1
هل استراح الراوي الذي في , بعد يومه السادس, وقد سوى مخلوقاته في ستة فصول تمتد في ستة فصول أخرى, وعف عما خلق هل هجس بذلك بينما كنت أسوي حقائبي وأشيائي المتناثرة هنا, ومال إلى صمته الداخلي وأواره, مثلما ملت بدوري, وأنا أنتبه إلى مآلاتي الخاصة!
– الكلمات هي الوحدة.
قرأت هذا يوم أمس, جملة ينقلها هنري ميللر عن آخر, ويثبتها في مدار سرطانه, ولا يكتفي بذلك, إنه يزيد عليها نفيه للصعوبة في ان يكون المرء لوحده, إذا كان فقيرا وفاشلا, فالفنان دائما لوحده إذا كان فنانا حقا, فما يحتاجه الفنان هو الوحدة.
هجس الراوي في , وهجست بذلك, ربما هجسنا معا ذات اللحظة. فقد كان وحيدا تماما. وكنت وحدي.
منذ ساعة يدب صمت غريب في أرجاء المكان, ولم نسترح, أو أسترح, صمت مترع بيقين ما, يقين بالثمالات الأخيرة. الغرفة تختنق, كما لو أنها نفق طويل بلا نوافذ, أو ضوء, وأجلس. هل أمرضتني الكتابة, وأمرضني مسار المغني, فصرت رديفه, وصار لي شجاري اليومي مع من أحب, حتى لأهيئ هذه الأيام أسباب رحيلي, وأجلس الساعات متفكرا في عائلتي هناك, وفي ما فعلته بنفسي هنا, والآن, هذه الآن التي تمتد في الزمن إلى عمق أربع سنوات!!
أجلس إلى طاولة فارغة من الأكواب والنبيذ, طاولة من خشب ساكن, لم يعد لها من وظائف الأيام السابقة شيء, ولا تحس بي, أو تتلقى جيشان الجريح ببعض من عزاء, حتى لو كان كاذبا, أنا الجريح, الهالك وأجلس مستندا بمرفقي عليها, المريض بالماضي الذي قبل قليل كان حاضرا, ودعني إلى زمن آخر, وأنا الراوي, وقد شغلتني رقى العاشق وإشاراته, وتماهيت في الصوت والكتابة أياما طويلة, بينما كانت امرأتي تتوغل في خريفها الخاص وتذبل, وأنا إلى أمراضي أنتبه, وأعد صامتا لرحيلي, لأدخل في موقف النأي.
وضعت في الصفحات ما تيسر من اللقى والإشارات, متوقفا عن النظر فيما تبقى إلى أن أفرغ مني, أنظر إلى نفسي, وأراني في الطريق إلى نهاية ما, أجمع أوراقي وآثاري من الغرفة, لا أريد لظلالي أن تتوزع في المكان, وأصير ذليل قلبي.
ثمة شيء يلمع داخلي, يخزني بما لا اعرف, وأتنفس عميقا, شيء غامض, غير ملموس وملموس, كما لو أنه نقطة سوداء في نهاية سطر من الكتابة أو حياة ملتوية في الأيام.
أتأملني قليلا, وأرى أن النظر في نهايات الآخرين, عبر أوراق ضيوفي الذين أحلتهم الى سكن الوحشة, لم يكن ليخفف عني في شيء, وأنا أعاين نهايتي, على تشابك حيواتنا, وقد تجرعنا الأكواب ذاتها.
أجلس وحدي, ولم تعد الطاولة فارغة, هي الآن تزدحم بكوم من الرسائل والصور, وأنا أتأمل الأغلفة والعناوين, وطوابع البلدان القادمة منها. بعد قليل ستأتي المرأة التي عاشرتني السنوات هنا, وحلت معي في هذه الغرفة, وطوفتني البلدان, ستأتي وتتسلمها, بعد إلحاحها الطويل علي , كانت دائمة القلق على أشيائها معي, وترى أن من حقها أن تسترد كل شيء.
كنت توصلت إلى أن الحب لا يعود حبا, إذا لم يعد قادرا على منح الطمأنينة في المحبوب, لكم أحزنني هذا, وأحزنني أكثر, إذ قالت لي ذات نقاش غاضب ؛أنا لا أثق بك«.
أية قسوة كانت إذن في هذه الكلمات!! وكيف تأتى لها أن تقول ذلك ببساطة التي نطقت بها, كما لو كانت تصدر حكما , لا رجعة عنه!
تمزق شيء ما في , وتألم كلي.
ها أنا أتألم من جديد, تركت بلادي وأهلي, وأجلت حنيني إلى الأرض أعواما أخرى, لم أكن لأعرف عددها, كنت فكرت طويلا, وقلت أطيع قلبي, وآمنت بها.
أفكر الآن, أية خسارة كانت السنوات الأربع الماضية, وقد طوفت كل هذه المسافات لأكون إلى جانبها!
أفتح مغلفات الرسائل, وأقرأ قليلا منها, أضيق, فأعود إلى حشرها ثانية, فرزت عنها المغلفات الخاصة بالصور, قلت فيما بعد أعود إلى تأملها, وأرى كيف أبد ت الكاميرا حركاتنا البعيدة.
أرمي بعيني إلى الشرفة, أتعلق برؤوس الأشجار العالية التي تلوح لي مائجة في الريح الدوارة في الخارج.
وأرى إلى أن حياتي هنا تموج بدورها كما هذه الفروع. مر هذا العام, وختمنا أيامه الأخيرة في باريس بالشجار, كنا نجلس في مقهى رصيفي, قريبا من ساحة الأوبرا, اعتقدنا معا أن هذا الشجار, هو آخر الشجارات, ولا يليه إلا القطيعة.
كانت جادة, وكنت يائسا من عودة الصفاء القديم الذي كان.
أنت لا تستطيع أن تعيد ما يذهب, حينما ينكسر غلاف الساعة الزجاجي, لسوف يحشوها الغبار, ويزدحم على أطرافها, وسيتلف الوقت فيها ويضطرب. صارت الحياة بيننا ساعة معطوبة, انثنت العقارب, واختل سيرها.
كنا نحدق في بعضنا, ونشيح عنا, بلا رغبة في الكلام. صمتنا الى أن هدنا الصمت.
أدرت في ذهني فكرة أن أعود وحدي, لكننا عدنا معا, قبل ذلك, رحنا نتجول في الأسواق كإليفين, وكنا راضيين, ابتاعت لي لفحة بنية نفيسة, حين رافقتها للتسوق, في يومنا الأخير في باريس, قدمتها لي مبتسمة, وواصلت حبها, لأصل بعد شهور إلى لحظة انتظارها الآن, وأشياؤها على الطاولة.
أنا وحدي, وانتظرها.
ها هي من الشرفة, ألمحها تجيء من الرصيف الشمالي, المواجه لمكتبة الساقي.
بعد أن انعطفت يسارا, صار المطعم الباكستاني خلفها, لماذا أستعيد اللحظة, ذلك المساء البعيد, مساء احضرت لنا منه وجبة شهية من أصابع الكباب.
أستدير إلى الطاولة, لأخفي الرسائل والصور تحت المخدة, وأجلس على طرف السرير, جاعلا المخدة خلفي.
أحد ما فتح لها البوابة, أسمع الآن وقع خطاها على الدرج, تقترب أكثر, وأقوم إلى الباب. ودخلت.
2
وقعت علي العتمة, ووقعت في نفسي.
قبل قليل عدت إلى الغرفة, كنت مشيت معها حتى زاوية »بتهوفن«. وذهبت وحدها بأشغال الماضي وحبائله. سخرت بالمخاوف الهشة, وأنا أراها تبتعد, سخرت بالكلام المخطوط والموقع, ذلك أنها لا تعرف كم ظل معي من أشغال هذا الماضي الميت, وكم أخفيت من رسائل أو صور, تقيم هي فيها وتتنقل ما بين الحدائق وسرير الغرفة, تطهو أو ترقص, أو تتأملني مفتونة, شاردة وضاحكة.
رغبت أن أعود إلى الغرفة سريعا وأمزقها إربا إربا, أو أدب فيها النار.
ثمة شيء ما في داخلي كان يعوي من العدم.
ليس بي حاجة إلى المقهى, مشيت حتى محطة كوينز واي, وتجاوزتها, قطعت الشارع إلى »هايد بارك«, توقفت متأملا الشارع الوسيع الذي يبدأ من البوابة شاقا الحديقة إلى قسمين, أرست عيني بلا معنى في امتداده البعيد, ومشيت.
كان صمت عميق في , صمت رباني, وكانت روحي تركن هادئة إلى حضنه. صمت لا يعكره شيء من ضجيج هؤلاء البشر اللامرئيين يملؤون المقاعد أو يتجولون بملل مكشوف, تحت هذه السماء الرمادية. ها أنا أتعلم في هذا الصمت. أتعلم أن أكون وحدي من جديد, وصلت البركة.
هادئا كان يسبح البط, هادئا مثل روحي, فمن ينفضني من كل هذا البلل!!
انتبهت إلى المذاق المر في فمي, أيكون طعم الليل مثلا, أم هي إفرازات الوحشة!
أدور عائدا ما بين الأشجار بأفكار جافة. الحشائش بليلة, وأصل إلى البوابة الكبيرة, أريد أن أفرغ من كل شيء, وأعود إلي جديدا, خفيفا كطائر ثمل, فكرت بذلك وأنا أقوم بما أقوم به.
أغسل وجهي وأراني في المرآة مشعث الشعر, أمسده بأصابعي المبتلة, وأغادر المرحاض.
الأشياء تختفي وتغيب, أراني على صراط رهيف وأمشي, تمتد على يميني الهاوية, أما على شمالي فشجرة خضراء عالية. بي رجفة ما, رجفة غامضة, تحيلني إلى أيقونات خبيئة هناك, تأملت هذا الوميض, وأغمضت عيني, وواصلت.
وجدتني بمحاذاة السور القريب من البناية التي تقيم فيها, وقفت أمام البوابة الرئيسية التي تفضي إلى المجمع السكني, كنت أمشي بلا هدف. هنا في هذه النقطة بالذات, صادفني قبل عامين زوجها, قادما من الجهة المقابلة, الوقت كان منتصف الليل, وكنت أوصلتها حتى المصعد, ما الذي دفعه ليكون على غير عادة خارج المنزل, الآن بالذات, ارتبكت وتمهلت قليلا كأني أقرأ اللوحة المثبتة على الجدار, تفاجأ هو بي وسيطرت على ارتباكي, لا أعرف إن كنت نجحت في ذلك, تصافحنا, قال لي في دهشة واضحة: أراك هنا!
قلت بلا تركيز, إني ذاهب إلى مكتبة »بادنجتون«, كانت المكتبة في اتجاه سيري حقيقة, لكني لم أجد معنى لجوابي, فلا مكتبة تعمل الآن, وذهب.
تلك الليلة أثار مشكلة معها بتساؤلاته عن سبب وجودي في المكان, وأسكتته بردها: ولماذا تسألني أنا, لماذا لم تسأله هو عن ارتباكه, فما أدراني أنا بذلك?
منذ تلك الليلة اختلفت نظرته إلي . نشأت حساسية ما بيننا, ذات بعد شكو. بعد ذلك سألها يوما عما بي, وكان التقاني في الشارع وأدرت وجهي عنه, فلم أكلمه.
الآن لن يثيرني في شيء, لو كان رآني في شرودي هذا, ولن ارتبك, وما كنت أصلا لأبالي لو قال لها انه ارتبك أو لم يرتبك, أو إذا قال أدار وجهه, أو كلمته. ربما هي أيضا لن تخبرني بعد الآن بشجاراتها معه, أو شكواه حولي, فليهنأ إذن بجوزه الفارغ, وقد دخلت اقليم الوحدة.
أعرف لن يصلني منها الضوء إن عبرت أو أقامت في غرفتي, فالغصن لا يعود إن جف أو نزع من الشجرة. لم تعد هي لي, ولم أعد لجنوني.
في الطريق إلى الغرفة, دخلت مبنى ؛وايتليز شوبينج سنتر« لا غاية لي في شيء, صعدت الدرج إلى الطابق الأعلى, رغبت أن أرى صديقا ما في أحد المقاهي المنثورة على امتداد المكان, بي رغبة ملحة للكلام مع أحد, وأريد أن أصرخ أو أبكي.
غادرت السلم المتحرك, لا أحد في المقهى المقابل, ورحت أتجول في المكان, لا أحد أعرفه في المقاهي الأخرى, والزحام بلا مقاعد, نظرت الى جدار الهواتف العمومية, هي بدورها مشغولة بالمتكلمين, وثمة من ينتظر دوره في الكلام, وأنا بلا مواصلات. خطوت باتجاه صالة السينما, ثمة اعلانات عن أكثر من فيلم, أتأمل في المشاهد المعروضة على لائحة الاعلانات المروجة لأفلام الأسبوع القادم, أرى إلى وجه يفيض بعذوبة مشوبة ببراءة ما, وخفة محببة, وجه (جولييت بينوش) الممثلة الفرنسية التي لعبت دور الممرضة في فيلم (المريض الانجليزي), يشدني هذا الوجه بتوتره وجماله, وأستعيد حيوية دورها في (خفة الكائن التي لا تحتمل). أذهب في تأمل هذا الوجه, وتطول وقفتي. فجأة أرى إلى عينيها ترمشان, ثمة حركة ما حول شفتيها, أركز أكثر, ولا أرتعش جزعا, رحت أتفتح ببطء, ويتخلل جسدي غناء غريب, سمعتها تقول لي, نحن نتغير دائما, والأفكار تتغير, وأظن أنك يجب أن تترك الماضي يمضي.
– إنه يمضي على كل حال, رضيت أم لم أرض.
لعلي نطقت هذه الجملة, لكن لماذا يلح علي الآن, ويطن في إذني رنين هاتفها البعيد, في آذار الماضي: تعال, سنرى »المريض الانجليزي« معا, ابتعت خمس تذاكر, لموعد التاسعة, وقد دعوتهم. لا تزعل مني. تعال بعد أن تعتم الصالة.
أتيت قبل الموعد, ومن بعيد رحت أتلصص في الوجوه, رأيت الولدين, مع صديقة الابن الأصغر, يقفون في الداخل, ثم رأيتهما واقفين إلى بعضهما البعض, لعلها كانت تبحث عني هي الأخرى, إذ لمحتني من بعيد والتقت عيوننا, أدارت وجهها, بعد قليل وكثير من المرارة, راحوا يدخلون إلى الصالة, تقدمت حذرا.
ما أسوأ أن تكون عاشقا في مثل هذا الموقف, موقف طارد للغبطة بامتياز جارح, ما من أحد يحسدك عليه. تقدمت أكثر ورأيت عتمة الصالة فدخلت, كان مقعدي في آخر الصفوف بالنسبة للشاشة, جلست حيث لا ارى غير مؤخرات الرؤوس, كان بحثي عنها عبثا, فجأة ينهض رجل من الصفوف الأمامية, ويغادر القاعة, عرفته, وعرفت موقعهما. عاد بعد قليل, ورحت أتابع المشهد, كانت اكتافهما متباعدة. شب لهب غزير داخلي. رغبت أن أنهض, وأركض بعيدا بعيدا حتى لا أرى كتفين متقاربتين أو متباعدتين, رغبت حقا, لكني ظللت مشدودا إلى مقعدي.
ها أنا أرغب الآن يا جانيت في أن أركض من جديد, وأركض أبعد هذه المرة وأبعد, باترا نفسي من كل شيء, فقد بت لا أرى في المكان هنا, أكثر من كهف في جبل صحراوي حيث كانت كاترين حبيبة المريض الانجليزي غير الانجليزي تموت انتظارا.
نشلتني من مخالب الذاكرة, ورأيتني عائدا إلى جانيت, نظرت إلى وجهها, كان صورة على ورقة اعلان, فقلت لها وللمريض وداعا.
وقعت علي العتمة, ووقعت في نفسي.
حين نقرت علي باب الغرفة. نهضت عن طرف السرير, وفتحت لها, التقت عيوننا, وكنا صامتين, ابتسمنا معا في شيء من التعب والحزن, وفي صمت أخذتها الى صدري, لعلها أحست برائحة ما, ربما انتبهت إلى أنها المرة الأولى التي تجيء فيها ولا أكون في انتظارها على الرصيف, لأفتح البوابة الثقيلة وأدفعها بيدي لتعبر, وتسبقني إلى الدرج المكسو بسجاد نبيذي خفيف, حيث أحيط خصريها بيدي, كأنما لأحفظها من الوقوع, متوغلا في نشيد الملامسات.
جلسنا إلى الطاولة, ولم يكن من مشروب لدي. اعرف أنها ساعة التصفيات, وألا مباهج فيها, سوى أن ننهشنا, وأن نعترف بالحدود التي وصلنا, حيث يجرحنا كل شيء.
رفعت عينيها إلي , وحدقت فيهما, ثمة مرارة وكآبة ما في الوجه والعينين, ولم أجزم فيما إذا كان هذا حقيقة أم قناعا.
لعلها لا تزال تحبني, أو أنها تحب ذلك الحب, إن ما يبدو لي تماما, أنها لم تعد تلك المرأة المغرمة التي وقفت أمام زوجها ذات يوم معلنة أنها لن تتخلى عني, كصديق. كانت أخبرتني بذلك ولم يك ليفعل شيئا, كان يعرف أننا نلتقي, ونذهب إلى السينما والحدائق والمحاضرات معا, ويرى صداها في الأغاني التي تصدر عني.
قلت لها هل ترغبين في شيء من الموسيقى, ونهضت إلى الجهاز, جهازها الأحمر الذي زودت به غرفتي من قديم, وضعت فيه شريط كاسيت, وانتظرت واقفا, على أن تسلل خيط من طبيعة معجونة بالصمت والمكابدة, واحتل المكان.
عدت لأجلس قبالتها.. امتدت يداي إلى يديها الممدودتين على الطاولة, وحضنتهما بهدوء لا وزن له, أعدت إلي يدي, ليس كردة فعل, أو إحساس بالخواء بقدر ما أن شيئا ما وخزني فجأة, التفت الى السرير, والمخدة غير البعيدة عن مدى يدي, وسحبت المغلفات.
– إليك ما طلبت.
لم تصدق عيناها, وبينما هي تتصفح الأوراق والصور, كنت أتكلم, وأرى الغرفة قبرا واسعا. فجأة سألتها:
– هل التقينا حقيقة
نظرت في عيني طويلا, ونهضنا في وقت واحد, رمت برأسها على كتفي واحتضنتها, وفي وسط الغرفة, علا نشيجنا المفاجئ, وامتزجت دموعنا بالقبلات المحمومة.
هكذا بكينا علينا للمرة الأخيرة, وأخذت أشياءها, حريصة على إخفاء سعادتها الداخلية.
3
اليوم منحت طوني الطيب معطفي الأسود الطويل, إضافة إلى أشياء أخرى, ذلك المعطف الذي ابتعته في عم ان, قبل عودتي إلى لندن مقيما, ورافقني سنواتي الأربع هنا, كان من الصوف الانجليزي كما تشير ماركته المثبتة أعلى الجيب الداخلي, لكأن هذا المعطف الأسود الطويل, ما قام معي بهذه الرحلة الطويلة أصلا, إلا ليعود على ما يبدو على موطنه الأصلي, مثلما أنا الآخر بدوري, أحاول أن أعود لأبحث عن موطن كان لي يوما.)
هامش
* المقطع الأخير من رواية »الحديقة السرية« تصدر هذا العام عن »دار الآداب«- بيروت
محمد القيسي شاعر وكاتب من فلسطين