أنار رضاييف (1938)
روائي وكاتب وطني أذربيجاني، وكذلك مخرج وكاتب سيناريو، وفوق ذلك هو شخصية بارزة، ويعد زعيم النثر الأذربيجاني الجديد والجيل الأدبي في الستينيات. من أعماله النثرية التي أصبحت من الكلاسيكيات «الطابق السادس من العمارة ذات الطوابق الخمسة»، «الكبش الأبيض والكبش الأسود»، «مجال»، «يوبيل دانتي»، «تميمة»، «الميناء الأبيض»، «داداقورقود»، «غرفة الفندق»، وغيرها من القصص التي يبلغ عددها مائة. ويبلغ عدد النسخ التي تم توزيعها من مؤلفاته حتى الآن أكثر من مليون نسخة، وترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة في العالم. وتم تصوير أكثر من ثلاثين فيلمًا روائيًا وثائقيًا من سيناريوهات أو إنتاج أنار. وقد حصل على أعلى الجوائز والأوسمة بجمهورية أذربيجان، كوسام «الشهرة» و«الشرف» و«الاستقلال» العالية.
قصة عاملة «الأمانات»
ترجمة : كمال شريفوف
تحكي السيدة قائلة:
يعمل في إدارتنا تقريبا خمسمائة عامل، يلبس كل واحد منهم معطفا يختلف عن الآخر. لست أدري، كيف يسمون ذلك، موضة أو شيئا آخر. ولكني والله أعرف هذه المعاطف كلها، واحدا واحدا، ولا أحتاج إلى أرقام أماكنها. وكيف لا أعرفها وأنا أعمل هنا منذ سبع سنوات. ولن أبالغ إذا قلت لك إني أعرف أين يُعلق هذا المعطف أو ذاك.
هناك مثلا الذين يسكنون في حي واحد، والجيران، والذين يؤلف بينهم رباط معين، مثل هؤلاء يأتون معا إلى العمل، ولذلك فأنا أعلق ملابسهم في مكان واحد. على أي حال، سأحكي لكم قصة، هي في الحقيقة لا يمكن أن تسمى قصة بمعنى القصة.
قبل سنتين أو أكثر، كنت أعلق معطفين في هذا المكان الذي ترى فيه الآن معطفًا من جلد الخروف، لا أزال أتذكر لون المعطفين، كان لون معطف المرأة أصفرَ وكان معطفا قيّما، أما لون معطف الرجل فكان أسودَ، وكان قديمًا جدّا، وتظهر على أكمامه علامات التآكل.
خلال مدة عملي هنا، كنت دائما أستلم هذين المعطفين معًا وأرجعهما معًا، وأحيانا كنت أفتقد صاحبي المعطفين كليهما، إذ كانا يغيبان عن العمل معًا، كأنهما يمرضان ويُشفَيان في وقت واحد. الحق أنني لست متأكدة، هل كانا متزوجين أم صديقين فقط؟! على كل حال، لم يحدث ولو لمرة واحدة أنني علقت معطف الرجل منفصلا عن معطف المرأة.
كان هناك شال أبيض من الصوف يصحب المعطفين عادة، شال يلبسه الرجال، وعند استلامي المعطفين كنت أجد الشال في جيب معطف الرجل عادة، ولكن في الأيام الشديدة البرودة كنت أجد الشال في معطف المرأة. كنت أستلم المعطف الأصفر أولا وبعد أن أعلقه في مكانه، كنت أعلق المعطف الأسود فوقه. مرت أيام وسنوات ولا يزال المعطفان يأتيان معًا، وكنت دائمًا أحفظ لهما المكان (رقم 112) فارغًا، سواء جاءا مبكرين أو متأخرين، حتى إنني في بعض الأيام التي كان صاحبا المعطفين يتغيبان فيها عن العمل، ويتصادف أن يكون هناك ازدحام شديد، وعلى الرغم من أنني ما كنت أجد مكانا لملابس الآخرين، إلا أنني ما كنت أجرؤ على شغل المكان (112) بملابس شخص آخر، وكنت أحتفظ به فارغًا كعادتي. لست أدري ما السبب في هذا التعاطف مع صاحبي هذين المعطفين، إذ كان ضميري لا يقبل قط أن أعلق معطفا آخر في ذلك المكان.
من ناحية أخرى، كان هناك معطف آخر بني اللون، وهو معطف أحد الرجال. وكنت أعلقه دائما منفردًا. وكان صاحبه يسلمه دائما بشكل فردي، وكان طبعه يميل إلى الانطوائية. لم يكن له صديق ولا قريب في هذه الإدارة حتى يأتي معه الى العمل ويرجع معه. لماذا أتذكر هذا المعطف جيدا؟! لأنه كان جديدًا، وكان قماشه ثمينًا. ولكن هذا المعطف لم يكن في رقبته رباط يُعلق منه، وكم نبهت صاحبه إلى هذا، ولكن دون جدوى، لم يسمع كلامي قط، وذات يوم نفد صبري، وقمت أنا بخياطة هذا الرباط.
والخلاصة، أنني في أحد الأيام ذات صباح، بينما كنت أستلم معاطف العاملين في الإدارة كعادتي، وكان يومًا مزدحمًا جدّا، ولم أكن أبالي أي معطف علقت هنا أو هناك، إذ كنت أبذل قصارى جهدي لخدمة الناس على النحو اللائق، لكنني بعد أن خف الازدحام بوقت قليل، اكتشفت أنني علقت المعطف الأصفر مع المعطف البنيّ! قلت في نفسي ربما أبدلت البني بالأسود تحت وطأة الزحام، وشرعت أدقق في الأمر، لكنني فوجئت بأن المعطف الأسود لم يكن موجودًا أصلا في ذلك اليوم، لأن صاحبه كان غائبًا عن العمل.
وتكرر الأمر في اليوم التالي، إذ استلمت المعطف الأصفر مع المعطف البنيّ، ومرت ثلاثة أو أربعة أيام.. وذات مرة رأيت صاحب المعطف الأسود قادمًا من بعيد.. اقترب مني وسلم معطفه. استلمت المعطف منفردًا، ولذلك علقته منفردًا، إذ ماذا أفعل أنا؟ كيف أعلق المعاطف الثلاثة في مكان واحد؟ أتذكر جيدًا ذلك اليوم، كان الندى يتساقط من السماء، وبسببه تبللت معاطف الناس قليلا. ولكن كان حال المعطف الأسود يختلف تمامًا، كان يبدو كأنه انغمس في الماء انغماسًا.
مرت فترة بسيطة.. وبعد شهر تقريبًا، اقترب مني صاحب المعطف الأسود، وطلب مني معطف المرأة الأصفر. أتعرف يا بني، عندنا قانون في العمل وهو أنه يجب عليك أن ترجع المعطف، فقط لمن يعطيك رقم مكانه، أما بدون رقم، فمن المستحيل أن أعطي معطفًا لأي شخص، ولو كان ابن أبي، فكيف لو كنت أعلم أنه معطف شخص آخر! لكن قلبي رقّ لحال هذا الرجل، فأعطيته معطف المرأة الأصفر. أخذ المعطف بيده ونظر إليه نظرة، ثم أرجعه إليَّ، وانصرف وما رأيته بعد ذلك اليوم.
عزيزة جعفر زاده (1921 – 2003م)
كاتبة ومتخصصة في الدراسات الأدبية، وأستاذة جامعية، حصلت على لقب «خادم اجتماعي». عضو باتحاد الكتاب الأذربيجانيين منذ عام (1946م). لها عشرات من الكتب والقصص الطويلة والروايات التاريخية مثل «قصص حول ناتافان» (1963م)، و«لدى صوت في العالم» (1973 – 1978م)، «عُد للوطن» (1977م)، و«تذكرتي» (1980م)، و«باكو – 1501» (1981م)، و«الجلالية» (1983م)، و«الشاعر صابر» (1989م)، و«من بلد لآخر» (1992م)، و«كارثة صوت» (1995م)، و«قبل اتفاقية جولستان» (1996م)، و«الشاعرة زرَّنتاج طاهرة» (1996م)، و«نحو الضوء» (1998م)، و«البلاء» (2001م)، و«دموع عين بحر الخزر» (2003م)، و«سلطان العشق».
حصلت على الشهادة الفخرية من اللجنة العليا بالاتحاد السوفيتي السابق. كما حصلت على وسام «صداقة الشعوب»، وكذلك وسام «الشهرة» عقب استقلال أذربيجان. حصلت على منحة خاصة من الرئيس الأذربيجاني. وحصلت عام 2001م على ألقاب رفيعة «الأم الأذربيجانية»، و«كاتبة الشعب».
قصة «الغلام الحجري» (1)
ترجمة: كامل شريفوف
يا بني .. أنجبت الدنيا أبطالًا وشجعانًا، ومع ذلك هناك فتى عاش ورحل عن هذه الدنيا الفانية ولم يدون اسمه في أي كتاب، أصبحت بطولاته وشجاعته أسطورة تروى على كل لسان، فتخلب الأفئدة، لم ينسَه أحد سمع عنه، وكذلك لن أنساه مطلقًا. كلما سمعت عنه تجف دموع عيني، لأنه لا يُبكى على الأبطال، بل ينحنون لبطولاته.
يُقال إن هذه الحكاية التي أرويها وقعت أحداثها أيام تيمور لنك أثناء هجومه على بعض أراضي شيروان(2). وكان في زمان الشيروانشاهيين حاكم عادل يحكم البلاد. واستطاع تيمور لنك السيطرة على مقدرات البلاد والاستيلاء على ممتلكاتها، ومع ذلك ظل السكان ماكثين بها دون أن يتركوها. وقدم الشيوخ والعقلاء والنساء الحصيفات للحاكم «شيروان شاه» النصائح الصائبة آنذاك.
استمع، في تلك السنوات كان هناك راعٍ صغير يرعى الأغنام في سهل «كودرو». سمع الراعي نبأ هجوم تيمور لنك على هذه الأراضي من ركبان القوافل العابرة، ووصل إليه أيضًا من صغار التجار، المهم، فإنه وإن لم يرَ تيمور لنك، فإنه سمع عنه.
كان الوقت ربيعًا في سهل «كودرو» ونمت الأعشاب حتى تراها تصل إلى ركبة المار خلالها، كان الراعي فتى في ريعان الشباب، مات والده وهو صبي، فامتهن مهنة الرعي مكانه، وخرج ليرعى الأغنام، وتعهد أمه وأخته.
عمن أخبركم، عن تيمور لنك. أذُيع أن جيوش تيمور لنك قدمت إلى سهل «كودرو». لا أعرف هل هذا صحيح أم كذب؟ ولكن يقال إن مجموعة من الجيش ضلوا طريقهم في صحراء مترامية الأطراف، وكان من بينهم تيمور لنك. كانوا يريدون الالتقاء ببقية الجيش الذي يعسكر للراحة في مكان ما. أنهكهم الظمأ، وأصابتهم ضربة شمس، وامتدت ألسنة الخيول شبرًا للأمام من الظمأ. وكانت الحيوانات تلهث، والناس غارقة في عرقها لدرجة أن غطت ملابسهم الأملاح، كان يُخيل لهم كل ساعة أن أمام أعينهم نهرًا يسمعون منه خرير الماء، ونبع ماء يتقاطر ماؤه، وبحيرة تتلاطم أمواجها. كان كل هذا مجرد سراب. لم يكن بسهل «كودرو» نهر يجري أو عين ماء تنبع، أو هناك أية بحيرة، كانت عين ماء «كودرو» عبارة عن بِرَك مياه راكدة، نهرها وبحيرتها هذه البرك. كانت الأمطار والثلوج التي يخلفها الشتاء تملأ هذه البِرَك. كان الناس يشربون منها، والأغنام أيضًا ترِد هذه البرك للشرب كلما ذهبت للمرعى.
المهم، لم يصادف جيش تيمور لنك حتى البِرَك، كانت البِرَك شديدة الجفاف. وفجأة وهو في حالة من اليأس الشديد صادف الجيش الراعي الصغير. ورأوا أمامه قطيعًا من الأغنام يرعاه.
قال تيمور لنك لرجاله:
مستحيل ألا يعرف هذا الراعي مكان الماء. من أين يسقي الأغنام؟ اذهبوا واسألوه.
ذهبت مجموعة من الفرسان إلى الفتى وسألوه:
يا غلام، أين الماء الموجود بالمنطقة، لنسقي الخيول؟
رفع الغلام رأسه ونظر إلى الفارس، وقال وهو يلعب بعصاه في الأرض:
أين سيكون الماء في هذه المناطق؟! لا يوجد نهر، ولا نبع ماء.
وفي تلك اللحظة وصل تيمور لنك مع مجموعة من رجاله عند الفتى. وعندما سمع كلام الغلام قال:
من أين تسقي أغنامك إذًا؟
لم يرد الغلام. سأله تيمور لنك ثانية:
ألا تسمع ماذا أقول لك؟ أين تسقي أغنامك إذًا؟
أشار الغلام بطرف عصاه إلى إحدى البِرَك الجافة:
من تلك البرَك …
لا تكذب، أيها الراعي، لا يوجد ماء في البرك. جفت منذ زمنٍ.
فكر الغلام في خاطره «كل شيء سوف يجف عندما يراكم». ثم قال يائسًا:
عين الماء التي أسقي منها أغنامي صغيرة، لا تكفي جيشكم.
غضب القائد غضبًا شديدًا:
لا دخلَ لك، أيها الراعي، قل على مكان الماء! سوف أعطيك عطية. ولو أردت مالًا، سأعطيك مالًا، ولو أردت جاهًا، سأعطيك جاهًا …
قال الغلام وهو يلعب بعصاه في الأرض ثانية:
لا حاجة لي بمالٍ أو جاه. ولن أقول عن مكان عين الماء. سوف تنضب منكم.
هل تعرفني؟
بالطبع أعرفك.
من أنا؟
تيمور ….
أتعلم أنني أستطيع أن آمر بشنقك، أو ألقيك حيًّا إلى الكلاب؟
قال الغلام وهو يحدق بعين تيمور بنظرة حادة:
أعرف.
تعجب قادة جيش تيمور، ورجاله الملتفون حول الغلام من جرأة هذا الراعي الصغير. أي قلب يحمله هذا الطفل؟
قل على مكان نبع الماء. أيها الغلام، لا تُثر غضبي!
الماء مقدسة مثل الأرض أيها القائد، لا يقال على مكانها للغرباء. وأنا لن أخون أبدًا.
سوف تدفع ثمن هذا باهظًا، أيها الراعي، وأسفاه على شبابك.
لا تتأسف بدلا عني. دعني فلا أخاف أن يذهب ثمن دمي سدى …
اقطعوا لسان هذا … لا، لا تقطعوا لسانه، لن يستطيع أن يرشدنا عن مكان الماء. اضربوه! اضربوه بالسوط حتى يدل على مكان الماء.
تقدم رجلان من رجال مجموعة تيمور لنك للأمام، وبدآ في ضرب الغلام بالسياط. كلما نزل السوط الذي يتلوى مثل الثعبان على رأس الغلام أو عينه أو كتفيه، تسمع صوتًا كأنه يصدر من حجر، وليس من الغلام. كان الراعي الصغير لا يصدر أي صوت مطلقًا. فأمر خدّامه ليضربوه بشدة أكثر. وفي النهاية غرق الغلام في دمه دون أن تتحرك شفتاه بكلمة.
كأن الراعي حجرًا وليس إنسانًا.
فجأة وقعت عينا تيمور لنك على عيني الراعي الصغير، فظل فمه مفتوحًا من الدهشة. رفع بطرف السوط ملابس الغلام التي تمزقت إربًا إربًا. صاح رجال تيمور لنك من شدة الدهشة: تحول الراعي الصغير إلى حجر. التفوا من حوله، فرأوا أن أغنام الراعي الصغير تحولت هي الأخرى إلى حجارة.
تملك الخوف من رجال تيمور لنك، وأطلقوا العنان لخيولهم كأنهم رأوا شياطين، ورحلوا عن هذه الديار الغريبة التي يلفها السحر، ومنذ ذلك الوقت، كلما ذهبت إلى أي مكان ترى الأغنام الحجرية، وترى تمثال الراعي الحجري. يقال إن غيرة ونخوة الراعي الصغير توزعت على جميع الأنحاء، انتشرت في جميع قرانا وبلادنا وحتى مقابرنا. انتشرت حتى يرى ويعلم الجميع أن هذه الأرض كم أنجبت من رجال. فلا ينقطع نسل الأبطال من تلك الديار.
خورشيد بانو ناتافان
(1832م – 1897م)
ولدت الشاعرة الأذربيجانية الشهيرة «خورشيد بانو ناتافان» في مدينة «شوشا» عام 1832م وهي ابنة الأمير «مهدي قولي خان» آخر حكام إمارة «قراباغ» الأذربيجانية، وحفيدة الأمير «إبراهيم خليل خان». لذلك عرفت «خورشيد بانو» بـ «ابنة الأمير». تربت (شاعرة المستقبل) في كنف خالتها، وبفضلها بدأت في حب الموسيقى والشعر والرسم.
تعلمت «خورشيد بانو» اللغات الشرقية، وطالعت أعمال كبار الشعراء الكلاسيكيين أمثال «نظامي»، و«سعدي»، و«فردوسي»، و«حافظ»، و«نوائي»، و«فضولي»، وغيرهم. وتزوجت من «خاصاي خان أوسييف» أحد المثقفين المشاهير في ذلك العصر، وقامت بشكل مستمر بزيارة مدن «الداغستان»، و«تفليسي»، و«باكو». والتقت «ناتافان» عام 1858م بـ «الكسندر دوما»، وأهدته إحدى مشغولاتها اليدوية.
أقامت «ناتافان» مجلسًا أدبيًا يسمى «مجلس الأنس» عام 1872 في «شوشا»، أما عام 1873، فقد مدّت خط المياه لمدينة «شوشا». بدأت «ناتافان» مشوارها الإبداعي في خمسينيات القرن التاسع عشر من خلال تناول موضوعات الشرق وأنواعه الأدبية. لقد تحدثت في غزلياتها عن الحب وجمال الطبيعة. وبعد وفاة ابنها في سن السادسة عشرة، نظمت قصائد الرثاء.
توفيت الشاعرة «ناتافان» عام 1897م، ودفنت في مكان يسمى «إمارت» في مدينة آغدام الأذربيجانية.
غزليات
ترجمة: أحمد سامي
إذا كان عطر الزهرة وصفاؤه محببين لدي،
فماذا علي؟، فجفاؤها كثير، ووفاؤها قليل.
رأى العندليب جفاء الشوكة، ففر من البستان،
فيا ترى من كان رقيقًا للوردة في البستان؟
مالت في الخريف ولم تراع الوفاء،
فأصاب بشدة حزنُ وجفاءُ الوردة العندليبَ
تذرف عيناي على وجهي الدم بدلًا من الدمع،
لأن القلب أصبح مثل عاشق الورد.
لو كُتبت نقطة نقطة وليس بالحروف،
لا تنتهي مغامرة العندليب والزهرة إلى يوم الحشر.
تذرف الألسنة دمًا كلما نظرت في وجهك،
إلهي، زادت معاناة الزهرة عن الحد.
ضل العندليب، وتعرض للعذاب،
وقد أضلّه المصير، وأصبح الخطأ على الزهرة.
أيها القلب، لا يوجد في الدنيا
ما يدعو للبهجة على مصير الزهور والعندليب الجريح.
ليتها لازالت جميلة ومشرقة تلك الزهرة،
يا «ناتافان» الشمس تضيء جميع أرجاء العالم.
بهجة حُبك تجلب لي الحب الأبدي،
وهذا الحال يجعل العشق يجلب المتاعب ضد الحبيب.
ها هي ضفائرك السوداء تعذبني،
كل ما يصيبني فهو من جراء ضفائرك النضرة.
ليته يمكن رؤية وجهك الوردي للحظة،
فرؤيته دائمًا تجلب النور الجلي.
تجمعت رموش عينيك للهجوم،
انطلق السهم، واستُل السيف، كل منهما ليجلب لي الدواء.
استولت ضفائرك السوداء على قلبي،
كأن الجيش الحبشي يستولي على الروم.
ألديك خبر بإحساس العاشقين؟
فقد جلبت هذا «ليلى» نحو «المجنون».(3)
لا تفكر في يوسف، فسوف يرى يعقوب وجهه مرة أخرى،
لو ذهب إلى سوق العشاق، فسوف تجلبه زليخا.(4)
اشترت زليخا يوسفَ بالنقود في مصر،
فجلبت نقود الروح السعادة للعاشق.
لقد ضحيتِ من كل قلبك بالروح،
يا «ناتافان»، البُشرى اليوم تجلب لك الموت.
* * *
أيها الحبيب، دفعني للحديث بهذا لساني الجريح،
لقد دمرتُ خزينة كلامي في الحزن والفراق.
إنني أعلم أنه ليس لي نصيب في وصالك حتى يوم الحشر،
لذلك اتخذتُ الصحراء القاحلة مسكنًا لي.
أصدر سلطان العشق مرسومًا بقتلي،
فلم أعترض، وانصعتُ للمرسوم.
وضعتُ رأسي عند عتبتك، ولم أقل أُفٍ،
وضحيتُ بروحي ولساني بكل إخلاص
أيها الطبيب، دع قلبك، ولا تمتهن الطب!
إما أن تجد لي دواءً، وإما تعرف سر ما أصابني؟!
إلهي، لا يوجد أحد يعرف علاجًا لألمي هذا!
لذلك عالجتُ ألمي بدمي.
أغرقت دموع عيني الدنيا بسبب ألم فراقك،
انظر كيف أجريت طوفانًا مثل طوفان نوح.
يا «ناتافان»، لم تؤثر آهاتي على ذلك القاسي،
كم تعالت صيحاتي وآهاتي ليلًا ونهارًا.
الشاعر سليم باب الله أوغلو
ترجمة: كامل شريفوف
حوار مع ابني
– من أنت؟
– أبوك.
– وفريد، من أبوه؟
– لا يوجد.
– لماذا؟
– …
– ماذا تفعل؟
– أكتب شعرا.
– وما هو الشعر؟
– يشبه (هنهونة) أمك قليلا.
– وهل أمي تكتب أيضًا؟
– لا..
– وأنت يا أبتي، لماذا تكتب ولاتهنهن؟
– …
– أين أنت ذاهب؟
– إلى العمل.
– وما هو العمل؟
– حذاؤك وخبزك وفلوسك وما شابه ذلك.
– وهلا لا تذهب…
– …
– يا أبتي، من هو الله؟
– هو الذي خلقك وخلق جدتك وجدك وخلق الجميع.
– …
– تحدث عن نفسك قليلا.
-ماذا أتحدث يا بنيّ؟ كنت مثلك، مثل قامتك ووجهك.
وكنت أسأل أسئلة كثيرة مثلك في كل مكان ‒ في حضن أمي
على ركبة أبي، وفي البيت، وخارج البيت، وفي القطار.
– وما هو القطار؟
– يشبه عربتك أنت، يجري على خطوط من حديد.
ولكنه أكبر وفيه صغار كثر.
– سأهدي عربتي لفريد.
– …
– يا أبتي، هم ماذا يفعلون؟
– يجمعون أحجارًا.
– لماذا؟
– سيلقيها بعضهم على بعض.
– لماذا؟
– لأنهم أعداء.
– لماذا؟
– لأنهم لا يحب بعضهم بعضا.
– لماذا؟
– …
– يا أبتي، عند عودتك إلى البيت اشترِ خمسة من الآيس كريم.
– ولماذا خمسة، يا بنيّ؟ واحد لك، وواحد لفريد، وواحد لأمك،
وواحد لي… والخامس لمن؟
– دعه يكون للطيور.
خواطر قبل المساء بقليل
في ساحة الشهداء
جعل المطر لون الأحجار المفروشة أسودَ.
يمسح الشيخ قطرات الماء من زجاج نظارته.
الأسماء والصور مختلفة هنا، ولكن تاريخ الوفاة واحد على كل قبر.
اليوم.. العشرون من الشهر الأول، سنة ألف وتسعمائة وتسعين.(5)
ينحني الشيخ إلى الأمام ويرى نفسه
على لوحة من مرمر لقبر شهيد مجهول فيخاف.
رياح
ترجمة: علي العامري
ممسحة تتأرجح على سلك.
كرمة تنحني على وردة في حديقة،
صفصاف يموّج شعره.
يودع نرجسًا بريًّا يشيّع نملة،
قطعة من المرج في أرض رملية تقول «لا» للفراشات،
عث يتمرغ بالرماد
هندباء تبعث رسلًا في الجهات الأربع،
قشّة تتدحرج على جذع،
صوت القطار يصل إلى المحطة قبل القطار،
رسالة حب مطوية بين القضبان،
قصيدة تواصل عودتها إلى الفم
الرياح تهبّ
وأنت تلتزم الصمت، لا تريد قول كذبة بعد الآن.
عن الأطفال والموت
هل سبق أن رأيت أطفالًا
لا أقصد عندما يلعبون في الحرب،
عندما بدون أي سبب،
يأتون ويقفون أمامك
ويقولون: انظر، إننا نموت.
يستلقون على الأرض ويغمضون أعينهم،
بعد لحظة، يفتحون أعينهم
ويقفون مبتسمين.
ذاكرة الزمن
ذاكرة الزمن
لا تقاس بذاكرتي وذاكرة ابني،
هذا لا يستحق القلق.
هذه الذاكرة تقاس بين الرجل الأول
والطفل الذي ولد قبل دقيقة،
لكن الأسوأ من الحزن
إنْ لم أدرك أنا وابني أننا داخل هذه الذاكرة.
إذا كنت تخبرني عن تكلفة البيع بالتجزئة لحياة إنسان
إذا كنت تخبرني عن تكلفة البيع بالتجزئة لحياة إنسان
أخبرك عن تكلفة العالم بأسره،
وإذا كنت تقارن النتائج بالجبر المعروف لك،
هذا التباين الواضح الذي تحصل عليه، يخبرنا عن غياب الحب المجهول.
عندما كنت أدعي كتابة روايات ضخمة
عندما كنت أدعي كتابة روايات ضخمة
دون أن أضيع في قصائد قصيرة،
عصفور صغير حطّ على نافذتي،
لا يلائم قصيدة
أو رواية،
لذلك طار بعيدًا.
دامت سلمان أوغلو (1958)
شاعر غزل أذربيجاني، يعتبر من شعراء العصر الحديث الموهوبين في أذربيجان. بدأ كتابة الشعر في السبعينيات. نشرت قصائده على صفحات جرائد ومجلات معروفة في أذربيجان مثل «أولدوز»، و«أذربيجان»، و«يورد»، و«خزر»، و«عدالة»، و«أدبيات». حصل على جائزة رسول رضا الدولية (2021)، وجائزة سمد بهرنجي (2022). صدرت له عدة مجموعات شعرية منها «فصل بيلجاه(6) لعمري»، و«قطار عمري وأيامي»، و«همس الذكريات»، و«الرجل البحر»، و«ذكريات أوزبكستان».
وهو عضو في اتحاد الكتّاب الأذربيجانيين ورابطة الصحفيين الأذربيجانيين.
لم تأتي أنتِ
ترجمة: كامل شريفوف
أتيتُ للقياكِ مرة أخرى،
فتحت ذراعيّ مرة أخرى.
في هذا الجو الضبابي تحت المطر،
طال انتظاري في دروبِك،
ولكنكِ لم تأتي.
يدي الآن مختبئة في جيبي،
وهي التي تعودتْ قبلُ أن تمسح شعرك
أتاني عطر الخريف،
من أوراق تتساقط
ولكنك لم تأتي.
ملتقانا بدونكِ،
ضاقت بي الدنيا فيه اليوم.
وحتى حنينكِ أتاني ببطء،
قبل أن تأتين،
ولكنك لم تأتي.
أعلمُ يا زهرتي،
أني فقدتكِ قبل سنوات.
وأتيتُ بتابوت أملي الأخير،
إلى ملتقانا،
ولكنك لم تأتي.
***
أنا في انتظارك
امرأة نظراتها مكتئبة
أتتْ إلى حياتي في الخريف كالربيع
أتت بدون موعد، وراحت بدون موعد
لا أزال أنتظرك في دروبك المعهودة
خريف مرة أخرى، ومطر مرة أخرى…
ومبلل أنا في ذاك اليوم…
وأنظرُ..
غطتْ أوراق الخريف الصفراء
هذا المكان الذي يعشقك..
لا أزال أنتظرك في دروبك المعهودة
لِأمسكَ بيديك
وأمسحَ شَعرك الساطع الذي يفوح برائحة الندى.
وأغمض عيني..
وأشعر بأنفاسك وحفيفك
وأبتسم بشوق.
كل شيء هنا يضجر مني،
البحر والهواء والورق والأرض والماء.
تعاليْ إن شئت، وانظُري إلى حالي، يُرْثى له..
لا أزال أنتظرك في دروبك المعهودة
تعاليْ، أنظرْ مرة أخرى إلى عيونك المخمورة..
لتُسَلِّط عيونك الأضواءَ على دروبي.
غيابك ذهب بنور عيني.
وأصبحت الفصول الثلاثة
الربيع والصيف وحتى الخريف مثل الشتاء عندي.
مدّي يديك إلي..
أسألك الوصالَ لينتهي الافتراق والهم
فليُزيّن ابتسامُك الشامات في وجهك.
لا أزال أنتظرك في دروبك المعهودة
***
لماذا أنتِ صامتة؟
لماذا أنت صامتة، ولا تنبسين بكلمة؟
كأن سفينتك غارقة في البحر
قبلُ كنت تتكلمين وتبتسمين،
وتحسبين نفسك أسعد الناس.
وترفضين الهم والغم.
وتحسبين نفسك بلا هم وغم.
لماذا أنت صامتة؟
تكلمي قليلا حتى أعرف كيف حالك؟
ألا تزالين تشعرين بالغيرة؟
وهل الذكريات لا تزال تأخذ مكاني في قلبك
لماذا أنت صامتة؟
من جرح خاطر زهرتي البيضاء؟
ولماذا أرى سفينة الحزن قد نزلت في مرافئ عيونك
هل تغضب الحبيبة من حبيبها، ونور عينها؟
يا زهرتي فلتبتسم عيناكِ،
ليأت الأمل من قلبك إلى قلبي
***
قد رأيتُ
حمل الدنيا ثقيل، وحزنها كثير،
رأيت فيها الطالعين من تحت رمادهم.
ورأيت فيها القائلين «أنا»، «أنا» متكبرين،
وتحت التراب في قبورهم متذللين.
ورأيت المُلْوِين ذيولَهم كالثعالب
والآكلين بقايا الأكل في القدور طول حياتهم
والعاوين كالضباع وظاهرهم إنسان
الخالعين زي الإنسانية.
رأيت الكافرين بالله مثل فرعون،
والناظرين إلى أعراض الناس نظر سوء
ومن يعيش عيش العدم،
والقاطعين صلة الرحم.
ما أكثر الطرق المنعطفة في زماننا،
ما أكثر الشياطين والجِنّة والأبالسة.
رأيت الجامعين المال في دنياهم
والنابذين الدين والإيمان وراء ظهورهم
يا دامت، رأيت من يصبغون الباطل بصبغة الحق،
والمنيرين طريق الباطل في الظلمات،
والداعمين الباطل طول حياتهم
والآخذين بخناق الحق.
***
ذاكرة الدنيا الحجرية
حياة الشهداء
ستترك أثرها في الذاكرة
كل غدٍ يأتينا
سيكتسب قوة من أمسه.
كل قبر شهيد
تاريخ بذاته
ومرآة للآخرة
وذاكرة حجرية للحياة الدنيا
نظراته الصامتة
وزخارف الصورة للوطن الحر
التي تسمى شهيدا
تتهامس مع المستقبل.
يقول الوطن:
إن نظرات الشهيد الحجرية أمانة،
ومقدسة مثل الأم،
ولا يقدر أحد أن يتطاول عليه.
إذا تطاول عدو على الوطن،
تخر جباله وتلاله،
ويخر معه قبر شهيد
الذي هو ذاكرة الدنيا الحجرية.
***
أريد
أريد أن أرى دنيانا بحرية
قد سئمت من الحروب
ومن الاضطراب،
ومن أصوات الطلقات
التي تخيف القلوب والأحلام.
ومن وساوس الشيطان.
إنسان حر ووطن حر..
فلينته الحقد والضغينة..
أريد أن أكون إنسانًا في هذا العالم
الذي لا يستحي الناس فيه
من عِرقهم وقومهم ولونهم،
ويدعو الناس فيه بعضهم بعضًا إخوانا
أريد ألا نكون حجر عثرة في طريق الزمان،
و ألا نضرب عمد السماء بالفأس،
و ألا نتعثر وأن نكون بشرًا.
فلنخدم الإنسانية،
ونتعاون ونحن أصدقاء،
ولنَمْحُ كلمة «حدود»
في وطننا الحر
من لغتنا،
فلنقتلع «الحدود» من جذورها..
فلنطوِ مشاعر الحقد والضغينة فينا،
مثل ورقة فنرميها.
فلنقدّر كلامنا، وهضابنا وسهولنا،
وعيوننا التي ترى الجمال.
ونقدر أنفسنا،
لأنه ليس بين خلق الله
أفضل وأحسن تقويما من الإنسان.
***
البحر يُسلـّي
أمشي ببطء
على شاطئ الخزر(7).
تمسح رياح البحر القوية شَعري،
وتلفح وجهي.
كلما شاهدت البحر،
أحسب نفسي سعيدًا.
وتارة يهيج البحر،
كأنه يغضب،
وتارة أخرى يتحد بنهر كورا (8) .
الجمال الذي أراه هنا
يغذي روحي،
ويلعب في شاطئ البحر
كطفل مشاغب.
أحفادي مثل البحر،
تراهم تارة هائجين متصارعين،
وتارة أخرى متصالحين.
يلهون ويمرحون
راكضين بعضهم وراء بعض
ومتعبين بعضهم بعضا.
أفهم الآن أن البحر مثلي،
هو صديق منذ سنوات
وشريك في رأيي.
عند مواجهة المشاكل والصعاب،
أتشاور معه
ويشاركني في حلها.
ولأنه يسليني
يضحك قلبي،
وتستريح روحي عندئذ…
سيمفونية الأحلام
سيتعبك الصمت الذي في داخلك
بدون أن تشعري ودون إرادتك..
تصحو الذكريات وتحيا في خيالك
صامتة خافتة..
تسيل دموعك على خديك،
وتتذكرين ما مضى من أيام في حياتك،
الأيام التي قضيتِها معه في حب وهوى.
تغمضين عينيك لحظة،
وترجعين إلى ماضيك.
ويتجلى هو أمام عينيك،
هو الذي يحكم على خيالك وحلمك،
وأنت تحسين بأنفاسه كنفَسك.
ويمسح شعرَك بنفَسه الدافئ.
كأغنية حزينة..
سيمفونية الأحلام،
آه.. تأتي صامتة وتروح صامتة
وأنت تنظرين من وراء أحلامك..
عندئذ تستسلمين لأحلامك المضطربة،
أحلامك التي افتدت حبَّه بنفسها..
تريدين فتح جفنيك،
كأن حملا ثقيلا علق عليهما.
لن تقدري فتح عينيك،
والابتعاد عن أحلامك.
وتسألين نفسك: لماذا أنت صامتة؟
ولا تتكلمين؟
كأن سفينتك غارقة في البحر،
لكنك قبل ذلك تتكلمين وتضحكين،
وترفضين الحزن والغم،
وتعتقدين أن الدنيا رفيقة دربك.
والآن، لماذا أنت صامتة؟ تكلمي
وقولي لي، كيف أحوالك؟
من الذي أوقعكِ في فخه؟
من الذي لعب عليكِ؟
مهما رفعت صوتك الآن
بالبكاء والعويل،
لن ترجع أحلامُك
ولن تستيقظي أنت من سباتك.
الهوامش
-1 قام بالترجمة من اللغة الأذربيجانية أ.د/ أحمد سامي العايدي.
-2 شيروان: إحدى أراضي أذربيجان التاريخية، كانت تدار من قبل حكام الشيروانشاهيين لمدة ثمانية قرون. وكانت عاصمة دولة الشيروان شاهين هي مدينة شمامخي الأذربيجانية. (المترجم)
-3 تعد قصة «ليلى والمجنون» أشهر ملاحم الحب في الأدب الأذربيجاني منذ زمن بعيد، حيث نظمها الشاعر الأذربيجاني الشهير «نظامي الكنجوي» (1141م- 1209م)، وبعد ذلك نظمها كذلك الشاعر الأذربيجاني «محمد فضولي» (1494م – 1556م) (المترجم)
-4 اشتهرت قصة «يوسف وزليخا» في الأدب الفارسي والأدب الأذربيجاني الكلاسيكي كإحدى قصص الحب، ونظمها الشاعر الشهير الفردوسي في قصة «يوسف وزليخا» في «الشاهنامه»، كما نظمها شعراء آخرون. (المترجم)
-5 في سنة 1990 اقتحم الجيش السوفيتي – الروسي مدينة باكو وارتكب مجزرة بحق المدنيين فيها.
-6 اسم إحدى القرى في باكو.
-7 بحر قزوين.
-8 أكبر نهر في أذربيجان.