لازمت الرسالة التحريضية النص الأدبي العربي الحديث، شعرا كان أم رواية، منذ ولادته حتي اليوم. وما في الأمر من غرابة، فما هو حديث، في الأدب وخارجه، يتخذ من الانسان محورا له، ويتأمل تاريخا معينا، نصر الانسان أورمى به الى هزيمة قارة، أو متجددة. ولم تكن دعوة الالتزام، التي راجت من بداية الخمسينات حتى هزيمة حزيران، الا دعوة زائدة تنسب الى الأدب وظيفة موضوعية قانعة فيه، وتطلب منه ما يعطيه راضيا، دون آمر خارجي، وذهبت دعوة الالتزام الى ما ذهبت اليه. بسبب مناخ سياسي – ايديولوجي عام، رحل الى الأدب أسئلة خارجة عنه، وسياق وطني قومي، كان يرى في الأدب سلاحا، يزامل الأسلحة الأخرى.
السياق الأول والالتزام المضمر:
يتحدث لوكاتش في "نظرية الرواية" عن أزمنة سعيدة لا تحتاج الى فلسفة، لأنها في سعادتها، تعيش القول الفلسفي، ولا تحتاج الى كتابته. والزمن الذي ولد فيه النص الأدبي العربي الحديث، شعرا كان أم رواية وغيرهما، وقع على زمن يغاير ما جاء به لوكاتش، قوامه السيطرة الخارجية المباشرة وأنظمة سياسية مغلقة، وكان على النص الوليد أن ينصت الى نبض زمانه الخافت، وأن يرى الى المسافة الشاسعة التي تفصله عن زمن أوروبي مسيطر، صاخب النبض الى تخوم الضجيج. وحملته المسافة المروعة بين الزمنين الى احتجاج على ما يرى، والى الدعوة الى زمن مختلف، له نبضه السوي، وله انسان استعاد انسانيته المهدورة.
يبدأ محمد المويلحي نصه الشهير "حديث عيسى بن هشام"، الذي بدأ بكتابته في السنتين الأخيرتين من القرن الماضي، بأهداء واضح الدلالات وبين الوظيفة. وكان الإهداء موجها الي أسماء مستنيرة، ودعوة الى عالم جديد حسن النور والإنارة. ولن يختلف القول حين كتب حافظ ابراهيم، بعد سنوات قليلة لاحقة، كتابه الصغير "ليالي سطيح"، الذي يمزج، وقد ارتاح الى شكل المقامة، بين هوان الإنسان المصري والاستعمار الانجليزي. وعبر عن هذا الاتجاه أحسن تعبير فرح أنطون، الصحفي الذي مال الى الكتابة الأدبية، حين كتب مقدمتة لروايته "الدين والعلم والمال" التي ظهرت في بداية القرن، يقول فيها: "وهذا الكتاب… معروف من عنوانه، وقد سميناه رواية على سبيل التساهل، لأنه عبارة عن بحث فلسفي اجتماعي في علائق المال والعلم والدين، وهوما يسمونه في أوروبا بـ"المسألة الاجتماعية"، وهو عندهم في المنزلة الأولى من الأهمية لأن مدينتهم متوقفة عليها.. (1). يحمل قول انطون أكتر من دلالة، فهو يحلم بـ"مدنية جديدة" تقتربا من المدنية الأوروبية وتواجهها، وهو يعهد الى الكتابة بالدعوة الى المدنية الغائبة، كما لو كانت الكتابة كشافا يقارن بين زمنين. قادت أولوية وظيفة الكتابة على الكتابة في ذاتها فرح انطون الى "رواية أخرى"، ما هي بالرواية، "رواية على سبيل التساهل"، تحتج على الواقع وتحض على التغيير، في شكل حكائي سائغ، يوافق القاريء ويلبي نزوعاته. يتكشف الشكل الروائي، في التصور الأخلاقي للأدب، ذريعة لغاية تتجاوزه، تحيل على التربية والتهذيب لا على المعايير الفنية.
ولا فرق بين ما قال به انطون وما كتبه أمين الريحاني في روايته "كتاب خالد"، التي صدرت في نيويورك عام 1911، وحاورت رغم المسافة، انسانا مغتربا، عليه أن يستعيد جوهره المفقود. يعثر القاريء، وفي الفصل السابع، على هذه السطور: "ومن الصحيح أن المعرفة قوة، لكن يجب علينا التمتع بكفاءة تكوينية تؤهلنا لكي نكون مطلعين على المعرفة أتم اطلاع. وما لم تتوافر لدينا هذه الأسباب، فمن المرجح أن تصاب الروح بالتواء يؤدي الى تشويا مدى الحياة.."(2). ما يشير
اليه فرح انطون – وهو "يشرح" علاقات العلم والمال والدين، هو ما قصد اليه الريحاني، واضعا الفواصل بين المعرفة السوية والمعرفة المريضة.
دار الخطاب الأدبي، في أجناسه المختلفة، حول شرط انساني مرغوب وغائب، وآخر قائم يطرد الرغبة ويتركها جائعة. وهو ما سيبرهن عليه لاحقا، طاحسين وهو يكتب "الأيام" وتوفيق الحكيم في "عودة الروح" واللبناني توفيق يوسف عواد في روايته "الرغيف". ومع أن في "المعذبون في الأرض" ما أرضى دعاة "الأدب الملتزم"، ولو بقدر، فإن ما سطره "عميد الأدب العربي" في "الأيام" شكل وثيقة أدبية نموذجية في جمالية الكتابة والتطع الى الانعتاق الشامل في آن. وهذا التطع، وبشكل مختلف، وجد مكانا رحبا له في "يوميات نائب في الأرياف" على الرغم من دعوة توفيق الحكيم، الصريحة أو المضمرة، الي فن ملتف حول ذاته ومكتف بها، وحين أعطر اللبناني توفيق عواد روايته "الرغيف" في عام 1939، استقى موضوعه من السيطرة العثمانية والاحتجاج عليها، مؤكدا، ومنذ بداياته الأولى، أن الحرية تحديث الأدب شكلا وموضوعا.
واذا كانت الرواية ترتبط نظريا، بالتاريخ وتجعله مرآة لها، رافضة زمنا تاريخيا جوهره الاغتراب، فإن الشعر، وعلى طريقته، اتكأ على تصور حديث، يستولد الانسان مما يجب أن يكون، ولذلك لم يكن غريبا، آن تتناءى أغراض الشعر القديمة، وان تغدو روح الانسان هي الفضاء الرحب الذي تتناتج فيه الكلمة الشعرية، كما لو كان الانسان وقد تكثف في عالمه الداخلي، هو المجال الذي يليق بالشعر ويليق الشعر به، وكان طبيعيا في تصور شعري تخفق فيه الحرية، أن تنهدم الأشكال الشعرية القديمة، وأن تتقصى القصيدة، دون تعب، عن فضاء حريات جديدة. وعلى هذا التصور، وبأ شكال لا متكافئة نهضت أعمال البارودي وخليل مطران وصولا الى السياب ونازك الملائكة وصلاح عبدالصبور وغيرهم..
يحيل الالتزام نظريا، على قضية الانسان، بلغة سارتر، اذ الكتابة موقف، يستكمل بموضوع خارجه يحتاج القول كما يحتاجه القول. وقد يحيل الالتزام الى ماركسية متعددة الأطياف، تحتقب مواقف من الكتابة متعددة الأطياف بدورها بدءا من قول رهيف يرى الحرية في الكتابة قبل أن يتأمل القول الحر الراحل الى خارج الكتابة، وصولا الى رطانة لاهوتية تساوي بين "الأدب الهادف" والتقزيم. ومهما تكن النروق بين جدا نوف، الذي ترجمه في لحظة اندفاع صاخبة اللبناني اللامع رئيف خوري، ومقولات سارتر التي جاءت في كتابه "ما هو الأدب"، أو أفكار الروائي الفرنسي المسيحي برنا نوس، فإن القول الأدبي ينبني على لحظة حرية كثيفة، تهرب من عالم الي أخر وتنفي زمنا بزمن، كما لو كان الزمن الأدبي هو الزمن الطيق الذي يحقق رغبات يمنع الزمن اليومي عن تحقيقها. وفي الزمن الأدبي صاغ النص الأدبي العربي الحديث علاقاته، حالما بالتحرر من السيطرة الاستعمارية حينا، ومقطعا الى الانعتاق من الجوع والحرمان حينا أخر، ومنتظرا مجتمعا بلا سجون ولا أقفاص حينا ثالثا. ويهذا المعنى، فإن السياق التاريخي العربي جعل "الالتزام" إن كان للكلمة معنى محدد، علاقة داخلية في النص الأدبي، في زمن السيطرة الخارجية وبعدها، لأن المثال الذي سعت اليه الكلمات المتلاحقة ظل متنائيا.
فالانسان ينتظر ما يحتاجه، ويتكون في المساحة المرعبة التي تفصله عن حاجة متأبية عليه. والحاجة القديمة والمتجددة هي الحرية التي تقود الانسان الى عالم من الحاجات الكيفية الجديدة، الا بعد تحققها كحاجة انسانية أولى بامتياز. وعن هذه الحاجة المعتقلة كتب النص الأدبي العربي ولا يزال، وفي مواجهة لما يصادر الحاجة الأولى تكون كنص له خصوصية، وفي دفاعه عن الحاجة هذه خلق أشكاله، التي تراوغ الرقيب وتتيح تعددية القراءة في أن. وعلى هذا فإن الاقتراب من موضوع الالتزام اليوم لا يطرح قضية أدبية جديدة، بل يستذكر زمنا غزير الوعود تزامل فيه الأدب والثورة قبل أن تتلاشى "الثورة" وتتطاعن، تاركة الأدب يتابع، متوجعا أحلامه الحزينة الأولى.
الالتزام الصريح في سياق مختلف:
لازمت رغبة التحرر النص الأدبي الحديث الى نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث بدأت تأخذ شكلا جديدا، ينقل الرغبة من اقليم الاحتمال الى أقا ليم التفاؤل المعلق السراح. فقد اجتحت، بعد الحرب، جملة عناصر مختلفة تألفت جميعا كي تعهد الى تاريخ حنون ونزيه بتحقيق الأمنيات الصغيرة والكبيرة. أضيف الى انتصار الاتحاد السوفييتي على الفاشية الهتلرية خروج الجيوش الأجنبية من معظم البلدان العربية. وجاءت "نكبة فلسطين" بلغة ذاك الزمان، وأشعلت أرواحا صادقة، وارتفع صوت الناصرية وتكاثرت الأ حزاب والمجلات ودور النشر، وبدا في الأفق شيء قريب من "الفضاء الشعبي" المنادي بسلطات سياسية جديدة. وعرف ذلك الزمان، على المستوى الأدبي، صور الحداثة الشعرية ونزوعات نقدية جديدة تمزج الأدب بالثورة، وتطالب بعقد جديد بين الكاتب والقاريء، يكون مقدمة لـ"تحطيم مدينة الموت في ذات الأبراج العالية السوداء"، بلغة محمد مندور، في ذات مرة.
بدا الأدب في التصور الماركسي، وفي تصورات أخرى مجاورة، فعلا ثوريا، غديته قاريء جديد، يستلهم النص الأدبي، ويذهب الى المعركة منتصرا، كان النص الأدبي مدرسة جديدة، تعلم القاريء النجيب مبادي، الثورة، قبل أن يطمئن الى معرفته بالقراءة. واذا كانت تحولات الأزمنة قد وضعت في المراجعة النقدية اليوم أشياء من الحنين القاسي وأبعاضا من السخرية السوداء، فإن نقاد ذاك الزمن كانوا مقبلين على زمن قادم، يحاورونه دون تكلف، ويستعجلونه باطمئنان كبير، وبسبب ذلك سكن خطابهم يقين نبيل، أو ساروا الى قضاياهم النبيلة بيقين منزه عن القلق، يكتب رئيف خوري: "فما يراد بالتوجيه في الأدب؟ نستطيع أن نفهم بهذا التعبير أن يكون الأدب متضمنا من الأفكار والعواطف والصور ما يوجه قارئه في طريق معلوم سياسيا أو اجماعيا أو محض شيء أخلاقي لا فرق. ولكنه كما قلنا هدف مرسوم في طريق معلوم" (3). يتوارى الأدب كنظم أنيق جميل الرنين، ويصبح مرشدا فاعلا، يوقظ القاريء ويأخذه الى طريق نهايته هدف عظيم.
يكمل حسين مروة قول رئيف معطيا الأدب المنشود صيفته الموافقة: "الواقعية تريد من الأدب والفن والعلم أن يكون كل منها في خدمة الانسان وأن يكون كل منها حافزا حركيا وحيويا. يحفز الطاقات المادية والروحية معا في الانسان لابداع أقصى ما يمكنها ابداعه من جمال وخيرات ولرؤية أعمق ما يمكن رؤيته من كنوز الخير والجمال في الحياة والكون" ( 4). يرتاح خوري الى الهدف المرسوم، ويعيد مروة تخليق الهدف بلفة أخلاقية حافلة بالأمل والنشوة، مفرداتها الابداع والخير والجمال وكنوز تنتظر من يعثر عليها. ولعل وظيفة الأدب التي تضع أمام الانسان كنوزا لا يردها، هي التي جعلت مروة يقرن بين العلم والأدب، ويبحث عن منهج مكين، يضبط ايقاع النص الأدبي، ويحذره من الأراضي البائرة. والمنهج، الذي لا يكذب أهله هو الواقعية، اذ النص الأدبي انعكاس للوا قع، وإذ ا وعي القاريء المتكون انعكاس للنص الذي رعاه.
واذا كان لويس عوض، في مقدمة "بروميثيوس طليقا" أعطى نصا نظريا متماسكا، يضيء علاقة الأدب بالواقع، ويشتق العلاقتين معا من المادية التاريخية فإن محمود أمين العالم وعبدالعظيم أنيس مزجا في أدفي الثقافة المصرية"، بين النظرية والتطبيق، حيث غدت علاقة الأديب بطبقته، التي حدث عنها عوض، قاعدة ذهبية، ولم يكن في تراصف النصوص، المعطوف على طبقات اجتماعية متراصفة موافقة، بدعة أو أطياف جهل مستقر، بل كان محصلة لإيمانية نبيلة، تحتفي بالانسان كما يجب أن يكون، وتحتفل بمستقبل يوافق انسانا لا يعوزه الكمال.
وكان الأدب هو الجسر الذهبي الواجب وجود»، الذي ينقل الانسان من ضفة "ما قبل التاريخ الانساني" الي تاريخ مغاير. وأهمية الأدب، الذي يرسم الهدف والطريق، تضع بين العلم والأدب أكثر من علاقة، فللعلم قواعده وللأدب الثوري، وهو من العلم قريب، ركائز شبيهة: "فعن
واجب الأديب الواقعي أن يكون ذا نظرة متكاملة الى العالم الذي يحيا في داخله، نظرة تعبرعن فهم مترابط لهذا الكون وأطواره.." "لا ينبغي أن يكون فهم الأديب متكاملا، وانما ينبغي أن يكون فهما متطورا كذلك" (5). ينوس الخطاب بين نزعة أخلاقية، تحدث عن الواجب والمطلوب ونزعة علماوية، ان صح القول، ترى في الأدب صناعة، موادها المعرفة والثقافة والملاحظة الدقيقة.
ليس صعبا اليوم، ولا في زمن سابق أيضا، تبيان جموح الواقعية و "يوتوبيا النص الثوري". ويمكن التوقف السريع أمام ثلاث علاقات هي: النص والطبقة، الأديب الملتزم والنص الأدبي، تسييس العلاقات الأدبية، اتكأت العلاقة الأولى على تصور مجرد وشكلاني، يخترع الطبقات الثلاث الكبرى، ويخترع لها نصوصا موازية، وأفضى هذا الاختراع الى اشتقاق النص من "طبقة متخيلة" معرضا عن تاريخ الأدب وتكون العلاقات الأدبية. وخلطت العلاقة الثانية بين الكاتب ونصه، معتقدة أن التزام الفرد، وهو قائم ينعكس تلقائيا في نصه، وهو كلام فقير من المعنى. أما العلاقة الثانية، فتاهت كما تود وتريد، مساوية بين الكتابة الأدبية والشعارات المتحزبة. وواقع الأمر أن للنص الأدبي سياسته الخاصة به، فاذا كانت السياسة صراعا بين فئات اجتماعية غايته السلطة السياسية، فإن السياسة في الأدب تتمثل في اقتراحات ومعايير وتصورات تنقض المعايير الأدبية المسيطرة.
وبهذا المعنى، فإن السياسي قائم في الأدبي في موقعين لا متكافئين، أحدهما ثانوي، بل تلقائي، يحرض القاريء على تغيير الواقع أو يطلب منه الوفاق معه، وثانيهما جوهري، يتحدد بموقفه من الأيديولوجيات الأدبية المسيطرة. وهذا ما حمل فالتو بنيامين مرة على القول: "حتى يكون النزوع السياسي للعسل الأدبي صحيحا عليه أن يتكىء أولا على تصور صحيح للسياسة".. والمقصود هو الخروج من العمومية السياسية الى تخصيص سياسي يوافق الحقول الاجتماعية المختلفة.
يسمح الرجوع اليوم الى دعوى الالتزام، التي سادت في العقدين الخامس والسادس من القرن الذي رحل، أو في طريقه الى رحيله الأخير، بمحاكمة موضوعية وهادئة، فلم تكن تلك الدعوى، في جوهرها، صراعا أدبيا ولا خصاما بين مدارس أدبية، بقدر ما كانت صراعا بين مواقف سياسية اختارت الأدب موقعا لها. ومع أن ترحيل الخصام من موقع الى أخر، يصادر الأسئلة ويقمع الاجابات الصحيحة، فقد كانت المعركة كلها دليل صحة وعافية، بلغة رئيف خوري. قمع السؤال الصحيح حين استبدل قيمة النص بالموقف السياسي لكاتبه، مطابقا بين "تقدمية الكاتب" و "طليعة النص المكتوب". وظهرت المعركة ايجابية وهي تسعي الى بناء علاقة جديدة بين الكاتب والقاريء، ان لم يكن التعامل المكتوب مع القاريء هو محور القضية وعمادها.
لم يلتفت أنصار الالتزام الى أدبية النص، بلغة لاحقة، وركزوا جل جهدهم على "الرسالة الأدبية"، أي على ما ينتج نصا شفافا، يستقبله القاريء دون جهد كبير. يفضح السلب الثاوي في هذا المنظور عن ايجابي، فرضه السياق التاريخي والتطلع الى مجتمع متحرر جديد، ذلك أن ديالكتيك النص والقاريء ينطوي على ديالكتيك الأدب والمعركة، وهو ما يوحد الكاتب والقاريء في معركة وطنية واحدة، تستلهم صيغة بريشت الشهيرة: "أيها الكاتب انك لا تقاتل وحيدا، فقارئك يقاتل معك اذا عرفت أن تشده الى المعركة، كما أنك لست وحيدا في بحثك عن الحلول، فهو يعثر عليها أيضا" (6).
تنطوي فكرة الالتزام على دعوة الى معركة، توحد القاريء والكاتب واللغة المكتوبة واللغة الشفهية والحلم الخاص والأحلام الجماعية، ولهذا فإن الفكرة لا ترد الى نقد الأدب بل الى علم اجتماع الأدب، ذلك أن وحدة القاريء والكاتب تحيل على "شعبية الثقافة" بلغة معينة، والى مجتمعية القراءة والكتابة، بلغة أخرى، أي أن العلاقتين معا دعوة الى "مجتمعية السياسة" التي هي جوهر المجتمع الحديث وقوامه، بهذا المعنى، واتكاء على طبيعة السياق، تبدو دعوة الالتزام ثورية ومحافظة في أن. ثورية وهي تعرف أن التداول الاجتماعي للنص الأدبي، وهو نص حديث، لا يستوي الا في مجتمع حديث تتحول فيه الثقافة والسياسة الي علاقات اجتماعية. ومحافظة وهي تختزل الأدب الى بعده التربوي، أي الى أبعاد براجماتية، تنشر القراءة والكتابة في اطار ايديولوجيات أدبية مسيطرة، تنوس بين الوعظ والمكافأة اضافة الى ذلك، فإن وحدة الكاتب والقاريء كسر لثنائية تقليدية هي: النخبة والعوام، حيث النخبة احتكار للقول واللغة في فضاء لا ينقصا التعالي، وحيث العوام كيان سلبي اختصاصه الاستماع المذعن وأعمال أخرى لا تحتاج الى الكتابة والابداع. ولعل كسر الثنائية المذكورة، كما نقض المراتب الاجتماعية، هو الذي وضع على لسان الواقعيين جملة صحيحة هي: "الأدب علاقة اجتماعية في جملة من العلاقات الاجتماعية – بريشت". ومهما تكن العمومية الأيديولوجية التي عبثت بقول بريشت، أو احتفت به، فإن كسر المراتب الاجتماعية كما نقض الابداع كاختصاص مفلق، شكل بعدا جديدا حداثيا في الكتابات اكل اتيت.
يمكن الاشارة في النهاية، الى البعدين الأساسيين اللذ ين لازما قضية الالتزام. يقول البعد الأول: لم تنتج دعوة الالتزام نصوصا أدبية كبيرة، ولا نقدا أدبيا موضوعيا، ان لم تروج، في بعض الحالات، الى الأدب الرديء، ويقول البعد الثاني: ربط انصار الالتزام، بسبب السياق الوطني، بين الكاتب والقاريء مدركين أن انتاج الأدب يستدعي استهلاكا، فالقاريء "الفاعل" يشكل علاقة داخلية في الكتابة الأدبية. والملاحظة الأخيرة هي التي تنقل قضايا الالتزام من النظرية الأدبية النقدية الى حقل أخر هو: "علم اجتماع الأدب".
الالتزام المغير في سياق مختلف:
عاد السياق العربي المعيش، منذ هزيمة حزيران حتى اليوم، الى ما كان عليه في زمن بميد، أو الى زمن ما قبل، حداثي، ان صح القول بيد أن تغير السياق لم يستأصل من النص الأدبي رسالته، كما لو كان الضجيج السابق عن الابداع والالتزام، أخلى مكانه لنص أخر لا تنقصه الرسالة التحريضية، ولكن بلا ضجيج أو جلبة فارغة. فالنص السابق الذي دعا اليه الالتزام قال بالعدالة والتحرر، منتهيا دائما الى تفاؤل مضمون يعين التاريخ خادما للنص وموظفا مطيعا عنده.
وحاولت النصوص الملتزمة أن تحقق الصيغة العجيبة، التي تجعل التاريخ "حزبيا منضبطا". كأن تنتهي رواية "الأرض" للشرقاوي بفجر دافي، قريب، وان ينتصر بطل حنا مينة في "الشراع والعاصفة" على الدهر وخصومة، وأن يلوذ "أعداء الثورة" في "الزلزال" للطاهر وطار بمستشفى الأمراض الروحية والعقلية.
إن كانت الواقعية المتفائلة تخترع التاريخ في نص أدبي يملي على التاريخ تعاليمه ولا يرده، فإن أدب ما بعد حزيران، وأحيانا قليلة قبله، استطاع شعرا ونثرا، أن يقرأ القائم والمسيطر. تاركا التاريخ الموضوعي يحفر سراديبه التي لا يردها أحد، وهذه العلاقة الموضوعية بين نص أدبي يزهد، غالبا، بالتبشير والوعود الكاذبة، أقامت بين الأدب والتاريخ علاقة لا اضطراب فيها، تجمع تفاصيل المعيش اليومي، وتدع القاريء المحتمل يتأمل ما يرى. وفي هذا السياق ذهب النص الأدبي الى ما ينبغي أن يذهب اليا، متأملا، غالبا السلطة السياسية، طالما أن المعيش اليومي أثر كدر لسلطات كتهم القوانين والبشر. فكتب صنع الله ابراهيم وجمال الغيطاني وعبدالرحمن منيف وغالب هلسة وحيدر حيدر نصوصا ملتزمة الالتزام كله بأمرين أولهما: الالتزام بالدفاع عن كرامة الانسان، وثانيهما: الالتزام بالحقيقة رغم التباس المعنى. فلا شيء يضاف الى الواقع المصاغ فنيا، لا وعدا بانتصار ولا توقعا ليوم أقل غبارا، وربما كان الالتزام بالحقيقة، وهو تعبير لا ينقصه الالتباس، دفع ببعض الأدبا، الى البحث المرهق عن الواقع العاري، والمعتم في عريه، مثل رواية "حكايات المؤسسة" للقيطاني و "الميراث" لسحر خليفة و "شرف" لصنع الله ابراهيم، ذلك النص الغاضب الطافح بالاحتجاج. وربما يعطي نص "شرف" عمورة نموذجية عن أخلاقية الأدب في زمن متدهور، يفتش النص فيه عن قاريء يقاسمه الغضب، متوسلا توثيق المعيش المرعب ومستدعيا ذاكرة وطنية قريبة ومنذرا بمستقبل مومش لا ضياء فيه.
يختلف نص ما بعد حزيران عن الذي سبقا بأمرين: فعوضا عن التزام تمليه المبادي، الأخلاقية المجردة والتحزب الايديولوجي الصريح، جاء التزام جديد تنتجه بنية النص الأدبية، التي تحتضن الواقع في عريه، وتنفذ الى قرار الواقع بأدوات وصيغ فنية. وهذا ما يمكن أن يدعى. "الالتزام بالحقيقة"، رغم اضطراب العبارة، ونتج عن ذلك التمحور حول الحاضر وتكثيف كل الأزمنة فيا، كما لو كان الحاضر هو الزمن الوحيد الذي يليق بالكتابة الأدبية. وهذا ما جعل النص الأدبي "يؤرخ" وقائع الستينات والسبعينات والثمانينات، بمواضيعها الممتدة من القمع والنفط الى فساد الأرواح والمؤسسات وانتشار ايديولوجيا الاستهلاك… وكان النص الأدبي في اندراجه، في واقعه اليومي، يفصح عن جدل المؤرخ والأديب، داخل النص، حيث يكتب الأديب ما لا يكتبا المؤرخ، أو ما لا يستطيع كتابته، بسبب اختلاف الكتابة التاريخية المباشرة عن الكتابة الأدبية المتعددة الأقنعة. وكان هذا النص يبرهن أيضا عن تجاوز النص الأدبي لجميع الأجناس الكتابية الأخرى. ففي مقابل أجناس كتابية، تخشي الرقابة حينا وتخطيه التراكم المعرفي حينا أخر، استطاع الأدب، بعد أن حقق تراكما كيفيا في الشعر والرواية، أن يغدو بديلا عن الكتابات الأخرى، يقول ما تنسده ويعيد كتابة ما تقول بشكل أكثر وضوحا. استطاعت الكتابة الأدبية أن تقول مايجب أن تقول به، مدللة على واقع عربي يقبل بالقول مقنعا، ومدللة أيضا على عزلة النص الأدبي، الذي يحاور نصوصا أدبية أخري، دون أن يقدر على حوار القاريء ولا على الحوار مع أجناس معرفية خارجية، موزعة على التهافت والصمت.
يتعين النص الأدبي الراهن. "الالتزام بالحقيقة" من ناحية، وينقد النص الذي سبقه من ناحية ثانية. ولذلك يحتل الرثاء مواقع التفاؤل الأول، فلا وعود. "فجر قريب" والركام يتراصف طليقا والأطلال تجتاح القيم والأرواح والمؤسسات. يستوي الأمر لدى الجزائري واسيني الأعرج والمصري بهاء طاهر واللبناني الياس خوري والسوري نبيل سليمان والفلسطيني ابراهيم نصر الله. بيد أن النص الذي يرد برثاء طليق على تفاؤل سابق معلق السراح، لا يختصر الى ثنائية ميلودرامية حدودها البكاء والأفراح بل يعبر عن وعي أكثر ارتقاء وحس أرقي بالمسؤولية. فالتاريخ كما يرده النص، يشتق من أحوال البشر ومصائرهم على مبعدة عن أثير أخلاقي يرى مساحة الرغبات ولا يرى أحوال حامليها. وهذا ما يملي عليه أن يوحد بين مستويات التاريخ. واصلا بين رعب يومي مباشر مجزوء ورعب أكثر قتامة يرقد في مكان لا يرى، بقدر ما يفرض عليه أن يعرض عن بيع الأوهام كيلا يرسل الى "القاريء المحتمل" خديعة لا يحتاجها. مع
ذلك، فإن بعض النصوص الأدبية لا تغلق أبواب الدائرة السوداء تماما حين تضيف الى التاريخ الوقائعي الموشح بالسواد تاريخا رغبيا، تخومه الأمل والاحتمال، عملا بقول بنيامين الشهير: "لقد خلق الأمل لهؤلاء الذين لا أمل لهم". وآية ذلك ما قام به منيف في "مدن الملح"، حيث مموت النقاء الأول يغيب في صفحات الرواية الأولى، ويظر صداه محوما فوق كل الصفحات اللاحقة.
فروق كثيرة تفصل بين زمن الالتزام الصريح وزمن النص الأدبي المكتفي بموضوعيته، تساوي الفرق بين زمن اجتماعي يبحث عن النصر وآخر تطاعن مهزوما. فالنص الذي بشر به الشاب لويس عوض وحسين مروة وآخرون، ذهب الى المستقبل والتفاؤل والأماني، وارتكن الى وعي أخلاقي يخلط بين القائم وما يجب أن يقوم. ولأنه اطمأن الى ايمان معمور بالطمأنينة، لم يرهق نفسه كثيرا في البحث عن الأشكال الأدبية، وارتاح الى نموذج، بل دعا الى "النموذج" الذي على الأقدام النجيبة أن تحاكيا. والنموذج، رغم أطيافه، واضح، شر يناوش خيرا ويهزم، أو "موقف اجتماعي" سلبي يصاول "موقفا اجتماعيا" مغايرا، ويسفر الصراع في النهاية – البداية عن شمس ينتظرها الجميع. ليس في النص الأدبي الجديد، الذي صفعته الهزيمة المتوالدة ما يذكر."النص الواقعي" الذي سلف. فالزمن هو الحاضر الموصد الأبواب والمنفتح على السديم، ولا وعد الا ما تصرح به الأطلال المتراكمة، ولا نصيحة الا ما أتاحته العلاقات الأدبية، في رحلة مرهقة تربط بين ظواهر الأشياء ومرتكنا تها. وهذا المنظور المؤرق الذي يرى ما لا يريد أن يرى، ويفتش عن معنى هارب لا يقبض عليه، يفتح أمام النص الجديد آفاقا متعددة، تضع النموذج الكتابي في لا مكان. وتكشف هذا القلق المبدع عن تجارب شكلية مزهرة تستقيم تارة وتتلعثم تارة أخرى، معلنة عن تجريب متكاثر. يحتقب عبدالرحمن منيف والغيطاني وبهاء طاهر وهاني الراهب والياس خوري ومحمد برادة ورضوى عاشور وهالة البدري ومحتقبا في الشعر سلسلة من الأسماء المبدعة.
في أزمنة الانحطام الاجتماعي يزدهر الأدب. والقول صحيح ومسكون بمفارقة مؤسية، إن لم يكن تكثيفا لهشاشة الوجود، شيء قريب من مال السنبلة، التي إن امتلأت انخفض رأسها. فمن المفترض، منطقيا، أن يزدهر الأدب في أزمنة الصعود الوطني. وما ازدهر في ذلك الزمن هو القراءة لا الأدب. وجاء زمن لاحق ازدهر فيا الأدب وانحسرت القراءة. كان على الأدب، إن أراد أن يعيش مرتاحا، أن يحقق زمنين، زمنا يصعد فيه مع مجتمع يرتقي بدوره، وآخر يصعد فيه المجتمع وتتسع القراءة الأدبية وبسبب منظور موضوعي يصل بين القراءة الأدبية وشكل اجتماعي محدد، يكون على الأدب، كي يحقق مهناه، أن يتأمل "تجارب الالتزام" التي سبقته، دون استخفاف أو جمل هجائية جاهزة، ذلك أن الزمان، الذي رحل وما رحل، وقع على نعمة القاريء الموسع، بالمعنى المجتمعي للكلمة.
الالتزام بين البداهة والتأمل:
كيف يزهر النص الأدبي الحديث في مجتمع تتآكل حداثته المبتورة؟ هذا هو السؤال الذي يرمم "السلسلة الأدبية" في حقل الأدب العربي اليوم، ويرهن بالتالي، موضوعة الالتزام، الموزعة على حقول معرفية متعددة، بددا بمنظومة الأخلاق وانتهاء بقراءة أخرى للتاريخ. ينطوي السؤال على ثلاث مقولات متضافرة هي: القاريء الأدبي،الحداثة الاجتماعية، الهوية والهوية الثقافية. وتستعيد المقولات، شاءت أم أبت، قاعدة اساسية عنوانها: الأدب ممارسة اجتماعية في جملة من الممارسات الاجتماعية.
تشكل مقولة القاريء مرجعا أساسيا، تشتق منه كل الأسئلة اللاحقة فهو علاقة داخلية في النص، اذ لا ارسال بلا استقبال، وهو علاقة اجتماعية تزامل الكاتب من حيث هو علاقة اجتماعية أيضا، غير أن قاريء اليوم هو ليس قاريء الأمس، مما يلقي بالنص الأدبي الى فراغ مؤلم صعب التحديد. يقول سارتر في كتابه: "ما الأدب": "وحيث إن الخلق الفني لا يتم وجوده الا بالقراءة، وحيث على الفنان أن يكل الى أخر مهمة اتمام ما بدأ، وحيث إنه لا يستطيع ادراك أهميته في تأليفه الا من ثنايا وعي القاريء، اذن كل عمل أدبي دعوة، فالكتابة دعوة موجهة الى القاريء ليخرج الى الوجود "الموضوعي" ما حاولته من اكتشاف مستعينا باللغة". وينير فكره بسطور سابقة فيقول: "وجملة القول أن القراءة عملية خلق من القاريء بتوجيه من المؤلف"، ويضيف لاحقا: "وبذا تكون الكتابة دعوة موجهة من الكاتب الي حرية القاريء لتكون عونا للكاتب على انتاج عمله"، الى أن يصل الى صيغة العقد الحر بين الكاتب والقاريء من أجل حرية متبادلة تتوزع عليهما: "وهكذا يكتب المؤلف ليتوجه بكتابته الى حرية القراء متطلبا منهم أن يخرجوا عمله الأدبي الى الوجود. ولكنه لا يقف عند هذا الحد، بل يقطب منهم بعد ذلك أن يبادلوه الثقة التي منحهم إياها، وان يعترفوا بحويته الخالقة.."(7).
ما يطرحه سارتر وهو يدعو الى الحرية، طرحه بريشت وهو يدعو الى الثورة الاجتماعية والأمر، في الحالين، يحيل الى مجتمع حديث حقق مجتمعية القرادة والكتابة، ووطد الأدب كعلاقة اجتماعية، تحتضن النخبة الكاتبة والجمهور القاريء الموسع على السواء. وهو شرط اجتماعي يتقهقر ثابتا في المجتمع العربي اليوم فاصلا، بالتالي، بين دلالة الالتزام اليوم والالته في سياق مضى. وبسبب اختلاف السياق، يستطيع صنع الله ابراهيم، على سبيل المثال، أن يعطي نصا تحريضيا مباشرا: "شرف"، دون أن يعثر على قاريء "الأرض" قبل خمسة عقود تقريبا. ولعل اختلاف السياق في علاقته بالقاريء أولا، يفرض على النص الأدبي الراهن أن يستأنف "النص الملتزم" السابق والا يستأنفه في آن. لا يستأنفه وهو يضع الحرية علاقة داخلية في النص، فالكتابة
لا تدعو الى الحرية الا إن كانت كتابة حرة. على خلاف النص الملتزم السابق، الذي كان يدعو الى الحرية وهو لا يمارسها، مطمئنا غالبا الى جملة من المعايير المقيدة، قوامها صراع في كلية اجتماعية متناقضة ينفتح في النهاية، على نصر أكيد. شيء قريب من معلم صادق يقيد تلاميذه قبل أن يطقهم الى ساحة اللهو واللعب. مع ذلك فإن على النص الحديث أن يستأنف ما سبق في حيز آخر هو الكتابة، من أجل استمرارية النسق الأدبي الحديث، الذي توهم في زمن مضى، حداثة قادمة ما لبثت أن هجرته سريعا.
يجعل السديم الذي يدور فيه القاريء العربي اليوم، من حديث سارتر عن الت الحر بين القاريء والكاتب، كما في حديث بريشت عن وحدة المعركة بينهما، حديثا ضعيف المعنى، فلا شروط العقد الحر قائمة، وليس لشروط "الوثبة الكبرى" مكان. ولذلك يبقى الأدب شهادة، مقاومة مبدعة من أجل الكتابة، وحلقة مضيئة يتوالد فيها نسق أدبي، لا يليق به الانطفاء. يكتب الأديب اليوم، من أجل نفسا ومن أجل الأدب مكتفيا بقاريء محتمل، وواعدا النفس بزمن محتمل أيضا، يعيد الوفاق بين النص والقاريء ويحضهما في زمن أليف يتيح الحرية والابداع، ويهذا المعنى يتحرك النص الأدبي اليوم في فضاء الرهان، أو في فضاء أخلاقي الجهات هو: الصحيح.
وفي الحالات جميعا فإن على النص الأدبي اليوم أن يدافع عن وجوده في الزمن المعيش، وان يدافع عن زمن سبق أتاح له الولادة.
وفي فضاء اللحظة الأولى، يتكون النص في علاقاته الحداثية، وهي شرط انتاجه، وفي اللحظة الثانية يقطع الى شرط اجتماعي حداثي، هو شرط تراءته. وفي جدل المرجعين اللذين يسوغان الكتابة الأدبية، يستأنف النص الأدبي العربي السلسلة الأدبية التي انتجته ويطورها.
ان استئناف "النص الأدبي" وترهينه، في زمن يجعل من الأدب هرطقة وهامشا متلاشيا، هو الموقع الجوهري الذي يحدد معنى الالتزام اليوم. وفي شرط كهذا يكون الابداع الأدبي شكلا من المقاومة المبدعة.
الهوامش:
1- مقدمة المؤلفات الروائية لفرح انطون، دار الطليعة، بيروت، 1979.
2- أمين الريحاني: كتاب خالد، المؤسسة العربية بيروت، 1986، ص:84.
3- رئيف خوري: الأدب المسؤول، دار الأداب، بيروت، 1986، ص 123.
4- حسين مروة: دراسات نقدية، دار الفارابي، 1976، ص 6.
5- محمود أمين العالم عبدالعظيم أنيس: في الثقافة المصرية، دار الفكر الجديد، 1955، ص 46، 47.
6- B. Brecht:/Sur Le realimse L, Arche, Paris, 1970.
7- جان بول سارتر: ما الأدب؟ مكتبة الانجلو المصرية القاهرة، 1971، ص: 50،60.
فيصل دراج (ناقد واكاديمي من فلسطين)