شهدت سماء مسقط في أيامها الاولي من العام الاول للقرن الحادي والعشرين أضواء ثقافية متعددة جاءت ضمن فعاليات مهرجان مسقط الدولي الذي تبنته بلدية مسقط والذي شمل الاثارة والتعددية لكافة جوانب الثقافة والترفيه والعلوم آخذا بدوره في تغيير نمط حياتي مؤقت لم يتجاوز ثلاثين يوما أثرى من خلاله جانبا متميزا من البهجة والاستمتاع والاستفادة اتضح من خلال تجاوب الجمهور المستمر طوال فترة المهرجان.
شملت التظاهرة الثقافية للمهرجان جوانب مختلفة من الأجناس والاعمال الثقافية تضمنت الفكر والأدب والنحت والمسرح والسينما ولقد حظيت هذه المناشط بتخصيص لجان من المتخصصين في الاشراف على كل جانب من الجوانب المشاركة، فبرزوا بدور فعال وصبوا جل اهتمامهم في العمل على تنظيم برنامجهم مع ما يتناسب وزمكانية الفعالية.
ففي ملتقى النحاتين العرب الذي أقيم في ساحة حديقة القرم الطبيعية شارك عدد من النحاتين من مختلف الدول العربية كالسعودية وسوريا ومصر ولبنان والبحرين والاردن وتونس والعراق بالاضافة الى مجموعة من النحاتين العمانيين الذين تولوا الاشراف على انجاح المعرض، حيث يعتبر مثل هذا الملتقى الأول من نوعه في مسقط.
أما بالنسبة لمهرجان مسقط السينمائي الأول فقد تضمن مجموعة من الأفلام المختارة والحائزة على جوائز دولية مثلت ثقافات متعددة تمثل ثراء التجربة الانسانية من خلال الحس السينمائي ومن بين الافلام التي شاركت في المهرجان فيلم "تراب الغرباء" من سوريا وفيلم "الهائمون" من تونس وفيلم "عرق البلع" من مصر اضافة الى أفلام من كل من فرنسا وألمانيا وتركيا والمكسيك وايطاليا وكازا خستان وايران ومالي والصين جمعت هذه الأفلام بين عادات وتقا ليد ومعتقدات هذه الشعوب وبين كيفية الاداء السينمائي والعمل الفني لكل فيلم مقارنة بباقي الافلام. أما بالنسبة لمهرجان الفرق المسرحية الاهلية والذي سمي (بأيام جمعة الخصيبي المسرحية) نسبة الى الفنان المرحوم جمعة الخصيبي تكريما له ولعطائه الذي انجزه طوال فترة حياته التي قضاها خدمة للابداع المسرحي والفني والذي يعتبر من مؤسسي المسرح في السلطنة، فقد جاء المهرجان على هيئة مسابقة بين العروض المشاركة من حيث الافضلية في تأدية العرض وأحسن ممثلة وأحسن ممثل وأحسن نص مسرحي بالاضافة الى الديكور والاخراج حيث تضمن المهرجان مجموعة من الفرق المشاركة وهي: فرقة الصحرة – وفرقة مسرح مسقط الحر- وفرقة مسرح الدن للثقافة والفن – وفرقة مزون – وفرقة نجوم صحار- وفرقة المسرح الأهلي- وفرقة صلالة الاهلية.
أما على صعيد الجانب الفكري والأدبي فقد حرصت اللجنة المنظمة لهذا الجانب على استقطاب أسماء لامعة لها حضورها المستمر والتي تشكل بؤرة فكرية وثقافية انتشرت أسماؤها بين الكتب والدوريات الثقافية والصحف في ملاحقها الثقافية، ولذا فمن بين المدعوين في الأمسيات التي أقيمت بنادي الصحافة التي اتسمت بالطابع الشفاهي بين عنصري الالقاء والتلقي والمناقشة والحوار المفكر والاستاذ الجامعي الجزائري د. محمد أركون المتخصص في الفكر الاسلامي وفق مناهج البحث الحديث والذي يقيم في فرنسا كأستاذ جامعي فيها وفي جامعات أوروبية أخرى، حيث ألقى الدكتور أركون محاضرة بعنوان (اللامفكر فيه في الفكر الاسلامي المعاصر) تناولت هذه المحاضرة بموجز بسيط تاريخ زحف الحضارة الاسلامية وما تبعها من ثقافات الى المناطق التي تمت فيها الفتوحات الاسلامية ثم تطرق بعد ذلك الى بعض الفلاسفة والمفكرين العرب الذين همشهم الفكر المعاصر أو تجنب الاشارة الى منجزاتهم الفكرية في حين ان الغرب بالمقابل قد أخذ في دراسة مؤلفات هؤلاء المفكرين مما ساعدهم على خلق ثقافة واسعة بكافة جوانبها. كذلك اشار الى التفسير الخاطئ للعلمانية وتكفير مفهومها في حين انه دعا الى ضرورة التفكير والوعي باستخدام العقل والحذر الشديد في التفسير او الطرح.
وفي أمسية أخرى ألقى الدكتور علي حرب المفكر اللبناني الذي زاول مهنة تدريس الفلسفة في الجامعة اللبنانية وحاليا متفرغ للبحث والكتابة محاضرة بعنوان (المثقف والمجتمع بين هويته ومهمته) تطرق فيها الى موت المثقف العربي بمعنى تلاشي الروح النضالية أو المهمة التي من خلالها تتفاوت بين مثقف وآخر والتي يرتكز من خلالها على روح هويته الثقافية كمهنة.
ومن جانب النقد فقد ألقى الناقد والمترجم السوري صبحي حديدي الذي يعيش في باريس وله دراسات نقدية كثيرة ومتنوعة بالاضافة الى ترجمته لمؤلفات الى اللفة العربية محاضرة بعنوان "النقد والنظرية الأدبية في مستهل القرن الجديد.. تيارات الماضي وآفاق المستقبل" تمحورت محاضرته حول المدارس النقدية التي تعبر من القرن العشرين الى القرن الواحد والعشرين التي تصح المراهنة على رسوخها في العقود القادمة ولذا فقد اكتفى بثلاث من ابرز هذه المدارس وهي: أولا: (مدرسة النقد ما بعد الكولونيا لي)، ثانيا: مدرسة (التاريخانية الجديدة والمادية الثقافية)، ثالثا: (نظريات القارئ وتأويل القراءة) والتي تقوم على استجابة القارئ لما يقرأه والطريقة التي تتم بها القراءة.
ومن النقاد أيضا شارك الناقد والاستاذ الجامعي التونسي محمد لطفي اليوسفي بمحاضرة عنوانها (سطوة النقد ويتم القصيدة) في محاضرته التي جاءت شبيهة ومكملة نوعا ما لورقة الناقد صبحي حديدي في تناول الخطاب العربي النقدي المعاصر الذي فرض سطوته في الراهن الثقافي العربي والذي ما فتئ يعمق الفجوة بين الواقع والنص واعتبرها خطابات متعالمة تمضي بالقصيدة حتى يتمها وخرابها.
وفي أمسية لاحقة قدمت ورقتان شملتا قراءة لقصيدة محمود درويش (جدارية) في مجموعته الاخيرة كانت الورقة الاولي للدكتور خليل الشيخ وجاءت الورقة الثانية للدكتور فيصل النجار، تحدثا في ورقتيهما عن الأبعاد الفنية واللغوية للقصيدة.
واختتمت جولة المحاضرات بمحاضرة للدكتور زغلول النجار التي تضمنت موضوعا حول الاعجاز العلمي في القرآن الكريم، بين فيها دلالات القرآن الكريم فيما يكتشفه العلماء بكافة العلوم المختلفة.
بعد ذلك توالت الأمسيات الشعرية والتي جاءت ضمن سلسلة من الشعراء العرب والخليجيين والعمانيين، حيث شاركت شاعرات من المغرب العربي تحديدا من تونس كل من آمال موسى وجميلة الماجري، كما شارك من الشعراء كل من جريس سماوي من الاردن وفاروق شوشة وعبدالرحمن الابنودي من مصر والشاعرة اللبنانية صباح زوين ومن البحرين الشاعر الشعبي عبدالرحمن رفيع كما شارك مجموعة من الشعراء العمانيين الواعدين وهم علي الرواحي ومسعود الحمداني وبدرية الوهيبي وغيرهم الذين تراوحت قصائدهم بين العمودي والتفعيلة والنثر بالاضافة الى الشعر الشعبي (النبطي).. الذين اختتموا المهرجان بعبير الالقاء.