طارق إمام
حزمة مغامرات يخوضها حاتم حافظ دفعةً واحدة في روايته الأحدث “كقطة تعبر الطريق”. ليس فقط لأنّه قرّر مبدئياً، ببرودة دم، أن يقدم رواية “غير مصرية” على مستوى الفضاء والمكان والشخوص، فحتى اجتراء كهذا لا يعدو أن يكون واحداً من خيوط المقامرة.
في الرواية، الصادرة مؤخراً عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة، تنهض الأمكنة التي ربما لم يطأ “المؤلف” أغلبها، موصوفةً بدقةٍ متناهية، وملتبسةً بالشفرات الثقافية المتراوحة بين رهط جنسيات وأديان وأفكار وطبقات تقطن هذه الأمكنة أو تتردد عليها. الأصعب هو الحوارية التي تتخلّق من لغط لهجات، باستذكارٍ دقيق حد أننا نتنقل مثلاً بين الفروق بين لهجات درعا وحمص ودمشق في إطار لهجةٍ واحدة هي السورية، فضلاً عن ألسنةٍ أخرى.
هنا تنهض مغامرة أخرى، إذ تسير العملية الإبداعية هذه المرة في حركة عكسيّة، مرتدةً من الافتراض للواقع. ليست الخبرة المعيشة فقط ما ينتج مرويةً “واقعية”.هذا ما أفترضُ أنه من بين أسباب حاتم حافظ للنهوض بهذه الرواية. الواقع الحقيقيّ هو أفكار الواقع، ويمكن للبنى الفوقية في الفن أن تبتعث بناها التحتية بل وتمنحها قدرةً فائقة على التجسد والإيهام، ما يجعل من رواية حاتم حافظ نصاً مكتمل النبض رغم أنه ليس انعكاساً مباشراً لمأزقٍ معيش يمكن عبره البحث عن “المؤلف” في أحد أبطاله بطريقة النقاد المدرسيين.
نحن أمام رواية موضوعها “العالم”، بهذه البساطة وبذلك التعقيد، رواية كرنفالية، حواريّة بالقصد الباختيني، وليت هذه الحوارية تنهض على جدل هويّات راسخة حتى أو ألسنة نقية، لكنها تُصعِّب من مهمتها أمام نفسها، فهويات الشخوص هنا هي جروحها: هوياتٌ مراوِحة، قلقة ممزقة، عصية على التعريف، من طفلة الخامسة “ليلي” إلى أعتى عجائز النص، حدَّ أن ردها لمنابعها الأصلية يغدو ضرباً من العبث، بالضبط كرد كائن في حديقة الحيوان إلى لموطنه الأصلي بملصق، فيما وُلد ويموت في خارطةٍ لا ينتمي لها، هذا إن أدركها.
محكيةٌ تعبر الطريق
يجترح حاتم حافظ بنيةً خطرة شقّت الرواية إلى قسمين يلتئمان على عدم تساوق عنيف: أحدهما عصبه رواية أصوات، والثاني يمسك به السارد العليم. من جهة هناك حدّية النسبية القصوى لما تمثله رواية الأصوات من تشكيك في الواقعة الروائية ودحض راديكالي لأحادية وجهة النظر، ومعها “الحقيقة”، وفي الجهة المقابلة تنهض يقينية وجهة النظر المركزية للسارد العليم التي لا تقدم ما تراه أو ما تعرفه، بل ما تفترض أنه “الحقيقة”. بين المنبت والوجهة نتحرك في روايةٍ مهجنة، متوترة بين قطبين، بالضبط كشخوصها، ومثلهم، تعبر من جانبٍ سردي إلى الجانب المقابل مخاطرةً بعبور الطريق، وكأن الشكل نفسه هو المحاكاة الأعمق لما يطرحه.
ينتشل النص “عالية” السورية، المشرفة على الثلاثين، من خرائب “درعا”، ليختبرها في المنفى. دعنا نقول “المنافي”، لأنها انتقلت إلى بيروت فبازل ثم باريس فنيم، مشفوعةً بطفلةٍ أنبتتها علاقةٌ غير شرعية.
بصوتها تسرد عالية ستة فصول من القسم الأول، أما الفصول الستة الأخرى في نفس القسم، فيسردها “ميشيل”، الفرنسي المنزلق نحو غروب أربعينيّاته، الذي تتعثر به في بازل كمن يتعثر في حجر. قسمٌ في اثنتي عشرة نقلة تكاد تترجم شهور العام الوحيد الذي انقضى بالكاد مع انطلاق النص. هكذا تتأسس حوارية الوحدة الأولى من الرواية، كأنّ الحوار الحقيقي بين الشخصيتين هو مونولوجاهما الداخليان المتقاطعان.
لقد اندلعت الحرب السوريّة لتتألب على شرعية سياسيّة، لتؤسس شرعيةً بديلة، لكنها جرّدت “عالية” بالذات من الشرعية، وبالتأكيد لا تكفي الورقة التي زورها “عمار”، رجلها السرّي، لإسباغ الشرعية على العلاقة ومن ثم على ثمرتها “المحرمة”: ليلي. لا تنتمي عالية للثائرين، ولا تنتمي للنظام، إنها “نصف علويّة”، “نصف برجوازية”، مثلما هي “نصف ريفية”، لا تملك حتى فريقاً يمكنها الانضواء بنقاء تحت مظلة عقيدته أو مطلبه.
تبحث عالية عن عمل، فيما يبحث ميشيل عن تبطّل. إنهما يسيران معاً نحو غايتين متناقضين في مفارقةٍ فادحة. هي تبحث عن وجهةٍ تُنهي هروبها، فيما يبحث هو عن الهروب نفسه هرباً من الوجهة. تتحدث فرنسية عاصمة بلاده التي لا يجيدها أو لا يريد، وبالمقابل يمارس أبوَّة حقيقية تجاه طفلتها التي تتركها له ببساطة من يعير شخصاً معطفه. يبدو كأن كلاً منهما يملك ما لا يريد، كأن أحدهما كان يجب أن يكون الآخر. خمس مضاجعات في عامٍ كامل، لم تصل فيها عالية إلى ذروة، ذلك أن الذروة تبعاً لعالية قرينة الشرعية أيضاً: لا لذة دون ورقة رسمية، دون زواج موثق. إنه التمثيل الأفدح لتغوُّل السلطة حتى تغدو جزءاً من الغريزة نفسها.
ترتحل عالية إلى باريس بحثاً عن فرصة عمل في دار نشر، تترك طفلتها مع صديقها، الذي يرتحل بدوره إلى بيرن لتغذية بطالته. إنه التحوّل الأول الحقيقي في النص، وهو يترجم البنية المجردة للشخصيتين، يكسو المجرد باللحم والدم، عكس ما تفعل الروايات عادة إذ تذهب من التشخيص للتجريد.
في باريس تطرأ “أولجا” لعالية، بيلاروسية يهودية مثلية، يطرأ أيضاً “باها” الهندي، وهو في حقيقته “إيهاب” المصري، يطرأ “فرنسيس” صاحب دار النشر المريب، ثم “سهيلة” المثقفة العربية الحربائية. إنه مربع ستتخبط عالية بين أضلاعه، سيقابله مربع آخر يمنح “ميشيل” كتلته المقابلة في بيرن: تطرأ “نعمة بو ناصر، جليسة الأطفال الأمريكية تونسية الأصل، يظهر ألبير، صديق ميشيل القديم، وزيلما السويدية، فضلاً عن ليلي، المتسائلة بإلحاح “من أين أنا؟”، وقد تأكّد ارتباك هويتها بانتمائها للكتلة التي لا يجب أن تكون أحد أضلعها، حتى إن صديقها الوحيد سيكون “ليونيد”، الطفل العابر الذي لا تعرفه.
تحافظ “كقطة تعبر الطريق” على التكوين بتوازن مرهف، حتى إن العابرة التي تظهر لعالية في الباص في مشهدٍ واحدٍ محوري، لتُعرّي جانباً من شخصيتها ولتؤسس تعريفها لأول مرة كامرأة غاضبة، ستزنها عابرة أخرى تخبر ميشيل في رحلة القطار أنه استقل القطار الخطأ، لتنبئه دون وجل، بل وبقدرٍ من الشماتة، عن حقيقة تيهه _ هو المغرم بموديانو، روائي الشخصيات التائهة بحثاً عن هويةٍ وتعريف _ ولتواجهه بلا وعيه الراغب في الهرب حتى وهو يقرر أخيراً الانضواء تحت لواء وجهة سبق أن غادرها.
حتى “الباروكة” التي تضعها أولجا على رأسها في عالم عالية، تقابلها باروكة على رأس زيلما في عالم ميشيل. واحدة منهما تستضيف عالية في سريرها، فيما يستضيف ميشيل الثانية في سريره.
“امرأة غاضبة.. رجل ضجر”. بالطبع لستُ بحاجةٍ لرد الوصف إلى الموصوفيْن، لكن العنوان يؤدي دوراً أبعد ليحيل إلى عصب رواية حاتم حافظ كنصٍّ مفاهيمي. فالغضب والضجر يقدَّمان كمفهومين، لن يلبث الساردان أن يتوقفا لتأملهما، كأن المحكيّة تكئة للاستبطان.
“الغضب” قرين “الأمل”: هكذا تكتسب عالية المتخبطة في عتمتها، جدوى رغم كل شيء وضوءاً محتملاً في نهاية النفق. نقيض الغضب هو اليأس، وفي تأويل عميق، فقد انطلقت شرارة الحرب السورية نفسها حين اختفى الغضب وحل محله اليأس، في استقراء عميق لمعنى الحرب نفسه. ومثل “الشعر المستعار” على رأسي أولجا وزيلما، ترقد العمامات فوق رؤوس الرجال كعلامة تصالح وإنكار للواقع، يمثل نزعها عن الرؤوس إعلانَ حرب.
“الحضور” سؤال أساسي لميشيل. ليس “ديريدا” ومن قبله “هيدجر” من ضمن الأسماء التي تترى في الرواية لمفكرين وكتاب، لكن “ميتافيزيقا الحضور” حاضرة ومتخللة نظرة ميشيل (المثقف) للعالم. المثقف الفرنسي الذي بدأ فوضوياً ثم انضوى تحت لواء الحزب الاشتراكي قبل أن يكفر بحدّي البوهيمية والالتزام، استحال إلى قلِقٍ وجودي يكاد يرى واقعه تحت ضوء الأسئلة المجردة.
إنه يهجر عمله كموسيقيٍ ناجح، بسبب دافعٍ فلسفي. ومن لحظة تأمُّل لصور الراحلين على جدران الستوديو يقرر مغادرة الغياب للغياب، كأن شرارة الحضور ستنطلق من اصطدام قطبين متشابهين، في تجريدٍ أعمق للمثلية، التي ليست أحد مكونات شخصية ميشيل، لكنها تُفسرُ بظلٍ مرآوي شخصيةً أخرى هي “أولجا”، التي تتحول بدورها من زوجة عاشقة، وامرأة سوية جنسياً، لمثلية دون سببٍ منطقي، بل دون حتى أن تهتم الرواية بتقليب هذا السؤال، وكأن شرارة الحضور الأخيرة للمرأة الشائخة لن تتخلق بدورها سوى بجعل الحضور لقاءً بين غيابين، غياب الغريزة الأصلية وغياب الرغبة الأساس.
يبدو ميشيل مسكوناً بإعادة التعريف، ذاهباً إلى المعنى غير الاتفاقي، كأنه يمارس دورًا شعرياً. حتى تشبيهاته للسلوكيات الإنسانية، تستعير هوياتها من عالم الثقافة، حيث ثمة ضحكة رائقة كأغنية للبيتلز، ونبرة صوت مرتبكة كإحدى أغاني البلوز. يشمل ذلك حتى تعريفه لـ “الخيانة”، هو الذي يحيا بين خيانتين: خيانة أبيه لأمه، وخيانة زوجته له. يقلب ميشيل المعنى الاتفاقي بجرة قلم، حين يرى في خيانة أبيه لأمه دليلاً على أنه أكثر إنسانية منها، فيما تمنحه خيانة زوجته له كوده كعالق. حتى عندما يدلل ميشيل “نعمة”، يدعوها بـ”نيمو”. هل يحيل التدليل لسمكة الكارتون التائهة بحثاً عن موطنها، أم أنه ذهب لتأويلٍ أكثر تجريداً يقضي بأنه اشتقه من اسم مدينته “نيم”، كأنه في الحقيقة يدلل مسقط رأسه، في مديحٍ للجذور المقتلعة: جذوره وجذور الأمريكية معاً؟
مع القسم الثاني “قطط برية” تتحول عالية وميشيل إلى شخصيتين تحت مجهر سارد عليم. إنه انتقال حاد في وجهة النظر بالطبع، لكنه أيضاً يُغيّر من إيقاع الحكاية. في الحقيقة، هو يدفع الحكاية للأمام، لاهثةً هذه المرة، بعد أن هيمن الاسترجاع على مقدرات القسم الأول ملتبساً برصدٍ بطيء للَّحظات. حين تسرد الشخصية عن نفسها لا تكون مشغولة بسرد حكاية عاشتها بالفعل، قدر تقديم استخلاصٍ وجودي. أما السارد العليم، بالمقابل، فيخاطب أشخاصاً باحثين عن حكاية، بمن فيه أبطاله.
يبذر القسم الثاني عابرين جددًا: سهيلة، محركة فرنسيس، وربما مُحرِّكة محكية القسم كلها، تتجسد “جانيت” أم ميشيل، و”جاري”، أبوه، يتجسد أخوه “برنارد” وزوجته “سيمون” وأطفاله، وجميعهم كانوا محض أسماء في القسم الأول. هنا سيمكننا أن نتتبع عالية وميشيل كشخصيتين بعد أن كانا في القسم الأول صوتين. “قطط برية”: نحن أمام ضمير الجمع الآن وليس المثنى، ونحن أمام توصيفٍ يرتد بالذوات كعلاماتٍ ثقافية إلى العالم البرّي، عالم ما قبل الثقافة بعد أن كان العنوان الأول متصلاً بالثقافة والإنسان.
لكن ثمة ما هو شديد الأهمية مع الانتقال من قسم لقسم، يخص مناقشة أسئلة في صلب الفنية الأدبية نفسها، مثل اللغة، الشخصيات، بل والنص الأدبي ذاته. اللغة، بالطبع، في قلب السؤال. ميشيل نفسه لا ينطلق في قراءة العالم بمعزلٍ عن تفكيره في سؤال اللغة. مع نهاية القسم الأول يرسل ميشيل رسالة هاتفية، تتحول إلى نصٍ يجري تأمله في سياق ميتا سردي. مجرد رسالة تداولية تصبح موضوعاً لتأملٍ روائي فيما وراء المتخيّل، عبر سؤال هو في الحقيقة سؤال الخطاب الأدبي كلها: “هل يمكن للكتابة أن تراوغنا إلى هذا الحد؟ من الذي يكتب الآخر؟ هل تكتبنا الكتابة؟”. سؤال التدوين لن يلبث أن يجلب سؤال المتلفظ: “ماذا عن الكلام؟ هل نُملي أيضاً الكلام الذي نقوله لبعضنا البعض؟ أحياناً كثيرة نقول أشياء لم نرغب في قولها لكننا نقولها بالطريقة الخاطئة”.
هذا التساؤل الذي ينتهي به القسم الأول سيوسِّع من نفسه في القسم الثاني، الذي سيعمل على تعميق تعرية المتخيّل نفسه، ليس فقط لأن السارد العليم نذر نفسه لذلك الفعل، لكن لأن الشخصيات نفسها تحالفت معه على إنشاء متنٍ لا يخلو من التغريب.
وراء المتخيّل
نادراً ما تدرك الشخصية الروائية ماهيتها العميقة. إنها راقدةٌ تحت التصوّرات الأولية لأصحابها وقشور الأسباب الظاهرية للإتيان بفعلٍ ما، وعملية التأويل العميق تُترك في الغالب داخل الخطاب لوعي شخصيةٍ أخرى، أو لساردٍ عليم، وخارج الخطاب للتلقي، للقارئ أو الناقد.
لكن شخوص “كقطة تعبر الطريق” تنقض هذا التقليد، وتضطلع بنفسها بالمهمة الموكلةِ لسواها، إذ تدرك تماماً جوهر مأزقها الوجودي، وتسرده، أو “تعرضه” بالأحرى في فعل تعرية، ببساطة كأنها مؤلّفة نفسها، فتخوض مباشرةً إلى الدوافع العميقة تاركة لدى المتلقي “الجاهز” نفسه قدراً من عدم التصديق.
ما معنى أن تبرر “جليسة أطفال”، بتلقائيةٍ متناهية، مجيئها إلى مدينةٍ غريبة مُجيبةً: “كنت أبحث عن غياب له ضجيج لأن حياتي كانت كفيلم صامت”؟ ما معنى أن تسوق امرأة متنفذة مبررها لرفض موظف مُصرِّحةً ببساطة: “لأنه لم يتقن استخدام قناعه”؟ ما معنى أن تدفع عالية بمبرر لوهنها أمام السائل، من قبيل “لا شيء.. الوجود فقط هو ما يرهقني”؟
شخصيات “كقطة تعبر الطريق” لا تتكلم، بل تدفع مباشرةً بتأويلات شعرية، وتجريدات فلسفية. إنها شخصيات تكاد تصل إلى الوعي بـ”فنيتها” في بعض المناطق، لتخلخل حتى خطاب الإيهام بنفسها.
تصرح “سهيلة” بعبارةٍ ذاهبة إلى ما وراء المتخيّل: “في سكري أبدأ في تخيّل أننا كلنا شخصيات في رواية.. أو في مشهد من فيلم.. أكاد وقتها أسمع صوت المخرج يصرخ بالتوقف.. وحينها أفكر أن كلاً منا سوف يستأنف حياته مجدداً.. سوف يخلع قناع الشخصية ورداء الدور ويستقل المترو عائداً إلى بيته” . إنها أكثر من عبارة مجازية طارئة لشخصية تحت السكر. أولاً لأن هذه الشخصية بالذات توصَف من قبل السارد “العليم” بأنها “تشرب لتستعيد وعيها لا لتفقده”، وثانياً لأن السارد نفسه يؤكد دون تردد أن “لم يكن أحد بمقدوره فهم سهيلة مثلما كانت تفهم نفسها”، وثالثاً لأنها هي نفسها ستعترف لاحقاً: “حين أكون في وعيي أدعي أنني مخمورة.. وحين أكون مخمورة أدعي أنني في وعيي”.
في موضع لاحق سيعلق السارد عبر وعي عالية: “عالية خطر لها أن تسأل عمن يضمن لها ألا يكون وجودها في ذلك الحفل وجوداً خيالياً. هل هذه حفلة خيالية؟ هل سهيلة شخصية خيالية؟ هل أنا شخصية خيالية؟ هل ميشيل وأولجا وباها شخصيات خيالية؟ وأمي.. وأبي.. وسوريا.. والحرب؟”.
مع الصفحات الأخيرة يُسفر فعل التعرية عن وجهه الأشد وضوحاً، فيما يرتد لما خلف النص والشخصيات والسارد، إلى المؤلف ذاته: “لا التفاؤل ولا التشاؤم التام يمكنه أن يصنع كاتباً جيداً… الأدب الحقيقي هو الأدب الذي في مقدوره طرح أسئلة فقط”.
“عالية كان يمكنها الآن كتابة روايتها، لكن الجرأة كانت تقفصها”: هكذا يخبرنا السارد، لكن شخصاً آخر امتلك الجرأة ليكتب روايتها عوضاً عنها، ولتصبح المؤلفة المقموعة بالذات إحدى أبطاله.