ترجمة- محمد حجي محمد
شاعر ومترجم مغربي
ولدت الشاعرة الأرجنتينية كارولينا ثاموديو في كوروثو كواتْيا، بمقاطعة كوريينتيس (الأرجنتين) سنة 1973. وهي صحفية وكاتبة مقالات. درست الصحافة في الجامعة الكاثوليكية بالأرجنتين. نالت الماجستير في الاتصال المؤسساتي والشؤون العامة من جامعة الأرجنتين دي لا إمبريسا.
عملت لأكثر من خمسة عشر عامًا كصحفية إذاعية في بلدها الأصلي سواء في إذاعة راديو ميتري، أو راديو إل موندو، أو راديو إل كرونيستا. عاشت في الإمارات العربية المتحدة، وسويسرا، وكولومبيا، واستقرت أخيرا في مونتيفيديو بالأوروغواي. تشغل حاليا مهمة مديرة مؤسسة إيستيروس الثقافية التي كانت قد أسستها مؤخرا في الأوروغواي؛ وهي مؤسسة غير ربحية تشارك في تدبير شؤونها نخبة من الكتاب والشعراء.
تُعَدُّ كارولينا ثاموديو واحدة من أهم شعراء جيلها في المشهد الشعري الأرجنتيني الراهن، وأحد أكثر الأصوات الواعدة في الشعر الأمريكي اللاتيني الجديد. شاركت في عدة مهرجانات شعرية عالمية بكولومبيا، والولايات المتحدة، وبيرو، وكوبا، وإسبانيا، والإكوادور، والأرجنتين، وفرنسا، والمغرب، ودول أخرى. تكتب أشعارها انطلاقا من رؤية وجودية، وجمالية خاصة، وتنسج أبياتها الشعرية كما تنسج العناكب خيوطها المتشابكة. ثمة جروح وألم في نصوصها، وثمة موت يأتي أحيانا ويدمر كل شيء. صوتها يسأل ويتوق أحيانا، وأحيانا يحتج بقسوة، ويثني على كائنات من خيال. الليل في قصائدها شخصية غنائية قد تختفي من الوجود، لكنها سرعان ما تعود في صورة جسد، أو عصب، أو ألم .
بلغة غنائيةٍ ومجردةٍ ترسمُ قصائدُهَا عالمًا من المفارقات يتواجه فيه نوعان من الزمنية وهما حسب أوليفييه ليكريفان: “زمنية مألوفة، وعابرة تتعلق بدورة الأيام، والليالي والفصول، وأخرى مُجمَّدة كالانتظار غير المؤكد لوحي الكتابة؛ إذ يمكن للقُبلة، أو لمسة الريح، أو ظهور دمعة في العين، أن تفضي إلى وميض. إنه عالم خاضع لمنطق الأحلام المفكك والعنيد نستكشفها فيه؛ حيث يشردُ المعنى، وتعجُّ بالإشارات الغامضة الأشياء.
هناك قد نلتقي بأشباح ودية وحزينة، فتنفصم شخصيةُ الحالمِ بشكل مزدوج فيرى نفسه وهو يحلم؛ هناك حيث ينفصل الشاعر عن جسده، ويتجرّد من إبداعه، وكأنه مجرد أداة تمر من خلالها الأفكار التي يعبر عنها، وليس هو مُؤَلّفها. في هذا العالم المتحرك الذي يتداخل فيه النهار والليل، ويتبادل الداخل والخارج مواقعهما مثلما يُقْلَبُ الثوبُ؛ فيصبح داخله خارجه، وخارجه داخله، قد نسعى إلى ملاذ يتحقَّق في بيتٍ أو أرجوحةٍ شبكية. قد نتوق إلى المجهول، فينفطر القلب من رؤيتنا ونحن نتخلى عما نعرفه. قد نُلقي نظرة استرجاعية على الحياة اليومية التي تستبق الوداعَ، عِلْمًا أن ما سيأتي يومًا ما، سيكون مذهلًا، ورهيبًا في الآن نفسه؛ عِيدُ الغِطاس الذي سيفرض تجلّي الفوضى العارمة، ويكشفُ جمالها، أو ربما هو الموت بكل بساطة، مثل صحوةٍ مضيئةٍ في نهاية حلم ظَلِيل. لا نخرج من قراءة قصائدها سالمين؛ لأن طقوسها الشعرية سحرية للغاية، وتعلمنا كيف ننظر إلى ما وراء الحظ”.
صدرت للشاعرة الأعمال التالية: “اقتفاء أثر الريح” 2013، “عتمة ما يلتمع” 2015، “طقوس الحظ ” 2017، “نظرية الجمال وقصائد أخرى” 2017، “خجل الأشجار” 2018، “اليقينيات هي للشمس”2021.
حصلت كارولينا ثاموديو على عدة جوائز منها: جائزة الطلبة الجامعيين للقرن الـ 21، وجائزة مدينة تريليو ومجلس شيوخ الأمة 2017.
الرِّيحُ تتعرَّفُ مِنْهَا على ملامِحَ
امرَأَةٌ تَمْشِي على حافة النَّهْرِ
تَدُوسُ كُلَّ حَجَرٍ أثناء عُبُورِهَا،
تَشْعُرُ بِخشونَةِ المَعْدِن
دَاخِلَ ذَاتِهَا،
الرِّيحُ تَتَعَرَّفُ منها عَلَى مَلاَمِحَ
وتَتَعَرَّى مِنْ قُوَّتِهَا
كي تُبْدِي للمَرْأَةِ فِي النَّهْرِ ظِّلَّهَا
الذي يَتَحَرَّكُ جنبَ الطَّرِيقِ
وَيبَسِ الحَجَر.
التَّبَادُلُ رِيحٌ ونَهْرُ
نُورٌ وَامْرَأَةٌ وَحَجَرٌ.
يَتَعَرَّفُ الوَاحِدُ وُجُودَه الذاتيَّ
عبْرَ الحَيَاةِ فِي الآخرِ
أَمَامَ المُتَفَرِّد: الوقت.
دُونَمَا الرِّيحِ النَّهْرُ مِرْآةٌ
ودُونَما الأحْجَارِ ستكون المَرْأَةُ
جَسَدًا بِلَا طُرُقاتٍ
حِينَمَا كُنَّا حبَّاتِ رَمْل
العُيُونُ مُسَمَّرَةٌ فِي الكِتَابِ
مثلَ الغَوَّاصِ الذِي يَحْتفِظُ بالهَوَاءِ
بَحْثًا عَنِ الطَّرِيدَةِ.
يُقولونَ إِنَّ الشَّمْسَ تَضَعُهُما
في الخَلْفِ وتَتْرُكُ آثَارًا،
وأنَا أَسْبَحُ في خَطِّ بلا وِجْهَةٍ،
أَتَذَكَّرُ حَيَوَاتٍ مَاضِيَةً
كَانَ الإنسانُ فِيهَا سَمَكةً
وَكنتُ أَنَا تِذكَارَ مَغْنَمِهِ. لم يَكُنْ بَعْدُ يَعْلَمُ إِلاَّ القَلِيلَ
عَنِ حركاتِ المَدِّ والجزرِ أوْ عنْ طُعُومِ الصَّيدِ،
وحتَّى قَبْلَ ذلك، حينَمَا كُنّا
حَبَّاتِ رَمْلٍ يَخْتَلِطُ
بَعْضُهَا بِبَعْضٍ- كما الحالُ الآن-
وهي تَنْفَصِلُ عَنْ هَذَا البَحْرِ
في جَنُوبِ العَالمِ
لكيْ تصِلَ إلى الصَّفحَةِ.
جزيرة مقفرة
لاَ تُبْحِرْ فِي بِحَارِي،
آخَرُونَ فَعَلَوا ذَلِكَ وَغَرِقُوا.
تستطيعُ أنْ تَرَانِي مِنَ الشَّاطِئِ أُرْتَفعُ
-أحيانًا أستطيعُ تحقيقَ ذلكَ-
هيَ خُدعةٌ غيرُ مُكتسَبةٍ. أتركُ لكَ
على أيِّ حالٍ أنْ تَنظُرَ إلى
ذلك الشُّسوعِ الذي ليسَ أنَا ولستُ أتملَّكُهُ
وَهُوَ يَمْتَدُّ جانبا فَوقَ السَّاقِ
المثنية التي تَستريحُ عَلَيْهَا
دونما عِبْءٍ اليدُ اليُسرى.
ألا تسمعُ هديرَ الأمواجِ
في قلبكَ؟
في الرَّمْلِ الأبْيَضِ لِمُلاَءَةٍ
ينامُ المحيطُ مُتَوحِّدًا.
عزيزي، ثَمَّةَ ألف طريقةٍ للنجاةِ
مِنْ عواصف حُبّي.
أنا أنام وأحلمُ أني أفترسُ
كلَّ السَّوَاحِلِ وأَهْوِي
في طُمَأنينَةِ
جزيرةٍ مقفرةٍ.
عَبْرَ بَابٍ قَديمٍ
فَلتَكُنْ طُقُوسُ الحُبِّ
تَوْدِيعَات صَغِيرَة.
تَجْعَلُ تَجَدُّدَ الولادةِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ
أَمْرًا مَحْتُومًا
يَبْنِي الآتي مِنْ كُلِّ خطوَةٍ
تَمَّ الإقبالُ عَلَيْهَا مِن قَبْلُ بَقَايَا،
يَدٌ ما بينَ العِطْرِ الآخرِ
لِأشَجَارِ اللَّوْزِ في الفَمِ،
يُعْتِمُ الوقتُ قَليلًا فِي الأَجْسَادِ
أبديًّا يصِيرُ الجلدُ،
الذي فوقَ الجسورِ، ينسلخُ عن حقيقتهِ.
احتكاكاتٌ باللحظة الزائلة،
هي في الاتصال حينما تخلق
الحياةُ سيمفونيةً أخرى رقيقةً -هي ذاتها-،
يتعرَّفُ عليها اثنان فقط.
ينظر التَّنَفُّسُ إلى لحظاتِ صمتهِ،
لن يعودَ العشَّاقُ أبدًا
من الشَّكلِ الفريدِ لذلكَ الانصهار،
الطقوسُ التي يَعْقِدُها الحظُّ
تتلمَّسُ في الظلمةِ المستعادةِ.
ينبلجُ الفجرُ ويغادِرُ المَحْبُوبُ
عبرَ بابٍ قديمٍ،
أُعِيدَ بِنَاؤُه على المَقاسِ،
وتَمَّ دَفْعُهُ بِالقُوَّةِ
مِنْ قِبَلِ بَحْرٍ حَائِرٍ في العُمْقِ.
تخطيطات لبورتريه ذاتي
لم يُعْطَ لنا أيُّ سيناريو
حدَسْتُ عندَ وِلاَدَتِي أَنَّ الفِردوسَ مُحَرَّمٌ عليَّ
أَضَاءَ استعجالُ الوِلَادَةِ
طَرِيقًا مغمورًا في ظِلاَلٍ
ضوءٌ منعكسٌ من الجُرْأَةِ يَضَعُنِي فِي تُخُومٍ
هُنَالكَ؛ حَيْثُ تَمْضِي اللَّيَالِي
منتصبةً أو مُنْحَنِيَةً.
ولَمْ تُعْطَ لَنَا أَيضًا نِهَايَةٌ.
أَهْرُبُ مِنَ الفِرْدَوْسِ
أَنْكَبُّ بإخلاصٍ على نِضَالِ الرِّجَال
الذي هُوَ انْعِدَامٌ لِليَقِينِ
الرنِينِ الخَافِتِ لِكلماتٍ
العَقلِ أو الحُبِّ بِحَسَبِ يَومِ
الاتفاقِ الهَشِّ
للسَّعَادَةِ.
وهَكَذا عِنْدَ كل غُرُوب
” أنظر إلى الغروب الأخير
وأستمع إلى الطائر الأخير
أورثُ العدمَ للا أحد”
خورخي لويس بورخيس
وَحِيدَةٌ وَمُثْقَلَةٌ بِحُزْنِهَا،
جَان دَارْك فِي المَنَاطِقِ الاسْتِوَائِيَةِ
نَبْتَةٌ جَدِيدةٌ يَابِسَةٌ.
جُمْلَةٌ خرسَاءُ تَرْنُو فِي حَيْرَةٍ
إلى غُرُوبِ الشَّمْسِ بَحْثًا عَنْ نَارٍ تَحْتَرِقُ فِيهَا.
سَوْفَ تَسْرِقُ قُرْصَانًا يَحْمِلُهَا بَيْنَ ذِرَاعَيْهِ
لِكيْ تسْتَعِيدَ الفَضِيلَةَ وَالحُمَيّا،
سَوفَ تَغْرِسُ بَعْضَ الأسْحَارِ فِي أرواحٍ خِصْبَةٍ
سَوفَ تَحْفرُ الجِرَاحَ بِمَاءٍ لَعِينٍ
وسوفَ تُسَرِّجُ الشَّرَاشِفَ بمَسَامِيرَ وتغطي ذاتَهَا حَتّى الوَجْه.
سَوفَ تَفِرُّ، في وقْتٍ غيرِ مُنَاسِبٍ، مِنَ المَسْكَنِ
الذِي يَنْظُرُ إِلى المُحِيطِ
لِلِّقاءِ بِألفونسينا.
وَهَكَذَا عِنْدَ كُلِ غروبٍ
خَلْفَ الأَشْجَار
مَسَاءَاتٌ عَذْبَةٌ للكستناء المُحَمَّصِ
أنظرُ إلى الخريفِ مِنَ النَّافذةِ،
وأرَى مُرُورَ
الطريقِ حتَّى هنا.
– لَقْطَةٌ ضَائِعَةٌ، خيطُ تسريجٍ بِغُرَزٍ مَدِيدَةٍ-
الصُّدْفَةُ تَحْمِلُنِي بِشَكْلٍ مُبْهَمٍ، تَسحبُ بشكلٍ متتابعٍ
اللَّوْحَةَ اللامُكتملةَ وتَحجزُ اللحظةَ:
“لا تَتجَرَّأ على الحديثِ إليَّ”.
اللَّيْلُ يَتَلاشى خَلْفَ الأشجاِرِ العاريةِ من زينتَها
وأنا أعلَمُ فقط أنَّ هذا المساءَ سَيَصِيرُ لونُهُ أمْغَرَ
وهو يُدَحْرِجُ سلسلة شكوكهِ
حينما يَغْدو في الأمامِ
هل البحرُ، والصحراءُ، وسهول البامبا؟
لوحةُ خلطِ الألوانِ تُبَدِّدُ العَاجَ
تُحوِّله إلى ذكرياتٍ.
كلمَةٌ قديمَةٌ مَا حَادَّةٌ،
هذا الصَّمْتُ العميقُ للبيْتِ،
كُلُّهُ سَوفَ يَأتِي؟
طقسٌ جديدٌ
اللَّوْحَةُ التي أُتْمِمُهَا اليَومَ
مُنْذُ زمنٍ، لم تكن أنا،
قبْلَ فُرَشِ الرَّسْمِ
ولا يدَيَّ قَبلَ لَوْحَةِ خَلْطِ الأَلْوَانِ.
مِثل هَذِهِ الكَلِمَات التي بَعْدُ
لا تُوجَدُ لكنها ترْغَبُ
فِي عُذُوبَةِ النبيذِ في الفَمِ
خلالَ ليلةٍ ما، أجل هي -وأعلم ذلك من الغَضَبِ في الخارج-
الملائكةُ الَّتِي تَحرُسُ أحلامَ الصَّبايَا
بينما الأمُّ ترْسمُ، بينما الأم تُبدِعُ
والأبُ يجتازُ مُحيطًا
دونَ أن يَطلب أيَّ مقابلٍ لذلك
يُبْحِرُ في هواءِ النِّسْيَانِ
يتَوقع بردًا لا يتسَكَّعُ هنا.
رُبَّما غدًا سَنُعْلِي شَجَرَةً
رغبةً، رُبَّمَا سنَلْتَمسُ أُيْضًا
أن ترقصَ الصَّبايا داعيَاتٍ إلى حفلٍ
سوف تحدثهنَّ الأمُّ عن الأيَّامِ الخوالي هنالك
سَوفَ يَعُودُ الأبُ نَخْبًا
سَوْفَ تُعَلَّقُ اللَّوْحَةُ، وَتُشْعَلُ مِدْفئةُ الحَطَبِ
سوفَ يَبْدَأُ طقسٌ يَجْتازُ مُحيطاتٍ
طقسٌ جديدٌ، لم يكنْ موجودًا من قبلُ.
نظرية حولَ الجمال
الجمالُ لاَ تَسَعُهُ
قطعةٌ من وَرق
لكن أجل تَسَعُهُ العُيونُ. كَما لو تمَّ ضبطُ
فتحةِ عدَسَةٍ
مِنَ الخَلفِ.
ليسَ في طرف اللسان
في الأقاصِي.
يسعُهُ الهواءُ
حينَمَا يحْتَضِنُ الكائنَ.
يُمكنُ الإمساكُ بالجمالِ
في صمتٍ عندماَ يَتِّمُ إلقاءُ الجسد
مِنَ الخلفِ، في ذلك حيث يكون
تجميعًا للخصالِ التي كانَ عَلَيها
والجَمال الذي يجلله.
الجَمَالُ يَسْكنُ في العتمة
الهِبَة التي قد مُنِحْنَاهَا خفيَّة
القِشْرَةُ التي تتمُّ إزالتُهَا
الجميلُ.. نِهَايَةٌ فارغةٌ من البداياتِ
تولَدُ في الجزءِ الأخيرِ مِنَ الرَّغبة القادمة.
الجمال يُعانِقُ نورَ الموتِ
أو يُحرِّرُ سديمَ الحياةِ.
نور ظلالي
I
رُبَّمَا أَلقاكَ مرَّةً أخرى، يا نورَ ظِلَالِي
وكَمَا الرِّيحُ العَابِرةُ وُلِدْتَ
تَلْمَسُ كَتِفِي
– فلتكن مايو، يا بوينوس آيريس-
نفسًا جديدًا مُحَمَّلا بالحُدُودِ المرئيةِ التي نُسَمِّيهَا مَسْكَنًا
ولتكن الموسيقى تيارًا أليفًا يحمينَا من العَالمِ
صمتنا: قُطْبَا مغناطيسٍ.
فلنَدُسِ العُشبَ أو فلتَغْمُرنا الأمواجُ
فلتكنِ الصَّبَايَا أصواتًا تَتَحَوَّلُ عِنَاقَاتٍ
ولنعرف أنَّناَ صِرْنَا فَقَطْ ما استَطَعْناَ
مُبَكِّرًا أو في سبتٍ، وهو شيء يبدو من خلفنا
عودةً إلى البدء.
رُبَّمَا لا يكونُ أيار، باستثناء بوينوس آيريس
ولم يتبقَّ لي كتف حيثُ تُسْنِدُ يدكَ
لكن كُنْ مجَرَّةَ مَركبٍ تُبحرُ
في نهرٍ من ضوءٍ.
II
اليَوْمُ بَدَلَ ذلكَ أريد أن أكونَ تلك الجمرةَ التي تُحْرقُكَ
مثل خَطِّ الفِضَّةِ الرفيعِ الذي يُباغتُ البَحْرَ
خَلْفَ الأفقِ العاصفةِ
لكني حالكةٌ
أطفئُكَ بهذا المُعتِمِ الذي يملأ
أتخبَّطُ بَيْنَ ما يُقَوِّي وبين ما يَكبحُ
أَمْضِي أَناَ تِلكَ الأَفعى التي تَزْحَفُ
تحمِلُ في جِلْدِها ما يُفَتِّتهُ الطريقُ
عمق بئرٍ
نهر مِنْ سُيُولٍ جَارِفةٍ
ريحٌ تَسْلُبُ السَّكينةَ التي كُنتَ قَدْ مُنِحْتَ إِيّاها
سكينة كانت تكتفي بتذويب
الصَّمتِ الذي يعيشُ في منتصفِ شفتيك.
وإنْ كنتُ أستطيعُ أن أكونَ العدمَ الذي تختارُ لي أن أكونَهُ
والذي أحيانًا بحُجَّةٍ لا ريبَ فيها أكونُهُ
لا أَكُونه، وأنتَ لا تَكونه.
ترسيخ الجذور
قد تكونُ شجرة بلوطٍ
بعبقِ الأوكاليبتوس،
وجذورُهَا أغصانٌ
تثبِّتُ بِقُوَّةٍ عُمْقًا
مثلما تُلامسُ قُبَّةً.
مَنَافٍ أكِيدَة
ولا مَفاخرَ بُطُولية لي
البيتُ سَاحَةُ مَعْرَكَةٍ
والجسد هو البيتُ.
والرُّوحُ
تَسْكُنُها نَفسٌ وفراغٌ.
أحيانًا في الصَّمْتِ المُختالِ
الذي يَتكهَّنُ بِالأَحْلاَمِ
أتوقفُ أَمَامَ ذَاتِي وَألتَمِسُ.
غالبًا مَا أَسْتجِيبُ لذَاتِي.
رُبَّمَا سأغرسُ يومًا شجرةً
هنالكَ حيثُ تَمُوتُ الكَلِمَاتُ.
والآنَ سَأَكْتَفِي بأَنْ أكونَ دُرَّاقًا،
وأن تُمَزِّقي أَنْتِ قِشْرَتَهُ، يا ابنة أرضٍ
تَجْعَلُني أنمو كثيرًا مثلما تَستنْفِدُنِي
غصنًا مِنْ جذعٍ يَتَنَسَّلُ مُتثاقلًا
ثمرة لِثَمَرةِ غُصنٍ ولأغصانٍ أخرى
تَنْمُو بغيرِ انتظامٍ بشَكلٍ غزيرٍ.
يا بُسْتَانِيةُ الاجتثاثِ
رُبَّمَا
سأغرسُ أنا في يومٍ ما تلكَ الشَّجَرة.
دونما شبكة
في أرضِ الفراشاتِ
لأجل مطاردةِ القياساتِ الفاسدة.
دونما شبكة.
لليل شرفةٌ
تطلُّ عَلَى الدَّاخِل.
ألجُ إليها أحيانًا.
أعشقُ الصَّمْتَ الذي يَجْعلُ البيتَ
يَنامُ، وأَنا
متأججةٌ بالكاملِ
ذواتٌ مُتعددةٌ، لا أحد،
من الخارج نحو جلبَةٍ فريدةٍ
تُجَمِّدُ كل شيء
وتَسْكُبُهُ.
أيُّها اللَّيْلُ: مَمَّرَاتكَ تكشِفُ لي
اللانهاية
وتلكَ الأنا.
والآخرونَ يترنَّحون.