1- الكلام ومسألة التسمية
يتميز علم الكلام ضمن نسق العلوم الإسلامية بكونه من أكثرها اعتمادا على طرق المجادلة. فقد انصرف لكلام الله بالنظر والاستدلال، فارضا منهجه العقلي حتى على المتشددين من التكلم في مسائل ذات الله وأفعاله. فاضطروا للخوض في مسائله مكيفين منهجهم النقلي مع أساليب المحاجة والبرهنة، وبخاصة عند المتأخرين منهم.
ويتأكد الأس الجدلي لعلم الكلام في تعريفاته الكثيرة التي تضمنت في حدودها ذكر موضوع الكلام ومنهجه ومقاصده. فحصرت موضوعه في ما صرح به «واضع الملة»، ومنهجه في الاستدلال على صحة ذلك، ومقاصده في نصرة كلام الله ودحض حجج المخالفين. ومن هذه التعاريف، ما أورده الفارابي في كتابه «إحصاء العلوم» بقوله: «وصناعة الكلام ملكة يقتدر بها الإنسان على نصرة الآراء والأفعال المحدودة التي صرح بها واضع الملة، وتزييف كل ما خالفها بالأقاويل»(1) .
وأورد الإيجي تعريفا قريبا من تعريف الفارابي، قال فيه: «والكلام علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية، بإيراد الحجج، ودفع الشبهة، والمراد بالعقائد ما يقصد به نفس الاعتقاد دون العمل، وبالدينية، المنسوبة إلى دين محمد (ص)، فإن الخصم وإن خطأناه لا نخرجه من علماء الكلام»(2).
وإذا كان هذان التعريفان لا يعيِّنان الطرف المصيب في إثبات العقائد من الطرف صاحب الشبه والأقوال الزائفة، فإن ابن خلدون لم يتردد في ذلك، فعين المصيب في أهل السنة، والمنحرف في من سماهم بالمبتدعة، وكأن الفرق التي وضعت أصول الكلام وجادلت أهل السنة، غير متكلمة. يقول ابن خلدون معرفا علم الكلام: «هو علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنة، وسر هذه العقائد الإيمانية هو التوحيد»(3).
ومن المعلوم أن التوحيد مثل أهم موضوع في الكلام الاعتزالي، حتى سمي أصحابه بأهل العدل والتوحيد، بل حتى سمي علم الكلام نفسه بعلم التوحيد والصفات، مثلما سمي بأصول الدين والفقه الأكبر وعلم النظر والاستدلال(4) بناء على موضوعه أو منهجه.
وهناك تعريفات أخرى للكلام تحدده بموضوعه لتفصل بينه وبين العلوم الأخرى الناظرة في الإلهيات، منها تعريف الشريف الجرجاني له بقوله: «علم يبحث فيه عن ذات الله وصفاته وأحوال الممكنات من المبدأ والمعاد على قانون الإسلام»(5). فذِكره «قانون الإسلام» فصلٌ لعلم الكلام عن الفلسفة التي تبحث بدورها في ذات الله وصفاته من غير تقيد بقانون الإسلام ضرورة. وقد أرجع القاضي الأرموي كل مباحث علم الكلام إلى موضوع البحث في ذات الله من حيث صفاته وأفعاله الدنيوية والأخروية وأحكامه فيها(6)، أي أن موضوع الكلام هو أصول الدين الإسلامي وما تقتضيه نصرتها من رد على المخطئين في فهمها من أصحاب المقالات والطاعنين فيها من أهل النحل والأهواء.
وقد حدد القاضي عبد الجبار في (المغني)، أصول الدين في التوحيد والعدل، لجمعهما بين التكلم في ذات الله وأفعاله وأفعال العباد. لكنه في «مختصر الحسنى»، جعلها أربعة، مضيفا للأصليين المذكورين، أصلي النبوات والشرائع، وإن تفرع الأصلان الأخيران من العدل. لكنه في كتابه «شرح الأصول الخمسة» ثبت أصول الدين في الأصول الخمسة التي أخذ بها المعتزلة وهي التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(7). والثلاثة الأخيرة منها، يمكن إرجاعه للتوحيد. لأن وصف الله بالعادل، يترتب عليه الحديث عن فعله، وعن فعل العبد في تعلقه بفعل الله أو انفصاله عنه، بما يقتضيه ذلك من ذكر لصفات الله وأحكامه.
وإذا كان موضوع البحث في علم الكلام، هو ذات الله وصفاته وأفعاله، فما موقع الكلام ضمنه، ولماذا نخوض في موضوع إيماني اعتقادي؟ إن دافعنا لذلك هو أن هذا العلم يحمل مصطلح «كلام» في تسميته. ثم إنه بعد هذا علم في «الكلام»، ماهيته وماهية المتكلِّم به. أما الأصول المذكورة فمتصلة بالكلام مبنية عليه، لأن «علم الكلام» مادام علما على «قانون الإسلام»، فإن قانون الإسلام هو كلام الله، سواء أنظر إليه في ماهيته، من جهة صفاته وأعراضه، أم نظر إليه في محتواه، أم نظر إليه في صيغه من خبر وأمر ونهي، أم في تحققه في النص المتمثل في القرآن. ولذلك سمي هذا العلم بالكلام وعلم الكلام، «إما لأن أظهر مسألة تكلموا فيها وتقاتلوا عليها هي مسألة الكلام، فسمي النوع باسمها، وإما لمقابلتهم الفلاسفة في تسميتهم فنا من فنون علمهم بالمنطق، والمنطق والكلام مترادفان»، كما ذهب إلى ذلك الشهرستاني (ت 548هـ)(8).
ويعلل الإيجي تسمية «علم الكلام» بأسباب مماثلة بقوله: «إنما سمي كلاما إما لأنه بإزاء المنطق للفلاسفة، أو لأن أبوابه عنونت أولا بالكلام في كذا، أو لأن مسألة الكلام أشهر أجزائه حتى كثر فيه التناحر والسفك فغلب عليه، أو لأنه يورث القدرة على الكلام في الشرعيات ومع الخصم»(9).
لكن القاضي عبد النبي الأحمد نكَري نسب للتفتزاني تعليلا آخر، حجته أن علم الكلام «أول ما يجب من العلوم التي إنما تعلم وتتعلم بالكلام. فأطلق عليه هذا الاسم لذلك، ثم خص به ولم يطلق على غيره تمييزا»(10).
والأرجح عندنا أن علة تسميته بالكلام وعلم الكلام، راجعة لاشتهاره بالخوض في موضوع كلام الله تحديدا. أما التعليلات الأخرى فليست مقنعة لاشتراكه فيها مع علوم أخرى، تخوض في موضوع الكلام عامة كالمنطق، أو كلام العربية كالنحو، أو كلام الله من جهة الاستدلال به على الأحكام الشرعية مجملة، وهو أصول الفقه.
وعلاقة الكلام بالفلسفة كعلاقته بالفقه تشمل موضوعه ونشأته، بل منهجه أيضا. وإذا كان بعض المعاصرين ناقش الموضوع من زاوية أصالة علم الكلام ونشأته الإسلامية(11)، فإن آخرين أدرجوه ضمن الحقل الفلسفي عامة، بأن ميزوا في الفلسفة الإسلامية، بين جانبها اليوناني، وجانبها الذي سار على «قانون الإسلام»، وإن أخذ في فهمه وتفسيره لذلك القانون بأصول النظر اليوناني، أو طوره بناء على مجادلاته الثقافية والفكرية عامة(12).
وإذا كان علم الكلام قد تأثر في بدايته بالديانات والملل الأخرى كما يتجلى ذلك في آراء الشيعة والخوارج خاصة(1)، فإن تأثره بالفلسفة اليونانية بعد ترجمتها في عهد المأمون بالذات، هو الذي مثل نقلة حقيقية في درجة استخدامه لمناهج الاحتجاج والاستدلال العقلي، وبخاصة عند المعتزلة. وقد أشار عدد من القدماء إلى تأثر المعتزلة بالمنطق والفلسفة، كالشهرستاني الذي قال عنهم في معرض تتبعه لتاريخ علم الكلام: «ثم طالع بعد ذلك شيوخ المعتزلة كتب الفلاسفة، حين فسرت أيام المأمون، فخلطت مناهجها بمناهج الكلام، وأفردتها فنا من فنون العلم، وسمتها باسم الكلام»(14). كما قال عن النظام: «وقد طالع كثيرا من كتب الفلسفة وخلط كلامهم بكلام المعتزلة»(15).
ويتضح من رأي الشهرستاني أن المعتزلة هم مؤسسو هذا العلم ومسموه بعلم الكلام. كما يتبين منه أن الفلسفة اليونانية كان لها تأثير كبير فيه. وقد استغل عدد من المتكلمين القدماء والباحثين المعاصرين علاقة علم الكلام بالفلسفة للطعن فيه وفي أهدافه، كما يتبين من رأي محمد محيي الدين عبد الحميد في مقدمة نشره لكتاب «مقالات الإسلاميين» إذ يقول: «كان المعتزلة أول من استعان بالفلسفة اليونانية واستقوا منها في تأييد نزعاتهم. فأقوال كثيرة من أقوال النظام وأبي الهذيل والجاحظ وغيرهم، بعضها نقل بحت من أقوال فلاسفة اليونان، وبعضها يستقي من نبعه ويغترف من معينه بشيء من التحويل والتعديل(16).
ما قاله محمد محيي الدين لم يكن من باب الوصف التاريخي، بل من باب الطعن في المعتزلة، فهو يقتدي في ذلك بعامة أهل الحديث والسنة الذين طعنوا في الفلسفة وفي المعتزلة مبررين بذلك دعواهم إلى عدم الاحتكام للعقل في الأمور الاعتقادية.
ودفْعُ أئمة السلف والحديث للكلام راجع إما لخوفهم من أن يكون الاحتكام للعقل مصدرا لإثارة شبه تزلزل العقائد، أو لتعجيزهم قوى البشر عن إدراك الحقائق. فلهذين السببين أرجع ابن الجوزي «نهي الشرع عن الخوض فيما يثير غبار شبهة، ولا يقوى على قطع طريقه إقدام الفهم»، مستندا في ذلك إلى أقوال ابن حنبل والبخاري وابن المبارك وعبد الله الحنظلي والدارمي ومن والاهم(17). وكان لغير هؤلاء من أئمة الحديث والسنة آراء مماثلة نقلها أصحابهم كالمنقول عن الشافعي ومالك(18).
غير أن بعض «متعقلتهم» من الذين فطنوا إلى أن الاستدلال العقلي نافع في الانتصار للملة، انتقلوا إلى موقف مغاير يذم ويحرم «كلام» المسمين عندهم بالمبتدعة، ويبيح «الكلام» المناصر لمذهبهم الموافق للكتاب والسنة حسب فهمهم لهما. ومن هؤلاء ابن عساكر الذي استدرك بعد أن ذم «الكلام» بقوله : «فأما الموافق للكتاب والسنة، الموضح لحقائق الأصول عند الفتنة فهو محمود عند العلماء». وهو رأي البَيهقي أيضا(19).
وقد ذهب ابن تيمية أيضا، في إطار مراجعته و«تشذيبه» لبعض المواقف المغالية لـ «رافضة» السلف، إلى القول: «والسلف لم يذموا جنس الكلام، فإن كل آدمي يتكلم، ولا ذموا الاستدلال والنظر والجدل بما بينه الله ورسوله، بل ولا ذموا كلاما هو حق. بل ذموا الكلام الباطل، وهو المخالف للكتاب والسنة، وهو المخالف للعقل أيضا»(20). مع العلم أن إطلاق الحكم في ذم الكلام وتحريمه ثابت عن السلف، كما أن نسبة الباطل لأحمد بن حنبل وأصحابه ثابت أيضا عند مخالفيه ممن رأوا أن قولهم هو المطابق للكتاب والسنة، لا قول أحمد وأصحابه.
فمسائل المتكلمين اختلفوا فيها وتقاتلوا بسببها بالمجادلة والسيوف. وكثيرون منهم حكموا بالكلام وقتلوا بسببه. وفي سير المتكلمين وتراجمهم الواردة في كتب الطبقات والتراجم والفرق والمقالات والملل والنحل، أمثلة عديدة لذلك. يقول الشهرستاني: «والمعتزلة وغيرهم من الجبرية والصفاتية والمختلطة، منهم الفريقان من المعتزلة والصفاتية، متقابلتان تقابل التضاد. وكذلك القدرية والجبرية، والمرجئة والوعيدية، والشيعة والخوارج. وهذا التضاد بين كل فريق وفريق، كان حاصلا في كل زمان. ولكل فرقة مقالة على حيالها، وكتب صنفوها، ودولة عاونتهم، وصولة طاوعتهم»(21).
وقضايا الكلام وإن كان مجملها اعتقاديا، فإن مرجعيتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية قامت بدور كبير في تأويلهم للقرآن وتفسيره، وفي حديثهم عن ذات الله وصفاته وأفعاله. فقضايا مثل القضاء والقدر والعدل والمنزلة بين المنزلتين والوعد والوعيد وعصمة الأنبياء واللطف الإلهي والكسب والاستطاعة والطاعات والمعاصي، لم تناقش بمعزل عن أفعال العباد وتنازع مصالحهم وتقاتلهم حول مآرب العاجلة. وإن كان أقوى موضوع سياسي خاضوا فيه هو موضوع الإمامة.
كانت هذه الصراعات المذهبية والسياسية عاملا حاسما في موقف القدماء من علم الكلام عامة. بحيث اتخذ الموقف منه طابعا فكريا وثقافيا ودينيا، بين من يرفضه ومن يتبناه. واستغل عدد من النقليين، من فقهاء ومحدثين محنة ابن حنبل، لتكفير أهل الكلام وبخاصة أنصار العقل منهم. واستدل كل طرف على صواب موقفه بالقرآن والسنة مكفرا الطرف الآخر. وكان في مقدمة الرافضين فقهاء أهل السنة وأهل الحديث. أما دعواهم ـ كما ذكرنا ـ فهي أن الكلام بدعة، لأن الخائض فيه خارج عن طريق الصحابة والسلف، وأن الصواب هو التمسك بما صدر عنه السلف، وبالقرآن والسنة والجماعة(22). ويرد القاضي عبد الجبار هذه الدعوى بأخرى، يقرر فيها أن معرفة الله وتوحيده وعدله، ليس طريقها هو التقليد بالخبر. لأن الباطل فيه كالحق، بل طريق أدلة العقل، لأن معرفة الله واجبة من جهة العقل، «فإذا كان المتكلم إنما ينبه على هذه الأدلة، ويبطل الشبه الواردة فيها، فكيف يصح الطعن في ذلك؟»(23).
بيد أن نقليي السنة حاربوا العقل. بل عدوا مجرد الكلام في القرآن بدعة يشترك فيها السائل والمجيب(24). ثم تعدوا ذلك إلى التكفير. وخاصة تكفير القائلين بأن كلام الله مخلوق. فكفرهم ابن حنبل ومالك والشافعي وغيرهم، فضلا عن الأشاعرة، وأبطلوا صلواتهم وإمامتهم بحجة أنهم زنادقة مبتدعون فاسقون وأهل أهواء، لا تقبل شهادتهم(25).
ويرتد قول الأشاعرة لرأي شيخهم أبي الحسن الأشعري. فقد قال في كتابه «الإبانة عن أصول الديانة»: «من قال بخلق القرآن فهو كافر»(26). وقد أورد الدارمي (ت 280 هـ) وهو صفاتي نقلي، عدة أقوال لرافضة العقل من أهل السنة وفقهائهم ورواتهم، وأدرجها ضمن باب سماه «باب قتل الزنادقة والجهمية واستثابتهم من كفرهم»، كأقوال حماد بن زيد وابن المبارك ووكيع ويحيى بن يحيى وابن حنبل وأبي توبة وإبراهيم بن سعد ومالك بن أنس وغيرهم ممن ذكرهم في الباب المذكور أو في «باب الاحتجاج في إكفار الجهمية».
ويلاحظ أن الفقهاء والمحدثين المذكورين لما لم يجدوا في القرآن والسنة ما ينطبق على القضايا الكلامية الحادثة التي كفروا أصحابها بسببها، لجأوا لتأويل ظاهري لمعاني النصوص القرآنية والحديث لكي تستجيب لدعواهم. كتأويل مالك لقول الرسول الكريم: «من غير دينه فاضربوا عنقه»، بأن معناه «أن من خرج من الإسلام إلى غيره مثل الزنادقة وأشباهها، فإن أولئك يقتلون ولا يستثابون، لأنه لا تعرف توبتهم، وأنهم قد كانوا يُسِرُّون الكفر ويعلنون الإسلام… وأما من خرج من الإسلام إلى غيره، وأظهر ذلك فإنه يستثاب، فإن تاب وإلا قتل(27)».
ومن المعروف أن الزندقة صفة أطلقت على مخالفي الجماعة، بصرف النظر عن صحة دينهم. وقد عممت على أهل العقل والمنطق والفلسفة من طرف النقليين الذي تعسفوا أحيانا في الاحتجاج بالنقل، حتى شبهوا القائلين بخلق القرآن بمشركي قريش. وهكذا فسروا كلام الله بما لا يناسبه فاحتجوا بقول الباري تعالى: «إن هذا إلا اختلاق»(28)، و«إن هذا إلا أساطير الأولين»(29)، و«إن هذا إلا قول بشر»(30)، وتلك أقوال منسوبة لمشركي قريش، لكن النقليين رأوا فيها مثيلا ونظيرا لقول الجهمية: إن القرآن مخلوق(31)، مع أن القائلين بخلق القرآن من المتكلمين، لم يكونوا مشركين، وبخاصة المعتزلة منهم. بل كانوا أهل توحيد نصروا الدين بالأدلة العقلية، لكنهم اصطدموا بالمعرفة التقليدية السائدة. وحين قام المعتزلة برد فعلهم التكفيري، فأكفروا غير القائلين بخلق القرآن وشبهوهم بالملحدة والمجسمة والكفرة واليهود والمجوس والنصارى، تضاربت بذلك الأدلة والنصوص، فتأكد أن الاحتكام للعقل في فهم الدين لا محيد عنه(32).
ولعل تضارب رأيي القدرية المجبرة والقدرية المخيرة في تعيين المقصود بالمجوس في قوله الرسول: «القدرية مجوس هذه الأمة»(33)، خير مثال على ذلك. فقد أطلق السنيون والأشاعرة لفظ القدرية على المعتزلة، بل ذهبوا إلى أن الرسول قصدهم بتلك التسمية لأنهم دانوا بديانة المجوس لزعمهم أن الله يخلق الخير، والشيطان يخلق الشر، ولزعمهم الانفراد بالقدرة على أفعالهم دون ربهم(34). أما المعتزلة فكان لهم رأي مخالف. إذ ذهبوا إلى أن «القدرية» صفة أطلقها عليهم خصومهم المجبرة المشبهة، وأن هؤلاء هم المستحقون لصفة القدرية المقصودون في قول الرسول. واستدل القاضي عبد الجبار على كون المجبرة المشبهة هم المقصودون بمجوس الأمة، بأحاديث منسوبة للرسول الكريم، كإجابته عمن سأله عن المقصودين بالقدرية وقوله إنهم «الذين يعصون الله تعالى ويقولون: كان بقضاء الله وقدره»(35).
وقد زاد هذا التضارب في تفسير وتأويل الأدلة الشرعية، بظاهرة حشو النصوص ونسبتها للرسول، وخاصة في صفوف عدد من النقليين الحفاظ ورواة الحديث الذين كان بعض أهل السنة الأوائل يتكئ عليهم في الاستشهاد(36).
ويتصل هذا الموضوع بمناهج وطرق المتكلمين في الاستدلال والاستشهاد والمحاجة، بين من يستند إلى الخبر والرواية، وبين من يستدل بالعقل، وبين من يأخذ بالعقل والنقل معا. وهي مناهج وطرق كان لها أثرها الجلي في موقف المتكلمين من قضية الكلام وحدِّه، مثلما كان لها أثرها في باقي قضايا الكلام، سواء منها المتصلة بكلام الله وكلام البشر، أو المتصلة بقسمي الشريعة العملي والاعتقادي.
وقد ذكر الفارابي من طرق المتكلمين خمس طرق سماها بالوجوه والآراء التي تنصر بها الملل، وهي:
1 ـ النقليون الذين يعطلون العقل والتأمل والنظر، ويرون نصرة الملة بالتصديق المطلق والتسليم التام، بحجة أن الملة لا يجوز فيها الكذب، بشهادة المعجزات والنصوص وأقوال الصادقين، لأنها وحي إلهي، وهي أرفع رتبة من العقول الإنسية.
2 ـ المؤولون الذين يتتبعون المحسوسات والمشهورات والمعقولات للاستدلال عليها بما صرح به واضع الملة، ويؤولونه لرفع التناقض بين الطرفين.
3 ـ المقارنون المشنعون، الذين يقبحون ويشنعون ملة من قبح وشنع ملتهم.
4 ـ المرهبون المفتقرون إلى الحجاج العقلي الذين يسكتون خصمهم بالتخويف والتخجيل.
5 ـ المغالطون السوفسطائيون الذين يرون أن خصمهم عدو، يجوز في صده اللجوء للكذب والمغالطة(37).
غير أن أهم طريقين عرفا في علم الكلام، هما طريقا النقل والعقل. فالنقليون احتجوا على إثبات آرائهم ودفع آراء خصومهم بالإكثار من رواية النصوص، نصوص القرآن والسنة والسلف المناصر لهم، مع تعليقات بسيطة لربط المواضيع ببعضها(38). وأما العقليون وفي مقدمتهم المعتزلة فكانوا يتندرون بطريقة النقليين، ويعتبرون أصحابها جاهلين مفحمين عاجزين عن الإقناع وتحكيم العقل. وقد شبههم القاضي عبد الجبار بالعامة، وأنهم «إذا انقطعت بهم الحجة، لجأوا إلى أنا قد نهينا عن الجدال وأن المناظرة في الدين محرمة»، أما سبيل المعتزلة في رأيه فهو «حملهم على صحة الحجاج من جهة العقول»(39). كما يخطئهم القاضي عبد الجبار في قولهم إن الكلام بدعة بقوله: «أما قولهم إن الكلام بدعة، فخطأ منهم ولا يحتج عليها بقول الجاهل المخطئ، وطالما قيل: من جهل الشيء عاداه. وأكثر من يعيب ذلك، أصحاب حمل وتقليد، ومن تبع الألف والعادة، أو يطلب أن يكون متبوعا لرئاسة. وكل هؤلاء لا يعتد بطريقتهم»(40).
كما روى المعتزلة أخبارا عن وقائع استدلوا بها على الانتصار للعقل في نصرة العقيدة(41). وقد لخص الشهرستاني الفروق بين أهل السنة والمعتزلة من حيث تقديم السمع والنقل، أو العقل، في الواجبات والمعارف بقوله : «أما السمع والعقل، فقال أهل السنة، الواجبات كلها بالسمع، والمعارف كلها بالعقل. فالعقل لا يحسن ولا يقبح ولا يقتضي ولا يوجب، والسمع لا يعرف، أي لا يوجب المعرفة، بل يوجب. وقال أهل العدل، المعارف كلها معقولة بالعقل، واجبة بنظر العقل، وشكر المنعم واجب قبل ورود السمع، والحسن والقبح صفتان ذاتيتان للحسن والقبيح»(42).
وهذا التمسك بالعقل وتقديمه على السمع، جعل المعتزلة بمثابة نخبة أهل النظر في الفكر الإسلامي. بخلاف السمعيين الذين سهلت بساطة خطابهم التفاف العامة حول آرائهم، مما جعل مفهوم «الجماعة» يأخذ صفة الأغلبية في خطاب أهل السنة الذين برروا به صواب دعواهم بحجة أن المعتزلة قلة لا تمثل السواد الأعظم، أي الجماعة المسلمة. لكن المعتزلة كان لهم في هذه المسألة أيضا رأي مخالف، وخاصة في تصورهم لصفة الجماعة ودور الأغلبية والأقلية في نصرة الدين. يقول القاضي عبد الجبار: «وأما الجماعة، فالمراد به ما اجتمعت عليه الأمة، وثبت ذلك من إجماعها. فأما ما لم يثبت مما لم يجز التمسك به، فهو بمنزلة أخبار الآحاد. وإذا صح ما ذكرناه من الجملة، فالمتمسك بالسنة والجماعة، هم أصحابنا والحمد لله، دون هؤلاء المشنعين، الذين عند التحقيق، لا يميزون ما يقولون. وقد روي في كتاب «المصابيح»، عن ابن مسعود أنه قال: الجماعة ما وافق طاعة الله وإن كان رجلا واحدا»(43).
لقد رفض القاضي عبد الجبار وصف المعتزلة بالقلة، فعد الجماعة هي المعتزلة ومن نفى الصفات، وأنهم المقصودون بقول الرسول: «عليكم بالسواد الأعظم»، لا معارضوهم(44). بل ذهب إلى أن «هذا المذهب هو الذي أنزل الله تعالى به الكتاب وأرسل به الرسل»(45). ووضع في كتابه «فضل الاعتزال» قسما خاصا بطبقات المعتزلة لإظهار كثرتهم وانتشارهم في البلاد وكثرة العلماء في صفوفهم. لكنه دافع أيضا عن مفهوم الأقلية العالمة مقابل الأغلبية التي قد تكون مصيبة وقد تكون ضالة منهمكة في طريق الجهالة(46).
وسواء أكان الصواب مع المعتزلة أم مع من سموا من طرفهم بالنابتة والمشبهة، فإن الصورة الحقيقية للإسلام في التراث الإسلامي لا تكتمل إلا بتعدده. ذلك أن ادعاء الفهم والحقيقة المطلقين عند كل طرف، كان فيه إقصاء للآخر. وقد انتبه قاضي القضاة لهذا التعدد وإن استغله لادعاء الصواب والشرعية الدينية بقوله: «إن المرء إذا نظر إلى السواد الأعظم، الذي هو الخلق الكثير، رأى فيهم الخوارج والمرجئة، ورأى فيهم الشيعة، وأصحاب الحديث الذين يدخل في مثلهم النابتة، ويرى فيهم المعتزلة. فكيف يصح، ومذاهبهم متضادة، أن يتبعهم؟» (47).
ويتجلى ذلك التعدد في كثرة الفرق الإسلامية المذكورة في كتب الفرق والطبقات، حيث يتجاوز عددها سبعين فرقة، وإن كان جلها متفرع من عدد محدد هو الممثل للتيارات الأساسية في علم الكلام. وفي مقدمتها ما ذكره منها قاضي القضاة في نصه السالف، حيث سمى منها خمسا هي: الخوارج والمرجئة والشيعة والنابتة والمعتزلة(48). كما أجمل ذكرهم أبو الحسن الأشعري في إحدى عشرة فرقة هي : الشيعة، والخوارج، والمرجئة، والمعتزلة، والجهمية، والضرارية، والحسينية، والبكرية، والعامة، وأصحاب الحديث، والكلابية(49).
أما الشهرستاني، فحصر عدد الفرق في أربع هي: القدرية والصفاتية بمن فيها أهل السنة والأشاعرة، والخوارج والشيعة. ثم تنقسم كل واحدة إلى فرق فرعية. وقد أرجع الشهرستاني أسباب اختلاف هذه الفرق إلى الأسباب التالية:
[ الصفات والتوحيد
[ القدر والعدل
[ الوعد والوعيد والأسماء والأحكام
[ السمع والعقل والرسالة والأمانة(50).
2- الكلام ومسألة الصفات والأفعال
حين ننظر في الأصول التي ذكرها الشهرستاني، نلفيها ترجع لأصل أكبر، هو ذات الله وصفاته وأفعاله، فبتعلق بهذا الأصل تجادلت الفرق حول موضوع الكلام، فخضعت مفاهيمهم له. فالذين أثبتوا لله صفات قديمة كالعلم والقدرة والحياة والإرادة والسمع والبصر والكلام والجلال والإكرام والجود والإنعام والعزة والعظمة دون تفريق بين صفات الذات وصفات الفعل مع إثبات صفات جبرية كاليدين والرجلين دون تأويل، سموا صفاتية. والذين نفوا قيام تلك الصفات في الذات سموا معطلة(51). ثم اختلفوا في كيفية إثبات أو نفي تلك الصفات على طوائف وآراء، واجتمعوا في أخرى. فأكثر المعتزلة والخوارج والمرجئة وبعض الشيعة من الزيدية، يتفقون مثلا في نفي أن تكون الصفات غير الذات. فذهبوا إلى أن الله عالم قادر حي، لا بعلم وقدرة وحياة بل بنفسه(52). لكنهم اختلفوا في معنى كون الله قادرا وعالما ومريدا، وفي رؤية الله وكيفيتها، وغير ذلك مما أجملته كتب الطبقات والمقالات. وليس هدفنا أن نتتبع هذه الاختلافات لأنها متشعبة ليس بين الفرق الكبرى فحسب، بل بين فروعها وفروع فروعها أيضا.
حسبنا أن نذكر ما يهمنا من ذلك مجملا، كما أورده ابن تيمية لإشارته إلى المواقف الرئيسية في هذه الباب، مع تضمينه ذكر خاصيتين تتصلان بمسألة الكلام، هما مسألة القيام بالمتكلم، ومسألة المشيئة والقدرة. يقول ابن تيمية عن الصفات الاختيارية التي يندرج ضمنها الكلام عند الصفاتية: «وهي الأمور التي يتصف بها الرب ـ عز وجل ـ فتقوم بذاته بمشيئته وقدرته مثل كلامه وسمعه وبصره ومحبته ورضاه ورحمته وغضبه وسخطه، ومثل خلقه وإحسانه وعدله، ومثل استوائه ومجيئه وإتيانه ونزوله ونحو ذلك من الصفات التي نطق بها الكتاب العزيز والسنة. فالجهمية ومن وافقهم من المعتزلة وغيرهم يقولون: لا يقوم بذاته شيء من هذه الصفات ولا غيرها. والكلابية ومن وافقهم من السالمية وغيرهم يقولون: «تقوم صفات بغير مشيئته وقدرته»، فأما ما يكون بمشيئته وقدرته فلا يكون إلا مخلوقا منفصلا عنه»(53).
وتترتب على هذه الأقوال ثلاثة مواقف هي:
[ قيام الكلام بذات الله بمشيئته وقدرته.
[ قيام الكلام بذاته بدون مشيئته وقدرته.
[ قيامه بغيره بمشيئته وقدرته.
وترتبط هذه المواقف بمسائل اعتراضية كثيرة، كمسائل حلول الحوادث بالذات، والتشبيه والتجسيم والتعطيل والتكلم في الأزل والتكلم مرتين… وفيما ذهب المعتزلة إلى أن الكلام فعل لا صفة، تمسك الصفاتية بكونه صفة، أخذا بظاهر الكتاب والسنة. وقالوا إن « الذات نفسها الموجودة، لا يتصور أن تتحقق بلا صفة»(54). وسموا نفاةَ الصفات معطلةً لما اعتقدوا أن «حقيقة قولهم تعطيل ذات الله تعالى»(55). غير أنهم تباينوا في درجة إثبات تلك الصفات بين التجسيم والتشبيه والإثبات مع نفي المماثلة. والرأي الأخير قال به ابن تيمية نافيا أن يكون السلف قال بالتشبيه والتجسيم. والصحيح في رأيه أن «مذهب السلف والأئمة إثبات الصفات، ونفي مماثلتها لصفة المخلوقات»(56). ومن أمثلة ذلك حديث ابن تيمية عن يديه تعالى. فقد أحال أن تكون يداه من الجوارح ومن جنس أيدي المخلوقين. لكنه أقر في الوقت نفسه أن له يدين حقيقة، وأن يديه تناسبان ذاته وتستحقان من صفات الكمال ما تسحق الذات(57).
وبذلك أجرى ابن تيمية كعامة النقليين الصفة على ظاهرها وإن نفى عنها الكيفية والتشبيه. ويعترض عليه بأن يقال إن اليد إما أن تكون ذات أصابع وأظافر ولحم ودم فتكون جارحة، والقول بهذا تشبيه وتجسيم، أو تكون بخلاف ذلك غير ذات أصابع وأظافر ولحم ودم. فيكون إطلاق اليد عليها في هذه الحالة مجازا، وأن لها دلالة تؤول بها تبعا للسياق الذي ذكرت فيه. وابن تيمية رفض أن يصرف لفظ اليد للمجاز. أما مسألة الكلام فأكثر تعقيدا لأنها لا تحل بالمجاز بل بتفسير الكيفية مع عدم المماثلة. وارتباطها بالصفات والأفعال نجمله في أمرين:
الأول، أن الذين قالوا بوجود صفات قديمة أثبتوا لله كلاما قديما فانعكس ذلك على مفهومهم للكلام والتكلم، وتداخل قولهم بالصفات القديمة بقولهم في الأفعال.
الثاني، أن الذين نفوا استقلال الصفات عن الذات واستدلوا على الله بأفعاله، وَحَدُّوا من تبعية أفعال العباد لأفعال الله، وفي مقدمتهم المعتزلة، فقد عرفوا الكلام وأقاموا مفهومهم له بناء على تقديمهم للأفعال على الصفات.
فمرجع الطرفين هو موضوع ذات الله أو صفاته وأفعاله إذن. لذلك تداخل مفهوم الكلام بالقضايا الكلامية الأخرى، من اعتقادية وعملية، إلهية وبشرية، صفاتية وفعلية.
لقد ورد موضوع الكلام أحيانا، في معرض حديثهم عن تلك القضايا، ووردت تلك القضايا أحيانا أخرى، في معرض تناولهم لموضوع الكلام والتكلم، مع تداخل بين الأخير وبين موضوع القرآن، أقديم هو أم مخلوق؟ ونستدل على ذلك بعدد من مصادرهم الكلامية التي نسعى بواسطتها للوقوف على بعض الخيوط الناظمة أو الرابطة لمبحث الكلام بمجموع المباحث الكلامية، الاعتقادية والعملية، وإن كان هذا العمل ليس هينا، لأن المتكلمين بحكم مركزية مبحث الكلام في علمهم، كانوا دائمي الإشارة إليه في مباحثهم الأخرى، وإن أفردوا له فصولا ومباحث خاصة. لكن هذه الفصول والمباحث كانت تأتي تارة مستقلة عن غيرها، وتندرج تارة أخرى ضمن ما هو أوسع منها، أو ترد مندمجة كما ذكرنا بموضوع خلق القرآن. إذ تساءل المتكلمون عن القرآن بوصفه كلام الله، هل كلام الله قديم أم محدث؟
ولأن الخلفية الكلامية توزعت عند المتكلمين بين قضية الصفات وقضية الأفعال، فإن الفرق الإسلامية تجادلت في موضوع الكلام، بحسب كونها صفاتية أو مشبهة أو مجسمة، وبين كونها موحدة أو «معطلة». فعرض الصفاتية والمشبهة والمجسمة للكلام بربطه بالصفات القائمة بالذات، وعرض مخالفوهم لهذا الموضوع بربطه بقضيتي التوحيد والأفعال وما اتصل بهما كقضيتي الإرادة والعدل. كما أن الصفاتية الذين خالفوا المعتزلة في كون الفعل فعلا لفاعله، استدلوا بمقولتهم هذه لتكريس الصفة الكلامية للذات الإلهية. أما المعتزلة فبربطهم الكلام بقضية التوحيد، نفوا اتصاف الله به. لأن إثبات صفة الكلام لله، تمثل عند المعتزلة إثباتا لقديمين: ذات الله وصفاته. فكان لا بد لهم من أن يؤولوا وصف الله لذاته بأنه متكلم. فاختلفوا في كيفية استحقاق الله لصفاته وفي عدد الصفات المستحقة(58).
ومرد الخلاف بين المعتزلة وأهل السنة في موضوع الصفات إلى إثبات أهل السنة لكل الصفات المذكورة في كلام الله عن ذاته، بما فيها الصفات التي يتصف بها البشر كالكلام والسمع والبصر. أما المعتزلة فحصروها في ما يَبِينُ به الله عن سائر الموجودات، وهي كونه قادرا عالما حيا موجودا. وأرجع القاضي عبد الجبار الصفات الثلاث الأخيرة لصفة القدرة(59).
ثم إن أهل السنة أثبتوا تلك الصفات في غير ذات الله. فقالوا: عالم بعلم وقادر بقدرة. أما المعتزلة فأثبتوها بذاته، فقالوا: موجود قديم مقابل الموجود المحدث، وقالوا: عالم بذاته، قادر لذاته، وأولوا الصفات الأخرى كتأويلهم السمع والبصر، بمعنى العلم أو الإدراك.
وقد ربط القاضي عبد الجبار بين الكلام وقضية التوحيد بقوله إن المعتزلة واجهوا الصفاتية ونعتوهم بأنهم «خارجون عن التوحيد بإثبات علم وقدرة لم تزل (أي أزلية)، ولإثبات كلام لم يزل… وأنهم في تجويزهم ذلك، بمنزلة من قال إن له ثانيا في خروجهم من التوحيد. فهذا هو الأصل الذي اتفقت عليه المعتزلة)(60).
أما ربط المعتزلة للكلام بقضايا الأفعال، فنستدل عليه أيضا بما قام به قاضي القضاة، إذ قرن في كتابه «المجموع في المحيط بالتكليف» بين الإرادة والكلام. ففتح الباب الذي خصصه لـ«حقيقة الكلام» بقوله: «اعلم أن وجه اتصال هذا الباب بباب الإرادة، أن الكلام عندنا من جملة أفعاله كالإرادة. فلا يصح كونه مريدا لنفسه ولا بإرادة قديمة. بل يتبع كونه مريدا كونه فاعلا»(61).
وأما علة اتصاله في كلامهم بموضوع العدل، فلأن الكلام فعل، ولأن أفعال الله وما يجوز عليه وما لا يجوز، هو ما خاض فيه المعتزلة في باب العدل. حتى إن القاضي عبد الجبار في كتابه «شرح الأصول الخمسة»، أدرج الحديث عن «حقيقة الكلام» في باب العدل إلى جانب قضايا ومواضيع أخرى مثل، خلق الأفعال، وأقسامها، وحقيقة الظلم، والاستطاعة، والآلام، والتكليف، والمعجزات، والقبح والحسن. وفي «فضل الاعتزال» أدرج الكلام والإرادة ضمن باب «في ما اتفقوا عليه من القول بالعدل». ومن ذلك قوله: «فأما من يقول في ما هو فعله، من الكلام والإرادة إنه ليس بفعل، ففي ذلك خروج من العدل، لأنه لا بد من أن يثبت الكلام على وجه يصح منه تعالى، وكذلك الإرادة. ويدخل فيه الكلام في المخلوق أيضا. هذا إذا قالوا بقدم الكلام المعقول والإرادة المعقولة، فأما إذا قالوا بقدم ما ليس هذا صفته، فهو دخول في الجهالات»(62).
وقد اضطر الصفاتية تحت تأثير المجادلات الاعتزالية، لإدراج الكلام في باب الأفعال للرد عليهم، وإن ظل الغالب عليهم ربطه بالصفات(63)، كما يتبين من كتاب الغزالي «الاقتصاد في الاعتقاد». فقد ذهب إلى أن الصفات كلها قائمة بذات الباري وأنها قديمة وأن الأسامي المشتقة له من صفاته، صادقة عليه لم تزل. وفي إطار هذا التصور تناول موضوع الكلام، فأدخله في «القطب» الثاني من كتابه فاتحا إياه بالقول: «إذ ندعي أنه سبحانه قادر عالم حي مريد سميع بصير متكلم، فهذه سبع صفات»(64).
وعرض أبو سعيد النيسابوري لمبحث الكلام بعد عرضه لمبحث علم الله، لما بين العلم والكلام من مسائل مشتركة دار حولها الجدال، كالقدم والصفة الزائدة على الذات والحدوث والتجدد ومشاركة الحوادث والقيام في محل، فبدأ حديثَه عنه بإثبات صفة الكلام القديم لله بقوله: «عند أهل الحق، أن الباري متكلم بكلام قديم أزلي غير مفتتح الوجود»(65)، لينتهي إلى مجادلة المعتزلة في ما أنكروه من صفة القيام في محل والقول بقديمين، فقال: «لا يجوز أن يقال، العلم غير القدرة وغير الكلام، ولا أن العلم هو الكلام، أو القدرة هي العلم، أو العلم هو الذات، أو الكلام هو الذات. ولكن يقال، الذات موجود والصفات موجودات مع الذات قائمات بالذات. لأنا نصف الصفات الأزلية بالبقاء»(66).
وقد اضطر الأشاعرة تحت تأثير المعتزلة إلى تعديل مفهومهم لصفة القيام المحلي التي قال بها أهل السنة، وبخاصة المحَدثين منهم. فحولوا القول في الصفات، ومنها القول في صفة العلم، من القول إن علمه قائم بذاته، إلى القول بأنه موجود بذاته، وهو رأى الماتريدية أيضا(67). كما أن عددا من السنيين الذين «تعقلوا» أي انتقلوا للأخذ بمعيار العقل لا النص وحده، استعاروا من المعتزلة بعض مقولاتهم وأدمجوها في خطابهم الصفاتي، كأبي منصور الماتريدي، الذي كان يقول كالمعتزلة، بأن الله عالم بذاته، حي بذاته، قادر بذاته، دون أن ينفي مثلهم قيام الصفات بالذات(68). وتأثير الماتريدي جلي في تلميذه أبي المعين النسفي الذي قدم كغيره من معظم الصفاتية قضية القدم والحدوث في الكلام على باقي قضاياه. كما أن النسفي أثبت الكلام صفة قائمة بالذات، قديمة. يقول على لسان «أهل الحق»: «إن كلام الله تعالى صفة له أزلية ليست من جنس الحروف والأصوات وهي صفة قائمة بذاته منافية للسكوت والآفة من الطفولية والخرس»(69).
وأن يكون الكلام من جنس الحروف والأصوات، أو أن يقوم بالذات، أو أن ينافي السكوت والآفة والخرس… قضايا اختلف فيها المتكلمون، ما بين صفاتية المعاني، ونقصد بهم الأشاعرة، وصفاتية التشبيه، ويدخل فيهم عدد من أهل الحديث وعامة أهل السنة، وصفاتية المغايرة، ونقصد بهم المعتزلة، لأنهم وإن قالوا بالصفات، فلم يحتفظوا منها سوى بما استحقه الله دون سائر الموجودات، من غير انفصال لتلك الصفات عن ذاته أو قيامها فيها.
والجويني من الأشاعرة الذين ربطوا بين الكلام وبين الصفات، إذ ذهب إلى أن الكلام في تفاصيل (الكلام) فرع ثبوت كون الباري تعالي متكلما. وحمل نفاة الصفات «نحلة» نفي الكلام: «مذهب أهل الحق، أن الباري سبحانه وتعالى متكلم بكلام أزلي، لا مفتتح لوجوده، وأطبق المنتمون إلى الإسلام على إثبات الكلام. ولم يصر إلى نفيه، ولم ينتحل أحد في كونه متكلما نحلة نفاة الصفات في كونه عالما قادرا حيا»(70).
والخلاف بين الصفاتية وعامة المعتزلة ليس في كون الله متكلما أم غير متكلم. فقد ذهبت المعتزلة باستثناء بعض أئمتهم كعباد بن سليمان والإسكافي، إلى أن الله متكلم(71). واعترض عباد والإسكافي، بكون إثبات التكلم لله، إثبات لتفعله.
أما أوجه الخلاف الكبرى بين عامة المعتزلة وبين غيرهم، ففي مقدمات استحقاق الله لصفة أو فعل الكلام، وفي النتائج المترتبة عليها، أي في تعريف الكلام والمتكلم ومحل الكلام، والمفاهيم والتصورات المؤطرة لذلك. فهذه القضايا الخلافية بالتحديد هي التي ولدت ما سمي بـ«مسألة الكلام» في علم الكلام.
ومن بين الآراء المفسرة لـ «مسألة الكلام» رأيان :
رأي ذكره الشريف الجرجاني في شرحه لكتاب «المواقف»، إذ تعني «مسألة الكلام» عنده قضية قدم القرآن وحدوثه لأنها أشهر أجزائه وسبب تدوينه ومصدر تناحر وتقاتل المتكلمين(72).
أما الرأي الثاني وهو لابن النجار، فإنه وإن بين مكانة القول في التنزيل في علم الكلام. فإنه ربط المسألة المذكورة بـ«تبيين موضوع لفظ الكلام، وما يتناوله لفظ الكلام حقيقة أو مجازا». فهذه المسألة في رأي ابن النجار، هي ما يسمى «مسألة الكلام» لأنها «أعظم مسائل أصول الدين، وهي مسألة طويلة الذيل، حتى قيل، إنه لم يسم علم الكلام إلا لأجلها ولذلك اختلف فيها أئمة الإسلام المعتبرين المقتدى بهم، اختلافا كثيرا متباينا»(73).
والرأيان متكاملان، لأن بينهما دور. إذ يوجب القول في القرآن، القول في حقيقة الكلام، كما أن القول في حقيقة الكلام يوجب القول في القرآن من جهة القدم والحدوث. ثم إن هذين الموضوعين تتصل بهما موضوعات ومسائل أخرى كالنظر في ماهية الكلام وحقيقته وتعريفه. وهذا يقتضي دراسة مفصلة حتى نتبين الأصول والمقدمات التي بنى عليها المتكلمون مقالاتهم وأقوالهم في الكلام عامة وكلام الله خاصة.
الهوامش
1 ـ إحصاء العلوم ص41 .
2 ـ الإيجي: المواقف. تحقيق عبدالرحمن عميرة . دار الجيل . بيروت. لبنان ط 1/1997، 1/31 . وأورد له التهانوي التعريف التالي: «علم بأمور يقتدر معه، أي يحصل مع ذلك العلم حصولا دائما عاديا قدرة تامة على إثبات العقائد الدينية على الغير وإلزامه إياه بإيراد الحجج ودفع الشبه عنها»: كشاف اصطلاحات الفنون، 1/31. وننظر أيضا: دستور العلماء للأحمد نكري. مادة (كلام).
3 ـ ابن خلدون: المقدمة، تحقيق علي عبد الواحد وافي. دار النهضة المصرية. القاهرة مصر. ط 3/1981 3/1069 .
4 ـ كشاف اصطلاحات الفنون 1/30.
5 ـ التعريفات. مادة (كلام). وينظر التوقيف على مهمات التعاريف. مادة (كلام).
6 ـ كشاف اصطلاحات الفنون 1/ ( 31 ـ 32 ) ودستور العلماء مادة (كلام).
7 ـ القاضي عبد الجبار: شرح الأصول الخمسة. تحقيق عبد الكريم عثمان. مكتبة وهبة. القاهرة. مصر ط 3/1996 ص (122-123 ).
8 ـ الشهرستاني: الملل والنحل. تصحيح وتعليق أحمد فهمي محمد. دار الكتب العلمية. بيروت. لبنان. ( د.ت) 1/23.
9 ـ المواقف1/45 وينظر شرح الشريف الجرجاني لذلك بالمصدر نفسه 1/46، وكشاف اصطلاح الفنون 1/33.
10 ـ دستور العلماء مادة (كلام).
11 ـ نحيل في هذا الباب إلى رأي علي سامي النشار في كتابه « نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام « ط 7/ دار المعارف . مصر 1977.
12 ـ علي الشابي: مباحث في علم الكلام والفلسفة، ط 1/ دار بوسلامة تونس. منشورات الكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين. تونس. (د.ت) ص 9.
13 ـ المرجع السابق ص (50، 153).
14الملل والنحل 1/23.
15 ـ المصدر السابق 1/47.
16 ـ مقدمة تحقيق «مقالات الإسلاميين» لأبي الحسن الأشعري . للمحقق محيي الدين عبد الحميد. دار الحداثة، ط /1985 ص 23.
17 ـ ابن النجار ( ت 972 هـ ): شرح الكوكب المنير. تحقيق محمد الزحيلي ونزيه حماد. مكتبة العبيكان. الرياض. المملكة العربية السعودية. 1993 2/85.
18 ـ المصدر السابق 2/50 ويرجع أيضا لكتاب «درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية. ضبط وتصحيح عبد اللطيف عبد الرحمن. دار الكتب العلمية. بيروت. لبنان ط 1/1997 4/(3-5)، وينظر أيضا: «شرح العقيدة الطحاوية» ص (204 ـ 207). وذهب صاحب هذا الشرح إلى القول: «إنما سمي هؤلاء: أهل الكلام، لأنهم لم يفيدوا علما لم يكن معروفا، وإنما أتوا بزيادة كلام قد لا يفيد. وهو ما يضربونه من القياس لإيضاح ما علم بالحس، وإن كان هذا القياس وأمثاله ينتفع به في موضع آخر، ومع من ينكر الحس. وكل من قال برأيه وذوقه وسياسته مع وجود النص، أو عارض النص بالمعقول، فقد ضاهى إبليس، حيث لم يسلم لأمر ربه». شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي. المكتب الإسلامي. بيروت. لبنان ط 9/1988 ص 207. ومما نقله موفق الدين ابن قدامة المقدسي في هذا الباب: «قال الإمام أحمد: لا يفلح صاحب كلام أبدا، ولا يُرى أحد نظر في الكلام إلا في قلبه دغل. وقال الإمام الشافعي: ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح. وقال حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد ويُطَافَ بهم في العشائر والقبائل ويقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام. وقال أبو يوسف: من طلب العلم في الكلام تزندق. وقال أبو عمر بن عبد البر: أجمع أهل الفقه والآثار من جميع أهل الأمصار أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ ولا يُعَدُّون عند الجميع في طبقات العلماء، وإنما العلماء أهل الأثر والمتفقه فيه. وقال أحمد بن إسحاق المالكي: أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا هم أهل الكلام، فكل متكلم من أهل الأهواء والبدع، أشعريا كان أم غير أشعري، لا تُقبل له شهادة ويهجر ويؤدب على بدعته، فإن تمادى عليها استتيب منها»: تحريم النظر في كتب الكلام لموفق الدين ابن قدامة المقدسي (ت 620 هـ). تحقيق عبد الرحمن بن محمد سعيد دمشقية. دار عالم الكتب. الرياض. المملكة العربية السعودية ط1/1990 ص(41-42). أما رأي الموفق الحنبلي نفسه، فلم يشذ عن آراء من ذكرهم. (ص 41) من المصدر المذكور. وينظر أحاديث وأقوال أخرى في الموضوع: ذم الكلام. لعبد الله بن محمد بن علي الأنصاري الهروي. تحقيق سميح دغيم. دار الفكر اللبناني. ط 1/1994. بيروت. لبنان. وخاصة: «باب لعن المتحدثين والمتكلمين والمخالفين»، و«باب في كراهية أخذ العلم عن المتكلمين وأهل البدع « و«باب ذكر إنكار أئمة الإسلام، ما أخذه المتكلمون في الدين من الأغاليط». ص(178، 284،291).
19 ـ درء التعارض 4/7.
20 ـ ابن تيمية: مجموع فتاوى ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم، مكتبة المعارف، الرباط المغرب (د.ت) 13/147.
21 ـ الملل والنحل، 1/38. ويقول القاسم بن محمد بن علي الزيدي العلوي المعتزلي (ت 1029 هـ) عن قضايا الكلام: «وكثر في ذلك الخلاف والشقاق، وقل فيه الائتلاف والاتفاق». ينظر كتابه «الأساس لعقائد الأكياس». تحقيق ألبير نصري نادر. دار الطليعة. بيروت. لبنان. ط 1/1980 ص 46.
22 ـ فضل الاعتزال ص 181.
23 ـ المصدر السابق 183، ويراجع فيه أيضا: ص ( 184-185).
24 ـ أبو بكر البيهقي: الأسماء والصفات. دار الكتب العلمية. بيروت. لبنان ط 1/1984 ص 327.
25 ـ الأسماء والصفات ص (328 ـ 329) ودستور العلماء، مادة (كلام). وتحريم النظر في كتب الكلام ص 41 ومسألة خلق القرآن وموقف علماء القيروان منها. لفهد بن عبد الرحمن بن سليمان الرومي. مكتبة التوبة. الرياض. المملكة العربية السعودية. ط 2/1997 ص(40-41).
26 ـ أبو الحسن الأشعري: الإبانة عن أصول الديانة. دار الكتاب العربي. بيروت. لبنان . ط 2/1990 ص(20،56) وينظر أيضا: علي الشابي : مباحث في علم الكلام والفلسفة. ص (15-16).
27 ـ عثمان بن سعيد الدارمي الشافعي: الرد على الجهمية. منشورات المكتب الإسلامي بدمشق. ط 2/1961 ص(114-115).
28 ـ سورة ص /6.
29 ـ الأنعام /26.
30 ـ المدثر /25.
31 ـ الرد على الجهمية ص ( 106، 116).
32 ـ شرح الأصول الخمسة . ص (776 ـ 778) وفضل الاعتزال ص 152 و «خلق القرآن» للجاحظ، ضمن مجموع رسائله 3/296.
33 ـ الملل والنحل 1/38.
34 ـ وهذا رأي الأشعري كذلك: الإبانة ص ( 14-15).
35 ـ شرح الأصول الخمسة ص 775، وينظر في الكتاب نفسه ص ( 772 – 779) وفضل الاعتزال ص (167 – 170).
36 ـ نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام لعلي سامي النشار ص ( 285، 287).
37 ـ إحصاء العلوم ص ( 41ـ43) والاصطلاح على هذه الفئات من وضعنا.
38 ـ ينظر أمثلة لذلك في: الرد على الجهمية للدارمي، والأسماء والصفات للبيهقي. أما الشعار النقلي السمعي لمذهب أهل السلف، فدعوتهم لـ«الإقرار والتسليم، وترك التعرض للتأويل والتمثيل»، والسكوت عن التفسير، وتمرير الآيات والأحاديث على ظاهر ما جاءت به. ولهم في مأثورهم أقوال كثيرة على ذلك: ينظر: تحريم النظر ص(36-39) ومما ذكره الموفق الحنبلي في كتابه تحريم النظر»:
– «لا خلاف بين أهل النقل سنيّهم وبدعيّهم في أن مذهب السلف رضي الله عنهم في صفات الله سبحانه وتعالى، الإقرار بها والإمرار لها والتسليم لقائلها وترك التعرض لتفسيرها». (ص36-37).
– «التأويل تكلف وحمق وتنطع وكلام بالجهل وتعرض للخطر فيما لا تدعو إليه حاجة» ص 51.
– سئل مالك عن استواء الله تعالى على العرش فقال: «الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة». ص 60.
– «إذا سألنا سائل عن معنى هذه الألفاظ قلنا: لا نزيدك على ألفاظها زيادة تفيد معنىً، بل قراءتها تفسيرها من غير معنى بعينه ولا تفسير بنفسه، ولكن قد علمنا أن لها معنى في الجملة يعلمه المتكلم بها، فنحن نؤمن بها بذلك المعنى». ص59.
39 ـ المجموع في المحيط بالتكليف، للقاضي عبد الجبار نشره وصححه الأب جين يوسف هوبن اليسوعي. المطبعة الكاثولكية. بيروت 1/332. وينظر في موضوع اعتداد المعتزلة بالعقل: فضل الاعتزال ص 139 . وشرح الأصول الخمسة ص (50ـ76) حيث تكلم القاضي عبد الجبار على فساد التقليد، وصواب ووجوب المعرفة بالنظر.
40 ـ فضل الاعتزال ص 184.
41 ـ المصدر السابق ص (266-269).
42 ـ الملل والنحل 1/ ( 37-38ّ).
43 ـ فضل الاعتزال ص 186، وص 185، وقوله في ( ص 151): «وكل الأمة يقولون: إن الله واحد ليس كمثله شيء. فالمشبهة تنقض ذلك. ومن نقض ما نزل به الكتاب وصح فيه ذكرنا، من السنة والإجماع، فهو خارج عن الملة». والمشبهة عند المعتزلة هم أهل السنة القائلون بإثبات الصفات.
44 ـ فضل الاعتزال ص 187.
45 ـ المصدر السابق ص 213 .
46 ـ المصدر المذكور ص 188. وينظر أيضا في مسألة المفاخرة في العدد والعلماء والعباد والنسّاك بين المعتزلة وعامة أهل السنة. رسائل الجاحظ 3/97 . ومما قاله حنابلة الجماعة السنية في هذا الموضوع، قول ابن قدامة: «فنحن أصحاب المقامات الفاخرة، ولنا شرف الدنيا والآخرة، ومن نظر في كتب العلماء التي أفردت لذكر الأولياء لم يجد فيها، إلا منا، ومتى نقلت الكرامات لم تنقل إلا عنا، ومتى أراد واعظ أو غيره يطيّب مجلسه ويزينه، زينه بأخبار بعض زهادنا أو كرامات عبّادنا أو وصف علمائنا. وعند ذكر صالحينا تنزل الرحمة وتطيب القلوب ويستجاب الدعاء ويُكْشَف البلاء». ينظر كتابه: تحريم النظر في كتب الكلام، ص 40.
47 ـ المصدر نفسه ص 188.
48 ـ ويرجع للكتاب نفسه ص 164.
49 ـ مقالات الإسلاميين للأشعري 1/65.
50 ـ الملل والنحل 1/6.
51 ـ المصدر السابق 1/79.
52 ـ مقالات الإسلاميين 1/224 .
53 ـ مجموعة الفتاوى لابن تيمية. نشرة دار الوفاء. إشراف عامر الجزار وأنور الباز. مصر ط 2/1998 6/131.
54 ـ المصدر السابق 5/198.
55 ـ المصدر السابق والصفحة نفسها.
56 ـ نفسه 5/199.
57 ـ نفسه 6/(220 ـ 221).
58 ـ شرح الأصول الخمسة ص (182-183) و مقالات الإسلاميين 1/( 224ـ229)، ( 241ـ 244) .
59 ـ شرح الأصول الخمسة ص151.
60 ـ فضل الاعتزال ص 347.
61 ـ المجموع في المحيط بالتكليف 1/316 .
62 ـ فضل الاعتزال ص (348-349).
63 ـ ينظر مثلا منهاج أهل السنة لابن تيمية. دار الكتب العلمية.بيروت . لبنان (د.ت) 1/( 126-127) .
64 ـ الغزالي: الاقتصاد في الاعتقاد. دار الكتب العلمية. بيروت. لبنان. ط 1/1983. ص 53.
65 ـ الغنية في أصول الدين لأبي سعيد النيسابوري الشافعي. تحقيق عماد الدين أحمد حيدر. ط 1/1987. مؤسسة الكتب الثقافية. بيروت. لبنان. ص 98.
66 ـ المصدر السابق ص 110.
67 ـ تبصرة الأدلة في أصول الدين لأبي المعين النسفي. تحقيق كلود سلامة. منشورات المعهد العلمي الفرنسي للدراسات العربية بدمشق. سوريا. 1995. 1/(257-258).
68 ـ المصدر السابق 1/258.
69 ـ المصدر نفسه 1/259. وقد ذكر ابن تيمية في عدد من كتبه تأثر الكلابية والأشاعرة والسالمية وبعض الحنابلة وأهل السنة والحديث، بالأصول الاعتزالية واتكاءهم عليهم في مناظرتهم لغيرهم. ينظر مثلا: مجموعة الفتاوى. طبعة دار الوفاء 5/(330-331) ودرء التعارض 1/157.
70 ـ الإرشاد للجويني. تحقيق أسعد تميم. مؤسسة الكتب الثقافية. بيروت. لبنان. ط 1/1985 ص (114، 106).
71 ـ مقالات الإسلاميين 1/241.
72 ـ المواقف للإيجي 1/46.
73 ـ شرح الكوكب المنير لابن النجار 2/9.
رشيد يحياوي
كاتب وناقد من المغرب