أعد الملف: أيوب مليجي*
«أحبوا العالم من حولكم،
أحبوا الناس،
أحبوا الله،
أحبوا الوطن،
أحبوا الطبيعة،
أحبوا كل الأشياء الجميلة.
أحبوها. سترتاحون نفسياً وروحياً..
لا شيء مثل الحب منجى. منجى من كل ألم. منجى من كل شيء..
…
لو لم يفدنِ الحب لكنت راحلاً منذ زمن.
أحببت الحياة،
أحببت الناس،
أحببت الأشياء البسيطة،
أحببت كل شيء في الحياة..»
بهذه الوصية المفعمة بالحب والإنسانية ودعنا الشاعر والكاتب مبارك العامري بعض صراع مع المرض استمر لسنوات، تاركا مسيرة حافلة بالعطاء والنبل الإنساني، وتجربة تعددت روافدها بين الصحافة والأدب (شعرا وسردا) والعمل الثقافي.
ولد الشاعر مبارك بن محمد العامري في ولاية السيب (مسقط) سنة 1963م، ودرس المرحلة الثانوية في مدرسة جابر بن زيد، ثم تنقل بين أعمال وظيفية منها عمله في مجلة العقيدة (1978 – 1986)، ثم مجلة العين الساهرة، التي تصدر عن شرطة عمان السلطانية. بينما ترك لنا في رصيده الأدبي ثلاثة إصدارات: “مدارات العزلة” (رواية – 1994)، “شارع الفراهيدي” (رواية – 1997)، و“بسالة الغرقى” (شعر – 2010)، إضافة إلى مقالاته الصحفية التي نشرت في منابر عمانية وعربية.
تعرفت على الراحل قبل سنة وبضعة أشهر، كان يزورني في مقر عملي باستمرار.. ومن خلال مجالستي له اكتشفت إنسانا نبيلا ومنصتا جيدا ومحايدا لا يُشغِلُ باله بالحروب الدونكيشوتية، شاعر وقارئ نهم مطلع على مختلف التجارب الأدبية، ولا أجامل إذا قلت أننا خسرنا برحيله صوتا شعريا وروائيا من أهم الأصوات الأدبية في سلطنة عمان والعالم العربي والتي لم تأخذ حقها ونصيبها بعد من الدراسات النقدية والاحتفاء الثقافي والإنساني الذي لا يجد له صدى إلا بعد فوات الأوان.
ورغم معاناته في السنوات الأخيرة فقد استمر في الكتابة والنشر عبر حسابه بالفايسبوك، متواصلا مع مختلف الأجيال الأدبية، ومشجعا ومحاورا. لم يكن يعترف بصراع الأجيال الذي ظل يشغل مداد العديد من الأقلام العمانية منها والعربية، بل ظل معروفا بتواصله وتشجيعه للعديد من الأسماء الأدبية معتبرا أن الأمر لا يعدو عن رسالة وجب انتقالها بسلاسة من جيل إلى جيل.
والحال أنني تأسفت لأنني لم أعرف الراحل مدة طويلة، وهذا لا يخص الراحل مبارك العامري فقط، وإنما أغلب الكتاب العمانيين الذين عرف عنهم تواضعهم وبغضهم للظهور والأضواء.
مبارك الصحفي
مبارك الشاعر
مبارك الروائي
يجمع بينهما مبارك العامري الإنسان
أتذكر آخر زيارة له في معرض مسقط للكتاب 2020 حيث كان يتنقل فرحا بين الأروقة وهو الذي أخذ استراحة قصيرة ومستعجلة من المستشفى، وقد بدت عليه حينها ملامح التعب والإرهاق وجسد منهك، صرح لي بأن لا شيء يمكنه أن يشفيه من علته ومرضه سوى رؤيته للأصدقاء وتبادل المحبة معهم، مبارك كان مخلصا للإنسان فيه وهو ما يجعلنا نعيد النظر في هذا الجانب المهم الذي لامسه فيه كل من عرفه سواء من قريب أو من بعيد.
في هذا الملف حاولنا أن نلامس تجربة الراحل مبارك العامري المتعددة، عبر دراسات نقدية لبعض أعماله الشعرية والروائية، مرورا بتجرته الصحفية البارزة في المشهد الإعلامي العماني مع شهادات لبعض صديقاته وأصدقائه من الوسط الأدبي، مع العلم أن المجال هنا لا يسعنا لمقاربة تجربته كاملة أو فتح المجال لكل من عرف عن الراحل مبارك العامري ولو معلومة واحدة وهو إكراه نتأسف له.
وهنا أقتبس مقطعا من قصيدة للراحل:
مُوْحِشٌ جِدَّاً
هُوَ الفِراقُ
حين َ يَجْثُو بَغْتَةً
في الهَزيعِ الأخير ..
فَاصْمُدْ يَا قَلْبُ
اصْمُدْ ..