1 – بنية القول السردي:الحكاية وقارئها
ما أن يطوي القارئ آخر صفحة في مجموعة «نافذة على الداخل» (1)حتى يقفز سؤال من المتكلم إلى الواجهة.ففي هذه المحكيات القصصية يصبح رهان الكتابة هو البحث عن مصدر واصل محفل الفيض السردي،الصوت المنتج للمعنى،لكن القارئ وما ان يتم قراءة كل حكاية على حدة حتى يجد أن مركز الفيض السردي محكوم بثنائية الغياب والحضور.
كل شيء يحدث وكأن لعبة السرد والتواصل مبنية على ثنائية الشك واليقين. يحاول الراوي ان يقنع المروي له بحقيقة المايقال. لكنه يكتشف أن اللغة تكتبه بدل أن يكتب بها وبواسطتها المعنى الذي يريد أن يبثه للمتلقي.استراتيجة التلقي تقوم على تحول المتلفظ إلى مرسل يتحول إلى مرسل ومرسل إليه لأنه يسعى إلى تشكيل المرسل إليه كما يريد أن يراه في خطابه.ليصدق حقيقة ما يحكى له،لكن محكيات «نافدة على الداخل» تقلب هده المعادلة التواصلية،لأنه لا شيء يستحق أن يحكى. لا وجود سوى لسيملاكر،يريد الراوي أن يحكي شيئا ما للمروي له، لكنه يكتشف أن ما سيحكيه ويحاول إقناع القارئ بحقيقته محكوم بالشك واليقين لذا يختفي الراوي تاركا الكلام للصمت والفراغ أي انه يفوض الصمت والفراغ ليتحدث باسمه..
إن كانت هناك من حالة لا توازن Situation de désiquilibre تؤثث الإستراتيجية السردية والخطابية في محكيات نافدة على الداخل،فإنها تكمن في سؤال اليقين والشك في علاقته بسؤال اللغة والتعبير،إذن ما الفائدة من استعمال usage، لغة تحدد لنا طرائق عيشنا وتفكيرنا ومأكلنا وكلامنا،ونومنا وموتنا…للتعبير عن الذات والاستماع إلى نبضها الوجودي والتاريخي.
كل إشكال الكتابة محكوم بهده البنية العميقة.إن الراوي وهو يتوغل في حكاية ذاته يكتشف انه يكتب عن صمته في رحلة بحثه عن معنى غائب، في قصة الصمت يقول «دخلت وأغلقت الباب ورائي-أشعلت الضوء فلم يشعل-وتلمست فلم أجد الكرسي الفارغ- -سريري البارد لم /لم..لم..لم
لم أر حولي،في خوف ظلامي، إلا الصمت.(ص51).إنه سواد اللحظة الحاضرة،كما نجده عند صمويل بكبيت،الذي يحيل على هدا المكان الغير المحدد والمجهول،الحاضر الخارج عن الزمن الذي هو لحظة التلفظ»،لحظة انتفاء الذات، صوت الحكاية الغائب والمجهول،الصوت الذي يكتب مجهوليته في «قصة الشك»، قائلا: «أنا مجهول إذن أنا موجود».(ص65).لكن الشك رد فعل ضد يقين مهيمن،ضحك من هدا القين الذي يحيط بنا.(ص64)،وهدم لميتافيزيقا الأصل التي تكتب الذات قبل أن تنكتب في الزمان والمكان،لكونها تحولت إلى شكل استثمر بمضمون قبلي،وكما يقول «كانت البداية حين..حين اشتهيت الثدي فمنعت ؟حين مددت يدي الصغيرة إلى الجمرة فردعت؟عندما أكلت البطاطس فأجبرت؟ أو عندما رفضت الذهاب إلى الجامع فساقوني عنوة كخروف العيد؟ متى كانت البداية؟لا أدري…لعلها كانت مند كانت؟لعلها».(ص61).
لكن الشك يقترن بأزمة اليقين،دلك أن رحلة بحث الراوي عن المعنى هي رحلة بحث عن الأوهام،ومن تم يضاف الشك إلى أزمة الحقيقة ليجد الراوي أن رحلة بحثه أوصلته إلى حافة الجنون،الذي تنتفي فيه الحدود،كما ترى شوشانا فيلمان، بين المعنى واللامعنى (3)،في قصة «التعب» يتساءل البطل عن رحلة بحثه قائلا: «عم كنت أبحث كالمجنون؟ربما عن المعنى.أي معنى؟لا أدري.ماذا يسمون ذلك الشيء الذي يجعلك تثق بالناس وتصدقهم؟الشئ الذي يحفزك على العمل كي تتقدم،وعلى البحث كي تكتشف،وعلى القراءة كي تعرف،وعلى البحث كي تكتشف،وعلى الكتابة كي تكون.ماذا يسمون ذلك السكر الذي تحركه بالملعقة في كأس حياتك قبل أن ترتشفها منتشيا على مهل؟أنا أسميه المعنى.وإنما كنت أبحث في الحب والسياسة والصداقة والكتابة وال…وعدت من الغنيمة في آخر العمر بالتعب».(ص19-20).
-الكتابة في هذه الحال إنصات من داخل الغياب لصوت الذات،ذلك أن أزمة اليقين تزيح الذات المتكلمة من مركز القول،لأنها تكتشف أن حقيقتها وهم،وما تسعى إلى قوله يكشف أننا،محكومون في تعبيرنا بطريقة في الكلام تعودناها(ص21) قصة «الوحشة».
الكتابة عن الذات كتابة عن وهم يعوض الذات في الزمان والمكان «وهم ثقيل خاثر كالدمع.وهم ثقيل يضغط…يضغط..يمحوني،وينتصب أمام الناس مكاني..أصبح وهما.»(ص33).ومن تم ذلك الشعور بالتشظي الذي يؤثث هوية الذات ويجعلها تعيش نوعا من الوعي الشقي إنها أنا ولا-أنا في الآن ذاته، لتمتد هذه الازدواجية إلى الحكاية،ويتسلل خفية معها سؤال الإقناع في بنية التواصل من يحكي الحكاية هل هي هذه الأنا أو نقيضها اللا-أنا؟.
سؤال يجد له تفسيره على مستوى القول السردي في بنية النفي التي تجعل الحكاية في تركيبها السردي تعيش أزمة في خطيتها الحكائية.من يستطيع أن يحكي حكايته وهو يجهل أصوله وبداياته، يتساءل الراوي «متى كانت البداية؟لا أدري…لعلها كانت منذ كنت؟لعلها؟» (-قصة الشك-ص61).من يصدق حكاية الجاهل لبداياته وأصوله.
2-الذات المنشطرة وأزمة الحكاية
يعيش الراوي محفل السرد أزمة أصل، وبالتالي فالأزمة أزمة مزدوجة:أزمة حكاية ومن يحكي الحكاية.يريد الراوي أن يحكي لقارئه شيئا ما لكنه يكتشف أنه يصلح مادة للحكاية،قد تزول»الكَبسة والحبسة عنه لكنه لا يتقدم ولا يتكلم»(ص70-قصة الكهف).
هو هذه- الأنا المجموع المفترق الساكن المسكون الثابت القلق الواحد الاثنان»(ص62)،لا بل هذا الواحد المتعدد والمتشظي الذي ينطوي على العشرات من الواحدين(ص62).هو هذه الأنا المكتظة» كساحة من ساحات المحشر، .يقول «مكتظ أنا كساحات من ساحات البشر تجري في دمائي،مع دمائي، شوارع وعمارات وحافلات وتراموايات وطاكسيات..وجماهير وحيدة.لم أر قط جمهورا وحيدا من قبل…».(ص74).
الحكاية في «نافدة على الداخل» حكاية صوت سردي يسعى إلى لملمة أجزاءه المبعثرة في حكاية الغياب.مما يجعل الحكاية تتحول إلى ميدان توتر بين ذات التلفظ وذات الملفوظ. ومن بؤرة هذا التوتر يتجلى سؤال التشظي،يقول «وحين رأيت سريري،ذاب تماسكي وانهرت،سقطت على الأرض الصلبة،فتكسرت شظايا»،و للقارئ بمعية الراوي التقاط شظايا مرآة الذات المتكسرة لإعادة تشكيل صورتها من جديد . يتداخل محكي تشظي الذات بالمحكي الاسنرجاعي لبلورة سؤال الكتابة والموت من داخل الزمن.لتعيد الحكاية كتابة الأنا عبر أثرها.يقول في الشظية الأولى»حين أموت،وخلال الاحتضار، سأتذكرها بفرح،لأنها الشهادة على أنني قد عشت».(ص44).
ما الذي تذكره الراوي إلى حد أنه يشكل جزءا من كيانه المتشظي ؟إنه الموسيقى، اللغة الكونية،العامل-المساعد الذي يساعد الراوي على التجلي من عتمة الغياب، يمكننا الشك،كما يقول الراوي، في كل شيء في هدا العالم إلا الموسيقى،إنها «وجود غامر كالبحر حول السمكة أو كالسماء حول الطائر أو كالرغبة في (نغاشيش) العاشق…غامر غامض ضاغط هابط…لكنه مغر ساحر وفاتن.والاهم أنه حقيقي.حقيقي لأنه يحركك..يحررك.تحس أنك تنمو من الداخل وتتسع و تفيض حتى تحتوي الكون كله». (ص67-قصة الشك).
كلما توغل الراوي في قراءة تشظيه الذاتي عثر على حقيقته في استنطاق الذاكرة، لتتجلى حكاية القبلة من زمن النسيان، تلك القبلة التي «كانت –ربما-أول قبلة في حياتي، ولذلك –ربما ظلت الشفتان المراهقتان النديتان في ذاكرة فمي إلى الآن.» (ص45). أما الشظية الثالثة التي يحكيها الراوي، هي أول قصيدة شعرية تعلمها في حياته،(ص46).
التشظي الذاتي تشظي متنوع، إنه هذه الأنا-المتعددة التشظي،ما على الراوي والقارئ على حد سواء سوى رتق الشظايا لإعادة تشكيل هويتها،بالإضافة إلى الشظايا الثلاثة،هناك شظايا أخرى يعثر غليها»البطل» في الكتب التي قرأها،والحيوانات التي عرفها وهو طفل،والأربعاءات التي كان يتحرر هو ورفاق طفولته في عشاياها من الكتاب ورؤية البحر أول مرة وابتسامة مازن أصغر أطفال العائلة وكأس شربها في خياله وهو يقرأ بيت الأعشى وفي ذكرى زهرة.
تتحول الحكاية إلى بحث عن أصل الذات المفقود للاتصال بموضوع الرغبة الذي ليس سواها،إنها أيضا بحث الأنا-الراوي عن الأنا-المروي و الرغبة في ملأ مركزها الفارغ في فعل التشظي.لكن الأنا-الراوي وهي تتأمل غيابها تكتشف أن غيابها يتجلى فيما»لا ينتهي أو يحد من ذرات الشظايا التي تتطاير في فضاء ذاكرتي كذرات الهباء المحيطة بنا والتي لا يبدو منها لعيننا إلا ما يضيئه شعاع الشمس الممتد من النافدة.فأين أجد الشعاع اللغوي الذي يكشف هذه الذرات».(ص47). بيد أن هذا البحث في تملك أنا-موضوع متشظ يستحيل القبض على وحدته،يجعل رحلة البحث هذه مجرد حلم لامتلاك أصل مفقود،حلم بالرحم حيث الفرح الحقيقي للإنسان..الفرح الذي ترمز إليه الجنة في الدين،والجمال في الفن،والحب في الحياة..قد»(ص48).
يتحول همس الذاكرة في الحكاية إلى وعي، يسعى إلى لملمة ورتق ماضي وحاضر ثم شظايا الأنا المفتتة،لكن ضمير المتكلم –الأنا-موطن الذات، ممنوع من الإقامة،كلما تقدم النص خطوة إلى الأمام،إلا و تعمق صمت الذات المنفية واندماجها المستحيل إلى حد نضوب الكلمات.(3). .تنضب الكلمات في حضرة الغياب والفراغ ومأزق اللغة.ويتجلى السؤال للبحث عن العلاقة القائمة بين الأشياء والكلمات في ذاكرة الذات المثقوبة.
-الحكاية في «نافذة على الداخل» توغل في تلك المسافة المتاخمة للحضور والغياب،بحث عن أجزاء الذات الغائبة، كلما توغل الراوي في حضوره أدرك غيابه في الزمان والمكان،اعتقد في قصة الظل أنه اكتشف حقيقته،لكنه لم يكتشف سوى ظله،جزؤه الليلي والتوأم الذي ينتظره بالأفق العلى ليتحد به.(ص59).الغياب يكشف أن الذات تعيش الدرجة الصفر في المعنى.معناها مفقود في الزمان والمكان،محفل سردي فارغ،يريد أن يحكي هويته بدل أن يحكي هوية الآخرين،موضوع السرد غائب في منظوره النقدي،يريد أن يكتب لكن ملكة الحكي تخونه»من فوق القصة كنت أنا السارد أرقبها.ما ذا أفعل لها؟ما ذا افعل بها؟».(ص34) .
كلما أمعن الراوي النظر في المرئي الذي يحكيه،اكتشف أنه أمام أطياف محكومة بلعبة الحقيقة والوهم ليتجلى السؤال الذي يتحول إلى مهيمنة سردية تؤطر علاقة الكلمات والاشياء بين الدوال ومدلولاتها في منظوره السردي.إن الامور تحصل وكأن ما يتلقاه الراوي من رسائل تصبح محكومة بلعبة التمويه،بحكم ان دوال الما-يحكى وتجلياتها يتحكم في بتها وانتاجها محفل متعال يسعى إلى إقناع الذات بحقيقة الما-يقال في الزمان والمكان،لكن فعل الاقناع يصطدم بشك الراوي الذي لا يتوقف فعل التلقي عنده على الشك بل يتجاوز نحو مسائلة دوال الرسائل التي يتلقاها.يتسائل في قصة»الكهف»ماذا يكمن خلف الهضبة؟ما الذي يتحرك خلف الشجرة؟لف المنعطف الصخرة والينبوع؟من ذا يجلس أو يستلقي كالطفل هناك؟..من فوق،وكأي مظلي،أطل على وعدي…مكتوبي الأسود يجثم في نقطة الخاء من الفخدين كما يجثم قدر أسود صغير في نقطة الغين من الغد.(أختي الصغيرة باردة ككانون الشهر ساخنة ككانون الخبز..قولي لي ياكانون حياتي:ماذا تخبئ لي الأقدار؟قالت الأخت الصغيرة هامسة لشعري المنتصب كشوك القنفد ما سيكون كان..فغادر المكان».(ص71).
الكتابة في «نافذة على الداخل»،احتفاء بسؤال الحضور والغياب، ذلك أن التفكير في الكتابة،وكما ينبهنا جاك دريدا، تفكير في هدا الانشثقاق والانفصال القائم بين العلامة والحضور،تفكير في هذه العلامة التي لا تمثل الذي ينتجها، تعبير عن فقدان وغياب ما يسميه جاك دريدا إرادة-قول vouloir-dire مزامنة ومعاصرة لفعل التلقي الذي يتم انشاؤه وخلقه في فعل القراءة.
إن كان احمد بوزفور يفكر في صوغ الخطاب السردي في محكيات نافذة على الداخل من داخل سؤال/أطروحة الغياب والحضور، فليؤكد أن الراوي أزيح من مركزيته السردية ليتحول إلى مركز فارغ،وبالتالي فرحلة حكايته وبحثه منصبة في معرفة أصله وهويته أولا وقبل كل شيء قبل أن يعرف الآخرين ويحكي عنهم.أي أنه يبحث عن ذاثه ولغته الذاتية التي نزعتها منه قوى خفية غيبت دوره كذات تريد أن تحكي.وبعبارة أوضح يكتب بوزفور عن غياب السلطة الثقافية للراوي في القصة المغربية تجاه التشكل القبلي للأشياء التي يريد أن يحكي عنها.هذا مأزق ثقافي مركزي في «نافذة على الداخل».نقرأ في قصة « شخصيات خاصة جدا»»عسجد وسندس-كانا في ملك سكينة بنت الحسين، وكانا يشتريان لها الغلمان والجواري.جاءاني أمس وأنا نائم،وقعدا عند رأسي بحيث أسمعهما.قال عسجد:ما رأيك فيه؟نأخذه؟قالت سندس:من هو نخاسه؟
-هو آبق الآن،ولا نخاس له.
-وما ذا يحسن؟
يكتب القصص
-لا أعتقد انه يصلح..
-ماذا تفعل سكينة بعبد نام أبق وإذا صحا كتب القصص»(ص10).
بطل القصة وبرنامجه السردي مرفوضان؟.لماذا الجواب واضح،لأنه لاخير في من يكتب القصص. ولكن القصة تضيف صفة أخرى للراوي -البطل :إنه عبد آبق ،العبد يأبِق ويأبُق بكسر الباء وضمها أي يهرب.
من يقرأ جدلية الخفاء والتجلي في هذا المحكي سيكتشف أن الكتابة مرهونة في هذا المحكي من بثنائية العبد والسيد.الراوي هنا عبد-آبق شق عصا طاعة سيده.مما يجعله يقترب من عوالم الكفر وفي الحديث»أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم»،كما ورد في لسان العرب.
لكن سؤال الغياب والحضور في محكيات « نافذة على الداخل» ينفتح أيضا، وكما تدل على ذلك عتبة النص المركزية العنوان، على جدلية الداخل/الخارج.الفاصل بين الداخل والخارج النافذة.غالبا ما تتحول النافذة في الأدب العالمي إلى وساطة للإطلالة على العالم الخارج والانعتاق،هذه حالة إيما في رواية مدام بوفاري كثيرة هي النوافذ التي تطل من خلالها على العالم الخارجي،لكن أحمد بوزفور يسلك حكائيا منحى معاكسا بدل أن يطل الراوي-الذات على الخارج من الداخل يسلك عكس ذلك.إنها العودة إلى الداخل،هي رحلة معاكسة من الخارج إلى الداخل.
انتهت رحلة البحث الأولى بالفشل،لم يستطع الراوي أن يتوج رحلة بحثه بامتلاك موضوع رغبته، تعب وكما يقول في قصة «التعب»»أحسني كمتسلق تعبت يداه،فأطلق/أفلت الحبل مرغما،أحسني أهوى بين السماء والأرض خفيفا كالريشة آملا أن لا أصل إلى الأرض أبدا..أن تتخطفني الطير أو تحملني أجنحة الملائكة أو تبعثرني الريح أو يبطل قانون الجاذبية أو…ثم أفيق من الغيبوبة»(ص18).بَحَث عن المعنى في»الحب والسياسة والصداقة والكتابة وال…وعاد من الغنيمة في آخر العمر بالتعب.لم يتبق سوى العودة إلى الذات.إلى الداخل على مرحلة الأصل-حيث تتحقق الذات في الزمان والمكان للسمو بها.يقول الراوي»أرحل داخلي أركب حافلات وقطارات وسيارات وطائرات ..أركب حميرا وبغالا وخيلا وجمالا..تحملني فوق ظهورهن أمهات وأخوات وجارات..ارحل أرحل ارحل..حتى أصل على الخضرة…عيناها خضراوان…حقول الشعير والقمح تهفهف سنابلَها ريح نيسان،فتشيع الخضرة في الجو.أشجار الحديقة خضراء .الغابات البعيدة في الأفق الخضراء.حتى السماء الزرقاء تخضوضر مثل ضاية تنعكس في مائها خضرة الأرض .الكون كله طفل صغير أخضر لم يتعلم بعد الكلام.يلغو ويقرزم وينادي من شفتيه الكونيتين الخضراوين:زهرة زهرة.. يلغو ويلعب وهو فرحان.الخضر لا يحزن.والخضرة صافية ندية كأنها عشب ربيعي ممطور..عيناها خضراوان».(ص74-75-قصة الكهف).
1- المراجع
1-أحمد بوزفور،»نافذة على الداخل»،مجموعة قصصية،منشورات طارق،2013.
2-Joseph Long-Samuel Beckt-Le sujet en exil-163-in-Voix traces avenement-L’écriture et son sujet.P.U.de caen.1999-ouv-coll.
.3- shochana Felman : La folie et la chose littéraire, aux édition du seuil, 1978 p. 18.
محمد الدوهو*