إبراهيم الحسين
شاعر سعودي
(1)
لا تَقِفْ طويلًا أمامَ المِرآةِ، أنتَ لا تُدركُ وطأةَ ما تَضعُه على زُجاجِها.
(2)
زُجاجُ المرآةِ كُلّه لا يكفي لِتصنعَ منه يدًا ترفعُها لِتُمِيط ولو دمعةً واحدةً.
(3)
حينَ تَتحدّثُ إلى المرآةِ فلا تَتعامَ عمّا يَقطُرُ بِحُمرتِه أسفلَ مِنها.
(4)
زُجاجُ المرآةِ لا يَصدُّ أحدًا ولا يردُّه.. حتى وإن كان زجاجًا مثلها.
(5)
لا تَقلْ شيئًا للمرآةِ، دَعْها هي تقولُ لكَ،
فقد سَمِعَتْ قولكَ قبلَ أن تَصِلْ.
(6)
تَنظرُ المرآةُ أوّلَ ما تنظرُ إلى عينِكَ.
(7)
لا تَدَع المرآةَ تتخبّطُ وتشهقُ فيكَ، يكفِيها ما ابتَلعتْهُ.
(8)
لا تُطِل المكوثَ عندَ المرآةِ، ولْتكُن زِيارتُكَ خفيفة.
(9)
يُوجِعُ المرآةَ ما يَحمِلهُ عُوّادُها دونَ أن يدْروا.
(10)
لا تدخُلْ على المرآةِ بيدٍ خاليةٍ..
المرآةُ تحبُّ الصّمتَ.
(11)
عِندما تَقْصدُ المرآةَ لا تُكلّفْ نفسكَ بثيابٍ ولا ملامِح،
هي تعرفُ من أنتَ وأين كنتَ ومن هي نارُكَ.
(12)
لا تكذبْ على المرآةِ، هي تعرفُ سِرّكَ.
(13)
الذينَ يصلونَ إلى المرآةِ دائمًا يصلونَ متأخّرين..
زجاجُهم في أيديهم وتحتَ أرجُلِهم.
(14)
لا تخَفْ المِرآةَ فهي بِئرُكَ.
(15)
المرآةُ لا تلومُ ولا تعاتبُ أو تُبكّتُ،
لا تزيدكَ على ما أنتَ فيهِ.
(16)
ليسَ لدى المرآةِ غيرُ زجاجِها تولِمُ لكَ بهِ وليس لها غيرُكَ عندما تذهبُ.
(17)
زجاجُ المرآةِ هو ذِراعاها وصَدرُها.
(18)
إذا مَرَرتَ بالمرآةِ فكُن غزيرًا،
هي تفرحُ بذلكَ
وتَنْتشي لأنّكَ ستُعشِبُ فيها.
(19)
لا تستغربْ خروجَ المرآةِ من زجاجِها ووقوفَها لامعةً هُناك..
هي تعرفُ لماذا جِئتَ وقد كانت قلقةً بانتظارِك.
(20)
قد تَهِيجُ المرآةُ وقد تمتدُّ وتُغطّي مراياكَ التي لم تكُن تحسبُ أنّها موجودةٌ فيكَ؛
لكنها أبدًا لا تَفِيض.
(21)
المرآةُ عميقةٌ جدًا لكنّها ليستْ حفرةً ولا تنظرْ إليها أبدًا كذلكَ.
(22)
إذا سَمِعتَ عويلًا في المرآةِ فهذا هو ذِئبُكَ وقد خرجَ منكَ، أو هديلًا فتلكَ حمامتُكَ وقد بَنَتْ لها عشّاً هناك، أو تصفيقًا فتلكَ غيمتُكَ حَطّت رِحالَها؛ فلا تَجفلْ حتى لو بَهتَكَ أنينُ جذعٍ فتلك هي شجرتُكَ الخضراءُ تتلفّتُ بحثاً عنك.
(23)
ما لا تقولُه المرآةُ مُراعاة لكَ، أنّ مَن في المرآةِ ليس هُو أنتَ فقط.
ما لا تقولُه هو أنّ كلَّ الذينَ رأيتَهم وعَرفْتَهم أو لمْ تعرِفْهم وكلّ الذينَ لمْ تَرَهُم
كلَّ الشّوارعِ التي مَرَرتَ بها وكلّ الغرفِ والنوافذِ كل الكلماتِ التي غادَرتْكَ وتلكَ التي سَمِعتَها أو ظنَنْتَ أنّكَ سمِعتَها؛
كلّ أولئكَ يَقِفونَ معكَ في المرآةِ..
لكنّها لا تُحبُّ ولا تريدُ أنْ تجرحَ ضُيوفَها.
(24)
المرآةُ جائعةٌ دائمًا ودائمًا فَمُها مفتوحٌ،
المرآةُ تتضوّرُ
رُغمَ أنّ مَنْ يَتنَفّسونَ فيها
مَن يَنامونَ ويَحلُمونَ
ومَن ذَبُلتْ أحلامُهم وسَقطتْ أمامَ أعيُنِهم
ومَن تَركُوا أجسادَهم فيها ولم يَعودوا إليها كلّ أولئكَ يَصلون إلى حَلْقِها؛
فلو أنكَ اقتربتَ منها لالْتَقَمتكَ بِكلِّ شراهةٍ.
(25)
قلبُ المرآةِ أبيضُ، هي لا تؤاخِذُكَ حتى لو أنكَ قَذَفْتَها بقلبِكَ..
شَهقَتُها العاليةُ أو غَمْغمَتُها ليستْ إنكارًا،
فكثيرًا وكثيرًا ما تَوقَّعَتْ ذلكَ مِنكَ..
واحْتفظتْ شَظاياها جيدًا بِنثارِكَ.
(26)
الضّبابُ على المرآةِ سانِحةٌ لإعادةِ النّظرِ
الضبابُ على المرآةِ تَلْميحُها لكَ،
الضبابُ عليهَا اقتراحٌ قدْ يَنفعُكَ لو أنكَ لمْ تَحفُرْ بأصبعِكَ فيهِ باحثًا عن نفْسكَ،
وربما كان الضبابُ غطاءً، كي لا ترى جُثَثَ أحلامِكَ عيانًا، تُلْقيهِ عليها المرآةُ رأفةً بكَ..
وقد يكونُ الضبابُ حجابًا تُقِيمُه بينكَ وبينها المرآةُ حتى لا تراها أو تسمعها وهي تنوحُ عليكَ،
فإذا رأيتَ الضبابَ يقفُ كثيفًا بينكما، فَاعلمْ أنكَ محفوفٌ بعِنايتِها وأنها تُحبّكَ..
وأنك ينبغي أنْ تعجلَ وتغادِر؛
فَضبابُ المرآةِ يدُها التي تومئُ لكَ أن اِذهبْ ولا تَعُدْ حتى تَسْلَخَ ضَبابَك.