(صالون مزين بالأثاث المتشابه، إيزيدور شاب في التاسعة عشرة من عمره. بونا في الأربعين، جيوستو في الخمسين. كلهم يرتدون ثيابا شبيهة بثياب التماثيل التي تعرض في واجهات المتاجر).
جيوستو : إيزيدور، ابني العزيز.
بونا : إيز يدور، يا كنزي.
جيوستو : إيزيدور، أبواك اليائسان يتوسلان اليك أن
تكلمهما.
بونا : إيزيدور. أبوك وأمك يتضرعان اليك أن تقدم لهما
تفسيرا.
(سيظل إيز يدور طوال هذا الفصل ينصت اليهما دون أن ينطق بكلمة. لكنه في مقابل ذلك سيقوم بأشياء كثيرة :كأن يحك رأسه.أو ينظف أظافرا أو أذنيه. أو يرتب شعره. وفجأة سيشرع في خلع ملابسه، بدءا بالسترة ثم البنطال فربطة العنق والقميص والجوارب والحذاء، ويحتفظ بسرواله القصير. بعد ذلك سيفتح حقيبة صغيرة ويخرج منها حذاء فخما وسروالا من المخمل المضلع وصدارا وقميصا باليا، وسيرتاي ذلك بنفس الطريقة التي خلع بها ملابسه. وفي نهاية المسرحية سيكمل ارتداء الثياب وسيتحول من تمثال لعرض الأزياء ال بينتيك Beatnik رف الملابس ).
جيوستو :عليك يا إيز يدور أن تتكلم هل فهمت ؟
نعم يا إيزيدور، عليك أن تبوح لنا بآلامك. أن تحدثنا عن الأذى الذي ألحقه بك أبوك الذي رباك الذي و أمك التي و ضعتك فى هذا العالم و أرضعتك ورعتك.
جيوستو : هل تريد أن تغادر المنزل. يا إيزيدور على حين غرة، دون أن تقدم أي تفسير
بونا : ماذا ينقصك يا إيزيدور ابا لماذا تريد الذهاب ؟
جيوستو : الا تعلم يا إيزيدور، أنك تجرح مشاعر أبويك بموقفك هذا: أريدك يا إيزيدور. وبكل الحاح، أن تقدم تفسيرا لقرارك.
بونا : أجل يا إيزيدور عليك أن تفسر الأمر. الا ترى يا ولدي أنك تحطم قلب أمك ابا
جيوستو : لا، يا بونا لا داعي للبكاء،من واجب إيزيدور أن يحدثنا… نعم.. من واجبه وسيتكلم بونا : تكلم يا إيزيدور سيتفهم أبواك – اللذان
يحبانك – وضعك ويصفحان عنك.
جيوستو : الا تريد أن تتكلم يا إيزيدور :؟ طيب، سأتكلم أنا. نعم أبوك سيتكلم لأن عزمك على الذهاب بدون مبرر يعني الكثير بالنسبة لنا. كأنك تلمح بموقفك هذا الى أن أبدك وأمك كائنان حقيران، لا يستحقان منك أن تبرر سلوكك لهما. أنت تهيننا يا إيز يدور. لكني سأؤكد لك الآن أن لك أبا وأما نزيهين وعليك أن تفخر بهما. أليس هذا صحيحا يا بونا؟ بونا : بلى. يا جيوستو، فكلامك صادق.
بونا: بلى.جيوستو : إلا أني عوفي أن أتمادى في تقديم براهين غير مجدية، سأضعك يا إيزيدور أمام الوقائع. لن أبريء نفسي وسأكتفي بوصف يوم نموذجي في حياة أبويك.
بونا : صدقت يا جيوستو، يوم نموذجي. أنصت الى أبيك يا إيز يدور أنصت اليه جيدا.
جيوستو : إذن فلنبدأ يا إيز يدور من الصباح. الساعة الآن تشير الى الثامنة، وأبواك مازالا نائمين. لماذا ينامان كثيرا؟ لأنهما ينامان فوق سرير "السماء السابعة " الذي لا يضاهي بنعومته ورخا وته 0 وتماسكه والعالم أجمع يعرفا بفضل الاعلان الاشهاري الذي نس ى فيه شابا أنيقا يسأل عن منوم في إحدى الصيدليات فيقول له الصيدلي : أدلا داعي للمنوم، يكفيك سرير، "السماء السابعة " وما هو شعار هذا الاعلان يا بونا؟
بونا : "سرير السعادة ".
جيوستو : ونحن ننام على هذا السرير المغلف بغطاء "بولاريس " الخفيف كريشة والدافيء كموقد. بونا، صفي لإيزيدور الملحق الاشهاري لغطاء "بولاريس ".
بونا : ثمة فتاة عارية تتفسح برشاقة في طبيعة شمالية وسط الدببة وأهالي الاسكيمو، وبعض الانصداعات الجليدية، وحبيبات الثلج وعلى كتفيها غطاء "بولاريس ".
جيوستو: وصف أمين أما مفتاح الصورة فهو: "كرسوا حياتكم لبولاريس " إذن فنحن يا إيزيدور نرفع الغطاء الخفيف في الهواء، وننزل من سرير "السماء السابعة " ثم ننهض ونحن نرتدي المنامة، بونا، ماذا سنقول لإيزيدور عن منامتينا؟
بونا : إنهما منامتان من القطن الناعم من طراز "المسرنم "(1) في ملحقهما الاشهاري نرى فتاة جميلة ترتدي المنامة وهي تمشي بذراعين مفتوحين على شفير الهاوية وف خلفية الصورة مجموعة من السقوف وقطط في ذروة العشق وبدر مكتمل..
ومفتاح الاعلان يؤكد أن "المنامة تقاوم الأرق ".
جيوستو : لكن من أخرجنا من ذلك السبات العميق الذي كنا نرتدي فيه منامة "المسرنم " ونستمتع بغطاء "بولاريس " فوق سرير "السماء السابعة " ؟ إنه جرس منبه يحمل علامة "زغردة الشيطان " وهو غاية في الجودة، ولاشك أنك سمعت عنه يا إيزيدور بفضل صورته الاشهارية التي يظهر فيها منبه موضوع فوق طاولة مزخرفة بأعلى مدفن مصري وحولها مومياوات تقف خارج توابيتها الحجرية وهي تلتحف بشرائط البردي. وماذا يقول الشعار يا بونا؟
بونا : "منبه واحد يكفي لايقاظ أسرة بأكملها".
جيوستو : وهكذا يهرع أبوك وأمك فرحين غير مبدلين، كطفلين صغيرين، الى الحمام ثم يتعريان ويستسلمان لمتعة الاستحمام. لماذا يا إيزيدور تغمر السعادة قلب أبيك وأمك منذ الصباح ؟ ولماذا يغنيان ويضحكان ويصخبان تحت زخات الماء الفوار؟
بونا : أجل، لماذا يا إيزيدور:
جيوستو : لأنهما سيجدان في الحمام مستحضرين رائعين صابون "الزن ".. وشعاره المكتوب بحروف شرقية على صورة لبركان فوجي. يا ما يقول : "الزن للروح. لكن الرن للجسد قبل كل شيء"..ومعجون الاسنان "هيروشيما" المعجون النووي الذي نرى في ملصقه طبيب أسنان يرتدي وزرة بيضاء ويتكيء بمرفقيه على النافذة وأمامه سهل مخرب وسحابة الانفجار الذري الشهيرة معلقة في الأفق وفي مقدمة الصورة أنبوب ضخم ينبجس منه ثعبان ملتو من معجون الاسنان الوردي. والآن سيرتدي أبواك ثيابهما يا إيزيدور، فلنبدأ بأمك – ماذا ستلبسين يا بونا ؟
بونا : ملابس "مقصورة العمل ".
جيوستو : الملابس المفضلة منذ أكثر من قرن لجودتها، صفي لنا يا بونا هذه الثياب صفيها لإيزيدور كي يدرك أنه ليس من حقه أن يلوم أمه.
بونا : هناك أولا التبان الأسود الوردي المخرم الذي يحمل علامة "كوليج " وشعاره: "التبان الذي يستر المكشوف " ويتضمن إعلانه الاشهاري رسما كبيرا لعانة أنثوية تبدو واضحة من خلال تبان "بحوليج ". ثم سأرتدي رافعة نهدين آلية من نوع "طالب داخلي ". وكما يلاحظ في الصورة
الاشهارية فإن أدنى حركة تكفي للتحرر منها، وهي تمتد نحو الأعلى وتتيح للنهد أن ينفجر عبر فجوة سائبة.
ومفتاح الاعلان هو : "رافعة نهدين تنحل من تلقاء نفسها". بعد ذلك أضع مشد "التلميذة " الذي نرى في ملصقه مشدا موضوعا فوق بعض الكتب وحقيبة ودفتر أو دفترين ومقبض أقلام ومحبرة وشعاره : "المشد الذي يدله المحبين ".
جيوستو : حسنا يا بونا. أما أنا فإني أرتدي ملابس"المدير". واعلانه الاشهاري يبين بجلاء معنى هذه العلامة حيث نرى رجلا ناضجا وحازما، ذا وجه أمرد. يقف وسط مكتب عصري وهو يصدر بعض التعليمات.وماذا يدير يا إيزيدور هذا الرجل الذي يتمتع بنفوذ مطلق ؟
بونا : نعم. يا إيزيدور ماذا يدير؟
جيوستو : كل شيء. من مصنع الطائرات حتى تجارة المخدرات مستغنيا عن كل أهلية، كما يؤكد ذلك بيان الصورة : "اللباس هو الذي يخلق المدير". لكن لنعد اليك يا بونا، فقد تركناك برافعة النهدين والمشد والتبان. ماذا سترتدين إذن مع هذه الملابس الداخلية ؟
بونا : سأرتدي الفستان الصفير "فستان الجيب ".
جيوستو : وجملته الاشهارية معروفة جدا : "لا يرى لكنه موجود".
بونا : وفي الملصق نرى فتاة حلوة في ثلاثة أوضاع متتالية : في الوضع الأول تبدو عارية وهي تسحب الفستان بحركة بشوش من حقيبة يدها وفي الوضع الثاني تبدو داخل الفستان، بعد ذلك تتعرى من جديد وتعيد الفستان الى الحقيبة بنفس الحركة المرحة.
جيوستو : وما نوع الأحذية التي ننتعل يا بونا؟ بونا : أحذية الريح.
جيوستو : "الحذاء الذي يمشي وحده".
بونا : والكل يعرف إعلانه الذي يعرض امرأة ورجلا وطفلا يرتدون أحذية جميلة لكننا لا نرى إلا عراقيبهم والأحذية وحدها تعبر ممر المشاة فيما يطل سائقو السيارات الواقفة أمام الضوء الأحمر وهم يحدقون في الأحذية العابرة بعيون جاحظة من فرط الاعجاب.
جيوستو : والأن يا إيز يدور وقد ارتدى أبواك ملابسهما لم يبق لهما الا اأن يخرجا لمواجهة الحياة تحميهما وتقودهما أفضل المنتجات.
بونا : ثم نخرج لكن لماذا تكبر سعادتنا حين نكون في الخارج يا جيوستو؟
جيوستو: لأن هناك سيارة من نوع "يوفنتوس "
تنتظرنا في الخارج.
بونا "سيارة بربيع العمر".
جيوستو: هذا هو الشعار المكتوب على صورة تتألق فيها سيارة سباق مكشوفة وعلى متنها رجل وامرأة في عز الشباب وهي تندفع بسرعة فائقة، والمرأة الحسناء تبتسم وشعرها يتطاير في الهواء وبجانبها رجل قوي، سليم البنية، والتفاؤل يكسو محياه. انها الصورة التي تعكس السعادة والحيوية والفرح، ونحن يا إيزيدور نسعي الى التقيد بها.
بونا: نعم، يا ايزيدور، فمنذ اللحظة التي يقتحم فيها ابواك العالم لا يكتفيان باستعمال افضل المنتجات. بل يكرسان حياتهما لها ويكدان من اجل الامتثال لآداب السلوك، التي تنص عليها الصور والشعارات الاشها رية، ضمنيا او بشكل صريح.
جيوستو: قديما، يا ايز يدور، كنا نقتدي بالوصايا العشر، اما اليوم فان لدينا اعلانات تحث على الاستهلاك.
بونا: بالضبط، فنحن نكرس حياتنا للمستحضرات ونتصرف وفق المعايير التي تمليها علينا.
جيوستو: ذلك ان صناعة الاغذية، مثلا، تتطلب منا ان نهب انفسنا للاسرة، لاننا حين نكون داخل الاسرة نستهلك الاطعمة بنهم. من هنا ينبع ذلك الاجلال الذي نكنه للحنان العائلي. وانت تعرف أن الصناعة السينمائية تريدنا أن نكون دمويين وفاسقين، ومعظم الافلام ترتكز على الجريمة والشبق. ونحن نكد، عن طيب خاطر، لتعويض الفضائل العائلية – التي تنصحنا بها الصناعة الغذائية – بالدعارة والعنف اللذين تمتدحهما الصناعة السينمائية. نحن يا ايزيدور نقدر صناعة السيارات التي تقتني منا التهور، وصناعة الكراسي والارائك والاسرة التي تغرينا بالكسل، وصناعة الخمور والمشروبات الروحية العذبة التي تريدنا ان نكون كحوليين، وصناعة التبغ السرطانية، وصناعة لوازم الدفن التي تشتهي موتنا.
بونا: لا ترهق نفسك ياجيوستو. ايز يدور يعرف هذه الاشياء جيدا، ويعرف ايضا انه بدون اشهار لن يشعر انسان العصر الحديث بالامان والاستقرار ولن يتذوق الجمال ابدا.
جيوستو: ها نحن – الاثنين – نركب سيارة "يوفنتوس " باسمين، سعيدين، في اوج الصبا، ونمضي متألقين صوب محطة البنزين، لان خزان سيارتنا فارغ. لماذا يا ايزيدور كل هذه السعادة وهذه البسمات ؟ لان البنزين الذي سنملأ به الخزان من الصنف الممتاز "اخيل " وشعاره الشهير: "ضعوا سلحفاة في محرك سيارتكم " مستوحى من المغالطة القديمة التي تقول بان السلحفاة اسرع من اسرع ابناء "تيطس"(2)، سجل يا ايزيدور، هذا النموذج الرائع لشعار مستعار من الثقافة.
بونا: بفضل الاشهار استطاع الانسان ان يخلق الاشياء الجميلة، با ينتعش كل شيء وينبعث ويسترد عانيته. الاشهار، يا ايزيدور، يتيح للبشرية ان تعيش تاريخها الخاص مرة ثانية.
جيوستو: ها نحن قد وصلنا الى محطة البنزين نشيطين مرنين، والبهجة تشع من كياننا كله، وعمال المحطة ينظفون زجاج السيارة ويزودوننا بالماء وزيت الفرامل والبنزين على ايقاع رقصة الباليه. سجل يا ايز يدور ارجوك، اننا في كل ذلك نمتثل –نحن وعمال المحطة – للاعلان الاشهاري الذي يدعونا لاستهلاك بنزين "اخيل ".
بونا: ونؤدي الثمن، ثم نذهب، نعم يا ايزيدور، نمضي والفرحة تغمر قلبنا، لاننا نعرف ان ثلاثين لترا من بنزين "أخيل " تملأ خزان سيارتنا.
جيوستو: نمني في الحال الى السوق الممتاز، يا ايزيدور، فتشتري امك بضائع"غرغنتويا" (3)
الرائعة، هل تتذكر يا ايزيدور لوحتها الاشهارية المتميزة حيث نرى امرأة أنيقة تبتاع بعض الحاجيات من السوق الممتاز، وحين يقدم لها البائع الوسيم أحدى العلب تشير الى رف آخر صارخة : "لا، هبني غرغنتويا من فضلك!" وعلى هذا الرف نرى جميع انواع "غرغنتويا" من الطماطم الى المقدونية. والاعلان يحمل الشعار البراق : "من التراب الى العلبة ". وما نوع الزيت المفضل لديك يأبونا؟
بونا: زيت "القلعة ".
جيوستو: آه، انه ذائع الميت بفضل ذلك الملصق اللذيذ الذي نرى فيا أسرار قلعة قر وسطية يقتحمها جنود يتسلقون السلالم، فيما يدافع عنها جنود آخرون يفرغون الزيت الساخن على العدو، لكن المنقضين عوض ان يصرخوا من الام الحروق يتذوقون الزيت باطراف اصابعهم وهم يهتفون : "أوه. انه زيت القلعة ".
بونا: "الزيت الذي يبعث الشباب ".
جيوستو: اجل ياحبيبتي. فأنت تشترين زيت "القلعة " وجبن "كممبيرا" الممتاز.
بونا: ثم ابتاع سباغيتي "الحقيقة ".
جيوستو: "ما يصلح للمعدة يصلح للدماغ ايضا".
بونا: معكرونة رائعة ترتبط صورتها بصورة الحنان. فيها تظهر ام في غاية السعادة تضع فوق
المائدة حسائية مملوءة بالسباغيتي، والاب واطفاله الاربعة يمسكون بالشوكات متأهبين لالتهام
العجائن اللذيذة وهم يتلمظون وعيونهم جاحظة.
جيوستو: وبعد ان نشتري كل ما نحتاح اليه، نعود الى البيت. وانسل ال مكتبي كي اصرف بعض الامور الروتينية. اما امك فانها ترتدي وزرة صغيرة وتذهب الى المطبخ لتعد الطعام.
بونا: كما يوصينا بذلك اعلان مواقد الطبخ "فيزوف"(4) وشعاره المعروف : "عليك باستعمال
فيزوف سواء أكنت طباخة ام طباخا".
جيوستو: لقد انتهت امك من الطبخ يا ايز يدور. لا داعي للقول ان المواد الجيدة لا يمكن ان تضمن سوى غذاء شهي. وها نحن الآن جالسان امام اواني "اورفيوس"(5) الشهيرة.
بونا: لن تملوا ابدا ادوات "اورفيوس ".
جيوستو: وعندما ننهي الاكل، يا ايز يدور، ترفع امك الاطباق عن المائدة. وتتحرك غسالة الاواني التي تحمل نفس علامة الثلاجة والخالطة وآلة الغسيل "عمل " وتستفيد من نفس الاشهار المقتضب : (بالـ"عمل " أعمل ). والحقيقة انه شعار صادق، فغسالة الاواني "تعمل " بدون عون احد. وبعد دقيقة او دقيقتين تقف امك ذاهلة امام هذا العرض الممتع الذي تغسل فيه الصحون وتنشف بطريقة مثالية، ثم تحل وزرتها وتلحق بأبيك في غرفة النوم لتنعم بقيلولة قصيرة.
بسرنا: ان اباك وامك يستريحان، يا ايزيدور، لكن ابويك ما زالا يتمتعان بالشباب لانهما لا يستعملان المواد، التي تحافظ على الشباب وتضمن الخلود، عبثا. اذن فلا عجب ان ينخرطا في الجماع عوض ان يستريحا. لكنهما قبل ان يستسلما لنشوة العناق يحترسان من نسيان الكيس الواقي "غاتا برشا"(6).
جيوستو: الكيس المعروف بصورته المؤثرة التي نرى فيها طفلا يتوسل الى امه الشابة اللطيفة قائلا0"لا يا أمي، لا تستعملي غاتا برشا، اريد أخا صغرا".
بونا: بعد الجماع يدخن ابواك سيجارة "الابطال " الامريكية الصنع، المزودة بمصفاة الهرويين الشهيرة التي تزيل النيكوتين، لكنها تحتوي على نسبة قليلة من المخدر، وعندما يدخن ابوك وامك سيجارتين او ثلاثا يلجان عالم الخبل الساحر، ثم يستعدان للذهاب الى السينما. ومن بين كل الافلام المعروضة لا يختاران الا فيلما امريكيا من انتاج شركة "الحمار الذهبي".
جيوستو. وهي شركة امريكية شعارها الاشهاري عبارة عن حمير وديع، يتفرس في وجوه المتفرجين ثم يرفع خرطومه ليصدر نهيق حب لا ينتهي.
بونا: نهيق يزرع الغبطة في اوصال ابويك اللذين يلوذان بكرسييهما، ويستعدان لمشاهدة فيلم لاشك انه سيحرك اعمق المشاعر.
جيوستو: لأن أبويك، يا إيزيدور ساديان وماسونيان مثل كل الناس، لا اقل ولا اكثر.
بونا: والنهيق في الاصل استهلال لمغامرات "الجلاد جاك ".
جيوستو: تماما، يا ايز يدور، انه فيلم عن اللص السادي الذي يتسلل ليلا الى المنازل مسلحا بسوط، يهاجم النساء ويقيدهن ثم يعريهن ويجلدهن بفظاظة، حتى تكل يده، ومثل هذه الافلام، يا ولدي العزيز، تتيح لنا ان نرى على الشاشة أجمل الارداف. علاوة على ذلك هناك تسلية أخرى مفضلة لدى ابويك، هي الجلوس في هدوء امام التليفزيون وقت الظهيرة. وفي هذه الحالة لا يمضيان وقت الفراغ في مشاهدة الجلاد جاك،بل في الاستمتاع بالمطربين المعروفين اللذين لا يضاهيهما أحد وهما: "بوبا بابينو وجيجي مامينا".
بونا: والحقيقة ان ابويك ليسا ساديين وماسونيين بل عاطفيين ايضا. والثنائي "بوبا وجيجي" يقدم نغمين خالدين : "أفكر فيك لكني اتجنبك " و" نظرت اليك غير انك لم تلحظ ذلك ". وهما اغنيتان تستجيبان تماما لحاجيات البشرية.
جيوستو: وكيف ننهي نهارنا يأبونا؟
بونا: نتعشى ثم نخرج الى الحانة او الى علبة ليلية عصرية.
جيوستو: لكن ابويك، يا ايز يدور، لا يذهبان الى هذه الاماكن كي يقلدا ابطال الاشهار بل ليندمجا بهم اندماجا كليا.
بونا: تذكر يا ايزيدور اشهار ويسكي "انجلترا القديمة ".
جيوستو: تلك الحانة التي تغمرها اضواء خافتة، وتنينات النبيذ العذب، والنادل الاربقيني القوي بوجهه الذي يشع وسامة ووقارا، والمبسط المصنوع من النحاس والخشب اللامع. والزبونان الجاثمان فوق منضدتين خفيفتين وحدهما وجها لوجه يتبادلان النظرات والبسمات.
بونا: هذان الزبونسان اللذان يحتلان الملصق الاشهاري هما ابواك يا ايزيدور، هكذا يحصل التماهي المطلق. اصير انا "هي" وابوك "هو". ونحن سعيدان بوجودنا في هذا الجو الحميمي المتميز الذي يسوده هدوء ارستقراطي، كل واحد منا يرفع كأسا مملوءة بسائل عنبري تسبح فيه قطع الثلج، اما شعار الاعلان فهو. "روحان وكأس واحدة ".
جيوستو: على هذا المنوال ياايزيدور نقضي نهارنا، وكما ترى فان صناعتنا تفكر في كل شيء. وليست هناك في الحياة لحظة بدون مستحضر صناعي مناسب، مطلق النفوذ، لا تشوبه شائبة. والاشهار على استعداد دائم لتذكيرنا بأن حياتنا ينبغي ان تخلو من لحظات الفراغ.
بونا: تعني، الا تفتقر الى المنتجات الصناعية الكافية.
جيوستو: والآن يا ايزيدور تعمق جيدا في هذا اليوم، تفحصه كما يحلو لك، فلن تعثر فيه على شيء لا يقتدى به. ان موقفك يا ايز يدور يوحي بأن أبويك يستحقان اللوم. والحقيقة عكس ذلك، فقد تدارك ابوك وامك كل امر، وهما الآن ينعمان براحة البال. لانهما لم يشتريا في حياتهما الا أفضل السلع التي تصنعها ارقي المصانع، وظلا يمتثلان باستمرار للمعايير الاخلاقية التي يبثها الاشهار.
بونا: هل فهمت يا ايزيدور؟ نحن لم نقترف ما يبعث على الخجل، لا شيء على الاطلاق، والآن قل لنا، على الاقل، ما هو مأخذك علينا.
جيوستو: تكلم يا ايزيدور انها فرصتك الاخيرة. (في هذه اللحظة ينهض ايزيدور مرتديا ملابس البينتيك ويهم بالخروج، ثم يلتفت عند العتبة ).
ايزيدور: اللعنة !
جيوستو: ماذا تقول ياايزيدور؟
ايزيدور: اللعنة ! (ينسحب )
بونا: ابق ياايزيدور. لماذا يا ايزيدور؟ لماذا؟
اشارات:
* ايز يدور هو الاسم الشخصي للكاتب الشهير الملقب با كونت لوتريامون الذي ألف كتابه الفذ "اناشيد مالدورور" وهو في سن التاسعة عشرة. هل يتعلق امر التسمية، هنا، بصدفة ما ام باختيار مقصود؟
ا- السائر في النوم.
2- الحورية التي تزوجت بليوس وانجبت منه البطل الطروادي الخالد "أفيل".
3- نسبة الى الحملات الاكول "غرغنتويا".
4- نسبة الى البركان الايطالي "فيزوف ".
5 – ابن ربة الفن "كاليوبي" وهو شرعي وموسيقي بارع علمه ابولو العزف على القيثارة حتى سارت موسيقاه تحرك الآلهة والناس والحجارة.
6- Gutta – Percha مادة شبيهة بالمطاط تستخرج من بعض الاشجار.
تأليف: ألبرتو مورافيا(أديب وروائي ايطالي)
ترجمة: عزيز الحاكم(كاتب وأديب من المغرب)