إعداد وترجمة: مها لطفي*
روعة الملك المجنون
“لودفيج، أنت المفضل عند الرب لأنك أكثر من أي إنسان آخر معرّض للخطيئه”. قال هذا كاهن رحيم لملك بافاريا المجنون في منتصف الطريق عبر “لودفيج” فيلم لوشيانو فيسكونتي الواسع المدى والذي أصبح أخيراً في متناول يدنا، في عظمته الكاملة غير المقطوعة.
نستطيع أن نأخذ عبارة الكاهن ونضع إما “الإله” أو “لودفيج” مع ” فيسكونتي” ذلك المخرج الإلهي – شخصية طاغية – استطاعت أن تسيطر على إطاراته الرائعة التي لا مثيل لها. ولكنه كان أيضاً رجل معقد تماثل مع تبذير لودفيج وعشقه للأوبرا، ومثليته المخفيه ومباهاته بالتقاليد.
كان فيسكونتي يعشق الشخصيات المتناقضة والمعذبة والتي بدت تعكس قلقه الشخصي عليه.
كان فيسكونتي وريث شريط طويل من النبلاء الإيطاليين وهو مخرج ماركسي لم يستسلم أبداً للتخلي عن ذوقه الارستقراطي، وبمرور السنين بدأ يتراجع أكثر ويعود لأصوله ويتسلق المشاهد التاريخية الرفيعة. فلودفيج المنتمي إلى سلالة طويلة من الملوك الأوروبيين تحول عن العمل السياسي والحروب والاستراتيجيات الامبراطورية واستقر في قصوره تاركاً نفسه يذوب في عالم من الفن والموسيقى والمسرح وبصدق، حوّل رعاياه إلى لعب لديه. حتماً لم يذهب فيسكونتي بعيداً كما فعل لودفيج – فقد بقيت أفلامه معقدة سياسياً وغالباً تخاطب مرحلتها. ولكن يستطيع الإنسان أن يشعر به يقاوم رغبته في الاختفاء وراء هذا التجسيد السينمائي الضخم الشديد الانحطاط. بالنسبة للمخرج، فقصة هذا الملك المتسلط المنحط هي قصة خيال وتحذير. كان لودفيج واحداً من أكثر أفلام فيسكونتي طموحاً – آخر جزء من ثلاثيته التي دعيت بالثلاثية الألمانية.
الموضوعان السابقان “الملعونون” و”الموت في البندقية” اعتبرا أفلاماً عالمية، ولكن هذا أثبت أنه أقل أفلام المخرج نجاحاً سواء نقدياً أو مالياً. بلغت مدة الفيلم الأصلي 257 دقيقة على اسطوانتين ويتبع هذا إضافات بما في ذلك كتاب مقالات، ولكن فيلم لودفيج أطلق في نسخ مقطوعة (في الولايات المتحدة 186 دقيقة) (وفي المملكة المتحدة 137 دقيقة). وأكثر ما حير النقاد حركته البطيئة وثرثرته ونقصان فضائل أفلام فيسكونتي الأخرى من المشهدية والميلودراما. وقد ظهرت النسخة الكاملة من الفيلم بداية 1980 بعد وفاة المخرج.
والنسخة الكاملة لفيلم “لودفيج” هي أكثر انسياباً من ذلك القطع المسرحي بكل ما به من عزلة هادئة لمسرحية الحجرة. اختفت هستريا “الملعونين” أو الغنائية المتلازمة “للموت في البندقية” هذا أكثر فيلم أخرجه فيسكونتي تسيطر عليه البرودة والبحث التنقيبي. صمم حول مجموعة أمراء – أطباء – سياسيين – موظفين – يربطون تجاربهم (وفي بعض الأحيان يقدمون تحليلاتهم للملك لودفيج).
تذكرنا بتشريح جثة بعد استخراجها، وحتى انها تنتهي وتنتهي بشكل مسكون مجمد لجثة الملك الميت وهي تجرف إلى خارج البحيرة حيث غرق. إنها لحظة مسكونة ولكنها ليست مذهلة: فظل الموت يبدو مخيماً على الفيلم برمته.
لقد رفض العالم الموسيقي فاجنر لتبذيره ومزاجيته. ولكن لودفيج كان يعبد عبقرية الرجل وكان مستعداً لأن يفعل أي شيء من أجل فنه، بما في ذلك بناء أوبرا من أجله في بايروث. ومن أجل كل هذا، فهنالك شكل عاطفي في هذه المشاهد الأولى، وكان الفيلم قد امتص عدم قدرة لودفيج التعبير عن رغباته الحقيقية. وفي البداية نرى تتويجه، ولكن فيسكونتي غالباً ما يأخذنا إلى غرفة داخلية مع الملك الشاب بينما يدخل مرافقون وزائرون ويخرجون والموسيقى الاحتفالية تعزف في مكان ما في المنطقة.
بعد ذلك. نسمع فقط في إنجازات فاجنر: لا نرى بايروث أبداً أو افتتاحياته المنتصرة. مبني في غالبه حول لقطات قريبة متوسطة وداخلي مظلم، يخلق الفيلم إحساسا بالعزلة يتناسب مع حالة البطل العقلية.
ومع ذلك، هنالك لحظات قصيرة سامية الجمال، فبينما يبني لودفيج قصوره، يبدأ شباب البلاط بطلعاتهم البهية بالبحث عن شيء يقترب من الحب. ويدعو لودفيج ممثلاً كان قد أصبح مولعاً به إلى بحيرته التي صنعها ودعاها “كهف فينوس”. بحيرة سفلى تصب بها شلالات وإضاءة خاصة وموسيقى متدفقة حيث يصل الملك على قارب صغير كالصدفة، متخيلاً نفسه أحد أبطال فاجنر. إنها لحظة سخيفة – فلودفيج طالما ظهر كإنسان مسكون – ولكن هذا كان مؤثراً بشكل فريد. أليس هو أيضاً مخرج أفلام قبل الكلمة – رجل خلق مشهداً مميزاً ربما مجنوناً ومن ثم فقد نفسه فيه؟
إن مشروع فيسكونتي كان، بمعنى ما، حركة إصلاح. هذا الملك كان دائماً ينظر إليه ولعشرات السنين وكأنه عار مؤلم. رجل دولة فاشل تسببت صحته العقلية المتردية بخسائر فادحة على الدولة. تنازل عن سلطته على بافاريا حيث أنه لا يريد شيئاً من ألمانيا الموحدة التي بدأت تبرز حوله، قوة جديدة دفعها التوسع البروسي السياسة الواقعية – القوى التي آلت إلى النازية. بنظر فيسكونتي فإن لودفيج هو نهاية الرومانتيكية الألمانية، رمز ممر لم يطرق. (مقارنة تختلف كلياً عن المخرج الألماني سيبربرج، الذي أخرج أيضاً فيلماً عن الملك في 1972، بالنسبة لسيبربرج، لودفيج والرومانتيكية الألمانية كانتا تعبيرا مبكراً لنفس النبض الذي كان يؤدي إلى استلام هتلر للسلطة).
هنالك مشهد في لودفيج الذي لم اتمكن من زعزعته، وأشعر به مختلفاً كلما أرى هذا الفيلم الجميل المهدئ للأعصاب. يأتي هذا في أواخر الفيلم، عندما تأتي اليزابيث لتزور لودفيج في أحد قصوره. الملك المجنون يرفض رؤيتها. تسير حول المكان لمدة عشر دقائق. وهي تتجول حول هذا القصر الهائل في هيرينشيمت والذي صور في المكان. وعندما ترى قاعة المرايا التي تشبه فرساي، تبدأ في الضحك بلا حدود وجلجلة صوتها ترسل صدى في الفراغ الواسع للغرفة. هل هذه سخرية أم تحدٍ؟ هل هي تقهقه بسبب جنون لودفيج؟ أو أنها معجبة بسعادة كون الحقيقة تشير إلى أن العالم القديم ينهار حوله، وهذا الملك المجنون تجاسر بأن يحلم ليس بالحرب والامبراطورية والسلطة ولكن بجماليات العالم الأخرى؟ والسؤال يبقى معلقاً ومثيراً للحيرة في الهواء.
ملك بافاريا لودفيج الثاني
نبذة قصيرة عن حياته:
ولد في 25 من شهر اغسطس 1845 في شلوس نينفينبرج
ملك بافاريا 1864 – 1886
توفي في 13 يونيو 1886 في بحيرة ستارنبرج
لودفيج الثاني (جـ – تشاشينجر)
غموض أبدي
حتى قبل وفاته كان الملك قد أصبح ما يشبه اسطورة “أريد أن أبقى غموضاً أزلياً لنفسي وللآخرين”، قال هذا مرة لمربيته، وما زال هذا العنصر الغامض هو الذي يذهل الناس الآن.
دعا الشاعر بول فارلين لودفيج II بـ “الملك الوحيد الحقيقي في هذا القرن”. الحاكم الخجول، الذي لم يكن يمتلك أي من الصفات الثابتة لملك جماهيري. مازال حياً، ومازال محبوباً ويدعونه “الملك المحدث”. وقصوره التي كانت ممنوعة على الأغراب، زارها ما يزيد عن 50 ألف زائر منذ وفاته. إنها تسجيلات حية من الحجر للعالم المثالي الخيالي الذي بناه الملك ليلجأ إليه بعيداً عن الحقيقة.
وتفسيره التاريخي والشاعري والمثالي لدوره كملك كان أخيراً سبب سقوطه. من الممكن أن يكون قد اختار الموت عن العودة إلى الحقيقة.
الأمير لودفيج
صورة الشاب لودفيج (و توبر)
ولد الملك في اليوم الذي طوب فيه لويس IX ملك فرنسا ومؤسس بيت البوردبون. جده أبوه الروحي لودفيج I من بافاريا، كان لويس XVI الفرنسي أباه الروحي، وهذه العلاقة مع بيت بوربون كان لها تأثيرها الكبير على الطريقة التي ينظر بها الأمير إلى نفسه خلال حياته كلها.
لقد ربى لودفيج وأخاه أوتو تربية صارمة من حيث التأكيد على أهمية الواجب. والداهما مكسيمليان II من بافاريا وماري من بروسيا حاولا أن يبتعدا مسافة عنهما.
“كان يحلو للودفيج أن يلبس ويستمتع بالتمثيل المسرحي، أحب الصور والأشياء المماثلة. وأحب أن يهدي بعض ما يخصه، المال والممتلكات الأخرى”. هذا ما قالته والدته. وهذا لم يكن ليتغير. خياله الحي، ميله إلى عزل نفسه، ونطق ما يعبر عنه شعوره بالسيادة كانا واضحين عندما كان لودفيج صبياً.
الملك لودفيج II (F.V. Piloty)
كانت طفولة لودفيج انعزالية، ولكن كانت له صديقة واحدة، ابنة عمه الدوقة اليزابيث دوقة بافاريا وتشارك الاثنان في حب الطبيعة والشعر وركوب الخيل وكان يدعوان بعضهما بـ “النسر” و”الحمامة”.
عندما كان لودفيج في 15 من العمر، أخذه والده إلى مشاهدة تانهوزر لريتشارد فاجنر. فذهل لودفيج بسعادة بالغة. تقديمه المسرح، وخاصة أعمال فاجنر، كان لها تأثير عميق عليه طوال حياته.
في كل ما تبقى من حياته كان لودفيج داعماً للفنون بالإضافة إلى دعمه لفاجنر، كان يهتم بأن يحضر أعمال شكسبير وإبسن وموزارت إلى ميونيخ لأول مرة.
الملك الشاب
في العام 1864 اعتلى لودفيج الثاني العرش في سن 18 دون خبرة في الحياة أو السياسة، ولكنه كان معبود النساء.
وبالعودة إلى العام 1873، وصفها كالتالي:
“أصبحت ملكاً باكراً جداً، لم أكن قد تعلمت ما يكفي. صنعت بداية لا بأس بها… بدراسة قوانين الدولة. فجأة اختطفت من كتبي ووضعت على العرش، حسناً، أنا مازلت أحاول التعلم…”.
في 1866 عانى لودفيج II أكبر فشل في حياته. في 1866 قامت دولة بروسيا التوسعية بالتغلب على النمسا وبافاريا في “الحرب الألمانية” منذ ذلك الحين أصبحت سياسة بافاريا الخارجية تملى من بروسيا والملك لم يعد سوى تابع لعمه النمساوي.
فاجنر:
ذهل الأمير لودفيج المتوج بالمسرحيات الموسيقية وكتابات ريتشارد فاجنر. كان يرغب في إحضار المؤلف الموسيقي إلى ميونيخ فور تتويجه ملكاً، ويحقق حلمه بمهرجان اوبرالي. في العام 1864 استدعى فاجنر إليه وأنقذه من حالة إفلاس شديدة.
“…. اليوم جئت إليه، أنه بكل اسف جميل جداً وواسع الإدراك، حلو الروح وقور، لدرجة انني أخاف أن تخفت حياته مثل حلم سام في هذا العالم المنحط. لا تستطيع تخيل سحر احترامه: إذا ما بقي حياً وتكون هذا معجزة كبرى”، هذا ما كتبه المؤلف بعد أن قابله لأول مرة.
لوحة صورة لريتشارد فاجنر (F. Hanfstaengl)
في السنوات التالية أصبحت ميونيخ عاصمة الموسيقى في أوروبا حيث افتتاحية “تريستان وايزولد (1865)
Die Meistersinger Von Nurimberg 1868
Das Rheingold 1869
Die walkure 1870
وهكذا استمر لودفيج II في احتضانه لتقاليد بيت ويتلزباك بأسلوب فخم. على أي حال فإن فاجنر أجبر على ترك ميونيخ بنهاية 1865 بسبب صراع مع الحكومة. فيما بعد احتج لودفيج II ايضاً على مشاعر صديقه المعادية للسامية. إلا أنه بعد ذلك تابع دعمه السخي لعمل فاجنر. فالمسرح التذكاري الهائل المخطط له أن يكون في ميونيخ بني بشكل مماثل أصغر في بيرييوث. افتتح في 1876 بدورة Der Ring das Beibelumgem في 1882 parsifal افتتحت هناك ولولا لودفيج II ودعمه لم يكن ليولد مهرجان بيرييوث.
عالم الخيال
كانت تسيطر على عقل لودفيج II فكرة المملكة المقدسة المحمية من الرب. في الواقع. كان هو ملك دستوري، رأس دولة له حقوقه وواجباته وقليل من حرية الحركة. ولهذا فلقد بنى حوله عالما خياليا – مبتعد جداً عن الحقيقة. كان باستطاعته أن يشعر أنه ملك حقيقي. فمنذ 1875 وفيما بعد كان يعيش ليلاً وينام خلال النهار.
وقد أقيمت تصميمات مثالية لرسامي مشاهد “لقصر هوهينشوانجو جديد” أعلى من قصر والد لودفيج II هوهينشوانجو الهادئ، قصر على الطراز البيزنطي ونسخة من فرساي أقيما قبل 1868. فمنذ البداية، احتضن عالم لودفيج الخيالي العديد من الحقبات التاريخية.
القصر الجديد (الذي دعي نيثوانشتاين) كان مبنياً على الملكية المسيحية في العصور الوسطى، وفرساي الجديد بني منذ 1878 على الهيريننسال، يذكرنا بالباروك المطلقة للبوربون ملك فرنسا. ليندرهوف في جراسوانجتال، فبني منذ 1869، يقلد أساليب عدة كما استخدم أحدث التقنيات.
لودفيج II في نزهة ليلية على مركبته الجليدية
ولقد استخدمت التكنولوجيا الحديثة أيضاً في العربات الضخمة والزلاجات التي كان يستخدمها الملك للسفر ليلاً وفي بعض الأحيان يلبس ملابس تاريخية.
لقد قضى وقتاً طويلاً أكثر وأكثر في الجبال وبالتوازي وقتاً أقل في ميونيخ. عالمه الخيالي تحقق أكثر من خلال “الادعاءات الفردية” في مسرح الهوف: أوبرا، مسرحيات تعرض للملك وحده.
ملك الكأس المقدسة
شبه لودفيج II نفسه كثيراً بـ بارزيفال Parzival الشخصية الاسطورية في العصور الوسطى والتي أصبح ملك الكأس المقدس بسبب نقائه وإيمانه وبالتالي خلص عمه المملوء خطيئة. الصراع الداخلي من أجل الخلاص من الخطيئة والبقاء واضح بشكل مؤلم في مذكرات الملك الشديد التقي والورع.
وهذه الاسطورة بالذات هي موضوع عمل ريتشارد واغنر الأخير “بارسيفال” والذي بدأه في 1877. وقد أشار واغنر ودائرته بشكل شخصي للملك باسم “بارسيفال” ومشاكله كانت مجسمة في دراما الكأس المقدسة. نيوزوانشنت هي بالأساس نصب تذكاري لفرق الغناء (التروبادور) في العصور الوسطى. أعيد تفسيرها كقصر الكأس المقدس وغرفة العرش أعيد تصميمها كقاعة الكأس المقدسة – مكرسة لغموض إخلاص العالم.
التراجع:
“العزلة المثالية الشاعرية الملكية” والتي اختارها الملك لنفسه لم تكن في المدى البعيد مناسبة لواجباته كرئيس للدولة. فكافة الإطارات التي كان يرسمها بشكل دائم لنفسه كانت جميعها بعيدة عما هو في متناول الملك. فشل لودفيج بسبب رغبته لتحويل خيالاته وأحلامه إلى واقعية.
منذ 1885 وفيما بعد هددت البنوك الأجنبية حجز ممتلكاته. وبسبب رفض الملك التصرف بعقلانية أدى إلى أن تعلن الحكومة جنونه وتوقف أملاكه في 1886 – عملية غير مدعومة من الدستور البافاري. فوضع لودفيج الثاني في قصر برج إقامة جبرية. في اليوم الثاني مات بظروف غامضة في بحيرة ستارنبرج، هو والطبيب النفساني الذي أعلن جنونه.
حول ظروف موته:
في 13 يونيو في الساعة السادسة بعد الظهر طلب لودفيج أن يذهب في نزهة حول البحيرة. انطلق هو وأحد الأطباء النفسانيين والذي أعلن جنونه، الدكتور جودين. لم يعود الرجلان وقد وجدا فيما بعد ميتين. أعلنت وفاة لودفيج رسمياً ليقال أنها انتحار عن طريق الغرق. ولكن هنالك في القصة ما ليس مؤكداً. أثبتت الفحوصات الطبية أنه لا يوجد ماء في رئتيه مما يجعل الغرق غريباً.
ويقال أن الدكتور جودين قد شنق وضرب على رأسه. وقد وجدت قصاصات على فراش الموت لصياد محلي مات في 1933 ادعى أن لودفيج قد ضرب بالنار.
والصياد جاكون ليدل قال لقد شاهد هذا وبينما كان مختبئا خلف شجيرة منتظراً لودفيج II ليساعده على الهروب، وأنه قد أجبر على توقيع يقول أنه يحلف بأشد الأيمان بعدم البوح بهذه الواقعة لأحد.
ما هي الحقيقة؟
لا أحد يعرف.
الملك لودفيج مجنون؟
دراسة تدعي أن ملك بافاريا كان عاقلاً
اعتقد الناس لفترة طويلة أن ملك بافاريا لودفيج II، الرجل المسؤول عن بناء القصر المشهور نيوزشوانستاين كان مريضاً عقلياً. حتماً هو أسقط عن العرش لهذا السبب. ولكن دراسة حديثة تضلل الشك حول هذا التشخيص
(بقلم فرانك تاديوز)
عندما كان مصير ملك بافاريا بين يديه، كان برنارد فون جودين شخصية مرموقة في الأوساط الطبية.
ومع ذلك فإن الطبيب النفساني أفسد أشهر حالة لديه، فقد شخص مع مجموعة من زملائه ما يلي: “أنه يترنح كرجل أعمى دون هداية وعلى شفا هاوية”.
الملك الذي كان مدار بحث هو لودفيج II، أشهر ملوك بافاريا بسبب لقبه “الملك لودفيج المجنون” وسبب بنائه عدداً من القصور الجميلة والتي ما زالت تزين دولة المانيا الجنوبية بما في ذلك قصر نيوشوانستاين على سفح جبل الألب.
ولكن كم كان هذا التقرير الطبي السيء دقيقاً. هل نتج عن فحص دقيق مبني على المستوى الطبي في ذلك الوقت؟ ومن الذي كان يهمه أن يسقط لودفيج؟ هذه الأسئلة أثيرت الآن من قبل مجموعة يقودهم الطبيب النفسي هاينز هافنر الذي يقيم في مانهايم.
لا دليل
ما توصلوا إليه نشر منذ فترة قريبة في مجلة “تاريخ علم النفس”، يتناقض مع الخلاصة التي توصل لها جودين. هافنر يقول أنه لم تكن في أي من الأوقات تصرفات الملك تعطي إثباتات حقيقية لمرضه العقلي المزعوم. على أي حال فإن لودفيج أعطى معارضيه أسباباً كثيرة تجعلهم يتساءلون حول صحته العقلية. فلقد أغرق مملكته بالديون بسبب إنشاءاته.
وكذلك فقط هدد خادماً قليل التربية بنفيه إلى أمريكا. ولكن هل تعتبر هذه التصرفات جنوناً؟
وجد هافنر أن لودفيج يعمل بجد نقيضاً لما يقال عنه. فقد راجع كل سنة 800 وثيقة. وقبل أن تنزع عنه الملكية كان قد شق طريقه عبر أكوام من الورق التي قام بتوقيعها وإرسالها إلى الوزارات المعنية وقد قاد عمل الحكومة بكفاءة أكثر من الذي تلاه.
فإن ما شخصه جودين من برانويا وجنون إنما يعكس سوءا مظلماً على طرق الطبيب. فبدلاً من أن يفحص الملك نفسه وضع تقريره على مقابلات بعض مساعديه في اجتماعات ليلية سرية.
إن لودفيج لم يغضب عائلته فحسب بل قارب بلاده من الإفلاس. كذلك أخجل العائلة الملكية البافارية بكل مناسبة. فوزير الحربية، جوزيف ماكسيميليان قون مايلنجر مثلاً اضطر لأن يترك منصبه في 1885، وذلك جزئياً لأن الملك المثلي لم يتراجع عن ملاحقة أحبابه من وحدة فروسية، في سلاح الفرسان البافاري.
وبسبب ذلك ومثله من تصرفات فإن تشخيص جودين غير الدقيق كان جاهزاً للتصديق. وعلى هذا الأساس فقد واجه لودفيج عقوبة الحجز في قصر برج على ضفاف بحيرة ستارنبرج بنوافذ وأبواب مغلقة. معاملة قاسية جداً لإنسان تعتبر تصرفاته في هذه الأيام في أسوأ الأحوال نتيجة اضطراب شخصية.
إنها تشخيص يعيش به العديد من الناس هذه الأيام دون أن يحبسوا وراء أبواب مغلقة.
الملك لودفيج II البافاري
«نقلاً عن الويكيبيديا»
مثل العديد من وريثي العروش في عصر حكم ملوك معظم أوروبا كان لودفيج دائماً يلفت نظره كونه وريث مملكة كان الملك مكسيليان يبغي توجيه ولديه الاثنين لتحمل أعباء المسؤولية الملكية منذ نعومة أظافرهما. كان لودفيج مقحما إلى حد بعيد ومقموعا بشدة من قبل أساتذته الذين يوجهونه للدراسة من جهة وللتمارين من جهة أخرى. ويعتقد البعض أن هذه الضغوط الشديدة نتيجة التربية في عائلة ملكية هي الأسباب للعديد من تصرفاته الغريبة كشاب.
لم يكن لودفيج قريباً من كلا والديه. فقد نصح مستشارو الملك مكسمليان أن يصطحبة في تريضه اليومي أحياناً. فأجاب الملك مكسمليان “ولكن ماذا سأقول له؟ وعلى أي حال فابني لا يهتم فيما يقوله الناس له”. فيما بعد كان لودفيج يشير إلى والدته بلقب “قرينة سلفي”.
الحفيد شبيه الجد المعزول
كان لودفيج الثاني قريبا جداً من جده المشهور لودفيج I ومثل حفيده كان لودفيج الأول عاشقاً شديد الدعم للفنون وكان يمضي معظم وقته متابعاً اهتماماته الخلاقة تماماً مثل اهتمامه بأمور الأمة. وبصورة سيئة فقد أبعد مثل حفيده عن التاج.
عاش لودفيج لحظات سعيدة في سنوات طفولته. عاش معظم وقته في قصر هوهنشوانجاو، قصر خيالي بناه والده بالقرب من بحيرة الألب عند فوشن. وقد نقش بما دعاه إحياء الأسلوب القوطي. وأصبح لودفيج في بداية شبابه صديقا قريبا مع مساعده في المخيم، الأمير بول، أحد أفراد عائلة تورن اوندتاكستيس الغنية البافارية. وكان الشابان يركبان معاً، يقرآن الشعر، ويمثلان مشاهد مسرحية من اوبرات فاجنر الرومانتيكية. وانتهت صداقتهما عندما خطب بول فتاة من عامة الشعب في 1866. في شبابه كانت له صداقة طويلة الأمد مع ابنة عمه الدوقة اليزابيث في بافاريا، وفيما بعد امبراطورة النمسا.
في 19 من العمر عندما توفي والده بعد ثلاثة أيام من المرض ارتقى عرش بافاريا. وبالرغم من أنه لم يكن مستعداً لأعمال رفيعة فإن شبابه وحسن طالعه جعلاه محبوباً في بافاريا وفي كل الأماكن الأخرى. تابع سياسة والده في إدارة الدولة واستبقى وزراءه.
اهتماماته الحقيقية كانت في الفنون والموسيقى والهندسة المعمارية… أول ما قام به بعد بضعة أشهر من توليه السلطة كان في استدعاء واغنر إلى بلاطه. وأيضاً في 1864 وضع حجر الأساس في مسرح في القصر (مسرح جارتنز بلانز). كان لودفيج غريب الأطوار في بعض الجوانب.
مما جعل تسلمه السلطة كرأس لدولة بافاريا مشكلة. كان يكره التجمعات العامة ويتجنب المناسبات الاجتماعية قدر الإمكان مفضلاً حياة عزلة يملأها بمشاريع خلاقه متنوعة.
تنبأت والدته بالصعوبات التي سيواجهها لودفيج عندما سجلت خوفها عليه بسبب قضائه معظم الوقت يحلم. وهذا بالإضافة إلى واقع أن لودفيج كان يتجنب ميونيج والمشاركة في الحكومة هناك مهما كان الثمن مما تسبب بتوتر شديد مع وزراء حكومته ولكنها لم تؤثر على شعبيته بين مواطني بافاريا. كان الملك يتمتع بالسفر في ريف بافاريا ويتحدث مع الفلاحين والعمال الذين يقابلهم في طريقه. وكان يسعد في مكافأة هؤلاء الذي كانوا يستقبلونه بحفاوة اثناء رحلاته، بهدايا سخية. هو ما زال يذكر في بافاريا بلقب “ملكنا المحبوب” باللهجة البافارية.
الحرب النمسا – بروسيا وفرانكو – بروسيا
العلاقات مع بروسيا اخذت الموقف المركزي من 1866 في حرب النمسا – بروسيا الذي بدأ في يوليو، أيد لودفيج النمسا ضد بروسيا. هزمت النمسا وبافاريا وأجبرت بافاريا على توقيع معاهدة دفاع متبادلة مع بروسيا. وعندما بدأت الحرب الفرنسية البروسية في 1870، كان على بافاريا أن تحارب إلى جانب بروسيا. وبعد أن انتصرت بروسيا على فرنسا تحرك بسمارك وليكمل توحيد ألمانيا.
في نوفمبر 1870 دخلت بافاريا الكونفدرالية الألمانية الشمالية وهكذا فقدت مكانتها كمملكة مستقلة. ومع ذلك فالمندوب البافاري أثر مكانه مميزة لبافاريا في الامبراطورية. فاستعادت بافاريا هيكلها الدبلوماسي الخاص وجيشها والذي يدخل تحت الأمرة النمساوية في أوقات الحرب فقط.
في ديسمبر 1870 استخدم بسمارك تنازلات مالية ليحث لودفيج على دعم كتابه رسالة تدفع لخلق امبراطورية المانيا مع الملك ويلهلم النمساوي كأمبراطور. ندم لودفيج ندم على فقدان بافاريا الاستقلال ورفض حضور إعلان ويلهلم في 18 يناير وتطويبه كأمبراطور المانيا في قصر فرساي .
ذهب شقيقه اوتو وعمه لويبولد إلى الحفل. أوتو انتقد الحفل انتقاداً شديداً في رسالة لشقيقه.
أكثر ما قابله من ضغط في بداية حكمه كان الضغط من أجل أن يكون له وريث. وهذا الموضوع تصدر كل المواضع في العام 1867. تمت خطوبة لودفيج على الدوقة صوفي شارلوت في بافاريا ابنة عمه والشقيقة الصغرى لصديقته الصدوق الامبراطورة اليزابيث في النمسا. كان يتشاركان في حبهما لأعمال فاجنر. أعلنت الخطوبة في 22 يناير 1867 وقبلها بقليل كتب لودفيج لصوفيا قائلاً “الأساس في علاقتنا كان دائماً…. مصير ريتشارد فاجنر الباهر والمؤثر”.
على أي حال كان لودفيج يؤجل الزفاف أكثر من مرة، ثم ألغيت الخطوبة في أكتوبر.
المسرح
لم يكن اهتمام لودفيج بالمسرح محصورا بفاجنر. ففي عام 1867 عين كارل فون بيرفول مديراً لمسرح البلاط الجديد. أحب لودفيج أن يقدم لجمهور مسرح ميونيخ أحسن الدراما الأوروبية. وقام بيرفول تحت إشراف لودفيج بتقديم شكسبيبر، كالديرون، موزارت، جلوك، إبسن، وبر وآخرين.
وبين عام 1872 و1885 أقام الملك 209 عروض خاصة له لوحده أو مع ضيف في مسرح البلاط. وقد قال لمدير المسرح “لا أستطيع أن أشعر بخيال في المسرح طالما أن الناس تبقى ترقبني وتتبع كل تعبير على وجهي من خلال مناظيرهم. أريد أن أن أنظر لا أن أكون منظوراً للجمهور”.
صرف لودفيج كل ما يدخله من مال في بناء حضارة لبافاريا كان يطمح إليها عند مقارنتها بباقي أوروبا.
في رسائله كان لودفيج مذهولاً من قدرة الفرنسيين على تخليد بناء حضارتهم (القصور، الفنون والموسيقى) وكم هي بافاريا بائسة من هذا المنطلق. وكان حلمه أن يرفع بافاريا إلى هذا المستوى.
كان لودفيج يرى نفسه “الملك القمر” ظل رومانسي لـ”الملك الشمس” لويس XIV في فرنسا وكان لودفيج يتمتع بركوب زحافته تحت ضوء القمر. زحافة القرن الثامن عشر ومرافقون يلبسون ثياب القرن نفسه.
لقد قالت ابنه عمه اليزابيث: “الملك لم يكن مجنوناً، كان إنساناً يعيش في عالم أحلام. كان من الممكن أن يعامل بلطف أكثر وبالتالي كان من الممكن أن يبعدو عنه هذا المصير”.
القصور:
درع الملك لودفيج علق على مدخل شلوس نيوشوانستين. استخدم الملك لودفيج ماله الخاص ليبني سلسلة من القصور الرائعة. في العام 1867، زاد عمل يوجين فيوليت لو. دوك في بييرفوند وقصر فرساي في فرنسا وكذلك واردتورك بالقرب من ايزنباخ في تررنيجا والتي أثرت بشدة أسلوب بناء قصوره. في رسائله، لودفيج إندهش كيف أن الفرنسيين استطاعوا أن يعظموا ويبنوا ثقافتهم (مثلاً المعمار والفن والموسيقى) وكم كانت بافاريا بائسة إذ ما قورنت بهم. وأصبح حلمه أن يحقق المثيل لبافاريا. وهذه المشاريع أمنت وظائف للمئات من العمال المحليين والحرفيين وأدخلت تدفقاً من المال في المناطق الفقيرة تقريباًً حيث بنيت قصوره.
في العام 1868 وقع على الرسوم الأولى لقصوره بادئاً في قصر نيوشوانستاين وهيرين شيسي.
قصر نيوشوانستاين (قصر حجر البجع الجديد) هو قلعة درامية رومانتيكية بأبراج عالية خرافية. تقع (فوق قصر منطقة البجع) الذي اشتراه والداه منذ طفولته حلم بأن يبني قصراً هناك. وهكذا بنى قصره فوق قصر والده. وقد زخرفت حيطانه بجداريات تصور مشاهد من الأساطير المستخدمة في أعمال فاجنر.
قصر ليندرهوف الذي انتهي تصميمه في 1878 يحاكي شكله الأسلوب نيوبروكوكو الفرنسي وبه كهف في الباحة مضاء بالكهرباء حيث كات لودفيج يجدف داخلا في قارب كالصدفة.
في عام 1878 بدأ بناء هيريشيمي نموذج مطابق جزئياً لقصر فرساس وكان هذا لتخليد ذكرى لويس XIV الفرنسي الذي كان يدعوه “ملك الشمس” بنى الجزء الداخلي وتوقف البناء بعد وفاة لودفيج.
في العام 1880 تابع لودفيج خططه. صمم قصراً “قصر صخرة النسر” في مكان كان يعرفه جيداً: في المذكرات 16 أكتوبر 1867 قال “صخرة النسر” بري ورومانتيكي”.
أما “قصر برج” فقد بنى له لودفيج برجاً خامساً سماه أيزلد وكان يستخدمه في الصيف.
بينما كان لودفيج مسكوناً بالأفكار الرومانتيكية التاريخية، فقد كانت قصوره وبالذات قصر نيوشوانستاين معرضاً للأبنية الفنية التي تعكس عصره. فقد جهز القصر بمحول كهربائي وأضواء كهربائية ومياه جارية وحمامات مجهزة بالشطافات وخطوط هاتف وكانت هنالك مصعد اوتوماتيكي في غرفة الطعام والذي، في حالة ضغط الزرار يرفع أو يخفض مائدة الطعام إلى الغرفة السفلى حتى لا يضطر لودفيج لمشاهدة الخدم وهم يجهزون المائدة.
يستقبل قصر نيوسوانشتاين حوالي 6000 زائر يومياً وفي كل عام يزوره 1.3 مليون زائر يأتون من بعيد وعلى اتساع الكرة الأرضية بالإضافة إلى شخصيات، لكن داخل القصر سيبقى شيئاً غامضاً لك: التصوير غير مسموح به داخل القصر.
وعند وفاته كان نيوسوانشتاين قد كلف لودفيج أكثر من 6.5 مليون مارك أكثر من ضعف الميزانية الأصلية. فلوعاش الملك فإن هذه التكلفة حتماً ستكون أعلى. دفع لودفيج لهذا القصر ولمشاريعه الأخرى من دخله الشخصي، ولكن بما أن التكاليف زادت، فقد بدأ يبحث عن قروض. وحتى فكر أن يستدين من الحكومة البافارية التي رفضت الطلب.
بلغت ديون لودفيج الشخصية أكثر من 14 مليون مارك. مما جعل الديانة يفكرون في أن يضعوا يدهم على القصر. مما دفع به أن يهدد بقتل نفسه.
وفي ليندرهوف كان الزائرين يشاهدون علائم لشخصية لودفيج الغريبة والتي تحولت إلى جنون كامل. نصب تمثالاً ناهضاً لماري انطوانيت في القاعة الأمامية حيث يستطيع أن يلمس خدها ويقبله وهو يمر: وكان الخدم يسمعونه في الغرفة الأخرى يكلم التمثال وكان بدأ يضع مقاعد إضافية على المائدة ليترك مكاناً لملوك فرنسا الميتين ويصر أنه كان وريث فرنسا من لويس XVI
زارت مراي الكسندروفنا الروسية بورج عام 1868 وقد قام بإعادة فرش القصر بطريقة رائعة خلال إقامتها.
الخلع
في الساعة الرابعة في 10 يونيو 1886، جاء فريق حكومي يتضمن هولتشتاين وجودين إلى نيواينستاين لتسليم وثيقة الخلع إلى الملك رسمياً ولوضعه تحت الحماية.
وصل الخبر إلى لودفيج قبل ساعة أو ساعتين من خلال أحد خدمه المخلصين قائد عربته فرتيز اوسترهولتزر، وقد أمر لودفيج البوليس المحلي بحمايته فأعيد الفريق من حيث أتى بعيداً عن بوابة القصر. وفي مشهد سيء السمعة جانبي، فقد هوجم الفريق من قبل البارونة سييرافون كرتشسيف بسبب ولائها للملك فهجمت عليهم بمظلتها ثم ركضت نحو شقة الملك لتعرف الخونة. عندئذ طلب القبض على الفريق، ولكن بعد أن اعتقلهم لبضع ساعات، أطلق سراحهم. وكان الأمير لودفيج فرديناند الشخص الوحيد من العائلة الملكية البافارية الذي بقي على علاقة صداقة مع ابن عمه (ما عدا اليزابيث امبراطورية النمسا)، وهكذا كتب له لودفيج II برقية، فرغب فوراً في المجيء بعد الاتصال، ولكنه منع من مغادرة قصره من قبل عمه لويتبولد الذي كان سيأخذ الحكم من لودفيج II.
في نفس اليوم، قامت الحكومة برئاسة جوهان فون لوتز بإعلان لويتيولد كولي للعهد. ضغط أصدقاء الملك ومريديه عليه بالهروب أو بأن يظهر في ميونيخ وبالتالي أن يستعيد دعم الناس.
تردد لودفيج، وبدلاً من ذلك كتب كلمة وزعها مساعدة كونت الفرد دوركايم. والتي نشرتها صحيفة بامبورغ في 11 يونيو:
إن الأمير لوبتيولد ينوي، ضد إرادتي، أن يتسلق إلى الوصاية على أرضي ووزارتي السابقة، عبر إدعاءات كاذبة حول حالتي الصحية، خدعت شعبي الحبيب، وهي تجهز لإرتكاب تصرف بمثابة خيانة عظمى. (…) أدعو كل بافاري مخلص لأن يتجمع حول المخلصين من مؤيديني وأن يدينوا هذه الخيانة المخططه ضد الملك وأرض الأجداد.
نجحت الحكومة في إفشال الكلمة بأن أوقفت معظم الجريدة والمنشورات اليدوية. وفي مذكرات انطوان سيلير المصورة توجد صورة لهذه الوثيقة.
صدق هذه الوثيقة الملكية مشكوك به، ومع ذلك بما أنه مؤرخ في 9 يونيو، قبل وصول الفريق، واستعمال كلمة “أنا” بدلاً من “نحن” وهنالك بعض الأخطاء الأخرى.
وعندما تردد الملك خف دعمه، والفلاحون الذين هرعوا لنصرته فرقوا، والبوليس الذي يحمي قصره استبدل بفرقة بوليسية من 36 رجلاً أقفلوا كل مداخل القصر.
وبعد ذلك حاول الملك الهروب ولكن أصبح الأمر متأخراً. في الساعات الأولى لـ 12 يونيو جاءت فرقة أخرى وألقي القبض على الملك بعد منتصف الليل وفي الساعة 4 صباحاً أخذ إلى عربة تنتظره. وسأل الدكتور جودتين “كيف أمكنك أن تعلنني مجنوناً؟ على أي حال أنت لم تراني أوتفحصني قبل الآن”، فقط قيل لك ذلك، كان غير ضروري، الوثائق التوثيقية (تقارير الخدم) غزيرة جداً ومثبتة بشكل كامل. انها فائضة. نقل بعدها لودفيج إلى قصر بيرج على ضفاف بحيرة ستارنبرج جنوب ميونيخ.
وفاة غامضة
وفي بعد ظهر اليوم الثاني 13 يونيو 1886 رافق الدكتور جودين لودفيج في جولة حول أرضي قصر بيرج. وكان يرافقهما حارسان. وعند عودتهما عبر جودين عن تفائله للأطباء الآخرين بما يتعلق بعلاجه لمريضه الملكي. بعد العشاء حوالي الساعة 6 بعد الظهر طلب لودفيج من جودين أن يرافقه في نزهة أخرى وهذه المرة عبر أرض الحديقة على شاطئ بحيرة ستارنبرج. ووافق جودينن وقد تكون التمشية هي اقتراح منه وطلب من المساعدين عدم المرافقة. كلماته كانت غامضة “لا يسمح لأي من المرافقين المجيئ معنا”، وهل كان يعني أن يلحقوا بهم على مسافة مناسبة فلم يكن هذا واضحاً.
وقد شوهد الرجلان للمرة الأخيرة حوالي 6:30 بعد الظهر وكان من المفترض أن يعودا في 8 بعد الظهر ولكنهما لم يعودا. وبعد البحث الدقيق لمدة ساعتين من قبل كل موظفي القصر أثناء عاصفة هوجاء ومطر شديد في الساعة 10:30 تلك الليلة وجد جسد الملك وفون جودين رأسيهما وكتفيهما فوق المياه الضحلة بالقرب من الشاطئ. ساعة الملك كانت قد توقفت عند 6:45. لم يسمع حراس الأمن الذي يحرسون الحديقة أي شيء غير عادي.
اعتبرت وفاة لودفيج رسمياً انتحارا غرقاً ولكن الفحوصات الطبية الرسمية أثبتت أن لا مياها في رئتيه. كان لودفيج في شبابه سباحاً ماهراً. كانت المياه تقريباً تصل إلى وسطه حيث وجد جسده. وهو أصلاً لم يظهر أية أحاسيس انتحارية اثناء الأزمة. جثة جودين أظهرت لكمات في الرأس والرقبة وعلامات اختناق، بالرغم من أنه لم تكن هناك أية إثباتات تثبت ذلك. وهنالك نظريات أن لودفيج قد قتل من قبل أعدائه وهو يحاول الهروب من برج. وهنالك قول واحد أن الملك قد أطلق عليه الرصاص.
ارتدت بقايا لودفيج ثوب القديس هيوبرت ووضع باحترام في الكنيسة الملكية في قصر ميونيخ وقد حمل في يده اليمنى باقة من ازهار الياسمين قطفتها ابنة عمه الامبراطورة اليزابيث امبراطورة النمسا. وبعد جنازة ضخمة في 19 يونيو 1886 وضعت بقايا لودفيج في سرداب مايكلسكيرس في ميونيخ إلا أن قلبه لم يوضع مع جسده. فالتقاليد البافارية يطلب أن يوضع قلب الملك في مزهرية فضية ويرسل إلى “كنيسة الرحمة” في التوبنج حيث يوضع مع قلبي والده وجده.
بعد وفاته بثلاث سنوات، بني هيكل تذكاري صغير يشرف على المشهد ونصب صليب في البحيرة. كل عام في 13 يونيو تقام صلاة تذكارية عن روحه.
مقدمة لودفيج (الفيلم)
أنتج فيلم لودفيج عام 1973 إخراج المخرج الإيطالي لوتشينو فيسكونتي عن حياة وموت الملك لودفيج II ملك بافاريا. قام بدور لودفيج (هلموت بيرجر Helmut Berger) وقامت بدور الامبراطورة إليزيبث (رومي شنيدر Romy Achneinder) امبراطورة النمسا.
وقد صنع الفيلم في ميونيخ وأجزاء أخرى في بافاريا في المواقع التالية: روزنيسال، قصر برج، بحيرة ستارنبرج، قصر هيربنشيمي، قصر هوهينسوانجان، قصر ليندرهوف إيتال، كايزرفيلا وقلعة نيوشوانيستاين. وقد أصيب فيسكونتي اثناء تصوير الفيلم بسكتة دماغية.
الحبكة الروائية
ميونيخ عام 1864: يتوج الشاب ذو 18 عاماً والمثالي لودفيج كملك على بافاريا. وأول اداءاته دعم سخي للمؤلف الموهوب والكثيرالديون ريتشارد فاجنر الذي يستقر في ميونيخ بطلب من لودفيج . لا يستطيع مجلس وزراء لودفيج إدراك دعمه للفنون ويغضبهم أسلوب حياة فاجنر الشديدة الإسراف.
يحاول لودفيج أن يجد صديقا مخلصا في فاجنر، الذي يعشق موسيقاه ولكن هذه الآمال تتعثر: تنشأ علاقة خلف ظهر الملك بين فاجنر وكوزيمافون بولو، زوجة قائد أوركسترا فاجنر الانتهازي هانزفون بولو. وحتى يتفادى الفضائح كان على فاجنر أن يترك ميونيخ. يستمر لودفيج بدعم فاجنر ومشاريعه، ولكن مازال يشعر بعدم الثقة به.
الشخص المهم الثاني للودفيج هو الامبراطورة إليزابيث من النمسا، ابنة عمه المستقلة والقوية الشخصية. أثناء إجتماع مع العائلات الارستقراطية الأخرى في بادايشل، يقترب لودفيج من اليزابيث ويتشاركان في قبله. إلا أن اليزابيث كانت مهتمة أكثر في تكوين زواج بين اختها الجميلة المثقفه صوفي ولودفيج ولكن الملك يتجاهل صوفي. وبعد خبية أمل لودفيج في فاجنر واليزابيث يبدأ لودفيج بالإنسحاب من الحياة العامة إلى عوالم من الأحلام.
أراد لودفيج أن تبقى بافاريا في موقع حيادي في الحرب النمساوية الروسية 1866، ولكن مجلس وزراءه كان له رأي آخر وبالتالي دعم المجلس الجانب النمساوي الخاسر. تجاهل لودفيج الحرب وبقى في قصره، مما اثار غضب اخاه الاصغر أوتو والكونت القريب إلى قلبه والذي يثق به دوركايم. ينصحه دوركايم بالزواج حتى لا يشعر بالوحدة.
وبعد أن أحس لودفيج بمثليته بوقت قصير، فجأة أعلن خطوبته إلى صوفي في يناير 1867. ارسلت والدته ومجلس وزراءه ممثلة إلى شقيقه وقد اعطيت الأوامر بإعطائه تجربة جنسية. يشعر لودفيج بغضب من الممثلة ويرميها في حوض حمامه. كان لودفيج يشك في قدرته أن يكون زوجاً جيداً لصوفي التي تحبه، ويؤجل الزواج ثم يلغيه. وبدلاً من ذلك يبدأ بتكوين علاقات مع خدمه، رغم شعوره ككاثوليكي بالذنب بسبب مثليته. تدعم بافاريا الجيش النمساوي في الحرب الفرنسية – النمساوية 1871، ولكن خلال توحيد المانيا الذي تبع ذلك يخسر ملك بافاريا الكثير من سلطته إلى الامبراطور النمساوي ويلهلم I والمستشار اوتوفون بسمارك. وبعد الحرب الفرنسية النمساوية بوقت قصير تدهورت حالة الصحة العقلية لأوتو الشقيق الأصغر للودفيج وكان على الأطباء العناية به: أصيب لودفيج بصدمة جراء مرض شقيقه.
لم يعد يهتم لودفيج بالسياسة، وبدلاً عن ذلك صرف أمواله لبناء قصر نيوشوانستاين، وقصر ليندرهوف وهيربنشمسي. يتضايق المجلس ويزداد ضيقه بسبب ديون الملك الفاحشة. في 1881 كان للملك صداقة قصيرة عنيفة مع الممثل جوزيف كاينز الذي كان لودفيج يعبد أدائه في دور روميرو، ولكن كاينز كان كل ما يهمه مال الملك. كان لودفيج أيضاً يستضيف جلسات عربده مع خدمه. وعندما أرادت ابنة عمه اليزابيث زيارته بعد وقت طويل رفض أن يقابلها.
في العام 1886 أعلن الطبيب النفسي جودين أن لودفيج مريض عقلياً، بناء على نصيحة ومؤامرات المجلس. بمساعدة خدمه المخلصين استطاع لودفيج إلقاء القبض على مجلسه لبضع ساعات. اقترح عليه اصدقائه أن يقاتل ضد اتهامه بالمرض العقلي، ولكنه يشعر بهبوط نفسي وتعب. ونتيجة لذلك يعلن عمه لويتبولد اميراً لمقاطعة بافاريا.
ويؤخذ لودفيج إلى قصر برج قرب بحيرة ستارنبرج حيث أقام بعد القبض عليه ويتابع العلاج النفسي.
بعد يومين يترك لودفيك وجودين القصر في نزهة. بعد بضع ساعات، يعثر على جثتيهما في بحيرة ستارنبرج. يترك الفليم موت لودفيج الغامض مفتوحاً.
هيلموت بيرجر لودفيج II البافاري
رومي شنايدر الامبراطورة اليزابيث النمساوية
تريفور هوارد ريتشارد فاجنر
سيلفانا منجانو كوزيما فوت بيولو
النسخ المعدلة والرقابة
كانت النسخة الأصلية التي أعدها فيسكونتي أربع ساعات والتي رفض موزعو الفيلم إقرارها لأنها طويلة جداً.
ثم تم قطع جزء من الفيلم فأصبح ثلاث ساعات في افتتاحه في ميونيخ بتاريخ 18 يناير 1973. كان القطع الحاصل دون موافقة فيسكونتي ، ولكن المخرج لم يكن قادراً على إيقافه أيضاً لأنه كان في حالة صحية سيئة بعد أن أصيب بسكته دماغية أثناء الفيلم. تصوير مثلية لودفيج قوبلت برفض خاصة في بافاريا، حيث كان لودفيج محترماً من قبل العديد من المحافظين. وممن انتقد ذلك رئيس وزراء بافاريا فرانز جوزيف ستراوس الذي كان أيضاً في حفلة الافتتاح في ميونيخ.
خاف الموزعون من النزاع وقطعت 55 دقيقة من الفيلم فتحول الفيلم من أربع ساعات إلى ساعتين. المشاهد المثلية والأخرى التي تتضمن حوارات فلسفية قطعت أيضاً حتى تجعل الفيلم أكثر قبولاً من الجمهور العادي.
هناك على الأقل أربع نسخ مختلفة من الفلم، والتي تبعاً لما قيل في (الدليل السنيمائي) تعاني كثيراً من تقصيرها، لأن كل دقيقة مهمة للقصة. وقد قال الناقد الألماني ولفرام شوت “إن الذين شاهدوا الفيلم المقطوع لم يشاهو الفيلم”.
وقد أعيد الفيلم لطوله الأصلي الأربع ساعات من قبل مونتير لودفيج الأصلي روجيرو ماستورياني وكاتب سيناريو الفيلم سوسو سيشي داميجو في 1980، أربع سنوات بعد وفاة فيسكونتي. وقد أفتتح هذا الفيلم بنسخته الأربع ساعات في 1980 في مهرجان فينسيا السينمائي.
كيف جعل “لوتشينو فيسكونتي”
التاريخ يغني
أ. سكوت A.O. Scott
بين المخرجين الإيطاليين الذين حققوا سمعة عالمية هامة في السنوات التي تلت الحرب II. ربما امتلك لوتشينو فيسكونتي الرؤيا التاريخية الأكثر حدة والشهية الأدبية الحادة. الافلام الروائية 14 التي اخرجها بين 1942 وعام وفاته 1976 تضمنت نقلاً عن كتب لدستويفسكي، كامو، ومان، وسيرة ذاتية عن الملك لودفيج II البافاري وبعض الغزوات إلى داخل الاضطرابات السياسية في منتصف القرن التاسع عشر في إيطاليا ومطلع القرن العشرين في المانيا. فيسكونتي كان لفترة طويلة عضواً في الحزب الشيوعي الإيطالي، وكان أيضاً أحد مؤسسي الواقعية الجديدة، يمثل صراعات الطبقات العمالية من صيادي الأسماك الرومان والصقليين والمهاجرين من الريف الجنوبي إلى مصانع الشمال.
هذه التوصيفات – واقعي، تاريخي، رجل الكلمة المكتوبة – رغم انها دقيقة إلا انها تخلق تأثيراً مُضللاً يوحي بالجفاف والعقم الذي هو أبعد ما يكون عن الحقيقة. كان فيسكونتي شديد الحساسية أكثر منه مثقفاً. فأفلامه تسكر العقل وتنيره في آن واحد، وتذكرنا بسعادة في هذا الوقت أو غيره بأن الجدية والفرح يسيران جنباً إلى جنب.
أفلامه التاريخية مقالات متخفية بثوب أوبرا. ففيلمه “سنسو Senso” في عام 1954 قصة مؤامرة فينيسيه خلال حرب الاستقلال الايطالية الثالثة، تبدأ في تمثيل “II تروفاتور” وتنطلق على موسيقى فردي وبروكنر. “Leopard” المصور في صقلية تقريباً في نفس الوقت (1860)، وينتهي بمشهد حفلة رقص رسمية تظهر حركة التغير السياسي الجذري عبر تشابك حساسية الرقص. بطل رواية “لودفيج ” الذي حكم بافاريا من 1886-1864 كان اهتمامه بالحكم اقل بكثير من اهتمامه بموسيقى فاجنر. وببناء القصور التي تشبه ديكورات المسرح الخيالية.
إذا ما وصفنا “لودفيج ” (أو لودفيج نفسه من هذا المنطلق) كواحد منحط فقد تبدو هذه استهانة غير معبرة. فهو محاط بالطلاء المذهب والمخمل والكريستال ودائماً كأس من الشمبانيا ليس بعيداً عن يده، الرجل الذي يدعى الملك البجعه (يقوم بدوره الممثل هيلموت بيرجر) يتعفن تقريباً أمام أعيننا، اسنانه تسود في فمه وعينيه الزرقاوين تغوران في عظام ذقنه المرسومة كالتمثال. ومملكة لودفيج تبتلع تدريجياً من قبل امبراطورية بروسيا البيروقراطية والتي اطلقت سرباً ينقنق في الصوليون الذين يلبسون الثوب الأسود من أطباء وسياسيين ليبحثو في صحة جلالته العقلية. تحقيقاتهم هي جزئياً حركة ضمنية لكره المثليين واضطهادهم – بين اشياء اخرى من الشواذات التي تتعلق بالسلطة وهي رغبة لودفيج لمصاحبة الشباب البهي الطلعة – وفي جانب آخر مظهر من تخطي الحداثة – قاعدة ارستقراطية قديمة تصبح فجأة سلسة اخلاقياً وجامدة تقليدياً فتترك مكانا لشيء جديد، والتغيير مر وحلو، يتضمن التطور والمأساة.
ومشهد من “الأرض ترتجف” الذي كان المفروض أن يكون فيلماً وثائقياً ولكن فيسكونتي جعل منه قصة روائية.
إن القدر الذي يتعرض له لودفيج هو تنويع على ذلك الذي واجهه الأمير فابريزيو الصقلي النبيل الذي قام بدوره برت لانكستر في “الفهد” الذي يتأجل وصول النظام الجديد بقبول حزين شيء جميل قدم ضحية على مذبح المستقبل وكان لابد من مواجهته. وهذه الازدواجية مركزية في أعمال فيسكونتي وهي كثيراً ما توصف بعبارة الوجوه المتناقضة المختلفة لشخصيته. كان ماركسياً متحمساً وبالصدفة البحته كان سليل أسرة ثرية، لها اسمها، رجل مثالي يعمل في مهامه (وفي الثقافة) غارق في الرجولة. مزاجه الجمالي كثيراً ما يفترض أن يكون مشتبكاً مع حساسيته السياسية.
يقال أحياناً الملذات البصرية والحسية لأفلام فيسكونتي الواقعية الجديدة تقوض الأهداف الأخلاقية متزمته أو أن جمالها يتجاوز حزم الإطار المحيط. ولكن يبدو لي أن غنائيته هي منافستها الخاصة، تأكيد مستمر على عدم فصل الفن عن الحياة.
فيلم فيسكونتي الروائي (وأول روائعه) كان La Terra Trema “الأرض ترتجف” والذي كان قد كلفه به الحزب الشيوعي كوثائقي يصور معاناة الصيادين الصقليين. بدلاً من ذلك شكل فيسكونتي قصة روائية، مستخدماً أشخاصاً حقيقيين ومواقع، حول محاولة الصعود والسقوط المرير لأنطوني فالاسترا وعائلته. لحظات من الميلودراما ومشاهد من الحياة اليومية تحاك معاً بسرد من شخص ثالث مقصود أن يكون جافاً. فلا ننسى أنك تشاهد سينما، ولكنك بشكل ما بين الفترة والأخرى تدرك الحقيقة الإنسانية أمام عيناك والفن السينمائي الذي يجعلها مرئية.
في بدايات الفيلم يذهب قارب انطوني ورفاقه من الصيادين من قرية آسي – تريزا نحو الشاطئ ليضعوا حمولتهم مما اصطادوه ويبيعونه لتجار الجملة الذين يأخذون معظم الربح. الصخب والضجيج يجعله يبدو وكأنه لمدينة بها سوق تداول أسهم منقول إلى شاطئ متوسطي. ليس هنالك حوار واضح المعالم، تنافر نغمات من الصراخ والمساومة.
تتحرك الكاميرا عبر كل هذا في لقطة واحدة غير مقطوعة تستمر أكثر من دقيقتين، عمل فذ تكتيكي مثير للحماس يستطيع أن يصلنا بكمية ضخمة من المعلومات عن الاقتصاد السياسي والتنظيمات الاجتماعية لاسي – تريزا. هنالك تقسيم واضح للطبقات، والأجيال والأحوال الشخصية ولكن بسبب غياب التقطيعات فإننا نرى تماسك داخل الفوضى. هنالك فقدان للعدالة هنا، ولكن أيضاً نوع من الاستقرار.
تحدياً للعادات والتقاليد، يحاول إنتوني أن يستبعد الوسيط، فيرهن منزل عائلته ليشتري قارب أكبر. ثورته، بالرغم من عقمها إلا أنها تعطل النظام القديم، وتظهر بشكل كامل قسوته. خسارته مثبته في مشهد ثان على نفس الشاطئ، مباركة احتفالية من الاسطول الذي يحمل كل المدينة. وفي هذه المرة بينما كانت خطابات السلطات المحلية تعلن الوحدة والتناغم يحول المحررون الحركة إلى شظايا إلى سلسلة طلقات متفردة متقطعة.
والناس الذين كانوا سابقاً ملتحقين بالنقاش أصبحوا الآن معزولين عن بعضهم البعض، منبوذين على طرفي نقيض.
العلاقة بين اللحظتين جدلية: الضوضاء السمعية والنزاهة البصرية في المشهد الأول تتبادلان الأماكن في الثاني. نظام استغلالي يتماسك بالعرف فيتحقق الآن بالتزوير والقوة. العدالة تبدو وراء الأفق والاشياء قد تسؤ أكثر قبل أن تصبح أفضل.
“روكو واخوته” تحفة فيسكونتي الثانية (واسهاماته لمعجزات السينما الإيطالية لعام 1960، العام الذي انتجت فيه “لادولنسي فيتا” و”لافنتورا”، ينتهي بتحية مماثلة مرة ثانية عائلة تحاول أن تحسن معيشتها تعاني من خيبة أمل حادة. روكو ياروندي واخواته يهاجرون إلى ميلانو مع أمهم الأرملة، يعانون تقطع أواصر علاقتهم العائلية، وتفتت تقاليدهم. ولكن خسارتهم مثل خسارة الامير فابريزيو والملك لودفيج هي رسوم تدفع على الطريق إلى المستقبل.
الإيمان بذلك المستقبل قد يعتبر الآن موضوع حنين إلى الماضي بما يناسبه، ومن الصعب أن ننكر أن فيسكونتي قدم لجمهور القرن الواحد والعشرين وليمة شهية من المباهج القديمة الطراز. الحنين الذي تثيره بعض هذه الأفلام يمكن أن يتحول إلى تحية حزينة للعالم الذي جاء منه. في ذلفك العام كان ممكن أن يأخذ مارسيللو ماستروياتي دور البطولة العاجزة لقصة ديستويفسكي “الليالي البيضاء” في 1957
ثم بعد ذلك بعشر سنين البطل الوجودي المزيف لفيلم “الغريب” مبني على قصة كامو. وديرك بوجارد قد يجلس على الشاطئ متأملاً مرور الزمن وجذع سائح شاب في “الموت في البندقية” قد يسقط العالم محطماً ببطء بشكل جميل. الانحلال والتدهور وليس كما كان سابقاً.
ألق لوتشينو فيسكونتي
الميلودرامي المنتفخ غروراً والمتسامح
جاكسون أرن Jackson Arn
صور أكثر إثارة
في الخامس عشر من أبريل 1944، في روما، ألقى الجنود الفاشيون القبض على لوتشينو فيسكونتي دي مودرون، كونت لونايت يوزولو. منذ أواخر الثلاثينيات كان الكونت شيوعي ملتزم، يخفي أعضاء الحزب في أملاكه وحتى يبيع المجوهرات العائلية ليموّل محاربة موسوليني. وكما يوضح بيتر بوندنيلا في “تاريخ السينما الإيطالية”، فقد سجن فيسكونتي لجرائم ضد الدولة وكان يضرب ثلاث مرات في اليوم. وكان ملفه يحتوي العبارة التالية “أن يقتل”، مصير تجنبه بحذر عندما احتل الحلفاء ايطاليا في بداية يونيو. وبعد بضعة أشهر، عندما كان فيسكونتي، في بداية عمله المجيد كمخرج كلفه قاضي الحلفاء أن يقوم بتصوير فيلم عن إعدام حارس السجن الذي أمر بتعذيبه.
في خريف حياته، ويفضل أن يحمل بيده كأساً من الشمبانيا وسيجارة تتدلى من شفته (كان يدخن ما يزيد عن المائة في اليوم)، يسترسل الكونت في الذكريات حول أيامه كسجين. تكتمل القصة بإلتفافه كالتي يكتبها أوهنري وتبدو متناسبة مع مخرج ارتفعت سمعته وانخفضت عدة مرات. فمرة تصنفه مع مجموعة مثل روسوليني ودوسيكا اثناء مناقشة من هم مخرجو إيطاليا الواعدين، وفي أواخر الستينات خسف نجمه عند تقييمه مع المخرجين الطليعيين مثل جودار وانطونيوني. وبينما استمر مخرجو هوليود الجدد المؤثر الأساسي، فإن العديد من أفلامه (الغريب) و(النمر) (لودفيج ) من المستحيل مشاهدتهم في الولايات المتحدة أو إذا وجدوا فنسخ مشوهة في 90 دقيقة.
وفي هذه النقطة من المقال، يقول الكاتب عادة شيئاً مثل “أنه بالضبط الوقت المناسب لإلقاء نظرة طازجة على مجمل أعمال المخرج الطويلة – ولكن في حالة فيسكونتي فالوقت ليس صحيحاً أو خاطئاً – فأفلامه الروائية – تأخذ مكانها معظم الوقت في حقبات زمنية طويلة – انتهت وتبدو غير مكترث بها إذ لم يكن هناك عدائية تجاه ما يفترض أنه فضيلة الموضوعية.
وهذا هو بالضبط حال الأفلام التي انهاها في آخر عشر سنوات من حياته – فلو أخذناها دفعة واحدة، فهي نوع من الأصبع المتوسط موجه للنقاد مع كل شتيمه رفعت ضد أعماله السابقة – “ميلودرامي” “مغرور” “متسامح” – يعانق، ويرفع إلى أعلى درجة.
في السنوات الأخيرة كتب “ريتشارد برودي” أن الفنانين يرغبون في أن يكونوا أكثر حرية وأن يصبحوا أقل سوء من الذي فعلوه عندما كانوا أصغر سناً، ليؤكدوا أفكارهم وأشواقهم بكبت أقل. إن أفلام فيسكونتي التي صنعها بين 1969 و1973 “الملعونون”، “الموت في البندقية” و”لودفيج ” أمثلة مذهلة لما قد يحصل عندما يتمكن مخرج عظيم يمتلك أموالاً طائلة ومكانة عالية يتوقف عن الاهتمام بما يفكره الناس بعمله. وهي أيضاً مناسبة، بما لا يضاهي كتأملات لموضوع الزيادة: في نسواتها، وقلقها، ونتائجها المخيفة.
عند الانطلاق لصنع هذا النوع من الأفلام، والتي تميل إلى أن تكون أكثر بطءً وأكثر كثافة مما قبلها.
وكان للكونت ميزة عدم حاجته للمال. فقد حكمت عائلة فيسكونتي ميلانو في بداية عصر النهضة وبقيت سياسياً ومالياً ذات نفوذ في ايطاليا حتى يومنا هذا. ودرع النبالة الخاص بهم يظهر ثعبان يبتلع رجلاً، وعليها شعار بالإنجليزية “لن اسيء لتقاليد الثعبان” وهذا يعطينا فكرة كيف حصلت العائلة على أموالها القذرة في المقام الأول. على أي حال لم يجد فيسكونتي في طفولته ما يمنعه من الصرف: في أوبرا، موسيقى كلاسيكية مما لعب دوراً كثيراً في طفولته وكما فعلت حتماً في العديد من أفلامه. وفي العشرينات من عمره فاز بسمعة رفيعة كمربي لأحصنة السباق قبل أن يغادر إلى باريس ليحاول العمل في صناعة الأفلام.
كان هناك تحت تأثير المخرج الكبير جان رينوار، أن بدأ فيسكونتي غرامه الأبدي بالماركسيه موقف تسبب له بكمية من السخرية – سلفادور دالي مرة استثناه عندما قال “شيوعي لا يحب سوى الترف” ومثل الفنانين العظماء اتهم بالخداع، وفاز فيسكونتي بالنقاش الذي كان يهمه بأن قام بإخراج سلسلة من الأفلام الغير عادية والتي كان العديد منها عن الطبقات العاملة ومازالت حتى الآن يحتفل بها كحجر الزاوية للواقعية الجديدة. أول هذه الأفلام “Ossessione” 1943 “استحواذ” منقولة عن جايمس كاين وفيلمه “رجل البريد يقرع الباب مرتين دائماً”. وهذا وضع قالباً لأعماله الناضجة: حبكه رائعة (تدور حول اثنان من المحبين يحاولان قتل زوج المرأة) منغم على نغمة ونسيج الحياة اليومية (المشاهد الرئيسية تدور في غرف فنادق رثه أو في مطبخ بينما الشخصيات تجهز الطعام) طول الفيلم (ساعتين ونصف يقول أساساً قصة كايين ذاتها الذي كانت في 100 صفحة) وقد عرض لسنوات عديدة بشكل راق في نسخ مقطوعة غبية.
“الاستحواذ” واحد من قائمة أعمال فيسكونتي المبكرة الخالدة مع “الأرض ترتجف” 1948، ملحمته الخالدة التي عبرت عن حياة الصيادين الصقليين يناضلون من أجل الحرية الاقتصادية. و “Senso” 1954، “المنطق” فيلمه الأول الملون. أحب أفلامه قد يكون الاثنان اللذان اكملهما في بداية الستينات: “روكو وأخوته” 1960 قصة عائلة من الطبقة العاملة في ميلانو تمزقت بسبب الشهوه والطموح، و “The Leopard” “النمر” 1963، حول نبيل من القرن التاسع عشر يحاول حماية عائلته من أن تمزق بسبب (Risorgimento) تشكيل الدولة الإيطالية العصرية. وهذه الخماسية كانت ستأخذ معظم الاهتمام من النقاد والمشاهدين – وبالرغم من أنها لبعض المتكلمين، كانت ستغطي الثلاثة الذين جاءوا بعدها.
“الملعونون” 1969، “الموت في البندقية” 1971 ولودفيج 1973 ويعرفوا بشكل جماعي بثلاثية ألمانيا بسبب وقوعهم في تيوتونيا من حيث المكان والشخصيات والهدف – أفلام من الصعب أن تحبها. لتبدأ أولاً فهناك مقياسهم الشفاف: المكان المحدد المتسع الذي يفرض وجوده، عواصف ماهلر وفاجنر، الوقت الممتد للعرض (كل هذه الثلاثية تدور في ثمانية ساعات ونصف “لودفيج ” لوحده حوالي أربعة ساعات). مثل الغرف الكهنية التي يلعب بها، الثلاثة أفلام تشعر الإنسان بزخرفة مقززه. مليئة بثلاثة أسطح مزخرفة ومسالك كممرات. جماليات الثلاثية الكثيرة التي من شدة كثرتها يدوخ المشاهد تتناسب فقط مع نغمتها، إلى حد ما التراجيديه دائخه ومتنافرة ومضحكة ومخيفة لزجه العواطف كل هذا في آن واحد مثل رجل غريب يدهن وجهه بمستحضرات التجميل ليخفي تجاعيده. لندعوها أفلام فيسكونتي المشاكل: متأخره، أعمال باروك كثيراً ما تجابه خطر الغرق في أبنيتها هي.
لا يبذل فيسكونتي أي جهد ليجعلنا نحب أبطال أفلامه، أنهم أصفار، مساجين استحواذاتهم من المستحيل مشاركتهم فيها. ففي “الموت في البندقية” هنالك الموسيقي المريض جوسناف فون اشينباخ، سال لعابه وهو يلاحق صبي مراهق، لودفيج II ملك بافاريا، يصرف الأموال بلا حساب على دور الاوبرا بينما يستعد الجيش الروسي لاحتلاله. آخيراً هنالك الكل، آسف عائلة اشينباك، التي تقوم بدور البطولة لفيلم “الملعونون” التي تركها فيسكونتي وتمسك بمن كان ألطف المجموعة بعد نصف ساعة من بدأ العرض تاركاً الباقين ليذوبوا في الجريمة والسطح في ظل الرايخ الثالث.
إذاً لماذا نحن مشدودون لهذه الشخصيات؟ من جانب واحد لأنهم كل ما لدينا – نتمسك بهم، في العمق الواسع لأفلام فيسكونتي لحاجتنا لأي رفيق أفضل. ولكن هم أيضاً يمتلكون جاذبية مضللة، فاتنة حتى عندما نجدهم منفرين. دقيقة بدقيقة، يبدو فيسكونتي يناضل ليشكل مشاعره الخاصة تجاه شخصياته مبادئه والامتداد باتجاه الحياة المترفة التي عرفها من اليوم الذي ولد.
أخذ بيرجر أدواراً رئيسية في أربع أفلام من أفلام فيسكونتي بما في ذلك مارتن، أكثر أفراد عائلة اشنبالك روعة وخسه في “الملعونون” و”لودفيج ” المسمى ملك. وماعدا ذلك فإن فيسكونتي المنبطح أمام اللقطات الطويلة المنضبطة في الثلاثية الألمانية، فهو يلتقط وجه ملهمه الجميل في لقطات مقربة غامضة مبهرة. في “الملعونون” تتجول الكاميرا على بشرة بيرجر الشاحبة وحاجبيه المرسومان بالقلم، وفمه الغامق المفتوح. إنه نوع من الدمية البلهاء السعيدة. في الوهلة الأولى يتبع النص المكتوب، ثم يدور مكانه وتصبح أدواته بعيدة عن السيطرة في المشهد الأخير المروع للفيلم.
وشيء شبيه بهذا يمكن قوله عن مدمن فاجنر النرسيسي الذي يلعبه بيرجر في “لودفيج ” أو مثل اشينباك الذي لعب دوره ديرك بوجارد في نسخة فيسكونتي في “الموت في البندقية” كما ورد في قصة توماس مان 1974.
يتجه اشينباك إلى البندقية ليأخذ استراحة ولكن يجد بسرعة أن خطته فشلت بعد أن وجد شاباً يدعى تازيو والذي يبدو أنه يشبع عطش المؤلف للجمال والشهرة بالرغم من انهما لا يتكلمان معاً (كان بطل مان كاتباً فحوّله فيسكونتي إلى متحمس للموسيقى الكلاسيكية) نهاية الفيلم تصور لقطة مقربة اسميه إنها لوجه بوجارد المنفوخ وقد غطاه اللون الأحمر الذي بدأ يذوب. ناضل بشدة ليسترجع شبابه، فيموت بنوبة قلبية وهو يتأمل تازيو والمستقبل الذي سيرثه الصبي.
وهناك لحظات أخيرة تدل على مرور الزمن والسلطه تظهر خلال الثلاثية الألمانية فإن فيلمي “لودفيج ” و”الملعونون” يبدان بمشاهد تتويج حيث يسلم بطرك كبير المشعل إلى وريث لم يجرب الحياة بعد. وهذا يشير إلى واحد من أغرب الأشياء حول هذه الأفلام الفردية إلى أبعد الحدود: إنها تدور حول شخصيات مضطربة، معزولة تبدو مقطوعة عن العالم بشكل عام، ولكنها أيضاً مهتمة بشكل عميق بكيف العالم – عام – العالم العصري الأوروبي – الذي أصبح فيما بعد. مرة تلو الأخرى، تستخدم أفلام فيسكونتي مجموعة صغيرة متماسكة كنموذج للمجتمع، طريقة لتفهم كيف تترك فترة تاريخية معينة مكانها للثانية. في الثلاثية الألمانية نجده يركز على السنين التي تقود إلى ظهور الفاشية في أوروبا الغربية، محاولين أن نفهم كيف اتجهت الاشياء لتصبح هكذا خاطئة جداً.
إنه لعنوان بال أن نقول أن أواخر الرومانتيكيه وبدايات الفترة العصرية كانت فترة منغمسة في الملذات، مليئة بالفائض الاقتصادي الشديد والتجارب الجنسية المتوحشة، والثلاثية الألمانية تتضمن الكثير من الاثنين – حفلات العربدة المثلية هي المشاهد المركزية في “لودفيج ” و”الملعونون”.
ولكن لدى فيسكونتي شيء أكثر من الإثارة في تفكيره: العربدة في “الملعونون” تنتهي بمذبحة، مع الضوء الأحمر الشهواني لقاعات البيره، مخليه الطريق للشارات الحمراء لفرق الجيش النازي من الجلادين. كما يظهر فيسكونتي في المقدمة انحلال اهوج يدع نصف عين على الأهوال التي ستليه.
الرابط بين، من جهة، الانحلال والممارسات الجنسية لليسار البعيد، ومن ناحية أخرى، بروز اليمين الفاشي هو واحد من المواضيع الأساسية لسينما ما قبل الحرب. في “الملتزم” الذي أخرجه برتولوتشي المعجب بفيسكونتي و”كاباريه” (الذي يصور مشهد للراقصين لابسي الصليب يتاطعون مع فرق الصاعقة تتنقل كالبجعه) نحو ساحة الكسندر. هذا الفيلم الذي أخرجه فاسبيدر (اعتبر “الملعونون” اعظم فيلم شاهده في حياته) وما تمثله تماماً هذه الصلة ربما سيناقش إلى الأبد، ولكن هذه الأعمال كلها تبدو مشيرة إلى علامة مصطربة بين الأيديولوجيين.
لقد كان خطائنا قال هيربرت لمان، واحد من الشخصيات القليلة في “الملعونون” الذي يعادي بشكل قاطع النازيين. “كل الذي فعلناه أننا أعطينا ألمانيا ديمقراطية مريضة… النازية هي وليدتنا” واحدة من النظريات المغلقة التي تثيرها ثلاثية ألمانيا وهي أن المرح الذي ساد نهاية القرن أعطى جوازية – فعلى السطح، أبعد ما يتخيله الرايخ الثالث كان السبب الحقيقي وراء ظهور هتلر، وذلك اختيار العيش في مجتمع هش شفاف من الأوبرات والشمبانيه فقد شق صفوة أوروبا الطريق لطفرة جديدة لابد منها من العنف والقوة الغاشمة.
ذلك العالم الشفاف يبدو كثير الشبه بذلك الذي عاش فيه فيسكونتي، وهو كان يعرف ذلك. فخلال ثلاثية ألمانيا كان ممزقاً بين الاحتفال والرفض القاسي للحياة المترفة، والتي عرفها جيداً. وهذان المحركان يتصادمان في منتصف الطريق خلال “لودفيج ” عندما ينتهي الملك من بناء مغارة فينوس، قصر مسرات تحت الأرض كاملاً، ومعه قارب على شكل صدفه. فنحن نتوقع من ناحية أن يكون متعاطفاً مع بطله في مشروعه الخيالي. فإنشاء الأبنية المكلفة المبهرة كان على الأقل هو ما لدى الكونت. ولكن رؤية الملك وهو يجدف حول المكان ويطعم بجعاته الأليفة فهو بلا شك سخيف – كان كمن يعزف على القيثارة وروما تحترق.
الفرق الأساسي بين الكونت لوشينو فيسكونتي والملك لودفيج II هو أن لودفيج تبنى فنانين بينما كان فيسكونتي فناناً، وفناناً عظيماً. ففي الثلاثية الألمانية وجد طرق لاكتشاف النصفين المتناقضين للتاريخ الأوروبي، وكذلك الأجزاء المتناقضة من شخصيته – ماركسيته، استقراطيته، نشاطه الجنسي – الذي سخر منه دالي قبل سنوات.
والنتيجة لبعض المشاهدين تناقض مشوش ولا شيء آخر. أما للآخرين، فهو شيء يشبه النوتة الموسيقية المتباينة الشهيرة لافتتاحية “ترستان وايزولد” لفاجنر: توتر لا يمكن حله، والجميع ينجذب اكثر له.