المشكال الكاليدوسكوب يدور معاكسا الوقت والصدى، المشكال مستسلم لسلطة الأصابع تدير منظاريه لضبط البعد البؤري للعدسة ومخيلتي .
الدوران لا يضبط انما يزحزح الأبعاد والمرئيات ، المشكال يهز المرائي بدل أن يثبتها-مثلي تماما يعادي الثبات .
أدخل عدسة المشكال وأتخفى بين شظايا الزجاج الملون في فسحة العدسة .
(1)
يراني الزجاج من وجهة نظر الشظية الحمراء فيعرف انني :
حزمة نهارات برؤوس شموس جامحة
وأني:
أعيش الثمرة فيلتهمني الصيف
وأرتعش العشب فتصحبني الريح
وأنام النرجسة فيهذيني الحلم
ويعلم الزجاج إني:
مقيمة في البذرة والرحيق والذبول
ليقطفني التراب
وأحيا البحر في الغمام ليسجنني المطر
يتعلم الزجاج أني:
أترنح عندما أرتل سعادتي
من نغمة سومرية بإيقاع آسيوي
كزعفران عاشق
(أنونيت) نبتة آلهة شاحبة مثل رعشة
(شولا) سنبلة تشهق فاتر السماء
(2)
يتعلم الزجاج من وجهة نظر الشظية الزرقاء
أني :
قمة سرية لبراءة الصبار
شيطانة تشبه طائرا محبوسا
في جسده القفصي – لا في قفص الآخر
(3)
يتعلم الزجاج اني من وجهة نظر الشظية الوردية
الروح التي تصهل مقموعة
مكدسة في الجسد الدودي
المشنوق بحرير شرنقة
وأني أنا الروح التي تجحد استحالات الفراشة
أنا الروح : أيل مذبوح
في مأوى مسبح في اصطبل القلعة
في متاهة القانون
في غابة الدم
(4)
واني من وجهة نظر الشظية الزرقاء:
فراغ يتعهد للمكان بتخلية الوقت
من جسدي المنخطف بحدوس الصبوات
المعلن لأرتال الجراد
وطغيان الرصاص
(5)
وأني من وجهة نظر الشظية الزرقاء والشظية البيضاء
شغب مضاد لألعاب الملائكة
وأنا في مشهد كوني لهذيان مدينة
يقضمها غول مبرمج بحياد الكومبيوترات
ولكل مدينة غولها الطافح من ضعفها
المشكال يغير احتمالات المرائي
ثمة في الدوران الأول مرأى منفلت
مسار حلزوني لرصاصة منطلقة صوب
هدف قد تحيد بمقدار ثلاثة إنجات
فيتبدل مصير العالم أو تدوم الكارثة
فوق العدسة اليمنى ثمة صرخة
بزوايا حادة تتلقى صدمات كهربية
من شظية صفراء وعرة الحافات
(6)
أما من وجهة نظر الشظية البنفسجية
فأنا:
روح تتعرض للاهتراز في الزمن
إذن : تتشظى الى تعدديات أجنحة
بملايين الحضورات
الملاك هو الصورة ألسيميائية لشيطان عاطل
حكم عليه باستحالات الجسد من النار الى الهواء
(7)
أنا من وجهة نظرا لشظية البنفسجية
ومن مستوى أعلى للرؤية :
مستبدة مزهوة ببراعة اصطياد الألم والأبد
مستبدة بموهبة طوفان
مستبدة بقياسات عشتارية
تناقض اللهب
ولا تدحض الجليد المتأهب لحرمانات الماء
(8)
أنا من وجهة نظر الشظية البرتقالية
كوكب مخضب بالأرواح والحروب
التي تتفتح شقائقها على نوم الصحاري
كوكب مهجور في أمومة الفخاخ
اغراء متأخر للدخول في المكيدة
(9)
يدور المشكال في اتجاه معاكس للظمأ
خلود العناق يكمن في الخروج على الجهات
المشكال يتحرك ..
البعد البؤري ينضبط بخشخشة الشظايا
ويزحزح التراكم اللوني مستبقيا شظية
خضراء تبرهن على :
إن الحب تشكيل موسيقي
يرتله الرحيل في الزمن
في مثول بشري يعدد الليلنهار
وليلنهار يجترح سحر ثنائية متلازمة
ليلنهار كان فيما مضى ينسج العناق
من اللا مسمى ويقوض الفتنة
داخل الضمأ
(10)
تبرهن الشظية البيضاء على
ان الدهشة حفل كوكبي
يحصد زمنا من شهوات القمر
رقصة شمسية تشتت اللهب
على السلالات العائدة من موتها
الشظايا الزجاج تهدأ برهة
تتخذ مواقعها في مرادفات الضوء
فأتبادل معها المواقع
كيف أرى الشظايا الملونة ولا تراني فأتقمص
الزجاج وأنجز الشفافية في لحظة اكتمالي
المرأى
أرى عبر الشظية الحمراء مع الشظية الخضراء:
تخلصت المشاهد الدنيوية من أجساد الناس
ليس ثمة في المرأى غير مبان حجر..
مبان معدنية ، واجهات زجاج ضد الرصاص
والاشعاع ،،
لا أحد، لا أحد تبقى سوى
انعكاسات الغيوم على الزجاج والزمن
مرت القنبلة النيوترونية بكل بهائها الرحيم
وأبقت جدران الحضارة تحمي جثثنا الذائبة
في هيئة قطرات مكثفة محفوفة بدبق فوسفوري
يعظم النيوترون إذ يرق وهجه -للحجارة
ويفني أجسادنا محولا الكائنات الى فراغ ،
طوبى للفراع وللنيوترون مجد الكوكب الآفل
قطرتان منا تتعانقان على حافة كأس
بشريان اقترنا في مهرجان الموت النظيف
ايتها القنبلة المباركة
اكنسي المدن من جنوننا وأكاذيبنا
من جبننا وحروبنا
واستبقي قبلة العاشقين على
حافة كأس ،،
المرأى (2)
أرى عبر الشظية الحمراء والصفراء
الجمال يكتسح الأبهاء العلوية لحياتنا
يندفق فينا مثل نهر
الجمال ينقض ما قبله
فهو يعمل على شاكلة النسيان
ثم يهجر كل شي ء ويتسلق السماء
برتقال الضوء يفغر الكلمات
على مرأى للرغبة
والرغبات تدجنها احتمالات القرود
بينما يؤرجح الجمال سلطته في سر الموسيقى
وأنين الغرانيق
في عنق بجعي لشهوة شرقية
في أشجار كرز تطرق نافذة إيروس
في وشم على كتف مزعفر
الجمال يقين يدحض ما سيأتي
ويكتسح الأبهاء السفلية لموتنا
المرأى (3)
الشظية الصفراء مع الخضراء مزدوجتان
اتبع مسرى هروب الملاك الى الجسد
أغافل الحروب فأرى الدم مترعا بالأجنحة
ثمة اصطراع بين الملاك في هروبه الغسقي
الى الجسد..
الملاك ينزع الريش ويلقيه في البركة الراكدة
تنشأ دوائر الصدى المائي
فيمتزج النار بالماء
الشيطان يولد فاتنا في استدارة برعم وردي
يحذف كل ما يصادفه :
الريش والهواء والجليد
ويحتل مملكة اللحظة نافيا الماضي ولاغيا المستقبل
يا للجمال المدجج بالممالك الزائلة
سقطت الملائكة في الفخ
ونجا الشيطان من المكيدة
(احتفظ بصورة فوتوغرافة للمعركة ؛
قطرة دم بحجم الحضارة )
احتفظ بصورة أخرى:
(الجسد مسبوق بالأجنحة
متبوع بالحربة مثلثة الرؤوس
مسرى الهرب مغلق وآيته اكتمال الصرخة )
أدير المشكال دورة أخرى وأبدل المرأى
أرى عبر شظية بنفسجية تقاطع شظية فيروزية :
انظر، فلا يبرق سوى عطش الخشخاش
انظر، فلا تبزغ سوى حصاة باردة
انظر، فلا ينهمر سوى الهشيم والرسائل العتيقة
انظر، فلا تفتح المفاتيح أقفالنا
انظر ، فلا توقظ الظهيرة شموسي
انظر، فلا تفيق الأميرات من قضمة التفاح المسموم
انظر ، فلا أرى سوى رؤوس التنين
ترسل حممها الى عصياني
المرأى (5)
أدير العدستين بمقدار ست درجات
فأرى ما أرى وليتني لا أرى
هذه امرأة تعلن الجسد رغيفا
هذه مدينة يأكل اثداءها الذئب
هذه صحراء لبؤة تلتهم ما تبقى
على ايقاع نشيد الدم ..
المرأى (6)
أرى عبر شظية صفراء تلتصق بشظية حمراء
انظر فأرى الأبقار المبقعة تبيعني الحليب
على الرصيف :
اللتر مقابل شهر من عملي في النسيان
انظر فأرى البساتين تشمر عن أسوارها
وتبيعني الثمار:
الواحدة بثمن نوبة بكاء واختلاج أنفاس
انظر فأرى الحقول تكشف سيقانها القمحية للريح
وتبيعني الخبز المظلم
الرغيف بعام : واحد من الأرق
انظر فأرى الخياط المكسو بالدبابيس
يبيعني قميصا مقابل شريحة من روحي
أعلقها على النوافذ والشاشات ليملحها
الصدأ والشتائم
انظر فأرى الطرقات تلاحقني وتؤول بهجتي
انظر فأرى المصابيح تسلط أشعة × على دمي
انظر فأرى المحطات تصطادني لاوهام السفر
انظر فأرى الدواجن تستريح على أطر اللوحات في المتحف الوطني
انظر وانظر فأقطف البلاد زهرة عباد شمس
أقضمها مثل رغيف أخير لعشاء أخير
انظر وانظر فأرى المحبة مشردة في الساحات
تتسول أغنية وشاهدة
أدير العدسة درجتين ويتشوش المشهد:
هل العالم مصاب بالشيزوفرنيا؟
هل العدسات مصابة بالرمد؟
أم أن الرائية مصابة بالهذيان ؟
أواصل تحريك مفصل العدسة وأدع الشظايا تعود
الى مراقبتي
(1)
شظية الأزرق البابلي تلاحق رائحتي
فأقودها الى ظمأ أسيري
أضللها عن جزيرة مباهجي
أسدل الغمام على آثاري
إنما المؤامرة تقتفي فراغي
أزجر الطير: أرفع القدرة الى منزلة الحب
أزجر البوم : وأنبذ حكمتها
أرفع الكنايات الى مرتبة الهوى
فراغي يلتحم بحداثة الزنبق
أزجر التابع
أمحو المثال
الصلصال يخلق مثاله على مثال الحكمة المتفسخة
الفأس تعيد الصلصال الى التراب
(2)
اضبط البعد البؤري للعدسة فتكشفني في مخيلة
الزجاج لتراني الشظية المستديرة الصفراء
وأبو نواس يردد أمامي:
(لتلك أبكي ولا أبكي لمنزلة ..)
الحيف يلحقنا
أدير العدسة
احتج صارخة ، احتج عاشقة
احتج حالمة ، احتج آية لهب
احتج لاحتجابي
احتج لانحباس الوعول
لانغلاق الدوائر
لانكسار الاجنحة واقتلاع القوادم
تواني الشظية الصفراء ثانية
أطلق أيائلي ووعولي في الأزمنة
أيائل الأنوثة المبجلة تكونني
وتشق مسالكها في براري الحروب
وفضاءات المنع
الحيف يلحق بالبراءة السادرة
الحيف يلحق بي
وأبو نواس ينشج على كتفي:
(لتلك أبكي ولا أبكي لمنزلة …)
أكيف يلحقنا
أدير العدسة ، يتلاشى الصوت ، تغيب الأيائل والوعول
تفلت الأنوثة من المشهد لتتماهى مع المشهد التالي
(3)
الشظية الأرجوانية تراقبني تلاحقني تتلصص
الشظايا الصغيرات على سري
أبدو في احتراقات الغسق
محكومة بامكانات الزوال
محكومة بفداحة غيابي
كل سرمدياتي تنفرط على ضحكة
فتفيق مقابر السلالة على انخطافي
ينثلم بالطوفان سد بلقيس
انزياح الماء يقصيني
أنا البارعة في عبوري الخارق الى الهناك
أنا المكبلة كذبائح الأنبياء
أنا من اكتملت وألقت بالبراقع فوق جمر السكوت
تراقبني الشظايا الزجاج
أنا الكائن الذي يتريث في عزلة البرزخ
ويتربص باحتمالات القنص
انا الكائن الذي لم يكن عابرا
لم يكن سادرا
أنا الكائن الذي
أنا الكائن
أنا
أدير القرص المسنن لأحرك العدسة ، لتتحرك الشظايا
لأجعلها تراقبني من سماء عاشرة على
بؤرة الضوء
(4)
تراقبني الشظية العشبية فأباغتها من وراء
قامة النصوص
أنا أيضا :
الكائن الذي لم يكن سادرا في نشوة النص
نشوة القص
أنا الكائن المشمس في ظلامهم
لحظة أقمت الحريق في خرسي
لحظة أينع الجنون في خطواتي
لحظة بارحت الوقت الهلام
الى يأس السرابات
نفيت انجراحي الى التغاضي
فأترعني دخان الزحام
الطرقات فحيح أفعى
الشرفات قشور مواعيد
تراني الشظية في غير ضوئي
وأنا أبارح الخرس الوباء
(أبادل كناية الرؤية عبر الظلام – أدخل اللون
وأنظر عبر كسفات الزجاج )
المرأى (7)
أرى : أرني
يخضبني الوصول بالأسئلة
أدوس سذاجات اليقين
أثمر أسئلة أخرى
أرى العراء يفسخ جثة الأمل
والصرخة تتمدد على قطرة دم
قطرة الدم اخطبوط يمتص العالم
معلنا قدوم السلالات الأخيرة
سلالات الأنياب والنيوترون
سلالات الكواتم والمذيبات البريئة
وحقن الايدز والسموم المتريثة
أرى حامض DNA يركض في المتاهة
منفلتا من نظامه الجيني
لينبثق وراءه جيش من المسوخ
هو الدود الذي انهمر من حواس "أنكيدو"
على اليقين الملكي
هو الدود الذي اختلج على جسد "أيوب" عابرا معه الخرافة
جيش المسوخ الممتد من …
أول الكهوف حتى تلسكوب "هابل"
أديرا لعدسة فتفلت المرائي: اصطاد واحدا..
المرأى (8)
تلتحم الشظايا الزرق بالشظايا الصفر
ازدحم غبطة بين الشظيتين
أرى الجسد يتساقط عل الكارثة
اكتشف الجنون على رؤوس الأصابع
في الأقوال المأثورة المحمصة كالفستق
اكتشف الجنون برعما في حطب المجاعة
اكتشفه في فوضى محباتي
في اللغم الضاحك ينكتب على استبداد قلبي
اكتشف الجنون في شجر الموز
يحتفي بفؤوسي
اكتشفه في ازدهار السقوط
حينها أغص بآيات جنوني
وأديرا لعدسات الى وجهة تالية
المرأى (9)
الشظايا مجتمعة توميء لي أن أحتشد بالورد
وأصغي الى بذرة المعجزة
أراني موغلة في تراب الأقبية
أمر مثل آهة بين قضبان الحزن
ثم أراني موغلة في الفضاء في النجاة في البحر
أرى نضارة الأقحوان تذرف لقاحها في مواسمي
أرى خصوبة المد تنفسح على ذبولي
أرى السنابل تفيض من البحر الي
أرى السعف يتقوس تاجا وموسيقات
أرى الريش يتضاحك في نعاسي
وعندما يشرع الحلم بعناقي
تنسل النذر من تحت الباب الى سلامي المرتجف
ينسل التراب الى صحوي
أسرع فأدير العدسات الى مرأى أخير
المرأي (10)
شظية زرقاء تقاطع شظية برتقالية
أرى:
نبتة الطرفاء تنوح بين فخاخ الألغام
الوقت يولد في مقلتين نجتا من المحرقة
حذاء عسكري يطأ كونا مكثفا في جسد معاند
الشاحنات تموه الممالح بدروع السلاحف الثكلى
الملح يركض الى الجماجم الضاحكة
مثلما يركض النعاس الى رؤوس العائدين
في موكب النجاة ..
ينقض الجمال على قطرة ندى
يفتتح معجزته على وجه ، على يدين
على ذاكرة نجت
ونبتة الطرفاء تثمر صلصال روحي
وتدرب الجمال على احتساء دمي
تدرب الثعالب على اقتفاء الشلو
المقطوع من جسد هارب
تمزج الطرفاء معجزاتها بالرمل والصلصال
والدم والأعصاب
ثم تلتقي بخلائقها الآلهة الام (ننتو)
في مدى الموكب الطويل
موكب العائدين من السبات
أراهم والنسيان ينفخ أكمام قمصانهم الخاوية
أراهم والذاكرة تلوب على العكازات
أراهم وأنا أرتب حروف السلالة
وانشيء سديما من ارتعاش الماء
وسديما من دموع الأثل والنخل
أرتب السدم عل جبيني
فأراني مجرة للسلام
لطيفة الدليمي (كاتبة وقاصة عراقية)