لم تكن سعيدة في حياتها أبدا كما هي الآن, فلا شيء يطالها، تتجولُ في المنزل وتبتسم للخادمة, وفجأة تتذكر بتلذذ الأعمال المتكررة التي لم تكن ُتلقي لها بالا, فالكي يبهج فكرها, وترتيب الاسرة يطربها . في لحظات نادرة تضحك بصوت عال, وعندما تسأل تجيب بابتسامة حلوة: لا شيء, لماذا, لا شيء البتة.
في البداية اُعجب الرجل بمزاج زوجتة بقدر ما كان ذلك مستغربا بالنسبة له. فمتى حدث ذلك؟
انه أمر لا يقاوم بل انه عدوى, في بعض الليالي يضمها بإلحاح وتشبث شديدين, رغبته التي لا يمكن وصفها تدهشه هو نفسه, لا شيء يشبه ما كان الأمر عليه قبل ذلك. يضطجع وهو يلهث على جهته من السرير ثم يسمع ضحكاتها العميقة الصادرة من القلب.
الحقيقة إنها تعيش قصة حب, والقصة قديمة وتافهة ومبهرجة وتترك أثراً سيئاً.
بالطبع فإنها لا تستطيع ان تتذوقها, فهي مشغولة بالاستمتاع بشفاه شاب َيدعي أنه يحبها ويحتاجها ولا يستطيع حتى أن يتخيل حياته بدون لمساتها. يخبرها بذلك بهمسات حارة في الظلام البارد للشقق المستأجرة في المساء, كل ذلك يتم وهو يضمها بقوة ويقبل أطراف أصابعها.
بحلول الظلام تسرع عائدة الى المنزل لتعانق طفليها, تجلس على أرضية غرفة نومهما, فهي تشعر أنها طفلة, ما زالت مثقلة بروائح متداخلة وملابسها المبتذلة (مكرمشة) وملطخة جراء وجودها في الأماكن السرية.
تقرأ لهم بإبتهاج من صفحات كتاب قصص مصورة وعندما يطالبون بالمزيد تقبلهم بقوة على شفاههم وتضغط عليهم حتى يصرخوا من ذلك.
فيما بعد تستحمُ وتنسلُ الى فراشها, تضطجع متعبة بينما يقترب منها زوجها مرة أخرى, تبتسم وتترك نفسها بين يديه وهي تفكر أن هنالك بالتاكيد آلاف النساء مثلها في كل أنحاء العالم في هذة اللحظة بالذات , نساء محظوظات وجميلات ومباركات, كل هذا الحب وكل هذا الاعجاب.
عندما ينتهي زوجها من أداء واجبه الزوجي, تقبل جبينه بحنان وتدفعه عن جسمها, الى النوم …الى النوم غداً هناك مرة أخرى.
يضطجع الى جانبها وهو يلهث , يحاول أن يقول شيئا….. ماذا يقول ؟ ليس هنالك ما يقال . لا شيء البتة , يستدير وبينما هو يغرق في النوم يتعجب لماذا يخشى أن يقول لزوجته أنه يحبها.
1- نويلي كيو دي جيسس:
كاتبة فلبينية تعيش حاليا في سنغافورة, وهي حاصلة على جائزة بلانكا من الفلبين , تحمل درجة الماجستير في الكتابة الابداعية من جامعة (بولنغ غرين) في ولاية اوهايو. نشرت قصصها في العديد من الصحف والمجلات , وهي متزوجة وأم لطفلين. وهي كما تقول تعمل في مجال الاعلانات لكسب عيشها وتكتب الأدب لتكسب الحياة. وهي مغرمة بكتابة القصص القصيرة جدا.
نشرت هذة القصة عام 2003 عن دار سيلفر فيش بوك في كوالالمبور – ماليزيا ضمن مجموعة قصصية بعنوان (تسعة عشر) من جمع و تحرير جوان لاو.
ورود
نورا ادم(ماليزيا)(1)
ورود, بتلات ورود زهرية, رائحتها الزكية وملمسها الناعم على بشرتها هي كل ما تستطيع أن تتذكره, لم تعلم كم مضى عليها من الوقت وهي جالسة على ذلك المقعد.كان يوماً قائظاً لكنها لم تكن تتعرق , اذا لابد أنه لم يكن وقتا طويلا,بررت ذلك لنفسها.
أتمنى لو أنني أستطيع تذكر ما كان ذلك, قالت بصوت مرتفع وهي تتلفت حولها لعلها تجد من يساعدها . بدا الشاب الذي مر للتو بجانبها كأنه لم يسمعها,لاحظت فيما بعد سماعات (الهيدفون) التي يضعها حول رأسه .
من أنا؟ فكرت ملياً وهي مطرقة الى الأرض.نهضت ببطء وسارت عدة خطوات مترددة الى الأمام, لم يبد عليها إنها مصابة أو مجروحة بأي شكل من الأشكال. حكت رأسها بحذر, لم يكن هناك آثار ضربات أو ارتطام أو أي شيء من هذا القبيل يشير الى تعرضها لارتجاج في الدماغ أو فقدان الذاكرة.
أمضت الدقائق التالية وربما الساعات وهي تطوف بالحديقة العامة لعلها تصادف شخصا أو شيئا مألوفا لديها . تساءلت في قرارة نفسها هل يبدأ اسمي بحرف السين أو اللام ؟
قفز الاسم( سوزان) الى ذهنها لكنها كانت متأكدة انه ليس اسمها.
تساءلت وهي عابسة, لماذا يبدو ذلك الاسم مألوفا لديها .
تذكرت أن سوزان هي جارة قديمة لها التقتها مصادفة مؤخرا. لكن اين؟
شخصت ببصرها تحاول التركيز لتذكر أين كان ذلك, لكن كم كان محبطا أن تشعر أن لا حيلة لها في ذلك.
مر بها رجل يمشي وهو يقود كلبه, وبلا مقدمات ركض الكلب باتجاهها وهو ينبح غاضباً, سحب الرجل الحبل بسرعة ودفع الكلب بعيداً عنها .
قالت لنفسها:كم هو وقح حتى انه لم يعتذر.
استمرت بالسير الى الأمام لكن لم يبد ان احدا يلقي لها بالا كما انها لم تر أي شخص يمكن أن تتعرف عليه, جلست على مقعد آخر لتستريح,عادت ذكريات الورود الزهرية اليها من جديد, رائحتها الزكية تملأ الغرفة, وشخص ما يضع وردة في يدها, وردة زاهية الألوان بدأت بتلاتها بالتفتح للتو, أين حدث ذلك؟ ومن أعطاها الوردة؟ شعرت بالتعب فاغمضت عينيها وعادت الى بلاد الذاكرة المفقودة.
«انها ترقد بسلام». تجمعت عائلته حوله, طلب أن ُتملأ الغرفة بالورود .
حان الوقت الان للوداع, ينحني فوقها وقبل جبينها برفق وضغط على يدها الباردة التي سبق ووضع فيها وردة بيضاء.
وضعت ابنته الكبرى يدها برفق على كتفه وهي تقوده بتؤدة الى السيارة التي تنتظرهم لتقلهم الى المقبرة.
الهامش
1- نورا آدم تعيش وتعمل حاليا في كوالالمبور حيث تمارس المحاماة. في أوقات فراغها تحب قراءة روايات الغموض ومشاهدة البرامج الكوميدية في التلفزيون وهي متزوجة وتنتظر مولودها الاول قريبا. صدرت هذة القصة في شهر مارس من عام 2003 عن دار سيلفرفيش بوكس في ماليزيا وهي ضمن مجموعة قصصية بعنوان (تسعة عشر) . وهي المرة الاولى التي يترجم لها عمل الى العربية.
ترجمة: عامــر الصمادي
مذيع ومترجم من الأردن
زواج سعيد
نويلي كيو جيسس(الفلبين)(1)