هذه كاتبة تكتب بنبض العاندة.. بنزيف الالم الدامى، برغبة في اكتشاف سر الخلل الذي يعتورالكون والعلاقات الانسانية.. كتاباتها محض مجاهدة ومكابدة كاملة، تثق في قارئها وفي قدرته على تقدير كل ما صارعنها، حتى وان اختلف معها أحيانا في بعض رؤاها، وهي فيما تكتبه لا تتملق القارئ، لا تخدر عقله او تدغدغ مشاعره، ولكنها تجابه وتواجه، وتنزع الاقنعة عن المستور. فتكشف العلل والمواجع والتشوهات الانسانية، تضيق بهذا الموروث الذي يردها عارا ووبالا وعورة ينبغي أن تختفي أو على الأقل تتوارى، هي ترفض ان تكفن مشاعرها، وتدفن رغباتها وتعيش دائما على هامش الحياة ولصق الجدار، وهي ترى ان القهر الذي ترسف في اغلاله هو قهر مشترك.يشاركها فيه الرجل حتى وان ادعى غير ذلك.وان العبودية قاسم مشترك بينهما، وانهما سويا يغوصان في بحر من الرمال المتحركة، وان عليهما ان يجاهدا سويا للخلاص من هذا الاسر، حتى يكتمل دورهما في الحياة تلك الهبة الالهية التي لن يكتمل لهما الاستمتاع بها وأداء رسالتهما فيها الا بالخلاص من أسر الثقافة المريضة التي ورثاها سويا عبر القرون، وإلا بالاعتراف الكامل بحقهما في الحرية والعدالة والمساواة، وهي لا تناقش هذا من خلال إبداع ينكفىء على الذات، يجتر الهموم والذكريات، يتباكى على ما فات أو على ما هو آت، يكتفي بالسخط والادانة التي تصل الى حد الصراخ والعويل، وبحيث تصب الذات الموجوعة هي محور الكون وأصل الوجود، فلا ألم في العالم غير ألمها، ولا معاناة تفوق معاناتها، ولا ظلم مستشريا غير ما وقع عليها، لكن ليلى العثمان كاتبة تؤمن برسالة الكاتب وبقيمة الكلمة الصادقة في الكشف عن الواقع، وتحليله، وتمزيق اقنعة الزيف فيه، وتؤمن بالانسان البسيط، بل والهامشي، الذي يحمل في أعماقه طاقات انسانية متفجرة، أن الأوان للكشف عنها، ومنحه القدرة علي إظهار تجلياتها برفع كان القيود التي تكبله، وتشل ارادته، وهي تنتهح قي سبيل ذلك منهجا واقعيا لا يأبه كثيرا بالموروث التقليدي أو الأخلاقي، هي لا تقلد الآخرين أو تحاكيهم أو تسير على منوالهم، ولكنها تختط لنفسها رؤى منتزعة من الواقع الحي المعاش ,لا الواقع الهلامي المطلق حيت لا زمان ولا مكان محددين، بل ولا الواقع الذي يحلو للكثيرين ادانته ولعنه في أسلوب ينأى من الفن ويقترب من السباب، بدعوى التعود أحيانا والثورة على كل الأشكال الفنية والمؤسسات والأنظمة أحيانا أخرى، وهم في ذلك لا يختلفون كثيرا من رجل الشارع الذي يلعن كل شيء عندما تضيق به الحياة أو تسد في وجهه السبل، وليلى العثمان "لا تصالح الواقع، لا تراه قدرا، لا تتعبده صنما، لا تنوء تحت وطأته، لا تهرب منه الى الامام، بل تواجها، ترفضه، تقاومه، تستأنف ضده، وتومئ الى واقع أخر، أحلى وأبهي، ومن هنا تملك قصتها الاضافة المستقبلية، تملك بعدما الثالث، وتتجنب مطلب التوفيقية، والنقدية النائحة ".( 1)
أصدرت ليلى العثمان العديد من المجموعات القصصية نذكر منها:
امرأة في إناء 1977- الرحيل 1979- في الليل تأتي العيون 1983 الحب له صور 1984- فتحية تختار موتها 1987- حالة حب مجنونة 1992- 55 قصة قصيرة 1992- الحواجز السوداء 1994.
ولها روايتان هما: المرأة والقطة 1985 وسمية تخرج من البحر 1986.
تشتمل مجموعتها القصصية "حالة حب مجنونة "(2 ) على أحدى عشرة قصة كتبت في الفترة من عام 1982 الى عام 1989 وهي فترة زمنية طويلة نسبيا، ورغم انه يحسب للكاتبة إثباتها لتواريخ كتابة كل قصة، مما يتيح للدارس تتبع تطورها الفكري والفني إلا أن السؤال عن السبب في تأخر نشر بعضها او عدم تضمينه لمجموعاتها السابقة يظل قائما بل وملغزا، فهل كانت الكاتبة ترى في هذا البعض ما يحتاج الى إعادة صياغة وتنقيح، حتى إذا ما تم لها ذلك، بادرت بضمه الى المجموعة التي نحن بصدد مناقشتها؟.. أم أنها ترى أن هذه القصص تحمل سمات معينة ورؤى تصبح أكثر انسجاما وتألفا بوجودها معا في مجموعة واحدة، أم هي دواعي النشر وما تتطلبه أحيانا من حجم معين من الإصددرات كما تفعل بعض دور النشر في عالمنا العربي؟ عموما فإن ليلى العثمان هي الأقدر على الرد على هذه التساؤلات التي تنزع عن كاهل الباحث الكثير من التكهنات والافتراضات.
في "حالة حب مجنونة "- المجموعة وليست القصة المسماة بنفس الاسم – دعوة حارة للانعتاق والخروج من شرنقة الذات للتعرف على عالم أكثر رحابة، وديناميكية، عالم يموج بالنماذج البشرية الثرية التي تعاني، وتتألم، وتصرخ دونما صوت وتتحمل دونما شكوى، كل مطلبها أن تحيا بشرف .. أن تتوافر لها لقمة عيش تحصلها دون استخذاء، ودون تفريط في كرامتها وعرضها، نماذج تأمل في مستقبل مشرق، تجاهد في سبيل عدالة تأمل في تحقيقها، فإذا اشتدت عليها الضغوط، وتكالبت عليها الأهواء.. وسدت أمامها كل السبل، ونكل بها فإنها تثور، وتحتج وتجابه وتواجه، بل إنها قد تصل الى حد القتل دفاعا عن شرفها المذبوح، وكرامتها المهدرة .
في قصة "تفاصيل للصورة الأخيرة " ترسم ليلى العثمان باقتدار كاتبة متمرسة، لوحة حية تنبض بتفاصيل غاية في الرهافة والدفئه والعمق لفتاة في الثانية عشرة من عمرها تبدأ رحلتها كل صباح، تدور على البيوت، تعرض بضاعتها من البيض الطازج والدجاج والأرانب المذبوحة، واللبن، والحليب ."الزبيل " على رأسها الصغير وقرطان أزرقان في ثقبي أذنيها علهما يحميانها من حسد الناس "في الصيف تصب الشمس جحيمها المسعور على جسدها فتشم رائحة احتراق الزغب فيه، وفي الشتاء تشق الريح لنفسها منافذ الى جسدها الصغير فترعشه وتخترقه حتى العظم، فتهتز مفاصلها، وتنكسر خطواتها، فتغوص قدماها النحيلتان في اوحال الارض المثرومة بالحفر". طفلة حرمت من عالم الطفولة، يتفتح وعيها على عيون جائعة ترمقها وتتشهاها، بائع الحلوى الأعور يفح في وجهها: تعالي "داخل " وسأعطيك أشياء حلوة ببلاش، وبائع التمر المجدور لا يتورع عن أن يكشف عن عورته لها, والشبان الكبار يحفون بجسدها في طريقهمر ويسمعونها ألفاظا يندى لها جبينها، كل شيء يقف لها متربصا خاصة وجه "أبوحمود" الذي تلمحه خارجا من المسجد يعابث لحيته الكثة والذي يحاول الاحتكاك بها عندما تحاذيه، ويسرع للحاق بها ليقرصها من زندها الناعم، وعندما تقص لأمها – من خلال دموعها- حكايته، يخرج صوت الأم:
– الله اكبر، استغفري يا ابنتي. هذا " بوحمود" الصايم، المصلي، والصغيرة تدرك بوعيها المبكر حاجة لأم اليها والى عملها، وتتحمل الخوف الذي يمسها بتياره الساخن كلما خرجت، وفي المساء تسهد عيناها معلقه على بيوت العنكبوت المنتشرة في زوايا السقف، وينتفض جسدها رعبا وهي تتخيل هذا الوجه بلحيته الكثة يسقط فوقها، ناسجا خيوطا لزجة، تدب على اللحم الطري حتى تصل الى الصدر فيقضم بأسنانه النجمتين الورديتين البارزتين فوق المرتفعين الصغيرين مثلما فعل ذلك العجوز بصدر عروسه الصغيرة ليلة الزفاف كما يحكون في حوش "أبوغانم ".
كانت تحذر منه كما أوصتها أمها، كأنه حذر الضعيف الذي لا يستطيع رد الخطر. ففي مغرب رمضاني خلت فيه الشوارع، وفاحت فيه روائح الطبخ المتطايرة من البيوت، قابلها "بوحمود" حاولت الهرب لكنه سد عليها الطريق.جذبها بعنف، فسقطت سحبها الى "مربع البلدية " الذي ارتفع جداره وامتلأ بالقمامة، افترس جسدها الغض، كمم فمها "بغترته " الوسخة، بينما يده الاخري تشد ثوبها وتحسر أطرافه السفلي عن ساقيها المرتعشتين، عندما أفاقت وجدته يسبح في شخير متلاصق وشفتاه المنغلشتان تدلقان لعابهما الكريه، أسرعت الى صفيحة صدئة بها بقايا جاز، سكبته فوقه وأشعلت فيه النيران .. تحول الجسد الكريه الى ثعبان أحمر يتلوى .. ثم يسقط رمادا، بينما مدفع الإفطار يفجر رعدته .
ورغم هذه النهاية الدر امية التي قد تريح القارئ وتوفر له مادة خصبة للتشفي وتدعم النزعة الثأرية فيه، إلا أن براعة ليلى العثمان في الغوص في أعماق شخصية بعلتها الصغيرة والكشف عن دقائق وتفاصيل حياتها وعذاباتها في هذا الكون، تجعلنا نرى في هذا النموذج الدال نمطا يجسد ظلم الواقع بتناقضاته واتساع الهوة بين طبقاته، ويكشف عن مدى حاجتنا الى رأب هذا الصدع الذي يعتري فكرنا ونظمنا الاجتماعية، ويرتفع بنا من مستوى الغاب إلى أفاق.أكثر رحابة وإنسانية .
وفي قصة "طابور الخبز" تستعرض الكاتبة قطاعا عريضا من المهمشين من خلال وقوفها في الطابور الطويل الممتد طلبا للخبز. كاشفة عن طبيعة المنطقة التي يقع فيها المخبز وإمارات الفقر والإهمال فيها "أسراب الذباب تتطاير علي ركام القاذورات أمام البقالة الملاصقة وروائح البالوعات المكشوفة تختلط ببخار الأجساد المالح كلما هبت نسمة تائهة " والواقفون بالطابور، امرأة صفراء تبدو وكأنها خرجت للتو من مصحة صدرية، تمسك بطفلين لا تهدأ حركتهما، في يد كل منهما – مصاصة حلوى يحط عليها الذباب ويطير.رجل قابلت قدمه صر صارا سمينا، فلم يتردد أن يسحقه بحقد تحت قدمه فانفلش بطنه وسالت عصارة مثيرة للتقزز "ثم هذا الذي ينظر الي..يبتسم لي كاشفا عن شفتين غليظتين وبطن مكور، وساق أطول من الأخرى وأكثر امتلاء كما لو كانت قد نبتت من الخلف.. إنه يتقدم نحوي.. يتعرف علي.. بتساؤل: سيدتي، هل أنت..؟؟ هززت رأسي بالايجاب وفي سري لعنت صفحات الجرائد والمجلات، يتطوع لجلب الخبز لي.. يحمله إلى سيارتي.. يقول في كل مرة: يسعدني أن اريحك من عناء الطابور، منذ ذلك الحين أحببت طابور الخبز، سكنني إحساس عميق بأنني أسعد هذا الانسان البسيط المشوه.وصار لقائي به على مر الأيام والشهور يمنحني مزيد ا من الشعور بالراحة، حتى أقعدني المرض اسبوعا غبت فيه عن الطابور، وفور زوال غمامة المرض سارعت إلى المخبز..كان الشارع مزدحما بالسيارات، توقفت في الاتجاه المقابل، رأيته، أطلقت بوق السيارة منبهة إياه إلى وجودي.. قفز كالمجنون، كان متلهفا لقطع الشارع، لكن سيل السيارات يقطع عليه الفرصة.. نفد صبره، ألقى بنفسه في الخضم العارم، كانت نهايته.. سقط صريعا، كان جسده مطحونا وعيناه المفتوحتان مصوبتان نحوى، تخصانني بنظرة وداع عاتبة .
هكذا يكتب على التواصل الإنساني الا يكتمل.. وأن نظل دوما محرومين من دفء المشاعر الحميمة.. وأن يصبح قدرنا أن نئد آمالنا، وننكفئ على ذواتنا، ونلعق جراحنا، فهذا الكون أكثر قسوة واشد ايلاما مما ظننا.وهذه نظرة شديدة السوداوية، مفعمة بالتشاؤم، وليت الكاتبة كانت قد غيبت هذا النموذج الإنساني دون أن تصرعه، حتى يكون رمزا لوجود الخير في مكان ما نبحث عنه.علنا نتواصل معه من جديد .
قصة "ثقب في الجدار" قصة من نوع خاص، حالة من حالات التجلي الفني الرائق، قصة تشير دون أن تبين، تهمس دون زعيق، تتسلل اليك دون أن تنخزك، تجعك بعد قراءتها تغلق الكتاب، وتغرق في تأمل يتملك، قدرة فائقة تتركز فيها الكلمات، ينعدم الاستطراد، تتراجع الصور البلاغية، يختفي صوت المؤلف، وتتلاشى التبريرات، نحن أمام امرأة تهز رأسها بشدة، تنفض الماء غير مصدقة، فقد ارتطمت عيناها بوجه غير وجهها .
تفرست في المرأة، ما سر هذه التشوهات التي تملؤه، لقد صدئ وجهها فجأة، وامتلأ، بالنتوءات وكأن يدا شرسة غرست مخالبها وشقت ملمسه الناعم، ابتعدت عن المرأة وقد أرعبها المنظر، ما الذي شوه وجهي، كيف سأقابل الناس بهذا الوجه ؟ بماذا أجيب لو تقاذفت التساؤلات عن سر هذا التشوه المفاجئ؟ ومتى حدث ذلك ؟ لقد نمت ليلة البارحة بعد أن غسلته جيدا ومسحت عليه بالكريم المرطب، كان تحت أناملي ناعما سلسا مثل قطعة الزبدة فما الذي طرأ عليه، أي يد امتدت وعبثت به وشوهته ؟ طفلها الصغير يداعبها، يسرع إلى حضنها، تخشي أن يرى وجهها، ولكنه رغما عنها يداعب وجهها، يزرع قبلة على خدها ويهمس: ماما.. يا حلوة.. يا أجمل غنوة، أنا حلوة ؟ وتسرع الى المرأة، نفس التشوهات، يدق جرس الباب، جارها يطلب جريدة الأمس لأن فيها ما يهمه.. تعتذر عن استقباله لأن صحتها ليست علي ما يرام وهي تحس وجهها باهتا ومتعبا، لكنه يقرر: وجهك صبوح وندي كعادته دائما، ماذا يقول هذا الجار؟ هل زال التشوه في هذه اللحظة ؟ تسرع الى مرآتها المكبرة.نفس الوجه المشوه، تماما كما رأته في هذا الصباح في مرآة الحمام، حتى زوجها يسألها: ما بالك تخفضين وجهك ؟ فتتعلل:
– أحس بألم .. أقصد وجهي.. لا أدري.
– فيلمس خدها برغبة يخشى أن تنفجر فيشتهيها في هذا الصباح ويقرر:
– ما باله هذا الوجه الجميل ؟ انه كالعادة وردي، منتعش، وكأننا في فصل الشتاء ولكنها تلح عليه:
– بل أنظر اليه جيدا في هذا الضوء، ماذا ترى.
– ويقسم لها:
-لا أرى إلا وجها جميلا كزهرة، ناعما كالحرير.
– ويردف:
– ربما تشعرين ببعض الارهاق نتيجة بياتك البارحة في بيت أختك المريضة، البارحة .! أي كذبة سوداء افتعلتها ونفذتها وكادت تنساها.. لولا.. لولا.. سمعت صوت ابنها يغني: ماما.. يا حلوة .. يا.. أغلقت أذنيها، نفت نفسها داخل العتمة المحيطة، أدركت أنها البارحة قد حفرت ثقبا أسود في جدار حياتها.
هنا يشف الرمز، وينزع عنه كل ألغازه وغموضه، وتصبح تنازلاتنا عن قيمنا وخداعنا لأنفسنا ولمن حولنا، وتخلينا عن مسؤولياتنا، مصدرا لما يعترينا من دعامة وتشويه حتى وإن بدونا في نظر الأخرين مكتملي النقاء والبهاء.
وفي قصة "المقهى" تعود ليلى الى العزف على أوتار فقد التواصل الانساني، وبحثنا الدائم والدائب عن وجه نستأنس به، نأتلف معه، نشكل وإياه قصة عشق دافئة، وجه تستعيد به الذاكرة تفاصيلها، وتكتسب الحياة من خلاله معنى، وتصبح اللوحة التي تجمع بين عاشقين دليل محبة وتواصل، ورمزا لان الحياة – برغم كل مرارتها – جديرة بأن تعاش .
وفي "إنه ما زال يحلم" إنتصار على الألم، ودعوة للتوحد مع الهم العام واستشراف لقوى المستقبل،حيث الورم الحقيقي هو ذلك الذي تأصل هناك في الأرض المحتلة في فلسطين لا هذا الذي يحتاج الى عملية استئصال سريعة، ورغم نبل مقصد الكاتبة إلا أن الرمز أتى هنا مباشرا وفجأ وبعيدا كل البعد عن توظيفه بشكل فني راق كما هو الحال في قصة "ثقب في الجدار".
وعندما يقف المجتمع بكامله، بنظمه وتقاليده وموروثه عقبة كؤودا في وجه الحب الحقيقي، العفيف والطاهر، يصبح الجنون هو الحقيقة المطلقة والثابتة التي يمكن تقبلها، فمع الجنون تتراخى المحاذير، ويصبح من حق المجنون أن يحظى بالرعاية والحنان حتى وإن تعرض للسخرية والاستخذاء، ويصبح من حقه أيضا أن يرى معشوقته، يشم عطرها، يتلمس حنانها، هكذا يدعي "صويلح " الجنون في قصة "حالة حب مجنونة " بعد أن حيل بينه وبين عائشة رفيقة صباه، ولكنها لحفظه بعد أن عرفت حيلته، فهي تريد حبا نبيلا واتيا، لاحب مذلة واستخذاء، إنها تصرخ فيه ملتاعة:
ليتك كنت مجنونا حقيقيا، كنت سأحبك، أما هذا الذل !
هنا يرتبط الحب بالكرامة، ويعب قوة خلاقة قادرة على العطاء الدائم والمستمر والخلاق، طالما كان صادقا ونبيلا وبعيدا عن الاذلال والخداع، وهكذا تتوالى باقي قصص هذه المجموعة المميزة التي استطاعت أن تكتسب من شمول الرؤية وعمقها ثراء في سردها الوصفي، أو في حوارها الذي يكشف الكثير من دواخل الشخصية كما في قصة " شكرا يا دكتور" والذي وفر للكاتبة القدرة على تجديد لغتها وتعدد مستوياتها بتعدد مسارح الأحداث أمامها.. دون أن يوقعها في آقة التكرار أو التغني الشعري الذي تقع فيه العديد من الكاتبات العربيات نظرا لضحالة تجربتهن وانكفائهن على ذواتهن وبالتالي انعدام مصداقيتهن .
1- حنا مينه – مقدمة مجموعة «في الليل تأتي العيون " لليلى العثمان.ط2 1984.
2 – حالة حب مجنونة – ليلى العثمان – شركة الربيعان للنشر والتوزيع – الكويت – 1992.
هدى النعيمي(أكاديمية من قطر)