خميس قلم
شاعر عُماني
المنصت
بمَ تريد الطبيعة أن تهمس؟
أطرق مصيخًا لأصواتها:
الحجر، الشجر والطيور، الماء، الرياح، الأغوار والمدارات…
ولا أسمع سوى تردد أنفاسي.
غافة الأبد
حملنا أشلاءها فرعًا فرعًا
فكّكنا أوصالها
كانت جنازة مهيبة، حضرها حتى من لم يكرمه ظلُّها.
الغافة الأمّ
كم قد ربّت العصافير على أكتافها.
وطنٌ دبّت حيوات من الحشرات ونفقت في جذعها.
الغافة حارسة البيت الكبرى
إنها الجنديُّ المتجاهَل
تقي الساكنين من الريح والغبار والنسيان
تحمل ذاكرة الطفولة في فضة أوراقها.
جذذناها إذن، ونحن نبكي عليها في داخلنا
لكن كان لا بدّ مما منه بدّ
ليزدهر الإسمنت.
وحين دقت ساعة الصحو والمحو
حاولنا أن نعتذر لها
مكّنّا أشواكها من جلودنا
وهل ستشفي خربشاتها جراح الندم؟!
الآلة طغت على لحم الغافة
منشارٌ يشرب نفطًا فيعربد في جسدها.
حطابها حانوتيّ فنّان
عاكف على تشريح الشجرة
لا فرق لديه بين كبدها وأمعائها
لا يفكر سوى في نار الشتاء المنتظرة.
زارعها تصدّر التأبين
لم يجرفه الحزن سوى بمقدار ما باحت به عيناه.
فذّ وكتوم.
ومن يستطيع أن يكبح سيل الذكرى الناسل من رائحة برمها؟!
وهناك كُنت نحلةً
زهوري رشفاتٌ أتبرد بها في صهد الحزن
يغسل بكائي الصامت ترابًا تكاثف في حذائي
من غبار السلالات.
متثاقلًا
أسحب معهم أعضاء الغافة إلى المقبرة.
نظرتا الخلود
لا أضرّ ولا أنفع
آخذ الأقل من الورقة (ضميري شجرة)
لأكتب (أقيّد اللحظة)
بقلمٍ لم أكلّفه حبرًا ( المجد للرقميات).
لن أضرّ ولن أنفع
سأدوّن فنائي
(ما حياتي سوى التقاء نظرتين
بينهما ابتسامة).
طفلٌ وكهل (عين مندهشة وعين حانية
ذاب العدم بينهما).
زريابة
العصفورة
المتخفّية بلازوردها الداكن
بين أغصان السمرة المخضرّة
تزقزق
في قلبي.
هجرة
من جنوب الكرة الزرقاء
إلى شمالها
يلاحق العقعق قيظ المواسم
ويخيط فضاء المسافة
بتركوازه.
نظرة: وبندقية مراهقة تتربص لتنقض الخيوط.
بنفسج الجبل
بين أحجار الجبل الشرقي
(وهي منبع الخصب والألوان)
يختال زئبق الماء
محفوفًا بزهور
بنفسجها ساطعٌ فاقع
لا هي مثقلةٌ بصبغة الخزامى
وليست في بلاهة لون الورد الفاضح
(أطمع أن أضعها إكليلًا
على رأس امرأتي)
صدى: هنا، أحنّط الزهر والحجر والماء، لتقاوم أحماض الزمن.
وجهتا نظر
أشرت لصديقي النحّال: ما أبدع هذا الطائر المُكتسي بخضرةٍ غرانيتيّة!
يا لرشاقة جسده المنساب، ومنقاره المتغطرس!
كم أنت محظوظ به في فضائك.
خزرني بخرزتين حائرتين:
“ذاك صائد النحل”.