حمامة باتريك زوسكيند
حمامةُ القدر
جثَمتْ في مَمَرِّ الحياة
مِن أيِّ يابسة جاءتْ هذه المخلوقة الهَشَّة
لِتَملأ طريقي بالكوابيس؟
مِن أيِّ جبل عادتْ مُثقلةً بنعيبٍ أسود على جناحيها
ونظرةٍ يتوسد دائرتَها الحمراءَ الهلع؟
هل أعودُ أدراجي،
وأتركُ خشخشتها للصمت
أم أخطو، وأودِع خوفي الأرضَ،
التي بشّرَ بها الطوفان؟
إكْليلُ الأعْمَى
ضَحْكةُ الرَّعْدِ
تُجلجِلُ خلفَ السَّحاب.
وجهُكِ نافذةٌ مُضيئةٌ تستريحُ على الجِدار
عيناكِ كُرتان مِن نار
تتدحرجُ على الطريق المُبلَّلة بالخوف
أنا مِن بَعيد، أتلقَّى قُشعريرة الوميض في قلبي
وأظفرُ مِن حِبال المَطر الأبْيَض
إكليلا لِلأعْمى.
يُلَوِّح لي
سلاحي اليوم،
تتمنطقُ بِه السَّاحِرة
أحلامي البارحة،
خَرجَتْ مِن النافذة، وأضاعتْ طريقَ العودة.
سيفُ هاملت،
في غمده، على الحائط الأقصر
مِن قامة الريح.
كَلامُ الأموات، يَتخلَّل حديثَ الأشجار
المُنبعث مِن الشُّرفة.
كلامي يُنصتُ لِحديث الطائر،
ويدي تَسهر عاريةً على جَمرة الماء.
أنا أعزلُ
مِن مِصْباحِ امرأةْ
وأرقُّ مِن منديلِ مُسافر.
كُلُّ مَن يُلوِّحُ لي
يربحُ جَلسة في الصَّباح الأجمل
مِن باخرة مُقلِعة.
رَنينُ المَفاتيح
تركتُ رأسي
بالمكتبة،
وانعطفتُ إلى الشارع
بعَينٍ في القدم
ومخطوطٍ تتناثرُ أوراقُه في الأحلام.
بورخيس قبلي فَعلَ ذلك
وضعَ قلبَه في كفِّه
وتَحسَّسَ على أدراجِ القَدَر الحَجَرية
رنينَ المَفاتيح!
أكواريوم الملحمة
حِجَارةٌ مضيئةٌ
تكنِز حُلمَ الماء
الذي يجري في حدائق الجنة.
السيفُ الذي بترَ أزهاراً مُثقلة بالوسن
يلمعُ بالقاع،
مُنصِتاً لموسيقى الأرواح.
الأسماكُ المُجنَّحةُ
تطفرُ مِن قلبي
إلى أكواريوم الملحمة
الحياة غدا
الغدُ طَبعتي المُنقَّحةُ
مِن حياةٍ لم أعْرفها
لكني متفائلٌ
بريشةٍ على كَتِفي
أحرصُ عليها بإيمان ساحِر
أرى الشرفةَ أمامي
صالونَ حيتان
والشمعةَ الخضراء ببغاء متوحِّدة
تُردد ما قُلتُه أمس
أمشي مُتحدِّثا لِأزهار طويلة
امتدَّتْ مِن أصابعي
وطوقَّـتْ عُنُقَك بِالأريج
نحلةٌ صغيرةٌ مِن أفكاري
دلفَتْ إلى أذنَيْك
تريد أن تضعَ عسلا يا حبيبة
الحياةُ أكثر إضاءة
في الغد،
مصابيحُها رؤوس أطفالٍ ضاحكة
بَينَها يتوهَّج وجهي
بموسيقى شفافة
وغيمةٍ مِن جَراد النُّور.
أغنية للمعري
ما أجْملَ الحياة
عِندما تُشرقٌ الشمس
مِن الآخِرة!
هل أنت مثلي
شَرعتَ تُعوِّدُ عِظامك الخاوية
على زحف
دودِها المُضيء؟
الصباحُ يمشي وحيدا
تمثالٌ يقفُ
على قدمٍ واحدة
القدمُ الأخرى
تجَُرِّبُ العيش بيننا.
نحن أيضا جرَّبْنا حظِّنا من الخلود
عثرنا على ريشاتٍ طويلة
فنمنا بقربها
لعلنا نطير
الصباحُ يمشي وحيدا
ساعةٌ أخرى مِن حسابِ المَوت
جعلتْ يقظتي عسيرة.
مَن فكَّرَ
بِحملِ وجهي إلى النافذة
عليه أن يكون مُتَسلِّحاً
بالكلمة السيف
وحدَها تَفْتَحُ عيني
وتضعُ في
يدي ورقةٌ أخرى
للحظ السعيد.
نبيــــل منصـــر
شاعر من المغرب