ألفارو سواريز أورتيز
حدث خلال الحكم السلجوقي ببغداد في القرن الحادي عشر ازدهارٌ فكريٌّ في جميع مجالات المعرفة بالشرق، مما أدى إلى تطوير تخصصاتٍ مختلفة كالشعر والفلسفة والرياضيات، لاسيما العلوم الطبية التي كانت تمارس على نطاق واسع. كان ابن التلميذ وهو وريث تعاليم جالينوس وأبقراط من أعظم دعاة هذه الفترة وأئمَّتها.
يعد أبو الحسن هبة الله بن صاعد بن التِّلميذ العربي النَّصراني (بغداد 1073 / 1074-1165) من أكثر الأطباء وعلماء العقاقير تأثيرًا في القرن الحادي عشر. بدأ اهتمامه بالطب في طفولته، مسترشداً بجدّه لأمه (الذي أخذ منه اسم التلميذ). بعد أن أكمل سلسلة من الرحلات في جميع أنحاء بلاد فارس التي سمحت له بتوسيع معرفته في مختلف التَّخصُّصات، استقرّ بشكل دائم في مسقط رأسه ببغداد، حيث أسَّس عيادة بالقرب من مدرسة النِّظاميَّة وكرس نفسه لتدريس الطب. أكسبته شهرته وسمعته منصب رئيس البيمارستان العضدي في بغداد، ووصل إلى ذروة مسيرته المهنية خلال السنوات التي خدم فيها بلاط الخليفة المقتفي لأمر الله، الذي عهد إليه بمهمة ترخيص أطباء بغداديِّين جدد لممارسة مهنتهم. بعد وفاته، ذهبت مكتبته التي لا تقدر بثمن إلى أحد تلامذته، وهو طبيب ببلاط الخليفة العبَّاسي الناصر.
ألَّف ابن التلميذ 18 كتابًا طبيًا ودوائيًا، منها 4 مؤلفات محفوظة حاليًا، بما في ذلك مخطوطة بعنوان اختياراتٌ من كتاب مسكويه في الأشربة، وهي عبارة عن خلاصة مستوفاة تستند إلى المعلومات الواردة في كتاب الأشربة لأحمد بن محمد بن مسكويه، حيث توجد نسخة مخطوطة واحدة منها محفوظة في مكتبة روديفيفا (Rediviva) التابعة لجامعة أوبسالا (السويد). يصف ابن التلميذ من خلال عناوين مختلفة في هذا العمل سلسلة من المشروبات أو الجرعات أو المركبات الطبية المصنوعة من الخمور.
في الورقة الأولى من عمله، يبدأ المؤلف بالاقتباس من جالينوس ويكشف، من خلال أمثلة للطبيب اليوناني ومن خلال اجتهاداته الخاصة أيضا، الفوائد المختلفة التي توفِّرها درجة حرارة الماء. يصف القسم الأول، علاج الماء الثَّقيل حتَّى يعود خفيفًا، مداواة تعتمد على السكر المستخدم في مكافحة مشاكل الهضم وتخفيف المغص.
وتحت عنوان علاج ماء البحر، يتحدث عن تحلية مياه البحر للاحتفاظ بالملح وكيفية تصفية المواد من الشاطئ للحصول على المياه العذبة والصالحة للشرب. يصف القسم التالي صنع الجلاب بماء الورد بخصائصه العلاجية والجهاز الهضمي.
في الأقسام الموالية، يواصل ابن التلميذ في وصف أنواع مختلفة من المشروبات التي تجمع الماء مع مكون آخر. وهكذا، يتحدث في عدة صفحات عن صناعة شراب الشعير واليقطين والخيار والنعناع والتفاح والسفرجل وعن فوائدها. وفي أقسام أخرى، يتحدث المؤلف عن كيفية تحضير نبيذ التَّمر الهندي وفائدته ضد الحمى الصَّفراوية، ويقدم نصائح حول صنع المشروبات المصنوعة من أوراق الآس، ومن أوراق مجموعة متنوعة من التُّمور، والزَّنابق، ونبيذ العسل. آخر مشروب تم وصفه هو النبيذ المصنوع من ماء الخبز، التي يقدم لها وصفات مختلفة وأفكاراً اختصًّ بها دون غيره.