنجزه، وأن تستبد بالأمر، وتتمادى في استخدام القوة، أو أن تتجاهل مطالب الشعب، أو حتى أن تتأخر في الاستجابة لتطلعاتهم الطبيعية؛ أو تشيع بأن هذا ضعف ونيل من المكانة؛ أو تتصنع إشاعات مضحكة لا تنطلي على عاقل؛ من أن يدا خارجية تلعب بأمن البلاد وتستهدف مستقبله.
إن الأمن الحقيقي لهذا البلد العزيز هو الاستماع لمطالب الشعب، والإصغاء بحب وباحترام وتقدير لحقوقه المشروعة.
لقد عجزت أغلب الأجهزة في عُمان؛ «الاستشارية» و«شبه الرقابية» وحتى «الأمنية» طوال الفترة الماضية عن إيقاف التغول الكبير لسلطة رجال بعينهم في أدق تفاصيل صنع القرار الأمني والاقتصادي. لذا؛ نقول لهم شكرا لكم؛ لقد أديتم واجبكم، وآن للشعب الصبور أن يقوم بواجبه.
جميع المتظاهرين والمعتصمين من أقصى مسندم وحتى صلالة، مرورا بمسقط وصحار وصور والبريمي وعبري وغيرها من المناطق؛ لهم ذات المطالب؛ انطلقت بعفوية النفوس السوية، وبرضا الأرواح المتطلعة لغدٍ أكثر عدالة. بدون تنسيق مسبق ومن غير إشراف لتنظيمات لها سابق خبرة في تجييش الجماهير وتوجيهها لأهداف سياسية محددة. وهذا دليل آخر على أن الحق إذا جاء أوانه؛ لا يحتاج لأحد، ولا ينتظر أحدا، ولا يستثني أحدا.
كما أن الشعب لا ينتظر أحدا من الخارج ليحرضه على المطالبة بحقوقه، ومحاصرة الفاسدين الذين أتخمتهم السلطة وعزلوا أنفسهم في بروجهم العاجية؛ إن هذا استخفاف بإرادة الشعوب، وإفلاس ينم عن ضعف وعزلة. والمدرسة الأمنية المصرية فشلت فشلا ذريعا في إدارة إرادة الشعب الحرة؛ لهؤلاء وغيرهم من أبناء عُمان الأحرار الغيورين أقول بحب: هلا تعاونتم مع الشعب على الإصلاح والتغيير لغد أفضل؛ بدلا من أن يصنفكم الشعب ؛ في خانة من وقف ضده؛ وضد الوطن؛ وهو الخالد؛ وجميعنا سيغادر بعد حين.
ثم؛ من هذه الدولة الخارجية أو التنظيم الدولي الذي يريد لعُمان؛ دستورا مصدر السلطات فيه للشعب؛ من هؤلاء الذين يريدون حماية المال العام ومحاكمة الوزراء الفاسدين، وتوظيف العاطلين، وتوفير الأعمال الكريمة. من هي هذه الجهات التي تريد؛ حفظ وصيانة الحريات العامة؛ كحرية التعبير عن الرأي، وحرية التجمع والتظاهر، وحرية تكوين النقابات، وحرية الإبداع والتفكير. من هؤلاء الذين يريدون إصلاح التعليم، وإصلاح الإعلام، وإصلاح الخدمات الصحية. إن أبناء عُمان ليسوا مقلدين لثورات، وليسوا مدعي مطالب لا جذور لها على الأرض. إنهم فتية آمنوا بأن الوطن فوق الجميع، وأن الحقوق تنتزع، إذا تلكأ المسؤول؛ وهم يدركون ثمن الحرية، ومستعدون لبذله رخيصا في سبيل وطنهم.
الرحمة والمجد لكل شهيد روى أرض عُمان بدمه؛ ليبقى الإنسان فيها؛ عزيزا شامخاً كجبالها.
كاتب من عُمان