ترجمة وتقديم: عبداللطيف شهيد
جيوكوندا بيلي (Gioconda Belli)، (ماناغوا، 9 ديسمبر 1948) شاعرة وروائية نيكاراغوية، تم تجريدها من الجنسية في عام 2023.
في عام 1972، في كتابها الأول «على العشب»، تناولت علنا جسد الأنثى والجنس. قادها نشاطها إلى النضال في جبهة التحرير الوطني الساندينية، بين عامي 1970 و1993، انضمت إلى النضال ضد ديكتاتورية سلالة أناستاسيو سوموزا (Anastasio Somoza) وبعد ذلك إلى إدارة الثورة الشعبية الساندينية.
في فبراير 2023، جرَّدت محكمة الاستئناف في مقاطعة ماناغوا في انتهاك صارخ للدستور وقتها الشّاعرة من جنسيتها النيكاراغوية، ولهذا قبلت عرض الرئيس غابرييل بوريك (Gabriel Boric) بأن تصبح مواطنة تشيلية. كما أنها تحمل الجنسية الإيطالية عن طريق النسب.
رغَبات صامتة
اليوم أودُّ أنامِلَك
لِتكتُبَ لي قَصَصًا في شَعري،
أودُّ قُبلًا على الظهر،
مُكوَّمَةً، تقولُ لي
أعظم الحقائق
أو أكبر الأكاذيب،
تُخبِرني مَثَلًا
أنني أجمل امرأة،
أنك تحبني كثيرا،
أشياء من هذا القبيل، بسيطة جدا، جد مُكَرَّرَة،
تضَعُ خُطوطًا على وجهي
وتبقى تُحملِقُ في عيني
كما لو أنَّ حياتك كلها
تَتَوقَّفُ على حَيَواتي المُبتسمة
مُثيرَة كل طيور النورس في الرغوة.
أريد أشياء كأن تمْشي فوق جسَدي
مسارٌ تصْطَّف على جانبيه أشجارٌ فَوّاحَة،
تكون أوَّلَ غيثِ الشتاء
تُسقِطُكَ ببطء
بعدها وابلٌ من الأمْطار.
أريدُ أشياء، كموجَة كبيرة من الحنان
تُفَكِّكُني إلى ضجيجِ حلَزون،
قطيع من الأسماك في الفم،
شيْء من هذا رقيقٌ وعارٍ،
مثل زهرة على وشك أن تستَسلِم
إلى أول ضوء من الصباح،
أو مجرَّد بذرة، شجرة،
قليل من الأعشاب.
شهر ماي
لا تذبَلُ القُبلات
كشَجَرة الرَّنْف المَلَكي،
لا تنْمو قُرونٌ علَى ذِراعي،
أنا دائِما أُزْهِر
مَعَ هَذا المَطَرِ الدَاخِلي،
مِثْلَ السَّاحات الخَضْراء في شَهْرِ ماي
وأَضْحَكُ لأَنَّني أُحِبُّ الرّيحَ والغُيوم
ومُرورَ الطُّيور الغَنّاء،
حَتَّى لَو كُنتُ أسير مُشتبِكًا مع الذِّكريات،
مُغَطّاة بالَّلبْلاب مِثل الجُدران القَديمة،
ما زِلتُ أعتَقِد في الهَمسات المَحفوظَة،
قٌوَّةِ الخُيول البَرِّيَّة،
الرِّسالَةِ المُجَنَّحَة لِطُيور النَّورَس.
أنا أُؤْمِنُ بِجُذورٍ لا حَصرَ لَها لِأُنشودَتي.
تحدّي الشيخوخة
عندما أَشيخ
-إذا حَصَلَ ذلك-
وأنظُرُ إلى نَفسي في المِرآة
وأعُدَّ التَّجاعيد
كعالِمَةٍ دَقيقة للجِبال
بين الجِلد المُنتَفِخ.
عندما أستَطيعُ عَدَّ العَلامات
التي خَلَّفَتها الدُّموع
والمَخاوف،
ولمّا يَستجيب جَسَدي ببُطْء
إلى رغَباتي،
عندما أرى حياتي مَلفوفة
بين الأورِدَة الزَّرقاء
والهالات السَّوداء العميقة
وأسْدُل شَعري الأبيَض
لِأنام باكِرًا
-كما يَليق-
عندما يَأتي أحفادي
للجُلوس على رُكبَتي
الصَّدِئة بسَبَب مُرور العَديد مِن فُصول الشِّتاء،
أنا أعلَمُ أنَّ قَلبي لا يَزال
-مُتَمَرِّدا- وهو يَنبِض
والشُّكوك والآفاق الواسِعة
تُلقي أيضًا التَّحيَّة
على صَباحيَّاتي.
دروس صغيرة للشَّبق
I
السَّفَر عَبرَ جَسَدٍ مَفتوح الشِّراع
هو سَفرٌ عبر جَميع أنْحاء العالَم
عُبورٌ دون بَوْصَلَةِ وَردَة الرِّيح
جُزر، خِلجان، شِبه جزر، مِيّاه سدود مَحفوظَة
ليسَتْ مُهِمَّةً سَهلَة -لكنَّها مُمتِعَة-
لا تُفَكِّر القيَّام بذلك في نَهار أو لَيلَةٍ
مِنَ الألْحِفَة المُمتَدَّة.
هناك أسرار في المَسام لِمَلْءِ العَديد مِنَ الأقْمار.
II
الجَسَد عِبارَة عن رِسالَةٍ نَجميَّةٍ بِلُغة مُشَفَّرة.
تَجِدُ نَجمَة وربّما يَجِبُ أنْ تَبدأ
في تَصحيح مَسارٍ عِند إعصار سَحابة
أو عواءٍ عَميق
يَجعَلونك تَرتَجِف.
وِعاءٌ مِنَ اليَدِ التّي لم تَشُك فيها
III
تَجاوَز التَّمديد عِدَّة مَرّات
اعثُر على بُحَيرة زَنابِق الماء
داعِب بِمِرساتِك وسط زِنبَق
غُص، اغرَق، تَمطَّط
لا تَحرِم نَفسَك مِن رائِحَة المِلح والسُّكَّر
الريّاح العَميقة
رُكامُ سَحابات ماطِرة للرِّئَتَين
تُضبِّبُ الدِّماغ
هَزَّةٌ في السَّاقَين
موجَة مَدٍّ وجّزرٍ مِن القُبلات الخَدِرة.
VI
اِستقِر في الدُّبال دون خَوف
اِستَهلِك دون تَسَرُّع
لا تُريد أنْ تَصِل إلى القِمَّة
تَأخَّر عن باب الجَنَّة
اِحتَضِن مَلاكَك الهاوي
اِجذِب الشَّعر الكَثيف
بسَيف النَار الغاصِب
عُضَّ التُّفاحَة.
V
أَصْدِر رائِحَة
آلِمْ
تبادَل نَظَرات لُعاب مُتَشَرِّبة
دُرْ، اطبَع انتِحاب جِلد يَنزلِق
عُثورٌ على القَدم في نِهاية السّاق
طارِده، ابحَث عن سِرِّ خَطَوات الكعب
قوسُ المَمْشى خِلجانٌ تشَكَّلَت مِن سَيرٍ مُحدَوْدب
استعذِب كلَّ ذلك.
VI
أَنصِت إلى
محَّارةِ الأُذن
كيف تَتَأَوَّهُ الرطوبة
شحمةِ الأذن وهي تقترب من صوت التنفس
المسامِ التي ترتفع لتشكل جبالًا صغيرة
إحساسِ ارتِجاف الجِلد وهو يثور عند اللَّمس
جِسرِ الجيدِ النّاعِم المنحدر نحو بحر الصَّدر
اهمِس إلى مَدِّ القلب
جِدْ مغارة الماء
VII
اِجتَزْ أرض النار الأمل الجَميل
أبحِر بجُنونٍ عِند مُفتَرَقِ المُحيطات
اعبُر الأعشاب البحْرِيَّة وتسَلَّح بأنين الشَّعاب المَرجانِيَّة
انبعِث مع غُصن الزَّيتون
ابْكِ مُحبِطُا لذاتٍ مَخفيَّة
عَرِّ نظَرات الدَّهشة
ادفَع بآلة السُّدس(1) من أعلى الأشْفار
قَطِّب بين حاجِبَيك وافتَح نوافِذ أنفك
وجعلني الله امرأة
وجعلني الله امرأة
بشَعرٍ طويل
عُيون،
أنْفٍ وفمِ امرَأة.
بمُنحَنَيَات
وطَيَّات
وتَجاويف ناعِمة
حفَرني في الدَّاخل،
جعلَني ورْشَة للبَشَر.
نسَج أعصابي بِلُطف
أَرْجَحَ بعناية
عدَد هُرموناتي.
كوَّن دَمي
وحقَنَني به
ليَروي
كُلَّ جَسدي؛
هكذا وُلِدت الأفكار،
الأحلام،
الغريزة.
كلَّ شيء خَلقه بلُطف
بضَربات مِطرقة
وثقوب حُب،
ألف شيء وشيء تجعَلُني امرأة كل يوم
التي حين أقوم من نومي أفتخر بها
كل صباح
وأنا أبارك جنسي.
هذا الحنين
هذا الحلم الذي أعيشه،
هذا الحنين الذي يحمِلُ اسمًا ولَقَبًا،
هذا الإعصار المَحبوس يُرْعِدُ عظامي،
نادمًا على مرورِه عبرَ دمي …
لا أستطيع التخلّي عن الزّمن وزوَاياه،
وادي أيامي
مليءٌ بالظِّلال المجهولة،
أذهبُ إلى العزلة مثل روحٍ تتَألَّم،
تستَعصي على جميع الأسباب،
بطلةُ معارك خاسِرة،
أباريق بدون ماء.
أغوصُ في الجسد
أنزِف من خلال الأوردة،
أضرٍبُ ضِدَّ الريح،
ضِدَّ الجلد الذي يلتصِقُ بي.
ماذا سأفعل بقلعتي ذات الأشباح،
النجوم التي تُحيط بي
بينما تُشرِق الشمس
ولا يمكنني النَّظر خارٍج قُرصِها
-المُستدير والأصفر-
أثر ذهَبِها يلعَقُ يدي،
يُخيفني في الليل،
يُنهِكُني،
يعبَث بي …
سأستسلِم للأعاصير
لأمُرَّ من بعيد من خلال هذا الضوء المُلتَهب.
إني أموتُ من البَرد.
سنتزوَّج في فصل الشِّتاء
سوف نتزوَّج الآن حيثُ تُمطِرُ بصوت عال.
سنحتفل معًا والأرض
باخضرار الجُثَث،
بجنس الزهور،
بلقاح الضحك
وبكل النجوم
التي تُقبِلُ في حيرة من أمرها
في قطرة مطر.
سنضع فُصولَ الشِّتاء في الحب
لنَراه يَنمو
على إيقاع النَّبات.
سنتَّحد مع الغُيوم
لتشكيل الرَّعد،
نُزاوِج الأرض بالماء.
سنتزوَّج والسماء مُغلَقة،
عندما ترِنُّ الأسقُف
كصوت مدافع رشَّاشة
ونَشيد الضفادع
يتسلَّق من الحديقة
صُحبة موكب النمل الطائر.
سوف نتزوَّج بدون مظلات، حب،
مكشوفي الرأس،
في ساحة مُبلَّلة
مُعطَّرة بتراب الأرض،
بدون عطش إلا عطش أحدنا للآخر،
بملابس مبللة،
نُجَمِّع أعمالنا اليومية
من أجل أن تأتي العاصفة
لتغسل كل شيء
مثل المطر، الحب، عندما سنتزوَّج.