آن بيريّه
تعدّ آن بيرّيه المولودة في لوزان عام1922 واحدة من أبرز الشاعرات السويسريات اللواتي يكتبن بالفرنسية . لم تنضو كتابات بيريه في أيّ من مراحل مسيرتها الشعرية تحت لواء الكتابة النسوية فهي لم تنظر أبدا ًلإبداعها الشعري من هذا المنظور. في منجزها الشعري تلتقط آن بيريّه بحساسية مرهفة ما يمليه عليها حضور العالم. تفعل ذلك في عزلة وانسحاب شبه نهائيين لكن نصوصها تبدو مأهولة بأصداء بعيدة وعميقة وبالغة التنوع : ثمة حضور للأغنية الشعبية ، ثمة اصداء لريلكه،واعادة إنتاج خلّاقة للغة صوفية تمتاح من ينابيع يوحنّا الصليب و تيريزا الأفيلية. يجد القارئ لشعرها ذلك التوازن الدقيق بين حضور العالم وحضور الذات في غنائية تنأى بنفسها عن طغيان الذهني والمعرفي من جهة وعن فائض الانفعال من جهة أخرى . من أهمّ أعمالها: (من أجل نافذة/ 1955)، (رسائل ضائعة/1981)، (كتاب اوفيليا/1979)، (أسماء الشجرة/1989)، (عازف الناي/ 1994).
(1)
لستُ شاعرة،
هل سأنتظر في غرفةٍ
كلّ الكلمات وقد ارتدت ثياب العيد؟
لقد انتهت اللعبة:
على ضفّة النهر
أُساكنُ الحصى الأصفر
وعلى الماء فقط
أكتبُ اسمك
أيها النُور
(2)
في وطن الطيور الأزرق
وحدها تقودني
جغرافيا النجوم.
k k k
نعلمُ ،كلّ وردة
تضمُ في قلبها
الغيمة القزحية
لنحلةٍ غائبة
k k k
في أعلى الغصن
زهرة العزلة
ترتاح في
موج السماء
k k k
القلب الذي يريد إيواء الوردة
سيؤوي الأشواك أيضاً.
k k k
الضوء الباهر يحمِلني
أنا التي تحمِل الظلّ
k k k
الساعة التي تصعد في الظهيرة
تترك ظلّها يسقط
في الليل
k k k
كانت الدروب قد قالت:
لنفترق الآن،
هنا: حيث للنهار أقدامٌ من كريستال.
k k k
لونبشتُ قبراً
لعثرتُ فيه
على أزرق السماء.
(3)
هذا هو مكاني
حتى الأبد:
مقعدٌ خفيضٌ من قشّ،
الصمتُ والصيف،
جدارٌ شرخته الشمس
مثل شارع
وروحي التي اعتادت
أن تقول : أنت.
(4)
لوكنتُ الوادي العميق
لخبّأتك في سيولي
لوكنتُ البحر
لذهبتُ بك إلى هاويتي
لو كنتُ الرعد
لألقيت نفسي فيك
لو كنتُ الدرب
لمضيت لأستلقي تحت قدميك
لوكنتُ الكرمة والنبيذ
لأثملتك الليل كلّه
لوكنتُ القمح الناضج
لَكسوْتك بالذهب
لو كنتُ نحلة حزيران
لوخزت منك القلب
لوكنتُ العظاة
لعثرتَ عليّ بين جدرانك
لكن من عساي أكون؟
لاشيء، لا شيء
سوى هذا الوجه الباكي
مختبئاً إلى الأبد،
في يديك.
(5)
تكفي فراشة
ليبدأ السهل بالطيران
ليقطف الطائرُ المحتضر
قلبَه المنجَّم
عندما يفوح التَفْل بِطِيبه
مثل توت العلّيق
لماذا سنقول:إن الطائر
قد أخطأ موسمه
(6)
ظامئة أنا
والينابيع التي تناديني كاذبة
هنا سرابٌ آخَر ماتقوله الأشياء
وحدها تتبقّى لي
الوردة الصفراء المثقلة :
العزلة.
(7)
أنا المحلِّقةُ
أضَعتُ في الريح آثار الطير
أنا المتدَفِّقةُ
في نومي أضَعتُ صوت عابِرِي المياه.
أنا النشيدُ الذي يمضي وحيداً
بين أرضٍ وسماء.
ادمون جانريه
ادمون جانريه: (1914-1990) من مواليد نيوشاتل. لاهوتي بروتستاني تندرج تجربته الشعريه في سياق جمالية صوفية رأت في الشعرحواراً مع المطلق. تحضر في شعره وبقوة شخصيات توراتية يتماهى الشاعر معها في محاولته تصوير آلام الانسان المعاصر وأشواقه الروحية والوجدانية.
من أشهر أعماله : «صباح العالم»1953 ونشرت أعماله الكاملة عام 1985 .
شجرة التين
بأوراقِ تينةٍ
رفعتْ حتى النافذة
راحاتها الجميلة ذات الأصابع
آه! كم وددت لو أصلِّي
– فقد خانتني يداي.
منظر طبيعي
بريقُ صَدف البحيرة
حيث تتقافز النظرة
حتى تبلغ لحن التلال البعيد…
ونهارٌ من الروعة حتّى لَنتردّد في أن نحياه
خشية أن يتهشّم تحت خطانا.
في ظلّ أيوب
ليلٌ بلا منافذ، بلا كواكب
يصبّ فوق وجهي قناعاً أحاول نزعه
فأنزع جلدي
ويظلّ الجرب متشبّثاً بوجهي المقشّر.
يدان متلمّستان ثم مضمومتان بقوة
حتى تنعقدا
في أوّل صلاتي
في ما يشبه جؤجؤاً، قارباً أتقدم،
أترنّح من ضفة منِّي إلى أخرى
جاهلا إن كنتُ أصلّي
أم أن محنتي تجدّف
في الوحل حيث تسقط.
جان بيير شلونجير
جان بيير شلونجير(1925-1964) من مواليد مدينة فيفي. عمل مدرساً للّغتين الفرنسية والألمانية.شارك في تأسيس مجلة رنكونتر (لقاء)عام1949.عرف بالتزامه السياسي ومواقفه النقدية وبانفتاحه على الأدب السويسري الناطق بالألمانية. في شعره نبرة مأساوية عميقة حيث تتكّرر تيمات الليل والموت والظلم(مات والد الشعر منتحراً وهو المصير الذي اختاره الشاعرلنفسه أيضاً)، هذا الى جانب قصائد ترتبط مباشرة بالواقع السياسي. من أبرز أعماله: «من القُراص حتى النجمة»1952، «وكي نحلم بغد»1955.
أقول
أقول:ضوء، فأرى خضرةً راعشةً تتأود
أقول:بحيرة، فترقص الأمواج مجتمعة
أقول:وريقة ،فأحسّ شفتيك على ثغري
أقول:شعلة، فتأتين متوقدة كشوكِ النار
أقول: وردة، فأرى الليل يتفتّح للفجر
أقول:أرض ، نعاس أعمى، غناء عميق
أقول:حبّ،كما نقول زهرةَ منثورٍ نديّة
أقول: إمرأة، فإذا هي صدى اسمك.
لَيْل
البحيرةُ حيث تغرق الأضواء،
دروب الكروم في الليْل
يفصلها عن الوميض هذا البلدُ الشاسع
المحتشد بالتجاعيد والنعومة
كَجَسد امرأةٍ معشوقةٍ تهبُك ظلّها
وتلالها النضرة
كي تمسح الألم الذي ينهشك
كما ينهش سرطانٌ حصاناً هرِما.
حريّةٌ ضيقة
حريّةٌ ضيّقة
شارعٌ لا يمكن تقاسُمه
النساء جميلات، بجلود غزالات،وشوادنهن
يتنسّمن عبير الخزامى
في ظلّ الينابيع العذب
تلتمع الوردة
أكثرَ ألقاً من الماء والهواء
وأنا أعبر طارقاً النوافذ كَمُهر
دون أن أطلب الرحمة
قبل العاصفة.
حريّةٌ ضيقة،
شارعٌ لا يمكن تقاسمه.
كورينا بيّ
كورينا بيّ: (1912-1979) من مواليد لوزان، ابنة الفنان التشكيلي ادمون بيّ وزوجة الشاعر المعروف موريس شاباز.حقّقت شهرة عالمية من خلال روايتها «جولييت الخالدة»1971ثم كتبت قصيدة النثر (مائة حكاية صغيرة وقاسية)1978 حيث جمعت بين السرد الغرائبي وجنون العواطف الحالمة عبرنصوص مكثّفة وموجزة وذات بنية بسيطة تقترب من الغناء الشعبي.ربطت في أعمالها بين تقاليد وطقوس الحياة الريفية والتيمة المزدوجة للحبّ /الموت ، وهي أقرب الشاعرات السويسريات الناطقات بالفرنسية إلى النهج السوريالي في الكتابة.
العين الكبريتية
كان الوقت فجراً. النافذة المسيَّجة تُطلّ على كرمةٍ بعلوِّ أشجار الغابة.
كنت أمعن النظر في الأوراق التي علاها الكبريت.
في القلب من كل ورقة تتفتّح عين –زرقاءُ مخضرَّة-بلون الأوراق.
تناولتُ بندقيّة الصيد وأطلقتُ النار على العيون الزرقاء المخضرَّة كالأوراق.
لم يعد ثمة سوى ثقوبٍ سوداء. وحدَه الموت كان يحدِّق فيَّ.
الطيور
مكسوَّةٌ بالطيور أنا
ترتعشُ بريشها المنْتصِب.
مناقير ، أبوزريق على ذراعيّ ،
صعواتٌ في أصابعي
أبو الحنّاء على عنقي
وعلى صدري يمامتان بريّتان.
بطن وردفان :جناحا ساروفيم* طويلان
على الساقين:دُخَّلةٌ خضراء
وعين الطاووس
فجأةً تطيرُ كلّها
فأظلُّ عاريةً،
مجرَّحةً ومدَّماة.
* هامش : في الأسطورة: ملاك بستّة أجنحة.
القدّيسة
على الطريق المنحدِر من الجبل،قرب المقبرة القديمة، يتقدّم موكب.
موكب أبهى من وشاح ايفولين.أمام القساوسة أصحاب التاج بصلبانهم المذهبة،
وأمام أطفال الجوقة الملوّحين بالمباخر، كانت طفلتان تحملان على مخدّتين بلون الرمّان
قلبي المرصَّع ،جمجمتي،وعظام ساقيّ.
كنتُ على حافّة الطريق ولم يرني أحد.
مونيكا لاديراك
مونيكا لاديراك (1932-2004) :من مواليد برونييه في مقاطعة نيوشاتل السويسرية.بعد دراستها للآداب والموسيقى عملت في التدريس حتى العام1998 .عُرفت بانخراطها في قضايا الحركة النسوية وبرواياتها التي تبنّت الدفاع عن قضايا المرأة.أنتجت أعمالاً مارست تأثيراً كبيراً على جيل الثمانينات ومن أشهرها «المنْفَصِلة». كتبت الشعر الى جانب الرواية ووضعته أيضاً في خدمة الأفكار التي آمنت بها.ففي مجموعتها «النوتة»مثلاً سعت لفضح الصور النمطية التي تفرض على المرأة من جهة ،وعبرت عن الطريقة التي تنظر بها المرأة الساردة الى هويتها والى جسدها من جهة أخرى.
(1)
أن نُحِبَّ كما نشرب.
كما نضعُ يداً على حجر الأساس.
أن نُحبَّ ضدّ الليل
حيثُ الشَعرُ طليقٌ في هذه الفوضى
التي أيقظها النسيان.
أن نُحِبَّ نُحبَّ نُحبَّ
خارجَ الذات و الخوف والموت
لهاثُ الظمأ هذا
الذي ينعدمُ في كلِّ مرَّةٍ:
الهواءُ الطليق؟
(2)
أتهربُ ، «هذه الخيول تحت عَدْوِ الريح».
فَلْتبقَ هذه الخيول!
فلتتلقَّ البذورَ من شقيقاتها الأشجار
ومن الليل كهوفَ الريح وحسب.
لن نعود تلةً ولا نهراً
ولاحتى رَسَنْ
أحراراً تحت النجوم
خيول سكرى
أيُّ اسمٍ تراها تَهَبُ لانتظارِها
(3)
ما يَضطرب في الأعماق
ليس مرآةً،
ليس بذرةً لمآثر الحرب والقلب الباهرة.
ليس تلك النار الميْتة التي تتَّقدُ حين تولد.
مايضطرب في الأعماق هو لاشيء
إنَّه فقط، هذا العدمُ الضئيل، الذلقُ، النَهِم.
الذي لايعرفُ ممالكَه
ولا أسوارَه و لايعرفُ اسمَه.
فاهيه غودل
ولد فاهيه غودل عام1931 في جنيف لأبٍ سويسري وأمٍ أرمنية،اشتغل بتدريس الأدب علاوة على نشاطه الإبداعي في كتابة الشعر والدراسات والترجمة عن الأرمنية.يحيا غودل إرثه الأرمني كمصدر لإغناء الذات فيواصل في أعماله لملمة شظايا الهوية وتوحيدها في سعي اكتسى طابع السيرة الذاتيه توَّجَهه بنص بديع كتبه بعد رحلة قام بها الى أرمينيا وحمل عنوان «من عين تلك الصحراء إلى ذلك الليل ذاته»؛ وقدّم له الروائي الفرنسي المعروف ميشيل بوتور. يرى غودل في الشعر تجوالا مستمراً بين عتمة الداخل وفتنة العالم الخارجي وهو يسعى عبر الكتابة الشعرية الى استبطان وتذويت ما هو عمومي من هواجس وانشغالات البشر. له مايزيد عن أربعين كتاباً نذكر منها : «شيء ما أحد ما». تقديم جان ستاروبنسكي 1987. «مرّة أخرى»1993. كل شهوات الروح2002.ماتبقى لايُرى2004.
(1)
إذا
كنت أُسلْسٍل الكلمات
فلكي أحطّم سلاسلي
أنا
أكتب فقط
لألملم كلّ شظاياي
لأوحَّدَ النار والماء
أكتب بيدٍ مرفوعة
وعينين مغمضتين
حتى آخر نفس
إلى أعلى
إلى أسفل
أُسَعِّرَ أتوني
(2)
غصن الأمومة
أسفل أغصانٍ خفيفة
أقلّ من أن تصنع ظلاَّ
أربع نساء أدرن ظهورهن للبحر
اثنتان منهما واقفتان:
يساراً، بكامل البياض (بمعطف حريريّ وقبّعةٍ من ريش)
كطائر بحر مفرود الجناحين أُمِّي
و تلك التي تبدو كأختها الكبرى – أُمُّ أُمِّي
بينهما
تجلس عجوزان ضئيلتان بكامل السواد،
– قد نظنهما توأمين: إحداهما
تلك التي تتطلّع راحتاها إلى السماء – جدَّة أُمِّي
والأخرى – جدَّة جدَّتي
مائلةً قليلاً، بوجهٍ غائم وابتسامةٍ داكنة
(في حِجرها طفلٌ عارٍ، يتمرّغ فاركاً عينيه- هو أنا)
(3)
شذرات من مشهد طبيعي
تحليقُ نورس
يمنحك العزاء عن كلّ شيء
***
كي تمسك بالعابر
اغمس ريشتك الوحيدة أعالي البحر
في زبدِ صرخةِ طائر
***
من بين الأغصان العارية
تبدو السماء من صلصالٍ- عموديٍّ
يكاد يكون ملموساً.
***
سائلِ الصخرة البيضاء إلى أن تسبر غورها
فتتفتّح عن لؤلؤة حمراء
و يرتعش بياضُها.
***
بين أهداب اللامرئيّ
تشتعل سماءٌ من عواصف
بين شفتيْ الصمت
يرتعش شتاءٌ من رماد
***
واقفاً، جسداً يحتضن القشرة
تحت رحمة أخفّ الأغصان
دع الورقات تلتمع في عينيك!
(4)
مهما حدث
أغمض عينيك دع نفسك تنزلق بهدوء
مستلقياً على ظهرك كميِّت عبر الماء المتدفّق أمام
هاوية النهار مهما حدث لا تتحرّك دع عينيك
مفتوحتين في الليل الحالك في أعماق المياه الراكدة.
فيليب جاكوتيه
يعدّ جاكوتيه أحد أهم شعراء الفرنسية الأحياء، وفي تناقض ملفت مع اختيار الشاعر أن يحيا حياة عزلة بعيداً عن الأضواء والشهرة حيث يعيش في بلدة غرينيان في جنوب فرنسا منذ ما يزيد عن خمسين عاما، يتأكد حضوره الشعري أكثر فأكثر عبر عشرات الدراسات والمقالات والأطروحات الجامعية التي سعت لاستنطاق تجربته الشعرية الفريدة والثريّة.
لقد أصبح الشاعر السويسري الجنسية الذي هجر جنيف وباريس نائياً بنفسه عن تأثيرات التيارات والجماعات الشعرية في العواصم الكبرى والذي يشبهّ نفسه «بشمعة يتعيّن عليها حماية نفسها إن أرادت الاستمرار بعكس شموس شعرية كبرى تتحدّى الريح» ، أصبح أحد أكثر تلك الشموس توهجاً واتقاداً.
في جوهر التجربة الابداعية لجاكوتيه نجد موقفا متشكّكا من الصورة الشعرية والزخرفة البلاغية ووفاءً عميقاً لما هو مرئى ومحسوس ، بدءاً من تسجيل خواطره الشعرية حول نزهة في الطبيعة مروراً بتجربة السفر والتجوال وانتهاءاً بالقصيدة التأملية في صيغتها الأكثر اكتمالاً، نجد لدى جاكوتيه دائما نفس السعي لالتقاط ما هو جوهري في هذا العالم، بين «فظاعة الموت ومداعبات المرئيّ» كما يقول الناقد اوليفيه بارباران.
في بداياته الشعرية نلمس لديه أثر الأوزان الكلاسيكية، لكنّه اليوم أحد أعلام القصيدة الفرنسية الحرة، القصيدة التي تذهب من أقصى الإيجاز الذي نجده في قصيدة الهايكو الى اقصى الامتداد الذي يقتضيه أحياناً القول التراجيدي.
بالإضافة إلى ما يزيد عن ثلاثين كتاباً توزعت على الشعر والنقد أنجز جاكوتيه عدداً كبيراً من الترجمات الهامة عن الألمانية والإيطالية والروسية:غوته هولدرلن ،اونغاريتي،ريلكه،موزيل وغيرهم. من أعماله الشعربة نذكر: «النزهة تحت الأشجار»1957، «عناصر حلم»1961، «في ضوء الشتاء» 1977، «أفكار تحت الغيم»1986 ، «دفاتر الخضرة»2003 .
الكلام
(1)
سهلٌ هو الكلام، وأن تخطّ كلمات على الورقة، عموماً، ليس بالمجازفة الكبرى
إنّه صنع دانتيلا، محصّن ، آمِن،
(حتى أنّه طُلب من الشمعة ضوءٌ أكثر شفافيّة وخداعاً)
كلّ الكلمات تكتب بالحبر ذاته، «وردة وخوف» مثلاً
متماثلتان تقريباً، وعبثاً إنْ كرّرتُ كلمة «دم»
من أعلى الصفحة إلى أسفلها، لا أنا سأنزف ولا الورقة سيلطّخها الدم.
يحدث أيضاً أن تصيبنا هذه اللعبة بالرعب، فلا نعود ندرك ما الذي أردنا فعله حين اخترنا لعبها عوض أن نخاطر خارجاً مستخدمين أيدينا فيما هو أجدى.
يحدُث هذا حين لا يكون بوسعنا أن نهرب من الألم،
حين يشبه الأمر أحداً يقترب ممزِّقاً ما نلتفّ به من ضباب، هادما واحداً فواحداً تلك الحواجز
عابراً المسافة التي تتناقص شيئاً فشيئاً _فجأة ليغدو قريباً جدّاً بحيث لا نعود نرى سوى خطْمه الأعرض من السماء.
عندها، يبدو الكلام كذبةً أو ما هو أسوأ: جُبناً, إهانةً للألم، و هدراً لِلْقَليل من القدرة و والوقت المتبقّيين لنا .
(2)
كلّنا قد رأى يوماً (مع أنّهم يسعون اليوم ليحجبوا عنا حتى رؤية النار)
ما يصيب الورقة بالقرب من اللهب،كيف تتجسّأ، تنكمش بسرعة، وتتهدّب.
هذا ما يمكن أن يصيبنا نحن، هذا الانسحاب المتشنّج، دائماً بعد فوات الأوان،
المتكرّر طيلة أيام ، دائماً أضعف، مذعوراً، مهتّزاً أمام ما هو أسوء من النار بكثير
فَللنّار و إن كانت مدمّرة بهاؤها
إنّها حمراء ، يمكن تشبيهها بالنمر أو بالوردة
و يمكن حتى الزعم والتخيّل أننا نشتهيها، كلُغةٍ أو جسد، أي أنّها مادة للقصيدة منذ الأزل،
من شأن ذلك أن يلهب الورقة بشعلةٍ تغدو فجأة أعلى وأشدّ جذوة، قد يضيء الغرفة حتّى السرير أوحتّى الحديقة دون أن نكتوي بها_ كما لو أنّنا على العكس
نكون أكثر حماساً بالقرب منها، كما لو كانت تعيد لنا الروح
كما لو كنّا نعود من جديد شباباً يمتدّ المستقبل أمامه بلا نهاية.
إنّه شيءٌ آخر، أكثر سوءاً، ذلك الذي يجعل المرء ينكمش على نفسه،
ما يجعله يتراجع حتى عمق الغرفة طالباً نجدة أيٍّ كان، كيفما كان:
إنّه ما لا شكل له، لا وجه، لا اسم
ما لا تدجّنه الصور البليغة ، ما لا يخضع لقانون الكلمات
ما يمزِّق الورقة كما الجلد، ما يحول بيننا و بين الكلام بلغة أخرى
غير لغة الحيوان .
(3)
لكنّ الكلام يكون أحيانا شيئاً آخر غير التمَترس خلف قناع من هواء أو قشّ
يكون أحياناً كما في نيسان ، في أوّل الدفء حين تصير كلّ شجرة نبعاً،
حين يبدو أن الليل يلتمع بأصوات مثل كهف
(حتى لنظنّ أن ثمة ما هو أفضل من النوم في عتمة الأغصان النديّة )
يصعد ذلك منك كأنّه الغبطة.كما لو كان يتوجّب ذلك،
كما لو توجّب بذل فائض من القوة لتعيد للهواء بسخاء
نشوة الشرب في كأس الفجرالهشّة
الكلام ُ هكذا الذي كان اسمه في الماضي غناء، والذي لا نكاد نجرؤ عليه اليوم
أهو أكذوبة، وهم؟ لكنّ هذا الكلام يقتاتُ عبرالعيون المفتوحة
كما تقتات الشجرةُ عبرالأوراق.
كلّ ما نراه،
كلّ ما سنكون قد رأيناه منذ الطفولة ، يهوي إلى أعماقنا
مصهوراً وربما مشوّهاً ومنسيّاً بعد قليل _
موكبُ الصغير من المدرسة الى المقبرة ، تحت المطر ،
عجوز في ثياب سوداء،
تجلسُ في شرفتها العالية ترقبُ
دكّان صانع السروج، كلبٌ أصفر اللون يدعونه بيرام
في الحديقة حيث جدار عريشة يصطدم بصدى عيد البارود.
شذراتٌ ، حطامُ سنين-
كلّ هذا الذي يصعدُ كلاماً مرهفاً مصقولاً ،
حتى لَيُخيّلُ للمرء على إثره أنّه يخوض نهر الموت.
(4)
هل ثمة أشياء تسكن الكلمات، تتناغم معها عن طيب خاطر
_ لحظات السعادة تلك التي نجدها في القصائد بغبطة، الضوء الذي يحرّر الكلمات وكأنّه يمحوها _ بينما أشياء أخرى تنتَصبُ ضدّ الكلمات، تشوّهها ، تدمّرها:
كما لو كان الكلام يرفض الموت بل كما لو كان الموت قد أفسد
حتّى الكلمات؟
(5)
كفى، آهٍ،
كفى .
فلتحطم هذه اليد التي لا تجيد رسم شيء سوى الدخان،
ولتنظر بملء عينيك:
هكذا يبتعد قارب العظم الذي حملك.
هكذا يغوص، (وأعمق الأفكار لن تشفي مفاصله)
هكذا يطفح بمياه مُرّة.
أ مِنَ الممكن ، إن تعذّرت شبكة الضياء العظيمة، ملمومة.
أ مِن الممكن أن يكون لكلّ قارب بشري عجوز في تلك النواحي المهلكة،
سكون الألم ، نسمة أكثر عذوبة و نوماً كنوم الأطفال.
(6)
كنت أودّ لو تكلمت بلا مجاز، أن أدفع الباب فحسب…
لديّ خشية كبيرة من ذلك، شكٌّ عظيم وأحياناً كثيرٌ من الشفقة:
فنحن لا نعيش طويلا كالطيور في وضوح السماء.
و ما إن نسقط أرضا حتى لا نعود نرى فيها سوى صور أو أحلام.
فرانسوا دوبلو
شاعر وروائي من مواليد 1950 ، أحد الأسماء الشعرية التي فرضت نفسها بقوة في ساحة الشعر الفرانكوفوني السويسري منذ منتصف ثمانينات القرن العشرين. درس الأدب في جامعة لوزان حيث عمل لاحقاً كمدرس .أصدر مايزيد عن خمسة عشر كتاباً نثراً وشعراً منها: أيام زائفة 1983 ، حوار رجل عاطفي مع الجدار 1994 . تتجاور في نصوصه التي تتميز بوضوح العبارة ودقة التركيب الدهشة والافتتان بالعالم والطبيعة مع السخرية من الذات.
إهانة
أريدُ هذا المساء
نصيبي من العدالة
أريد هذا المساء
أن أنبذَ أصدقائي
أن أهين حبّي
أريد هذا المساء
أن أؤجّج غضبي
أن أسمّم جرحي
أن أقتل كلّ شيء
أن أكون تجاوزاً وعاصفة
أن أدمِّر كلّ شيء
حتّى الحجر
في ذكرى موت هنري:
باكراً عادت القطعان إلى السهل
والحظائر هناك في الأعلى أوصدت
على نفسها أجفانها الخشبيّة
أيها الجبل المحاصر بالصمت والبرودة !
وحدي منذ الآن، بقلب مثقل بكلّ هذا الغياب
أذرع الدروب
ومن حولي تسّاقط الأوراق الصفراء
كآلاف الدمعات
على خدّ الغابة
قصيدة الغابة المظلمة
على بساط من أوراق الشجر الميتة
فجأة، خطوة طائر لا مرئي
ثمّ
كأنّ كلّ خطوة من خطاه
حفيفٌ حائر
في مملكة الظلال.
عن رجل ظامئ
بيدٍ راعشةٍ
يرفع الكأس إلى شفتيه
يشرب
رغم الوعود والأيمان
يشرب
عيناه الواسعتان الذاهلتان
عينا طفل أُسلم للّيل
يشرب
ينادي
( ولكن من سيسمع؟)
لا يعرف سبيلاً آخر
كي يخرس هذا الخوف
بأعماقه
الموت أمامه
ويشرب
النبيذ في قعر الكأس
الكأس المائل على شفتيه
كل قطرة دم في جسده امتزجت
بالكحول جميعها
إفراط، كؤوس مترعة
ينادي:
بأن يمنح على الأقل سَكينة احتراقٍ أخير.
جان – جورج لوسيّيّه
جان – جورج لوسيّيه (1911-2004). من مواليد جنيف، درس الموسيقى في شبابه لكنّه مالبث أن تحول عنها إلى الشعر الذي شجعه على الاستمرار فيه الناقد المعروف مارسي ريمون والشاعر بيير لويس ماتي.على هامش ابداعه الشعري عمل مدرساً ثم موظفاً في اللجنة الدولية للصليب الأحمر.وجد في الشعر ملاذاً في مواجهة الحياة المحكومة بالتقنية والخواء الروحي فاكتست أشعاره صبغة صوفية واضحة. من أعماله أغاني البؤس1952، الرحلة الطويلة 1979، المنفى 1990 و الأعمال الكاملة 1995.
بلا نهاية
وجودُ الجميع
خطُّ طبشور
على عتمة الايام
كتابُ الجميع
زهرةٌ صبح
تجفّ بين الصفحات
حبُّ الجميع
حلمٌ يشبه الحلم
تحت آلة الكلمات
الوجودُ والكتابُ والحبُّ
كلّها يلفّها صخبُ
الولادة والموت.
الأمل
الفمُ المترع بالغضب
لم يعدْ يصبُّ اللعنات
صيحةُ فرح عظيمة
تزيد دوران عجلة الشمس قوّةً
العالم المشروخ يلتئم على مهلٍ
العصافير تتبادل الحديث
والسلام يعود كقارب موسيقى.
رجل
هو إذن من يدقّ الجدار
بإصبع خفيفة حتى لاتكاد تسمع
يقصّ أثر الكلمات
ليواصل سرد حكايته
وراءه تنطفىء أصوات العيد
مع دوران الفصول
يحشد كلَّ موتاه
ثم يختفي معهم في الضباب.
يقين
إلهي ،أنت الميناء ، السفينة والبحر
والنجمة المنحنية فوق روحي النائمة
لن تعود ذاكرتي سوى عصفور في العاصفة
إن باعدني عنك وقعُ خطاي
جالساً أمام الكائن ،كان الألم
يروي لنا رحلة…
ثم ننهض ، نخرج دون ضجيج
وعلى كاهل كلٍّ منّا عزلته
كنّا نمشي عبر الضواحي المدمّاة
والليل يحاصر أنين الوجوه الكسيرة
نهبط سلالم من أذرع ممدودة
في قلب رائحةِ سخامٍ
يبعثُ على الغثيان
إلهي ، دقيق الحنطة هذا الذي هو نحن
آه ، ياخبز الإخاء !
لستُ شيئاً بدونك ، ومن أكون بدون إخوتي ؟
معاً ننزف
الغضب ذاته في ضوء السحر
غير أني أنتظر فجرك الأبيض
فيما هم يدقّون بقبضاتهم
أبواب سعادةٍ ظلّت موصدة
الميناء والسفينة والبحر هي لي
اسمك الذي تهمس به روحي النائمة .
جان كوتا
جان كوتا(1916-1992) ولد في مدينة بونتيري في مقاطعة جورا السويسرية . درس الحقوق في جنيف ،عمل كناشر في باريس خلال الحرب،بعد عودته الى سويسرا(1966-1976)عمل في التدريس. عرف بقصائده التي جمعت بين الالتزام السياسي الصريح والروح الساخرة والتي سجل فيها تجربته كجندي في الحرب العالمية الثانية. من أعماله: نويل داجوا 1972 واغنيات وجع القلب 1974 والقصائد 1989 .
أغنية الخفير
انتظارٌ… انتظارٌ تحت المطر
( هل ستمطر العمر كلّه)
جندي يحلم بين الدموع
بكفن من عشب وطين
واحدُ يفكر وهو بكامل السلاح
أنّه وحيد، ( دائماً يزداد وحدة)
-متى سنموت أيها القائد؟
إنها تمطر ، تمطر، وأنا حزين
إنها تمطر أيضاً في قصيدتي
حيث يختبئ كلُّ من أحببت.
أغنية الإنسان
فَلْتَرَ: أنا الإنسان مقذوفاً
مع أبناء جنسه
على سكّته بلا هدف،
أُصغي للموت الذي يتعقبني
أحيا والعيش مهنتي
– يا إخوتي، أيّة جسور،
أيّة جسور نقيم فوق هاوياتنا المدّمرة
– بعيداً جداً، العروش الأبديّة
بعيداً جداً، الثلوج، والأضواء…
– هنا، رياح تزداد قسوة أثارت غبارنا
أغنية على الحدود
متململاً في رياح الحدود
أفكر فيك يا أمي الحبيبة
أن أراك ثانية يوماً، يوماً واحداً !
أعود فيه صغيراً وطائشاً!
لكن الجنود لا يملكون أيّ حق
( بل ليس عليهم إلا الواجبات)
تحت وابل المطر، في العواصف
ما من صوت يقول: كفى
ما من يد لتهدهدنا ….
و ثقيل هو الوقت مثل خوذة
أغنية الظلام
مثل كلب يبحث عن سيدّه
أواصل النقر على بابك
أيها الصمت العظيم بين الكائنات
لكنّي أنّى ذهبت فثمة ما يشبه
صدى مدينةٍ ميتّة:
عزلة بين أيدي الرجال!
– إخوة الطين والحمّى،
إنّنا، دون أي كلمة، نغذّ السير
فيما الموتُ، على غير هدى، يفتش
عن يدنا في الظلام.
أغنية سجينة
سوف أمضي في الكآبة،
مهدهداً جروحي القديمة
لأفتّش عبر السنين عن
أيد أهبُها حياتي.
لكنّ سجون عالم بأكمله ستوقف
رقصتي الحزينة:
من حديقة الأحبة المسوّرة
إلى الورود النابتة في الرمال
من عزلة لا تقبل السكنى
إلى عزلة لم يسكنها أحد
الكسندر فوازار
من مواليد 1930 في مقاطعة جورا.بعد سنوات دراسة متقطعة عمل في مجالات مختلفة كالمسرح ومصلحة البريد وبيع الكتب. ناضل سياسياُ من أجل تحقيق المطالب الوطنية لسكان منطقة جورا.يعتبر نفسه أول شاعر ايكولوجي معاصر. حاز العديد من الجوائز الأدبية في سويسرا وخارجها،منها جائزة ماكس جاكوب 1995 و اختير عضوا في أكاديمية مالارميه للشعر عام1991. من أعماله: كتابة على الجدار1954 ،الحرية في الفجر1967، فتات الليل1975،القول الفعل 1991.
النبع المغدور
على ظهر الريح، رغم الضوء،
رغم العاصفة
معلقاً بغيمة، رغم الهاوية
أذرع ذاكرة الينابيع المطفأة،
كاتماً الأسوأ، متصنّعاً الشك بالقرب من الآبار
على شفتيّ صلصال شيخوختها الداكن،
وجيبي ممتلئ بقرقرة ما قال من أمثال.
إنّه يعلم أنّي آتٍ، ينهض بلا وجل
فأحصي ما يموت في عينيه من جداول .
لا يأتي الصمتُ ليضفر على نافذتي شيئاً
غيرَ هدير الماء، وأنين الماعز
إلى أين تمضي يا رجل الينابيع، خارج الليل،
خارج أيّ أفق
وصوب صدى أيّ صرخة؟
كل موسم حق لنا
يا رجل الجليد، القمح ينضج في نظرتك
يا رجل الصمت، السيل يهدر بين أصابعك
وحرياتك العتيقة تبزغ في خطاي
من عساي أكون لأوصد بابي في وجه يمامتك
لأواري ناري عن نضالك الشاق
من عساي أكون لأخبّئ نحيبي في ظلّك
أنا الشعلة التي تتوقف عند خاصرة الصفحات
وأنت المثلُ السائر يشتمونه عند سفح التلال.
أنا النبيذ وأنت النشوة التي أرتاد
فلتعطني يدك إذن، أخيراً ها هي الورود تنحني
أشجارالقبقب تنحني أخيراً، فلنقترب من القبقب
الليل كلّه يميل، فلتعطني يدك.
في مكان آخر
في مكان آخر ينطفىءُ صليلُ المحاريث
في مكان آخر يرتعشُ الصوف،ترتعش يدي
في مكان آخر تغورُ القطارات اليائسة
في مكان آخر تَتعبُ الكلمات الجديدة
في مكان آخر تعرج الدبّة الماكرة
في مكان آخر تُجنُّ السكاكينُ في الحظائر
في مكان آخر ترتاح صَلاتي على طرف عصاها
في مكان آخر أصدقائي لا يكونون
في مكان آخر ليس للشفق أمّ
في مكان آخر أضرمُ النار في كتبي وأُوصد باب بيتي
في مكان آخر يصمتُ المنجل ويذبلُ شَعرك
ادمون – هنري كريسينِل
(1897-1948)، عاش معظم فترات حياته في مدينة لوزان،حيث اشتغل بالصحافة،ارتبط بصداقات مع جاكوتيه ، غوستاف رود، ومارسيل رايمون.عانى من أمراض عصبية وخصوصاً هذيان الاضطهاد، فتعددت إقاماته في المصحات النفسية .وضع حدّاً لحياته بالانتحار . مثّل في المشهد الشعري السويسري صورة الشاعر الملعون الذي حاول عبر الكتابة الشعرية التحرر من أسر الجنون لينتهي نهابة مأساوية.من أعماله: الحارس1939،اليكتون 1944، ليلة حزيرانية وتم طبع أعماله الكاملة عام 2001.
مرثية بيت الموتى
(1)
إنّه قصرٌ تحفّه السكينه واوراق الشجر المتناثرة
هنا تقيم ً الكآبة
والسلسلة سياج (سورً ) لأكماتها البنيلة
يأتي ليموت فيها صدى جرائمك أيها الجنون !
أيّها العابر، منيع هو السياج، فلتمض!
لن تدرك ما الذي يعذّب الظلال السفلية
ويضنها في نومها المضطرب
بيتُ الموتى – جزيرةٌ صغيرة – ركامُ حلم .
(2)
في هذ الأمكنة عديمة الإنسانية، ثلج ونار! رأيتُ
ضحايا الآلهة تفرّ من حشد الكلاب الهائجة
وقد اندثر ماضيها وظلّت الأجساد
بعيون أغمضت على بقع مدّماة.
مثلها لُعنت يوم ولادتي
تحت كوى الرماية فيك أيها البرج العتيق المنفيّ
مثلها مطارداً من الأشباح ارتجفتُ
حين سمعت صراخك أيتها الإرينات الذكور*
(3)
حين يُثقل علينا المساء بغمِّه، حين
يكاد رحيق الياسمين يخنقنا نهربُ
ولكنْ شاهقة هي الجدران ،تطاول السماء
هكذا نظلّ أسرى مهجورين للأبد
أيّتها السكينةُ، الشرابُ المرّ، وفائض الألم هذا
أيّها الضوء اللدود! وأنت أيتها الرياض الورديّة !
إنّني أدرك أن الوردة لن تكون وردة أبداً
وفيما وراء القرنفل ألمح التراب.
وليد السويركي
كاتب ومترجم من فلسطين