محور – فيليب جاكوتيه
1
ثمّة نار تحت الأشجار:
نسمعها تتحدّث إلى الأمّة النائمة
بصوت خفيض
بالقرب من بوّابات المدينة.
إذا مشينا بصمت
– نحن الأَنْفُس القصيرة الأجل
بين المساكن المظلمة –
فخَوفاً من أن تموت،
يا الهمس الدائم للضوء الخفيّ.
2
هل ثمّة أشياء تسكن الكلمات
بِطيبة خاطر، وتتّفق معها
لحظات السعادة التي نجدها في القصائد، الضوء الذي يعبر الكلمات
كما لو أنه يمحوها – وأشياء أخرى
تثور ضدّ الكلمات، تُفسدها وتدمّرها:
كما لو أنّ الكلمة تصدّ الموت،
أو كما أنّ الموت هو الذي يُتلف الكلمات نفسها
ويجعلها تتعفّن.
3
كَفى! آه كَفى.
دَمِّر إذًا هذه اليد التي لا يمكنها أن ترسم
إلاّ الدخان،
وانظر بملءِ عينَيك:
هكذا يبتعد مركبُ العظام الذي أقلَّك،
هكذا يغرق (والفكرة الأعمق
لن تشفي مفاصله)،
هكذا سيمتلئ بالماء المُرّ.
4
آه، هل بالإمكان – إن لم توجد شبكة الضوء
الكبيرة، غير المتوقَّعة،
لكلّ قارب بشريّ قديم في هذه المياه المميتة –
إيجاد مَغفرة الأحزان، النسيم الناعم والنوم الطفوليّ؟
5
كنتُ أتمنّى أن أتحدّث من دون صُوَر،
أن أدفعَ البابَ فحسب…
لهذا لديّ خوف كبير،
وشَكّ، وشَفَقَة، أحيانًا:
نحن لا نعيش طويلًا كالطيور
في وضوح السماء،
والسقوط أرضًا.
لم نعد نرى إلاّ الصُّوَر
أو الأحلام.
6
تلك المرأة البعيدة التي تشتعل تحت الثلج
من سيقول لها أن تشعّ،
إذا التزمتُ الصّمت، من سيقول لها ثانيةً أن تضيء وتشعّ،
ألاّ تمضي مع الحرائق الأخرى
في مستودع عظام الغابة؟ من سيفتح لي
في هذه الظُّلمات طريق الندى؟
7
تبقى الثمارٌ مع الوقت الأكثر زُرقَة
كأنّها نائمة وراء قناع من حُلم
في القَش الملتهب
وغبار ما بعد الصيف.
ليلٌ متلألئ.
هي لحظة يبدو فيها
أنّ النبعَ نفسه اشتعلت فيه النيران.
8
ما النشيد إذًا سوى
نظرة؟
لو يستطيع أن يقطن في منزل
كما يفعل العصفور
الذي يعشّش في الرماد
ويطير بين الدموع.
لو يستطيع، على الأقلّ، أن يحتفظ بنا
حتّى نصبح كائنًا واحدًا مع البهيمة العمياء.
9
أقوم بهذه الخطوات قبل أن أصعد
حيث لا أعرف ما الذي ينتظرني، رفيقة
أو مختطفة، خادمات مطيعات
لأحلامنا أو وجوه قديمة تتوسّل…
يكتشف ضوء النهار وهو ينسحب
كوشاح يسقط ويبقى للحظات مرئيًّا حول
قدمين حافيتين جميلتين –
المرأة الآبنوس
والبلّور،
امرأة الحرير الأسود الكبيرة
التي لا تزال نظراتها تتلألأ من أجلي.
من عينيها اللتين ربّما انطفأتا منذ زمن طويل.
انسحب ضوءُ النهار وراح يكشف
بمقدار ما يمضي الوقت وأتقدّم
في الحديقة –
شيئًا آخر
في ما وراء الجميلة الملاحَقة باستمرار
وملكة الاحتفال الذي لم يُدع إليه أحد
ومشابك ذهب لم تعد تزيّن ثوبًا.
يكشف شيئًا أكثر خفية وأكثر قربًا في آن.
ظلالٌ هادئة، أدغال مرتعشة، وألوانٌ تُطبق جفونها
بينما الظلام يغسل الأرض.
10
ساعدني الآن، أيّها الهواء الأسود المنعش، البلَّور
الأسود. الأوراق الخفيفة التي بالكاد تتحرّك،
كأفكار أطفال نيام.
أجتاز المسافةَ الشفّافة. إنّه الوقت نفسه
الذي يسير هكذا في الحديقة،
كما يسير عاليًا من سقف إلى آخر، من نجمة
إلى أخرى. الليلُ نفسه هو الذي يَعبر.
11
لا يهمّني متى بدأ العالم.
أوراقه تتحرّك الآن،
شجرة ضخمة ألمس حزنَ خشبها الآن.
والنورُ من خلالها
دموعٌ تَلمع.