وقع في حبّ «نورية» حين رآها تمشي على الجمر. تم توزيع قطع الفحم المشتعلة على الحشائش الصيفية الجافة، ومشت عليها أسرع من العذراوات الأخريات.
لم يكن من المفترض أن يكون متواجداً هناك، لكنه كان يراقب الحدث من وراء شجرة اللوز.
عبرت بخطواتها فوق الجمر، ثم تعرضت لإغماءة.
(كانت «سكينة» عطشى. ذهب «عباس» للبحث عن الماء، أطلقوا عليه السهام. قتل «قاسم» ليلة عرسه. عاد حصان «الحسين» وقد أغرقته الدماء.. دون صاحبه).
تهبّ الرياح الصحراوية الساخنة طوال اليوم. تتساقط الطيور على الأرض في الليلة العاشرة من شهر محرّم. تصطبغ السماء بالدماء. يبكي عليهم جميعاً حتى تحمرّ عيناه. لكنه لم يبكِ ، أبداً، بالحرقة التي بكى بها على «نورية».
حاولت العّمة «ميهري» أن تزرع حديقتها بمختلف أنواع الزهور الوردية والزرقاء والحمراء، وبالورد الجوري القاني. لكن كل النباتات كانت تذبل هناك. وحدها الزهور البريّة وشجيرات الصبّار التي كانت تنمو في ذلك المكان. ظلتّ تردّد أن السبب هو الصحراء. وأن الأرض المالحة والرياح الرملية هي التي تقتل النباتات في جميع أنحاء المدينة.
ومع ذلك.. كانت حديقة «تشاند» تفيض بالألوان المتعددة، والشجيرات المقلّمة بعناية، وأشجار الفاكهة التي تتدلّى منها ثمار المانجو الخضراء، وحبّات البابايا الكبيرة.
كانت «ميهري»- او البيجوم «ميهر تاج شاه»- في حقيقة الأمر عمّة «نورية» فقط، وليست عمّتنا.
كانت أرملة شقيق جدّنا، الذي قتله اليابانيون في ماليزيا عام 1944، حين كانت في الثانية والثلاثين.
لم نعرفه إلا من خلال صورته الضخمة، المعلقة على جدار منزلها. في كل إجازة، كانت أسرتها تزور قبره محمّلة بالأزهار والبخور، كما لو كان قديساً.
كان لها ثلاثة ابناء: ابنةٌ تقيم مع زوجها في الصين، حيث يعمل في سفارتنا هناك. وابن يدعى «طاهر»، يعيش في المنزل المقابل لنا. أما أصغر أبنائها، «ماهر»، حبيب قلبها ونور عينيها، فكان يدرس في انجلترا، ولا يعود إلاّ في الإجازة الصيفية فقط.
تعيش «ميهري» في بيت كبير جداً، محاط بالأبراج. بناه زوجها في الثلاثينيات، في الجزء القديم من المدينة، بجوار البحر. أطلقنا على بيتها اسم «مدينة الصبّار».
كان لها عشيقٌ يأتي لزيارتها بين الحين والآخر، من «راوال بيندي».. حيث يعيش مع زوجته.
«ميهري» امرأة طويلة، لها بشرة شاحبة وشعر فاحم قصير، تصففه بدهانات لامعة. ترتدي اثواباً من الشيفون الأسود ليلاً، أما نهاراً، فكانت فساتينها من الدانتيلا البيضاء. تلبس معها قفازات وأوشحة من اللون ذاته.
بين كل بضعة أسابيع، كانت تعبر إلى الطرف الآخر من المدينة لزيارتنا. كنا نعلم أنها تتعمّد أن تجعل زوجة «طاهر» تراها، وهي تدخل إلى منزلنا.
قبل عشر سنوات، كانت تبحث لابنها عن عروس، من ضمن بنات عائلتها في «حيدر آباد». وأخيراً.. استقر رأيها على فتاة من عائلة زوجها. بنتٌ في السابعة عشر من عمرهان تدعى «نزار زهرة». غيّرت اسم العروس إلى «تشاند»، لأنه كان لها وجه مضيء كالقمر.
تيقنت «ميهري» من أن لابنها حظاً وافراً.. لاقترانه بمثل هذه العروس. لكن حظ «تشاند» نفسها- من جانب آخر- لم يكن بالوفرة ذاتها.. إذ أوقعها في الزواج من رجل يحب الويسكي الجيد.. أكثر من حبه لفراش الزوجية.
تحوّلت الفتاة الهادئة إلى امرأة شديدة الكسل. ورغم انزعاج حماتها من عاداتها الجديدة، إلا أنها ظلت تستيقظ من نوعها من انتصاف النهار، ثم تمضي بقية ساعات الظهيرة في لعب الدومينو. مع حلول المساء، كانت تقطع حديقة منزلها جيئةً وذهاباً، وهي تعبث بمسبحة الصلاة بأصابعها، في انتظار عودة زوجها.
إلا أنه لم يكن يعود للمنزل إلا بعد انتصاف الليل، حين كان صوت محرّك سيارته المرتفع يختطفنا من أعماق أحلامنا.
في أيام الآحاد، كنا نلعب بجوار البحيرات. هناك اثنتان: واحدة زرقاء، والأخرى خضراء. كانوا يسقون البحيرة الخضراء «آكلة البشر».. اذ كانت تتعدّد بها حوادث الغرق.
قال الناس ان العشاق اليائسين، والزوجات التعيسات، كانوا يتعمّدون الذهاب إليها لمنحها حيواتهم البائسة.
نلعب عادة بجوار البحيرة الزرقاء، ونسبح- أحياناً- في مياهها، التي تصل إلى آذاننا تقريباً، رغم ان ذلك كان ممنوعاً علينا. إلا أننا لم نكن تخشى الإصابة بالتيفود او الدفتيريا.
اسمي «قمْران». عمري تسع سنوات. عيناي رماديتان، وبشرتي شديدة السُمرة. تأتي «نورية» إلى هنا بصحبة أولاد ابن عمتها» «ماهنور» التي تماثلني في العمر، و«ميهريار» الذي كان في الثامنة. انهما أقاربي أنا أيضاً.
في بعض الأحيان، كان «باس»- شقيق «تشاند»- ينضم إلينا. كان فتى في الثالثة عشر.
«نورية» في الحادية عشر من عمرها. تجلس على الضفة المغطاة بالعشب، تضع عقوداً من الزهور، وهي تغني:
أنا ذاهبة لألاحق ظلال الأصداء
في البلد التي تغني فيها الفراشات
– يا أم الأسنان المدببة.. والشعر الأشعث.. أنفك متسخ ورائحتك كريهة جداً. يا أم الأقدام المفلطحة السمينة.. من سيتزوجك يا «نورية»؟
– أنا سأتزوج «نورية».
– ألبسوا العريس ثيابه إذن، وزينوه بالذهب، فقد جاءت عروسه شبيهة الفيل.
يمرّغون وجهي بالطين، وشعر «نورية» كذلك، ثم يدفعونها إلى الماء. أتبعها. لحصوات البحيرة ملمس الرخام الناعم تحت أقدامنا.
كان لـ«ميهر تاج» أخ. يظن الجميع ان «علي زامين» قد توفي. لكن الحقيقة انه قد اختفى فجأة ذات يوم، تاركاً خلفه ابناً وابنة، وزوجة شقراء بعينين واسعتين.
سمعنا انها كانت في الأصل فتاة هندوسية، تخلى عنها أهلها حين عبروا الحدود إلى الهند، عقب الانفصال.
قابلتها العمّة «ميهري» في أحد المخيّمات، من خلال عملها الخيري في مساعدة النساء الفقيرات والأطفال غير المرغوب بهم. حين قالت الفتاة انه ليس لديها مكان تذهب اليه. اصطحبتها العمّة الى منزلها، وجعلتها رئيسة للخدم، إذ بدا واضحاً انها كانت قد تلّقت قدراً لا بأس به من التعليم.
غيرت العمة اسم الفتاة إلى «سادية».
رأى «علي زامين»، الذي كان قد عاد منذ فترة قصيرة من «حيدر آباد»، الفتاة في منزل شقيقته. وقع في هواها منذ اللحظة الأولى. ثم تزوجها.. رغم معارضة «ميهري» الشديدة.
بعد أعوام.. عقب ان اختفى ذات ليلة، دقّت «سادية» أبواب «ميهري» طلباً للمساعدة. قالت انها قد وجدت لنفسها عملاً كموظفة في احدى شركات الطيران، وانها قد ألحقت ابنها بمدرسة داخلية للبنين؛ إلا انها بحاجة إلى من يتولّى رعاية ابنتها، إذ ليس بمقدورها ان تتحمل مصاريف نفسها، والطفلين معاً.
لم نفهم أبداً لماذا رفضت العمة «ميهري» أن تتولى رعاية الطفلة. كانت تقيم بمفرها في ذلك البيت الكبير، وكان وجود الصغيرة معها سيسليها بطبيعة الحال.
ولم نفهم ايضا لماذا طلبت أم البنت أن تذهب بها إلى «تشاند»، وبخاصة ان العلاقة بينها وزوجة ابنها كانت متوترة جداً، بعد أن أجبرت «ميهري» «تشاند» على إجهاض حملها الثالث، وأشاعت ان الجنين كان نتيجة علاقة عابرة مع عاشقٍ ما.
عقب تلك الحادثة، توسلت «تشاند» لـ»طاهر» ان يغادرا مملكة والدته، ليعيشا في المنزل الذي بنته في الطرف الآخر من المدينة.
وافقت «تشاند» على أخذ ابنة «سادية»، وقامت بتربيتها مع طفليها «ماهنور» و«ميهريار»واكتفت البنت بالعيش في الظل.. بهدوء، وحرصت على المساعدة في الأعمال المنزلية الخفيفة، وكانت تذهب إلى احدى المدارس الخيرية القريبة من المنزل، حيث تعلمت الحياكة والطهي، وتسجيل الحسابات بخط منمق جميل.
مع مرور الوقت، استحال الاسم البراق الذي منحه لها والدها: «نور أفشان»- أو «ناثرة النور» إلى اسم عادي ..«نورية».
– هل يمكنك حقا سماع غناء الفراشات، يا «نورية»؟
– أحياناً..
– إلى أي مدى يمكن ملاحقة الصدى، يا «نورية»؟
– إلى الحد الذي تسمح به أنفاسك.
– هل ستتزويجينني حين نكبر؟
– يا لك من ولد سخيف! انتظر وسوف نرى..
– أرجوك..
– سأفعل، إن كنت تريد مني ذلك.
على شاطئ البحر، تجلس «نورية» على الرمال البيضاء المبللة. تغمر أصابع قدميها في الماء، وهي تراقب رذاذ الأمواج المتلاطمة. تستمع إلى البحر وهو يغني. تظن أنه يحمل لها رسائل مكتوبة على أمواجه. يقول لها البحر أن عريساً ينتظرك. وجهه مغطى بالزهور. جسدها مثقل بالمجوهرات الذهبية، حتى توشك على الإغماء. يسكبون الحليب على قدميها.. تستيقظ كل صباح على فراشٍ من الفضة.
أحمل لها أصدافاً شفيفة، ونجمة بحر ميتة، وقوقعة كبيرة لتضعها على أذنها قبيل نومها كل ليلة، فتترنم لها بأغنيات البحر.
في الأفق الرمادي البعيد، يبحر شراعٌ وحيد. ألوانه تجمع بين الأحمر والأزرق والأصفر.
للخالة «تشاند» صديقة عراقية سمينة، اسمها «فرخندة». يمكنها قراءة الطالع عن طريق التمعن في أوراق الشاي المتبقية في قعر الأكواب، وبقايا البن المترسبة في فناجين القهوة.
الجو غائم اليوم إلا أن شهر مايو شديد الحرارة للدرجة التي تجعل مياه البحر تقترب من الغليان، ونكاد نتمنى لو أننا لم نخرج.
تستلقي السيدات على كراسي الشاطئ الطويلة. يدخنَّ سجائر بنكهة النعناع، ويحتسين أكواباً من القهوة المحلاة بالحليب المكثف.
تنادي «فرخندة» على «نورية» ، الغارقة في أحلامها مع مياه البحر:
– تعالي يا صغيرتي ، دعيني أخبرك من ستتزوجين..
تقول «تشاند»، كما يردد أطفالها عادةً: «من سيتزوج نورية؟». وتضيف: «إنها عديمة الجمال».
تصيح «فرخندة» باستنكار، وهي تتأمل قوام الفتاة الطويلة ذات الخمسة عشر عاماً: «عديمة الجمال؟!.. تردف: «إنها رائعة».
توجه كلامها للفتاة: «تعالي واجلسي هنا واعطني كفك. نعم.. هكذا.. ارى رجلاً طويل القامة. بشرته سمراء يحمل مسدساً في يده. انه يحارب من أجل وطنه. جندي شجاع..».
تقاطعها «تشاند»: «لا تزرعي الأفكار السخيفة في رأس البنت».
هنا.. يمكنني أنا ان أخبرك بما حدث بعد ذلك، فقد كنت أراقب الموقف، وأنا أسبح على مقربة من الشاطئ:
اقتربت سيارة فخمة ذات نوافذ مغطاة بستائر سوداء، من كوخنا. وثب الرجل الطويل الذي كان يقودها من مقعده، ليفتح أحد أبوابها. خرجت العمّة «ميهري» كفراشة، من شرنقة السيارة المكيفة، المعطرة بروائح الليمون.
بدت أنيقة، وشديدة النظافة.. كعادتها دوماً. ترتدي ثوباً من قماش الـ«جورجيت»، لونه بنفسجي فاتح.
شبكت ذراعها في ذراع الشاب، وسارا معاً باتجاهنا.
قالت لزوجة ابنها، على الفور: «لم أكن اعلم انكم ستستخدمون الكوخ اليوم». ظهر الضيق الشديد في نبرات صوتها، وتكلفت ابتسامة مصطنعة لكن «تشاند» لم تكن تستمع إليها. كانت قد قفزت من مقعدها وألقت بذراعيها البيضاوين الرائعين حول رقبة الشاب السمراء.
كان الشقيق الأصغر لزوجها «ماهر».
رفعها بذراعيه، ودار بها، وانطلقا يقهقهان.
راقبت وجه «نورية». انفرجت شفتاها المرتعشتان، فظهرت أسنانها اللامعة، ألقت رموشها الكثيفة بظلالها على خدّيها.
بدت كما لو كانت في غيبوبة.. أو انها – فقط – مستغرقة في دعاء حار.
– أين يمكنك سماع الفراشات وهي تغني يا «نورية»؟
– يا لك من ولد سخيف!.. كيف لي ان أعلم؟!
– كم يبلغ طول ظلال الأصداء يا «نورية»؟
– في طول أنفك القبيح يا غبي..
– ألن تتزوجيني يا «نورية»؟
– ألم تسمع ما قالته الخالة «فرخندة»؟ سأتزوج جندياً يحمل سلاحاً.
– سأصبح بطلاً من أجلك. سأشتري مسدساً.
– سخيف!
– أعيدي إذن نجمة البحر، وأصدافي كذلك.
في السابعة عشر، تتحول «نورية» إلى كائن حسي جذاب، رغم ضفيرتيها الطويلتين المليئتين بزيت الشعر، ورغم الثياب القطنية القديمة غير المكوية. تمضي وقتاً طويلاً في قراءة الروايات العاطفية ذات الاغلفة الزاهية اللامعة، والتي تدور كلها حول فتيات يدعين «نائلة» أو «رمانة» .. يتيمات أو فارقهن أهاليهن بعد الانفصال، لا يتوقفن عن سكب الدموع إلى أبناء أعمامهن الذين يحاربون من أجل أرضهم وأمتهم.
تزوج «ماهر». اقترن بفتاة انجليزية من «إلفورد». قابلها في «البار» الذي يملكه والدها.
أحضرها لبلده لتقابل أسرته. اسمها «بريندا». بدا واضحاً انها حامل في شهورها الأولى.
تستقبلها «ميهري» ببرود شديد.. تزودنا بتعاليم تتبعها اذا ما اضطررنا للتعامل معها؛ كأن نتعمد اشعارها بأنها كائن شديد الغرابة والاختلاف، عند الحديث معها.
لم نبذل أي مجهود لحملها على الشعور بذلك.. فثيابها المصنوعة من النايلون الرخيص فاقع الألوان – والتي قامت «ميهري» باهدائها لها- إلى جانب بشرتها التي تحولت إلى اللون الأحمر، تحت شمس يونيو الحارقة، ولهجتها الانجليزية القحّة، والتي فشلت معها في نطق أسماء أفراد العائلة، وبخاصة المركبة منها.. كانت جميعها أسباباً كافية لجعل الفتاة المسكينة تبدو كمخلوق عجيب، لا ينتمي للمكان بتاتاً.
كنا – جميعاً- موقنين بان هذه الزيجة لن تستمر طويلاً، ففضائح «ماهر» وعلاقاته الجريئة المتعددة، قبل سفره، كانت أسطورية.
فقد قامت الأسرة بتسفيره أصلاً بعد أن تعرض لضرب مبرح، مرتين، من أصدقاء له، بعد قيامه بالاستيلاء على قلوب ومشاعر حبيباتهم. كما كان قد تلقى تهديداً بالقتل من أحد الأزواج المخدوعين.
بعد ذلك.. سمعنا أن «ميهري» قد وعدت عروس ابنها بمبلغ مالي ضخم شريطة أن تعود لبلدها. ولمّحت الحماة لكنتها بأنها يمكنها أن تفتح لنفسها «بارا» خاصا لها، بتلك الأموال.
رفضت المرأة العرض بكبرياء، وسرعان ما غادرت مع زوجها.. عائدين إلى انجلترا.
استقرا- كما بلغنا- في «اسكس»؛ حيث عمل «ماهر» ، متسلحاً بشهادته من جامعة «كامبردج»، كمحاسب قانوني.
ذاك العام، كنا جميعاً مغرمين بفكرة الحب. لم نعد نستمع إلى الأغاني الأجنبية، بل بدأنا في الاستمتاع بصوت «ظاهرة سيد» وهي تتغنى بعبارات الوجد والأشواق. وأصبحنا نحفظ أبياتاً من أشعار «فايز»(1) الغزلية.
كان ذلك عامنا الأخير، قبل أن نغادر إلى جامعاتنا الانجليزية. كان من المقرر أن تدرس «ماهنور» الفلسفة في «كامبردج»، وان يدرس «مهريار» الاقتصاد في لندن. كما صمم أبي ان ألتحق بكلية الحقوق. أما «نورية» فكانت ستبقى مع «تشاند»، وأعلنت أنها ستصبح خياطة.
تتفتح الأزهار البيضاء على سيقانها المتسلقة لجدار منزلنا، تأتي «ميهري» لتلقي عليها نظرة.
يتوسط السماء قمر أحمر ضخم، كمشكاة زجاجية.
تدلف «نورية» إلى الحديقة بثياب بيضاء ناصعة.. كحورية في لوحة فنية.. تحمل صينية تفترشها زهور النرجس، تعلوها كؤوس شراب الورد وأطباق متنوعة من الحلوى.
تنافس في بهائها الزهور البيضاء والقمر المضيء.
«ميهري» التي لم تبتسم في وجه ابنة شقيقها قط، ولم تقل لها كلمة طيبة أبداً.. راحت الليلة تتمعن فيها، كمشترٍ يختار عجلاً في سوق الماشية.
عقب مرور شهر رمضان، حين استحال القمر إلى هلال من الفضّة.. عاد «عباس» شقيق «تشاند» من أكاديميته العسكرية، ليمضي العيد مع أسرته. يدندن بأغاني الأفلام، ويلبس قمصاناً ملونة ضيقة ذات ياقات طويلة مع بنطلونات واسعة الساقين.. ترفرف في الهواء حين يقفز عن دراجته النارية. شعره قصير، لأنه جندي.
نظرة واحدة منه إلى «نورية» ، التي ترتدي ثياب «تشاند» الفخمة القديمة، بشعرها البني وبشرتها الذهبية، وأردافها العريضة.. تغرقه في بحر الاشتياق العاصف.
كان قد بدأ يذوب توقاً اليها، منذ ان رآها تسير على الجمر في شهر محرم الماضي.
يقول «عباس»: تبدو كفتاة تتقن الأعمال المنزلية، أجزم أنها تجيد الطهي ترد «تشاند»: وجودها يريحني. انها ابنتي الثانية. مزاجية أحياناً. لكنها تستطيع بكل تأكيد.. أعني تستطيع الطهي.
– هل هي مخطوبة؟.. كنت أتساءل ما اذا…
ظننا، في بادئ الأمر، أن «تشاند» ستعارض، وأنها لن تقبل أن تستحوذ أخرى على مشاعر أخيها. لكنها – على العكس من ذلك- توافق على الفور. تنصح شقيقها ، فقط، بالانتظار لعام أو اثنين قبل الزواج، لأنه وعروسه لا يزالان صغيرين. تطلب منه ان يعود بعد شهر أو شهرين ومعه خاتم الخطبة.
حين يسألون «نورية» عمّا إذا كانت توافق على الخطبة، تومئ برأسها في صمت وقد ثبتت عينيها العسليتين على أصابع قدميها المصبوغتين بالحنّة.
يعود «عباس» بخاتم من الذهب، مرصّع بالياقوت.
تردّد ألسنة بعض الجيران الخبثاء: «حين ينظر طاهر» إلى ابنة خاله الصبية.. فان النيران تتأجج في عينيه. و«تشاند» تخشى غريمتها.
تبدأ «نورية» في الإعداد لجهاز عرسها. تجلس بهدوء يكاد يثير الملل فيمن حولها لتثبت المرايا الصغيرة وحبّات الخرز البرّاقة على أوشحتها، وتخيط الشرائط المذهبة العريضة على أطراف أثوابها، وتطرز وروداً بالخيوط الملونة على فوط السفرة وأغطية الوسائد.
تواظب على أداء الصلوات.
«عباس» وريث ثروة طائلة، نغيظها بالقول أنها ستصبح عمّا قريب زوجة غنية وبدينة، تتزين بالكثير من المجوهرات الضخمة.
حين تأتي «فرخندة» للزيارة، تسأل «نورية» ان كان «عباس» بطباعه اللطيفة الهادئة هو من تريد حقاً..
تجيب الفتاة: انها رغبة الخالة «تشاند». لقد فعلتْ الكثير من أجلي. انه النصيب وإرادة الله، بلا شك. ثم انك انت من أخبرني بأنني سأتزوج جندياً.
أتغنى لأغيظها: أين ذهب بطلك الشجاع يا نورية؟.. بعيداً.. بعيييداً..
– خمّن ماذا أفعل الآن يا «كامي»؟
– ماذا يا «نورية»؟
– أنصت إلى غناء الفراشات، ويخيل اليّ أنني سمعت صدى الظلال أيضاً.. هل ترغب في أن تأتي معي؟
– ما هذا الهراء يا «نورية»؟!.. غناء فراشات؟!!
– كان من المقرر أن تتزوج «نورية» في شهر نوفمبر. تذكرت العمة «ميهر تاج» صلة القربى فجأة، فأعلنت: «انها ابنة اخي الحبيب رغم كل شيء». لوّحت بأصابعها التي تحتضن سيجارة «سوبراني»، وأضافت: «ستخرج كعروس من بيتي أنا. بيتي هو منزلها الحقيقي.. لأنني الأقرب اليها من بقية أفراد العائلة».
تناست وجود أم الفتاة.
كانت محقة في طلبها بعض الشيء.. فلم يكن من اللائق أن تعيش الفتاة مع خطيبها تحت سقف واحد، قبيل زواجهما.
وافقت «تشاند» على مضض. بررت موافقتها بأنها لا تريد أن تثقل على «سادية» المسكينة بإرسال ابنتها لها، لتعيش معها في حيّ «ناظم آباد» البائس.
رتّبت «نورية» ثيابها وأغراضها في عدة حقائب، وغادرت في سيارة عمتها، التي حملتها إلى الجهة الثانية من كراتشي، لتعيش منها في قصرها المطل على البحر.
لم نستطع أن نتخيلها بعيدة عن «تشاند».. في ذلك البيت الفخم البعيد .. «مدينة الصبّار».
لم نرها ثانية، حتى حلول عيد الأضحى.
كان «ماهر» قد عاد ليزور والدته، دون زوجته غير المرغوب بوجودها، بعد انقضاء ثلاثة أو أربعة أعوام على مغادرته.
بدا شديد الوسامة، بشعره المتموّج الذي يلامس كتفيه.
ألقى بسترته المخملية البنفسجية على ذراعه، وراح يقصّ علينا نوادر وحكايات عن لندن الصاخبة.
كان قد أتى للغداء معنا، مصطحباً والدته و«نورية».
تبدلت «نورية». أحاط شعرها الفاتح، الذي لوّنت بعض خصلاته باللون الذهبي، بوجهها.. بشكل جميل. زينت عينيها بكحل وظلال جفون من اللون الفيروزي. تماشى مكياجها مع ثوبها الأزرق، الذي كشف عن كتفين لامعين وخصر عار، تحت غلالة من قماش الشيفون الخفيف.
همست لها «تشاند» بغيظ شديد: «ما الذي فعلته بنفسك؟!.. تبدين كبغي».
تبدل «ماهر» أيضاً.
أصبح رجلاً مسحوراً.
نجحت الرغبة والشباب، فيما فشلت فيه أموال «ميهري» وخططها اللئيمة.
كالعادة، هناك العديد من القصص والأقاويل التي لا يتوقف الناس عن ترديدها.
تسربت الحكايات من القصر الكبير ووصلت الينا في بيوتنا البعيدة: «ماهر» الوسيم منح قلبه وكل مشاعره إلى ابنة خاله الجميلة «نور أفشان»، انهما معا في كل أنحاء المدينة. لا يفترقان ابداً. يترددان على الفنادق والمسابح، ويخرجان في رحلات إلى الريف، ويذهبان معاً إلى شاطئ البحر.
علّق البعض بان القصة مخزية. وأنه لم يمض وقت طويل على خطبة الفتاة اليتيمة.. فكيف تجرؤ على هذه التصرفات؟
تساءل البعض الآخر: «وماذا في ذلك؟.. وماذا ان كان «ماهر» يكبرها بعشر سنوات؟.. انه لا يزال في الثامنة والعشرين فقط. أمامه عمرٌ بأكمله، وحياة عريضة؟.
كانوا يضيفون: «هكذا كان ينبغي أن يتم الأمر منذ البداية. سيترك زوجته الأجنبية التي لا نعرف لها أصل ولا فصل، ويأتي ليستقر في بلده مع ابنة خاله».
لم نعرف قط كيف اكتشف «عباس» الأمر.
ربما اتصلت به «نورية»، او ربما كتبت له رسالة بخطها الجميل، بعبارات انجليزية رسمية، تخبره فيها بأنها لن يمكنها الزواج منه، وان الحياة قد دفعتها لتغيير خططها. وانها آسفة لاضطرارها للنكث بوعودها له، ولكن لا يمكنها ان تستمر في العيش داخل كذبة.
لكن «عباس» يرفض أن يخبرنا كيف تم الأمر، ويأبى ان يستمع إلى أي كلمة تقال ضدّها.
نقف كلنا في صفّ «تشاند»، ونقاطع «ماهر» و«نورية»، تماماً.
تقود «تشاند» سيارتها باتجاه قصر «ميهري» . كانت – للغرابة الشديدة- في غاية الهدوء.
هناك.. قالت بأنها تفهم جيداً ما خططت له تلك التنين العجوز: انها تستخدم الفتاة اليتيمة كطعم لاصطياد ابنها الحبيب، وإعادته إلى أحضانها، بعيداً عن زوجته الأجنبية.
أعلنت أنها لن تقف مكتوفة الأيدي تراقب ما يحدث. وتساءلت: هل تظن «نورية» أن الحياة مجموعة من القصص الرومانسية البلهاء.. كتلك التي تقرأها في كتب «راضية بات»؟
حذرتها بأنها ستتجرع مرارة الحقيقة، حين يغادرها «ماهر».. راجعاً إلى زوجته.
قالت لـ«نورية» و«ميهري» بأن بإمكانهما الاحتفاظ بكل الهدايا التي أعطيت للفتاة، عدا خاتم الخطبة. تريد استعادته لأنه صيغ من قطعة ذهب خاصة بوالدتها الراحلة.
تساءلت أخيراً: ما الذي فعله «عباس» ليستحق ذلك؟.. وهل هذه هي الطريقة التي تظهر فيها «نورية» امتنانها لكل الحب الذي منحتها إياه على مرّ الأعوام؟
حين ناولت «تشاند» الخاتم إلى أخيها، قال: «كان عليك أن تتركي الأمر لي. كنت سأجعلها ترى الحقيقة، وتدرك بأنها لن تكون أبداً سعيدة مع ذلك الحيوان».
دسّ الخاتم في جيبه، وانطلق على دراجته النارية.
لم يعد ذلك اليوم.
أخبرتنا «تشاند» فيما بعد، بانه حين عاد للمنزل.. قال لها بأنه قد رأى «نورية». لكنه لم يخبرها أين قابلها بالضبط.
ثم انخرط في بكاء مرير.
قالت بأنها لم تره أبداً يبكي بتلك الطريقة. وأكدت بأنه في كل عام يبكي من فرط حبّه للحسين وعباس وقاسم، إلا أن دموعه المنسابة هذه المرّة بدت كما لو كانت ممتزجة بالدم.
«هابيل» و«قابيل». هكذا شعرنا حين بدأت الحرب المفروضة علينا فرضاً. كنا أخوين يتقاتلان، وسينتهي الأمر بوفاة أحدهما.
امتلأت السفن بالصبية الذين تم نقلهم عبر البحر والبر، ليقاتلوا ويحاربوا من أجل أرض لم يروها، وللحفاظ على مجد أمة كان انفصالها مقدراً ومحتوماً.
أخذ «عباس» شرقاً، إلى الحدود البورمية.
تتساءل «تشاند»: لماذا يحملون أبناءنا واخوتنا عبر أراضي الأعداء، ليمنعوا بلداً بعيداً غريباً من تغيير اسمه؟
كرب، وبلاء..
كربلاء..
الأخبار الواردة من الجبهة سيئة. تتحول بعد ذلك إلى الأسوأ.
وصلت البرقية ليلاً:
«يشرفنا أن نبلغكم باستشهاد شقيقكم سيد عباس حيدر».
لم تتصرف «تشاند» كما توقعنا، كأخت بطل، لم تتصرف بهدوء وكرامة؛ بل ارتمت على الأرض وراحت تمزق ثيابها وتشدّ شعرها، وتضرب بيدها على صدرها.
لم تنطق بكلمة. لكننا كنا متأمكدين من انها كانت – في سرّها- تلعن القادة، وحروبهم؛ وتلعن «نورية» المرّة تلو الأخرى، لأنها كانت شؤماً على أخيها الحبيب.
أما «نورية».. فيقولون بأنها حين سمعت النبأ، قامت بكسر الأساور الزجاجية الملونة التي كانت تلبسها، ثم أمضت ثلاث ليال في حجرتها، لا تفعل شيئاً سوى الصلاة.
عقب ذلك، غادرت بيت عمتها، حيث تأتي الأزهار والورود أن تنمو، دون أن تترك ولو رسالة لـ«ماهر». لم تعد إلى «مدينة الصبّار» أبداً، بعد ذلك.
سارت طويلاً، ثم استأجرت عربة حملتها لمنزل «تشاند» كان البيت ممتلئاً بالمعزيات. لم تدخل. كانت تدرك انه لم يعد بيتها. ذهبت إلى أمها وشقيقها.. إلى الحياة التي تركتها منذ تسعة أعوام،الى الشقة القديمة الواقعة على أطراف المدينة.
قال الناس انها كانت حبلى. يؤكدون ان طفلها الأول، الذي نسبته لزوجها، كان في واقع الأمر ابن «ماهر».
قال آخرون بأنها أنهت حملها بعملية إجهاض، مثل «تشاند» قبل كل تلك الأعوام.
كل ما نعرفه انها وافقت على أول خاطب دقّ بابها. تزوجته بعد أسابيع قليلة. سمعنا أنه شيخ كبير وارمل، عثرت عليه أمها في أعمدة اعلانات الزواج بإحدى الجرائد. وقالوا أن لديه عدة أبناء، ولكن تضاربت الأقوال فيما يخصّ عددهم بالضبط.
لم يحضر أيّ منا حفل الزفاف، واكتفى بعضنا بإرسال الهدايا.
عاد «ماهر» إلى زوجته في «إلفورد»، واستقر هناك لسنوات طويلة. ثم اختلفت معه «بريندا» ، فطردته من المنزل، محتفظة بأمواله وبناته. رجع إلى كراتشي ليقيم مع «ميهر تاج». ترك المحاسبة القانونية، وحوّل «بيت الصبار» إلى كلية علمية.
استمرت قطيعة «تشاند» و«ماهنور» و«ميهريار» لـ«نورية» لم يتبادل أي منهم معها كلمة واحدة، حتى بعد وفاة «تشاند»- المفاجئة- قبيل ان تتمّ أعوامها الأربعين.
اختارت «ميهري» اسلوب الصمت والقطيعة أيضاً.
سمعنا، بعد عدّة أعوام، بأن زوج «نورية» قد طلقها، وأعادها إلى منزل والدتها، وانه استولى على جميع مجوهراتها، وأنها واجهت بعد ذلك أياماً طويلة من الشقاء، ناضلت فيها لتربي طفليها دون مساعدة من أحد.
ولكن حين أخبرتُ شقيقتي بأنني أكتب هذه القصة، تذكرت ما يلي:
قبل عشر سنوات، كانت في نادي السند(2) ظهيرة أحد أيام شهر ابريل. وفيما كانت تلاحق ابنتها الصغيرة ذات الأعوام الثلاثة، استوقفتها يد لمست كتفها. التفتت لترى امرأة في اواخر الثلاثينيات. أنيقة، شقراء، تتحلى بقطع قليلة من المجوهرات. سألتها المرأة: «ألا تتذكرينني؟».. أضافت: «أنا قريبتك.. نور أفشان.. نورية». احتضنتها وقبّلتها. وقبل أن تقترب سيارتها التي يقودها سائق من مدخل النادي، قامت بتعريف أختي إلى زوجها. تتذكر أختي انه رجل وسيم، يكبر «نورية» بسنوات قليلة فقط.
لم يكن – كما تناقلت الألسنة- أرملاً، بل مطلقاً فقط، أمضى أعواماً في دبي، لكنه لم يطلقها قط، أو يرسلها إلى منزل أمها.
قالت أختي أيضا أن شخصية «نورية» في ذلك اللقاء ذكرتها بأحد آخر.. لكنها- هي نفسها- لم تستطع تحديد ذلك الشخص.
أحلم أحياناً انني في مكان «عباس»: أنا الشخص الذي ترفضه «نورية». تأتي إليّ. وجهها شديد الشحوب، ومغطى بالدموع. تجلس على الأرض في الحديقة. تمسك بيدي. تطلب مني أن أسامحها، وان نظل أصدقاء .. كما كنا منذ طفولتنا.
تضع يدي على خدّها المبلل. تذكرني بأغنيات الفراشات، وبالأصداء والظلال, لكنني أنظر إليها بجمود، ثم أشيح بوجهي عنها.
أقول بصوت غير مسموع: «سامحيني يا نورية. انا لا أفهم مثل هذه الأمور. انني صغير جداً. لا يمكنني أن أستمر في صداقتك». ثم انطلق في الليل على دراجتي النارية بسرعة. أتوجه إلى الشاطئ. أترك دراجتي هناك، وأخوض في أمواج البحر.
هكذا يعرف رجال الشرطة أين يبحثون عن «عباس» بالضبط، حين يشاهدون دراجته الملقاة على الشاطئ. وبعد عدّة أيام، يخرج الصيادون جسده من الماء. كانت ملامحه قد تشوّهت وتآكلت. كان خاتم «نورية» لا يزال مستقراً داخل جيبه.
ذه قصة أخرى، لم يذهب فيها «عباس» إلى الحرب. لأنه لم يستطع أبداً أن يفهم أسبابها ودوافعها.
هذه هي القصة الحقيقية، في الواقع، لكن نهايتها باردة وكئيبة. وأنا رجل حرفتي القصّ والحكي؛ لذلك اخترت أن أجعله بطلاً حربياً.. لا ولداً ساذجاً يتباكى على حبّه الضائع، ويمنح حياته للبحر.
هل تشعر، مثلي، بالمياه المالحة تنساب عبر هذه الصفحات؟
الهوامش
1- فايز أحمد فايز: شاعر أوردو باكستاني (1911- 1984)- المترجمة.
2- ناد اجتماعي في كراتشي، تأسس عام (1871).
] ولد «عامر حسين» في مدينة كراتشي بباكستان عام 1955. انتقل إلى لندن عام 1970. يدرس مادة الكتابة الابداعية في جامعة ساوثاميتون.
من أعماله : «مرآة للشمس»، «هذا الملح الآخر» ، «أرق» ، «تركواز»، كما أصدر كتاباً بعنوان «كاهاني» وهي مجموعة قصصية لعدد من الكاتبات الباكستانيات.
للكاتب الباكستاني: عامر حسين(]) ترجمة: ريم داوود
مترجمة من عُمان