الرجل والكلب
تساءل حراس السجن عن سبب إقْحام كلب مع معتقل في زنزانة واحدة وعلموا بعد فضول عنيد أن الكلب لم يقبل بفراق صديقه الذي انهار على أرض قاعة المحكمة بعد سماعه قرار الإدانة بالسجن مَدَى الحياة مع الأشغال الشاقة.
عندما كان الحراس يدفعون بأرجلهم صحن الغداء وكسرة الخبز من تحت الباب للمُعْتَقَلَيْن، كانوا يحتفظون بعيونهم على شقة باب الزنزانة لمتابعة تَفاعُل الصديقين حول الصحن عن كثب.
في البداية، كان الرجل يأكل وحده الخبز مغموسا في المرق ويترك العظم للكلب.
مع الأيام، عند بدء تقديم لحم الجاموس المملح للمعتقلين، صار الرجل يأكل وحده اللحم ويترك العظم للكلب.
وعندما بدأت الإدارة تسمح بدخول الدجاج لمطبخ السجن، كان الرجل يأكل وحده لحم الدجاج ويترك العظام للكلب.
وعندما هيأ مطبخ السجن الكفتة للأسرى، بمناسبة قدوم وفد أجنبي عن إحدى المنظمات الحقوقية الدولية؛ أكل الرجل وحده الكفتة ولم يترك شيئا للكلب الذي لم يصدق عينيه،
والذي صمت طويلا وهو يحدق في عيني صديقه،
والذي بدأ يئن ويتوجع،
والذي تملكه نباح مسعور،
والذي انقض على صديقه فََأَكَلَه.
التحدي
رجل بثلاثة أطفال وزوجة ربة بيت وعمل غير قار لا يمكنه إلا أن يقبل بالعرض الذي قدمه له زملاؤه العمال في ضيعة الفلفل الذين يخبرون فعل الحبة الواحدة من الفلفل الحار كما يخبرون عجز الإنسان على تحمل حرارتها وابتلاعها وهضمها.
العرض يقضي بتناوله نصف كيلوغرام من الفلفل الحار مقابل مبلغ مالي يعادل ثلاثة رواتب شهرية متتالية من العمل اليومي المتواصل.
قبل العرض فتحلق حوله المراهنون وأعطوه الكيس البلاستيكي وبدأوا يراقبون سير العملية ويتدخلون حين يقتضي الامر تصويبا او تذكيرا بشروط الرهان.
كان الرجل يأخذ حبات الفلفل الواحدة بعد الأخرى ويعرضها أمام المراهنين قبل أن يقضمها على ثلاث دفعات ثم يعرض على المراهنين نصل الفلفل قبل أن يرميه أرضا.
ولأن الرجل كان وفيا في إنجازه فقد عم الصمت الحلقة حتى لم يعد يسمع فيها غير صوت القضم والمضغ والبلع…
في البيت، كانت فرحة الزوجة والأبناء كبيرة لكن الرجل لم ينعم بالنوم تلك الليلة فالحرارة التي أحس بها خلال فترة تحلُّق المراهنين حوله لم تفارقه خلال الليل بل ازدادت وتركزت في وسط وجهه وكلتا أذنيه.
وفي اليوم الموالي، لم يذهب للعمل فقد ازدادت درجة الحرارة وتركزت أكثر في أنفه الذي بدا أكبر حجما من ذي قبل.
في اليوم الثالث، غابت الحرارة عن كل مناطق وجهه وغاب معها إحساسه بأنفه.
في اليوم السابع، في جو البيت رائحة نتونة تتبع الأهل مصدرها حتى وصلوا إلى أنفه.
عند الطبيب، علم بأن عليه إجراء عملية جراحية لبتر أنفه بمبلغ مالي يعادل رواتب عشر سنوات متتالية من العمل اليومي المتواصل في حقول الفلفل.
«تَشْبيب»
اقترب الطبيب الخاص من أذن سيادة رئيس البلاد الممدد على فراش الموت وقال له:
– لن تعيش أكثر من أسبوع، سيادة الرئيس!
فطلب الرئيس حضور ميكروفون وكاميرا الإذاعات والتلفزات ووسائل الاتصال جميعها ليخطب في شعبه نبوته الجديدة وإلهامه الأخير:
– أيها الشعب الأبي، لقد كنت دوما راعيا لكم وكنتم دوما رعية لي. أنصتُ لنبض قلوبكم وأدمغتكم وتنصتون لقراراتي وأوامري. وهذا أمري الأخير: إن البلاد اليوم هي أكثر من أي وقت مضى في حاجة إلى تشبيب رجالات البلاد وتشبيب طرائق تسيير البلاد وتشبيب دماء البلاد وسيتولى ابني الشاب البار أمر التشبيب وأمر شباب اليوم حتى يصبحوا كهولاً على أن يتولى بعد تلك الحقبة تشبيب جديد يقوده شاب بار جديد من صلب سلالتنا البارة على أن يتولى بعد تلك الحقبة تشبيب جديد يقوده شاب بار جديد من دوحتنا المجيدة على أن يتولى بعد تلك الحقبة تشبيب جديد يقوده شاب بار جديد من نسلنا العظيم على أن يتولى بعد تلك الحقبة تشبيب…!
بعد الخطبة الرئاسية، خرج كل شباب البلاد إلى الشوارع للتظاهر حاملين لافتات كتب عليها نتف من خطبة السيد الرئيس ليرددوا بعد رجال الاستخبارات في مقدمة التظاهرة الشعارات المكتوبة على الورق والموزعة على الجميع…