نوفل نيّوف
أُشعِلِ الضوء في النهار. في الليل تنقطع الكهرباء. بيتي مليء بالحطب. أذهبُ إلى الغابة. كلُّ شيء أخضر. شديدُ الخضرة. الصمت صخرة جالسةٌ على عنقه حتى السماء. القلم ناشف في اليدين. ما يَنشف الحبر. قلمٌ ويدان، ولا حبر. الحبر القديم لا ينفع. انشقّت الأرض تحته علينا بمنشار… كل هذا الهذيان لا يملأ شبر فراغ على الأرض. مِرجل الحزن لا يَفيض في صفائه وعجزه إلا قطراتٍ من الشِّعر. أُبَلوِر بعض وقودنا الشعوري الباقي. أقع في الصفاء الأسوَد الشفاف. في الشِّعر!
العالم كله عتيد وثابت في قلوبنا. في عواطفنا. ليس خارجَنا شيء. خارجَ غابة النفس والبيت زمنُ الليلك Le temps du lilas الهُلاميّ المديد. العطر كلّه لا يصنع نسمة بُنّ. “ولو أن البُكا يُحيي كُلَيبًا…”. كُلَيبُ مَن يُحيي البُكاء. لم يبقَ في العاصي ماء. جرفته الدموع. تفتح النافذة الصدر. صباح يتبختر في الأغصان والرموش. في أصداء ضجيج بعيد. ترتعش المزهرية الصغيرة بكسرات من الليلك الأبيض. الانتظار المكسور يعزِّي جروحَ نفسه بفائضٍ لا يتّسع له الكلام. نضيع. تتبدّل خرائط الغيم والعيون. من حرير الصمت ينسج السنجاب لعبة الوقت. من صفاء الفوضى تصنع الحركة العجلات. تقع الأيام في حقول ألغام. تتطاير أشلاؤها بنا وتضحك من العابرين. من صهيلها أخرج إلى الصحو. أنتبه. أقرأ ما تكتبين وأفتح النوافذ. لا أجاريك في الكتابة والجود. أذكر غيوم عطر البرتقال في مساءٍ مخرَّم بالمصابيح. كأنك من هناك تقطفين الحروف وتصنعين السلال. صمْت الصباح في الشجر ربيعٌ وحدَه!
شكرًا، أقول لك وأسمع الريح. تغور الأرض. لا تصمد غيمة في السماء ولا كلمة على لسان. ما باقٍ في القِدْر من الماء المغلي قليل. لا يرى السكران والزبانية ما تحت القِدر ومَن حولها من طبّاخين. إن هوَ إلا حرُّ الصيف، يظنّون. رأسُ أعتى الثيران لا يَخرج من السَّلْق قطعةً واحدة. عيد البكاء يومٌ وكلُّ السنة حزيران. أنت الوحيد الصامد على الحائط. في النهار الصيفيِّ الطويل لا تفارق الليل. قبل أن تتكلّم عن المستقبل يجب أن تقع يدك على الحاضر. هل سريرك على أرض؟ من يقدح بيديك الضائعتين النار؟ رجل مهموم بجسد المرأة ومفاتنها على الفيسبوك. يتقطّع قلبي أسىً عليها وعليه. ما يبقى من العمر ما يبقى من الجمر. (…..).. الغبار والغيم… ما يبقى من السماءِ والأرض تعكِّره فتاوى المثقَّفين. رشًّا وبكامل اليقين. في الخراب تنبت، تختلط، تتكاثر وتموت نباتات سامّة. حشرات وأزهار وأفاعٍ. ونحن أيضًا. تنبت وتختلط وتتكاثر. تُفجِّر وتتفجَّر ونموت. وهكذا دواليك.
جبلٌ صخريّ شاهق. منحوتٌ على كتفه القصيّةِ دَرَجٌ حجريّ أبيض. شديدُ الانحدار. عندما يكذب الصديق. لا تجد يمينُك ما تتّكئ عليه إلا الفراغ. أغمِضْ عينيك واهبطْ. ليس لك بَعدُ إلا أن تعود إلى الأرض. تشقُّ الشمسُ الغيم. تنير النافذة. تثقب ظلالُ المعاني والأشجارِ غربالًا. تهبُّ نسمات العصر إيذانًا بالغروب. تُهيج الذاكرةَ وتجرح القلب. عمر الجمال قصير. موّالٌ وحكاية في العشيّات. صوت الغراب حاضر دائمًا. بلا ميعاد. في صديقٍ يخون. في جبلٍ مبتورةٌ يُمنى ذراعيه. في عَكَرِ العزلة المخضوضة بخراب اليقين. بالضجيج المحيط. دودةٌ فيك ترعاك. لم يبقَ منك غيرُها الآن. الشِّعر خادم المجانين. يدخِّن أرواحَهم أراكيل. المُخالِف يبيِّضُ الكُحلُ عينَيه. لا يعود إلى الطاولة إلا سكران. يُدَلِّل الحزنُ الجدارَ الحنون القريب. للأزهارِ والنباتات الشوكية والأعشابِ في البرّيّة شمسُها. نَداها. ونسيمُ الليل. ترتدي جمالَ المزهرية ثوبًا للموت. يسقط ضرسي التالف القديم. لا تتبعه قطرة دم. الثغرة الباقية بعده تأبى أن تمنحني نعمة النسيان. بياضٌ مرشوش على قُبّةٍ سوداء. على قلبٍ عاشق، مغدور. ينكسر زجاجٌ تحتنا إلى الغرب. لا يحدُّ السوادَ بياض. وحدَنا. سرير وحيد. غرفة وحيدة. يُغرق العالمَ لهاثٌ صاخبٌ في بياضٍ أصمّ. تعودني طفولة النسيم في الصباح. وداعٌ أمْ هو الجرح؟ النبع جامدٌ تحت الشمس. يداي ممسحة من غبار. الأبواب المغلقة على الجنة تنادي. لا ينفتح منها باب. الموت فاتحٌ أبوابَ الصيف كلَّها للضيوف. البذار الذي تزرعه تنضج سنابله للحَصاد. ليس أكيدًا ما تناله منه. ثمّة غربانٌ وسنابلُ فارغة ولصوص. عوِّدْ بطنك على الجوع وأعصابَك على الصبر مثل شجيرة في صحراء. كلَّما أخرُج من الموت تلاقيني بالحليب في كأسِ يديها الأخضر. الغيوم قبور جوّالة تنسى وتنهمر على الأرض. ترجع غيومًا وتعود باكية إلى الأرض. العَود الأبدي قلمٌ بكلِّ الألوان. لا يرى نفسه في مرآة. مارغريت ميتشل، أيتها المشحونة حتى عضِّ الأصابع على الريح. تقول الأفعى وهي تأكل النمل الطالع من يدي وتمدّ ليَ التفاحة: فأتبِعْ رأسها الذنَبَ. يُفتَقد الثمين. الباقي يضيع كلُّه غيرَ مأسوفٍ عليه. أين منّي ما أنا حريص عليه!؟ الصباح جريدتي اليومية. أتصفّح فيها الماضي وجْهًا وقَفًا وزواريب. النسيم الفزِع ما قد يجعل رمادًا فحمَ قلبٍ عليل. جمال الجسد نهرُ الروح. لو يدكِ في يدي كلَّ دقيقة لا أموت. تصيح الحكاية في الطابق الأخير من الليل. أفتح عينيّ لتخرج من دروب الآلهة في سماء الشهوات. كن للعِقاب جرّة لا ينضب فيها النبيذ. أنا الخَطّاء لا تجدني أيُّ حقيقة في طريق.
اعذرني، أيها الصبيّ. لكَ أُخبِّئ الزاوية البيضاء الأخيرة في الفؤاد. لا تغسلُ الترابَ دموع. الغربة وليدة الأوهام ومحطِّمتُها. ليست أمَّها. الثقة بالآخرين داءٌ لا نجاةَ من شرِّه. أوهامنا أكبر من طاقتنا على الحمْل. فوق رأسي تَسقُط شجرةٌ ثمارُها في الجذور. أيُّ عزاء! أخسر غصونَها وخضرتها. فَيئها والنسيم. ورأسي أيضًا. لماذا يجب دائمًا أن نأخذ مقابل ما نعطي؟ ألا يمكن أن نبذل ونعطي لأننا قادرون على العطاء؟ لوجه الضمير. حبًّا للآخر. لإنسانيّتنا. التلويح بحلولٍ بسيطة لمشكلات معقّدة أكلُ تبْنٍ يوزَّع منه خبزُ النجاة على الجائعين. في الشارع يقصف اللصُّ العلنيّ شرطيًّا يصدِّق القوانين. -لا أسرق- يقول للشرطي. أرفعُ قبّعات الناس عن رؤوسهم ليحترموك! مشغول بالهباء. ربَّما بهباءِ روحي. بما ليس شغلًا. بما لا ينشغل. الأرض البور تلد الشوك. وتحبّه أيضًا. تنتشر الليلةُ الطويلة معي على سطح الماء ريثما تَبْيَضُّ ثيابُها وأجفّ. افعلْ ما تكره. عاشق الشمس في نوافذ الشجر. في ضجيج العجلات المسرعة إلى الصيف. غارق في انتظار النهار الراحل معك إلى البحر. مجزرةً بعد مجزرة. كذِبًا بعد كذِب. تذهب الشمس وتعود. تبرق الشهوة في العيون ونحن نأكل العشب. أحلام اليقظة شرابٌ ثقيل. شعرة بين جسرين لا تراهما عين. صامتًا يصرخ القلم. أصون قلبي في النار. أتعلّم أن أعيش قتيلًا.